نسخة عصرية لأحكام قراقوش المصرية
في واحدة من أعجب الظواهر في عصر الحريات الكونية، يصر البعض على استحضار مدرسة الماضي القمعية في ممارسات سياسية تدور في فلك أزمة لا يراد لها أن تنتهي بحلول توافقية على الأقل وبما من شأنه ضمان الخروج بأقل الخسائر! فإصرار النظام العسكري المصري على استعراض قوته عبر محاكمات هزلية أمر يثير الأسى والغثيان بآن واحد، لقد أضحت أحكام الإعدام الجماعية أمرا معتادا وحالة روتينية، في بلد مثل مصر يمتلك مقومات حضارية وإنسانية لا تليق بسمعته ولا بكرامة شعبه الأصيل مثل تلك الأساليب التي أكل عليها الدهر وشرب! ، فالحكم بالإعدام والمؤبد وبكل العقوبات المتوفرة على الرئيس المصري الشرعي والمنتخب د. محمد مرسي لا يسيء فقط للعدالة بمعناها العام، بل يسيء لقضاء مصر الشامخ ولسمعة مصر بين أمم الأرض، فتخبط عسكر الانقلاب قد تجاوز كل المديات المعقولة! ، وقوافل المعتقلين والمحكومين بأحكام قضائية قاسية وانتقامية منذ الانقلاب العسكري صيف عام 2013، قد جعل الأوضاع المصرية العامة تعيش تدهورا عاما انعكس على وضعية البلد التي دخلت في عنق زجاجة وفي وضع حرج بات يأكل إمكانات مصر التي تدهورت في مختلف المجالات، وضمن مسلسل تشويه السمعة، وتجاوز ملفات فضائح الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان، واستسهال السلطة لسفك دماء المصريين ومن أجل تبرير وشرعنة الانقلاب، فقد بدأ مسلسل المحاكمات لقيادات النظام السابق وعلى رأسهم الرئيس محمد مرسي الذي حكم عليه بالإعدام ثم عرض مؤخرا أمام القضاء في قضية مثيرة للسخرية فعلا وهي قضية ما يسمى بالتخابر مع دولة قطر!!
في ملف تلفيقي وفبركة واضحة وضمن أسلوب لتصفية الحسابات السياسية بطريقة رثة. لقد حكم على الرئيس مرسي بالمؤبد! كما تم الحكم على صحفيين بالإعدام! في قضية ملفقة أصلا تذكرنا بأحكام قراقوش! فما الذي يمكن لمرسي أن يقدم من معلومات مؤذية للأمن القومي المصري لدولة قطر؟ ثم هل أن قطر دولة معادية وتهدف لتدمير مصر واقتصادها وأمنها! أم أنها صاحبة مشروع تنموي طموح لا يهدف إلا لخير مصر والعرب أجمعين؟
ما هذا المنطق في تشويه الأمور والملفات وتقديمها على غير حقيقتها، وما هذا الاستهزاء بل واللعب بملفات الأمن القومي لصالح مصالح معينة هدفها خلط الأوراق، وتشويه المواقف وفي عرض ميتافيزيقي لأردأ أنواع التهريج السياسي!
لقد أدان العالم أجمع مذبحة الحريات في مصر والتي تصاعدت بأحكام قراقوشية وبإعدامات بالجملة ووفق ملفات اتهام عائمة وملفقة ذات أبعاد سياسية واضحة، تاريخيا فإن تجربة نصف القرن الأخير من زمن العسكر حفل بمواقف وتحولات دراماتيكية مؤلمة، فرئيس مصر الأول بعد انقلاب يوليو 1952 اللواء محمد نجيب تعرض لإذلال ومهانة كبرى وأخرجوا اسمه من دفاتر التاريخ بعد أن امتهنوا كرامته وتنكروا لتضحياته ودوره التاريخي لمجرد أنه دعا لبناء مصر ديمقراطية حرة بعيدة عن قبضة العسكر، فدفع ثمنا غاليا ولم ينصفه سوى التاريخ الذي أعاد اعتباره، ولكن للأسف لم يتعظ البعض من تجارب الماضي المؤلمة، ولم يحفظوا للشعب المصري تضحياته ودمائه المستمرة فصولا ملحمية في الدفاع عن الحرية وعن قيم الثورة الشعبية التي اغتصبها الطغاة، وها هم يمارسون اليوم ساديتهم التي لم تطفئها دماء المصريين المسفوكة في رابعة وشوارع مصر المحروسة، بل امتدت لمجازر قضائية وقانونية باتت تشكل غيمة سوداء من شأنها تدمير النسيج الحيوي للمجتمع المصري، محاولات شيطنة المعارضة الشعبية وتلفيق وفبركة الملفات وتشويه مواقف بعض الدول العربية أو الأطراف التي تقف مع الشعب المصري في محنته أمور لن تؤدي لانفراج الأوضاع المصرية المتأزمة، فالأزمة في عمقها تتعلق بتجاوز الشرعية والتعدي على خيارات الشعب، والتعدي على أهداف الثورة الشعبية المصرية، نظام متأزم ينتقل من فشل لكوارث أكبر لن تنفعه محاكمات قراقوشية بائسة هي بمثابة كوميديا سوداء، لابد في النهاية لفجر الحرية من أن يبزغ في مصر المحروسة، وأحكام الإعدام بكل تأكيد لن تجد مجالها للتنفيذ الميداني!
إنها مجرد سيف مشهر لإرهاب الناس وفرض القمع، وهو تصرف بائس لنظام بائس يتخبط في إدارة ملفاته الصعبة ومنها ملف "سد النهضة" الإثيوبي الذي يشكل التهديد الحقيقي للأمن القومي والغذائي والحيوي المصري!
أما المحاكمات الهزلية فهي فصل عابر، إنها قصة شعب مصر الذي يصارع البلوى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق