الخميس، 30 يونيو 2016

أقبّل عينيك يا ويليام والاس

أقبّل عينيك يا ويليام والاس


أحمد عمر
كان زميلي الشاب نوري يقلّب العواصم والأمصار مثل ورق الكوتشينة، ثم استقرت حمامة "الريموت كونترول" على فيلم "القلب الشجاع"، وقال: هذا فيلمك المفضل، يا خال، فوجدت نفسي مثل كل مرة عالقاً في عسل الفيلم. 
عند تأسيس البريد الإلكتروني، تسأل الشبكة الصابئ إليها أسئلةً، منها سؤالٌ عن فيلمه المفضل. 
لو كان مخترع البريد الإلكتروني عربياً لسأل سؤالاً مختلفاً، مثلاً: ما هو بيتك الشعري المفضل؟ قال نوري: ولو كان كردياً خال..؟ 
قلت أظنُّ أنّ الأكراد لا يخترعون سوى الأغاني الحزينة وأساليب القتال. 
شرحت لنوري أسباب ولعي بالفيلم الطويل، فمدته ثلاث ساعات ودقيقتان: ملحمةٌ وطنيةٌ وقصة حب تاريخية. موسيقى الفيلم وتصويره بديعان. 
 ذكرت له أني أحبُّ مشهد أول هجوم للقلب الشجاع على الحصن، انتقاماً لعروسه التي ذبحت بيد اللورد الإنكليزي، وأحبُّ فيه لحظات تحديق الكاميرا البطيئة القريبة بخطم الحصان، ولحظات الترقب الكثيف، ثم مشهد الانتقام وسحل اللورد وذبحه. هتف نوري عند ذبح اللورد الذي وصلنا إليه: آكل عينيك يا ويلياااام.
 الكرد يجوّزون أكل عيون المحبوب، بلاغةً على الحب الشديد، عوضاً عن تقبيلها. 
قال لي: خال، هذا ليس رجلاً... إنه روح الرجال. 
قال نوري: أما أنا فأحبُّ مشهد انتقام الأميرة إليزابيت من الرقبة الطويلة، وهذا تصحيف مقصود من نوري بين الملك إدوارد الأول الملقب بالساقين الطويلتين وبشار الأسد الملقب بالرقبة الطويلة. 
وصلنا إلى المشهد، فهتف نوري: آكلُ عينيكِ يا حلوة.. هذه ليست عروساً، إنها روح الأنوثة والجمال. نوري يحب مشاهد الحماسة في الفيلم والحبّ والعشق. 
قلت: الفيلم من إنتاج سنة 1995، وحائز على خمس أوسكارات، يا سبعي. جيبسون ممثل قدير، والعجيب أنه لم يحصل على جائزة أفضل تمثيل، وهو صاحب أكبر تفاحة آدم رأيتها في حياتي. 
الرجل يعبّر عن فجيعته ببلع غصته القاسية، الغصّة بدأت بأكل تفاحة الخلد يا سبعي، وأحب أسلوبه في التفاوض، إذ يقول للمحتلين: آن أن تعتذروا من كل بيت نهبتموه، وعلى قائدكم وضع ذيله بين رجليه والاعتذار من جيشي، وأحبّ خطبته في المعركة، وهو يهتف لشعبه: ستعودون إلى بيوتكم وتعيشون، ثم تموتون. وعلى الفراش ستتمنون لو حظيتم بفرصة واحدة، فرصة واحدة فقط للحصول على الحرية، ثم يهتف مثل طارق بن زياد: فريدوووووووووم. 
هتف نوري: آزاااااادي... آكل عينيك يا ويليام.. أنت روح الرجال. 
أحسب أنّ ميل جيبسون مسيحي تقي، فقد مثل لاحقاً فيلم آلام المسيح في سنة 2004، لكن مشهد تعذيب ويليام والاس أكثر إبداعاً من مشهد تعذيب المسيح في "آلام المسيح" الذي يتكرّر في أفلامه بتأويلاتٍ متفرقة.
رصدت مراكز الرقابة أنّ آلام المسيح هو أكثر الأفلام ربحاً في العالم، ونرى النزعة المسيحانية في فيلم أبو كاليبتو أيضاً، وهو فيلم لم يستطع إخفاء نزعتين أصليتين في الأفلام الأميركية؛ هوليوودية واستعلائية، هما خيط المطاردة في الحبكة ونزعة الأميركي المخلص.. 
قلت لنوري: جيبسون سخر من الذين يعملون عمل قوم لوط علناً، وهم في أميركا بالملايين، فصار عدواً لهم، ورفعوا دعاوى عليه. وصلنا إلى المشهد الدامي الذي فيه يقذف "الساقان الطويلتان" الحليوة فيليب، عشيق ابنه، من أعلى البرج، فيهمُّ وليّ العهد بقتل أبيه غضباً. 
نوري: قسماً بالله، لم أكن منتبها أنّ الأميرَ طنبورةٌ. ثم شتمه، وبصق على التلفزيون، وهتف مستحسناً العقوبة، وخالطا بين بشار الأسد وإدوارد الأول: آكل عينيك يا زرافة البراميل. 
وصلنا إلى مشهد التعذيب والصلب المسيحي في الفيلم، والجلّاد يخلع ويليام والاس، ثم يصلبه، ثم يبقر بطنه، حتى يرغمه على استجداء الرحمة. 
رأى نوري دموعاً في عينيَّ، فاقترب وانحنى على صفحتي الزرقاء، فرأى صورة الإعلامي خالد عيسى محدودةً بشريطٍ أسود، وأمُّه تندبه باكية وتتباهى به: "صار اسمك شهيد، الله يهنيك، يا أمي، باسمك الجديد".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق