الأحد، 19 يونيو 2016

وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين..

وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين..

إذا حورب الدين فلا رخصة لأحد:"سيد قطب"
سيد قطب بين ضباط أمن الدولة وشيوخ أمن الدولة ومثقفي أمن الدولة
كم سيدٍ متفضلٍ قد سـبـه ...  من لا يـساوي غرزةً في نعلهَ..
***
***
***
منى الشاذلي- محمد إبراهيم مبروك- خالد منتصر- فيصل القاسم- جمال البنا- ف.ح- م.س.

هل رأي أحد منكم طفلا يولد في الخمسين من عمره؟!!
أو رأى وليدا ينزل من رحم أمه مكتمل الصحة والرجولة والأعضاء والشر؟!..
حتى لو كان هذا الوليد شيطانا.. فهل يمكن ذلك؟!!..
الإجابة بالطبع: لا..
كذلك لا يمكن أن يكون كل هذا الذي نعاني منه اليوم من الشر والخسة والجبروت والطغيان والكذب والتزوير والنهب والخيانة والسرقة والكذب والقهر والأنانية والسطحية والعمالة قد ولدت اليوم أو بالأمس أو منذ عام أو عامين أو حتى منذ خمسة وعشرين عاما فقط..
دعنا الآن من أن هذا المسخ الشيطاني الذي نواجهه الآن في قوته وعنفوانه تمتد جذوره إلى ما وراء أبويه.. لكن علينا – ومن حقنا- أن نرى بوضوح أنه ابن سفاح نتج عن اغتصاب العسكر للأمة..
***
نعم..
المسخ الذي نتعامل معه الآن هو ابن سفاح نتج عن اغتصاب العسكر للأمة.. ( وفي دول أخرى من دول عالمنا الإسلامي كان شيوخ القبائل أو زعماء الطوائف أو خفر البترول بديلا عن العسكر).. ولقد انكشفت الأستار الآن عن أن هؤلاء جميعا زرعهم الصليبيون واليهود لقطف ثمار – و إجهاض-  ثورة كانت في جوهرها إسلامية..
المنطق الشيطاني الذي يعامل المسخ به الأمة موروث.. و إن كان قد ازداد فجورا وخسة وخبرة..
نعم..
المنطق الذي تتعامل به السلطة الباغية الآن مع الإخوان المسلمين هو نفس المنطق الذي اتبع في أعوام 54 وما بعدها و65 وما بعدها. أما الفرق في النتائج فلا يعود لكون المسخ أقل وحشية من أبيه.. ولكن انتشار وسائل الإعلام والشبكة العنكبوتية والفضائيات حطمت الإطار الصارم الذي كان الطاغوت يفرضه حول أكاذيبه كي لا تكتشف.. فصارت الأكاذيب عارية والسوءات بادية..  لذلك احتجنا إلى عشرات الأعوام كي نكشف فضائح السلطة مع حسن البنا أو الهضيبي أو سيد قطب.. بينما لم يحتج الأمر إلا لدقائق معدودة لكشف فضائح السلطة و أكاذيبها مع محمد مهدي عاكف وخيرت الشاطر وعصام العريان.
توجد أسباب أخرى كثيرة لاختلاف المظهر لا الجوهر... فالنظام الآن هش وضعيف ومتهاو رغم شراسته.. وهو يفتقد المنطق حتى لو كان مزيفا .. كما أن كل وسائل النصب والاحتيال التي يمارسها قد انكشفت.. ومن الناحية الأخرى فقد أنهكت قوى الأمة من كثرة ما تعرضت له من مصائب.. تحولت إلى أمة مشلولة.. ترى وتسمع وتحس لكنها عاجزة عن الحركة.. إلا أن هذا العجز ليس نتيجة لعجز أصلى في الأمة.. بل يعود لانعدام القيادة التي تستنقذ الأمة من براثن اليأس وتقود الحركة الشعبية للتغيير.. لذلك فإن السلطة تكون أشرس ما يكون عندما تبدوا ملامح تلك القيادة القادرة على ذلك.. ولقد كان هذا الهاجس الشيطاني هو أحد أهم العوامل المحركة لموقف السلطة ضد حركة الإخوان المسلمين منذ اشتداد عودها.. وهو وضع حظي بما هو أكثر من الرضا من شياطين الخارج.. نعم.. ليس مجرد الرضا.. بل التخطيط الكامل.. تخطيط مؤلف الرواية الذي لا يُبقي للمسخ المحلي سوي هامش ضئيل ينحصر في طريقة أداء الدور المطلوب منه.. وهو هامش ضئيل لا يتجاوز ذلك الهامش الطبيعي الكائن بالضرورة بين ممثلين مختلفين حين يوكل إليهما تمثيل نفس الدور.
من هذا المنطلق كان موقف السلطة من الشهيد سيد قطب.. الذي اتهموه بالتخطيط لقلب نظام الحكم.
***
قلب نظام الحكم..
كانت هذه هي التهمة التي وجهوها للشهيد العظيم سيد قطب.. والتي أعدموه بحجتها ظلما وعدوانا..
وهي تهمة جوفاء لحكم أجوف .. وكاذبة لحكم كاذب.. ولست أدرى كيف لم – ولا – يشعر النائب العام بالخجل وهو يوجهها..
وليس مهما الآن أن ندافع عن شهيد يدافع الله عنه.. فالمهم أن ندرك أن القوى التي سعت لاغتياله هي نفس القوى التي تسعى لتدمير الإخوان المسلمين الآن.. والأمر كله كما قلنا كرواية هي نفس الرواية لكن شكلها يتغير باختلاف المخرج وتغير الممثلين.. وإن بقي المضمون واحدا..
***
في الرواية المشئومة فإن المؤلف والمخرج هما الأساس أما الاهتمام بأسماء الممثلين وفكرهم فعبث لا طائل خلفه..
نعم.. القضية واحدة.. و إن اختلف الزمن..
القضية واحدة..
قضية حصار المسلمين بالأحزاب وقضية الحصار على العالم الإسلامي الآن قضية واحدة..
حصار مزدوج.. من الداخل والخارج.. قبل سيد قطب ومعه وبعده و إلى أن يشاء الله.. حصار كحصار الأحزاب المشركة للنخبة المؤمنة في صدر الإسلام.. وكنت طيلة الوقت أتأمل في سيرته كشهيد رفع الله قدره وأعز شأنه بين العالمين الصالحين وبإذن الله من المقربين بقدر ما فضح خصومة الذين بانت سوءاهم للعالمين فمضوا إلى آخر الزمان مدانين ملعونين.. وليس ذلك هو المهم .. لكن المهم أن ننظر بنظرة شاملة تحيط بأبعاد الطوفان الذي نواجهه دون سفينة نوح عليه السلام.. والردة التي نواجهها دون أبي بكر رضي الله عنه.. وتتار نحاربهم دون قطز وصليبيين نواجههم دون صلاح الدين..
نعم.. حصار كحصار الأحزاب..
نعم.. كان الصليبيون والصهاينة في الخارج وعملاؤهم في الداخل هم الدافع والمحرك والمؤلف والمخرج.. وكان على حكامنا – عاملهم الله بما يستحقون- يمثلون الدور بطريقة فجة تدعو للازدراء والاشمئزاز .. أما المشركون قديما فقد تغير اسمهم دون رسمهم.. ومظهرهم دون جوهرهم.. فقد أصبح الاسم: العلمانيين تارة.. والقوميين تارة .. والشيوعيين تارة والليبراليين تارة أخرى.. سواء منهم الأصل والصورة.. والأجنبي والمحلى.. والعدو والعميل.. والكافر والمنافق..
نعم.. علينا أن ندرك ذلك.. و أن أكرر ألف مرة و ألف ألف مرة أنني لا أكتب دفاعا عن سيد قطب بل عن المستقبل.. عن الإسلام وعن لا إله إلا الله.. وأنني لا أكتب عن معركة ماضية.. بل أكتب عن معركة تدور رحاها تستنزف دماءنا وتسحق عظامنا تحت نظر حكامنا ونخبتنا.. وبأيديهم..
أكتب عن معركة بين المسخ الشيطاني والأمة وليس بين الإخوان المسلمين والسلطة.. ذلك أن الفساد قد يشكل قوة عصابة مافيا لكنه لا يشكل سلطة شرعية لدولة..كذلك فإن التعذيب والتزوير وخيانة البلاد والسمسرة على كل شيء بما فيه أجهزة الأمن القومي وتفتيت العالم الإسلامي والاشتراك في تركيع بلاده بلدا بعد بلد وفي إهدار قواه قوة بعد قوة.. كل ذلك ليس بسلطة..
أكتب عن وضع وجدنا أنفسنا فيه لا أجد ما يضاهيه إلا غزوة كغزوة الأحزاب التي نخوضها محاصرين دون أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم –بجسده..- قائدنا فيها.. وإن بقي القرآن الذي أنزل عليه والسنة التي تركها فينا والتي يستميت حكامنا ونخبتنا في محاولة تشويهها ورميها بالباطل كي يصرفوا الأمة عنها .. بل ويسعون إلى تجريم من ينادي بها..
فليس مهما أن يكون الممثل جورج بوش بديلا عن أبي جهل.. ولا بلير بديلا عن الحكم بن العاص.. ولا شارون أو أولمرت بديلا عن أبي لهب.. ولا أرناط بديلا نبيه بن الحجاج.. ولا فريدناند بديلا أخيه منبه.. ولا إيزابللا بديلة عن حمالة الحطب.. ولا صلاح نصر بديلا عن أبي بن خلف ولا حمزة البسيوني  بديلا عن عقبة بن أبي معيط ولا صلاح عيسى بديلا عن أمية بن خلف ولا إبراهيم عبد الهادي بديلا عن طعيمة بن عدي.. ولا شمس بدران بديلا عن النضر بن الحارث .. ولا جمال عبد الناصر بديلا عن(...) ولا حسني مبارك بديلا عن (...) ولا القاضى ع.ع. بديلا عن الجلاد المجرم فؤاد الدجوي.. قاضي سيد قطب!!..
ليس كل ذلك مهما.. فلم تكن كل هذه الشخصيات إلا قفازات في يد أعداء الله يلبسونها لتنفيذ أغراضهم القذرة ثم يلقون بها في سلة قمامة التاريخ ...
ليس مهما أيضا أن يكون مشركو أمريكا مكان كفار قريش.. ولا بريطانيا مكان كنانة ولا أهل تهامة مكان الفرنسيين و لا بنو سليم مكان الألمان ولا أسبانيا مكان غطفان.. ولا الطليان مكان بني فَزَارة ولا الهولنديين بديلا عن بني مُرَّة ولا الصرب مكان بني أشجع ولا اليونان مكان بني أسد .. ليس مهما ذلك.. وربما يكون مهما أن اليهود كانوا هم ذات اليهود الذين خططوا لتصويب ضربة إلى المسلمين في المدينة تكون قاتلة لا حياة بعدها‏.‏ ولما لم يكونوا يجدون في أنفسهم جرأة على قتال المسلمين مباشرة، خططوا لهذا الغرض خطة رهيبة‏ فخرج عشرون رجلاً من زعماء اليهود وسادات بني النضير إلى قريش وقبائل العرب لتحريضهم على سحق المسلمين في غزوة الأحزاب.. تماما كما يحدث الآن في معركة بدأت ولما تنته.
نعم.. حصار كحصار الأحزاب..:
إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12) الأحزاب..
***
في الظلال.. أعز الله قائله ولعن قاتله يصف الشهيد الأمر فكأنه يتحدث عن فلسطين والعراق والشيشان وكشمير و أفغانستان..و..و.. كأنه يصف حالنا اليوم وهو يقول:
إنها صورة الهول الذي روع المدينة , والكرب الذي شملها , والذي لم ينج منه أحد من أهلها . وقد أطبق عليها المشركون من قريش وغطفان واليهود من بني قريظة من كل جانب . من أعلاها ومن أسفلها . فلم يختلف الشعور بالكرب والهول في قلب عن قلب ; وإنما الذي اختلف هو استجابة تلك القلوب , وظنها بالله , وسلوكها في الشدة , وتصوراتها للقيم والأسباب والنتائج . ومن ثم كان الابتلاء كاملا والامتحان دقيقا . والتمييز بين المؤمنين والمنافقين حاسما لا تردد فيه .
وننظر اليوم فنرى الموقف بكل سماته , وكل انفعالاته , وكل خلجاته , وكل حركاته , ماثلا أمامنا كأننا نراه من خلال هذا النص القصير .
ننظر فنرى الموقف من خارجه: إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم . .
ثم ننظر فنرى أثر الموقف في النفوس: (وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر). . وهو تعبير مصور لحالة الخوف والكربة والضيق , يرسمها بملامح الوجوه وحركات القلوب .
(وتظنون بالله الظنونا). . ولا يفصل هذه الظنون . ويدعها مجملة ترسم حالة الاضطراب في المشاعر والخوالج , وذهابها كل مذهب , واختلاف التصورات في شتى القلوب .
ثم تزيد سمات الموقف بروزا , وتزيد خصائص الهول فيه وضوحا:(هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا). . والهول الذي يزلزل المؤمنين لا بد أن يكون هولا مروعا رعيبا . (...) ثم كانت روحه [ ص ] تستشرف النصر من بعيد , وتراه رأي العين في ومضات الصخور على ضرب المعاول ; فيحدث بها المسلمين , ويبث فيهم الثقة واليقين .
قال ابن إسحاق:وحدثت عن سلمان الفارسي أنه قال:ضربت في ناحية من الخندق , فغلظت علي صخرة , ورسول الله [ ص ] قريب مني . فلما رآني أضرب , ورأى شدة المكان علي , نزل فأخذ المعول من يدي , فضرب به ضربة لمعت تحت المعول برقة . قال:ثم ضرب به ضربة أخرى، فلمعت تحته برقة أخرى . قال:ثم ضرب به الثالثة , فلمعت تحته برقة أخرى قال:قلت:بأبي أنت وأمي يا رسول الله ! ما هذا الذي رأيت , لمع المعول وأنت تضرب ? قال:"أو قد رأيت ذلك يا سلمان " ? قال:قلت . نعم:قال:" أما الأولى فإن الله فتح علي بها اليمن . وأما الثانية فإن الله فتح علي بها الشام والمغرب . وأما الثالثة فإن الله فتح علي بها المشرق " . .
***
لقد كان سيد قطب- بلا ريب- على يقين مما أخبر به سيدي وحبيبي ومولاى رسول الله علـيه الصلاة والسلام: « ليبلغنَّ هذا الأمرُ – أي هذا الدين – ما بَلَغَ الليلُ والنهار ولا يتركُ الله بيتَ وبرٍ ولا مدر , إلا أدخـلهُ اللهُ الإسلام , بعزِّ عزيز , أو بذلِّ ذليل , عزاً يعزُ الله به الإسلامَ وأهلَه , وذلاً يذلُّ اللهُ به الكفرَ وأهله )) رواه أحمد (4/103) والطبراني في الكبير (1280) وقال في المجمع (6/14) : (رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح )
أومن بذلك إيمانا يفوق إيماني بحياتي ووجودي.. لكنني أومن أيضا أن ذلك لن يتحقق على يد جيل سلم سيد قطب وخذله ولم ينصره مظلوما..
***
نعم
على المستوى الأكبر والأصغر والأوسع والأضيق فإن القضية واحدة..
وعلى هذا المستوى يمكننا أن نفهم  أن قضية الشهيد سيد قطب سنة 54 هي ذاتها قضيته عام 1966 وهي أيضا بعينها قضية عصام العريان 1005 كما أنها أيضا قضية خيرت الشاطر عام 2007 .. كلها قضية واحدة..
انظروا مثلا إلى حيثيات حكم محكمة الجنايات في تبرئة خيري الشاطر ورفاقه..
تقول هذه الحيثيات:
إن جميع المتهمين ليس لهم أي صلة بطلاب جامعة الأزهر وأن القضية سياسية لا أكثر وأن جميع الاتهامات المنسوبة من الشرطة في محاضر التحريات ملفقة وفيها مبالغات كبيرة، وأن ما حدث من قبض وتفتيش منازل هؤلاء المتهمين لا يصلح أن يكون من مصلحة الأمن أو الشعب، وأن الشرطة تعمدت تلفيق تلك القضية لجميع المتهمين وتعسفها في استعمال السلطة وما هي إلا قضية إعلامية وسياسية (...) وكذلك انعدام الركن المادي أو المعنوي لتلك القضية وأن القضية ليس لها أي كيان يمكن بناء تلك الاتهامات عليه.. (...) والمتهمون دكاترة ومهندسون ومحاسبون ورجال أعمال ولهم تاريخ معروف بالنزاهة والشرف وأن جميع التحريات لجهاز مباحث أمن الدولة ما هي إلا رأي محررها - الضابطين عاطف الحسيني وأحمد محمود - لا أكثر..
ورغم حكم محكمة الاستئناف بالإفراج الفوري والنهائي دون ضامن فإن وزارة الداخلية رفضت تنفيذ الحكم وأصدرت قراراً باعتقال جميع المتهمين ليخرجوا من المحكمة إلي المعتقل ورفعت بعدها نيابة أمن الدولة مذكرة للنائب العام تطلب فيها التحفظ علي أموال كل المتهمين وزوجاتهم وأولادهم القصر البالغ عددهم ٢٩، ومنع زوجاتهم وأولادهم القصر والبالغين من التصرف في إدارة أموالهم بجميع البنوك العامة في مصر علي أن يديرها البنك الأهلي المصري، ورغم أن محكمة الاستئناف قضت بعدم صدق تحريات جهاز مباحث أمن الدولة في التهم الموجهة إلي المتهمين فإن نيابة أمن الدولة العليا في مذكرتها للنائب العام قالت إن ما تقدم وتوافر في الأوراق أدلة كافية علي جدية الاتهام مما يتعين معه ضرورة التحفظ علي أموال المتهمين، وهو ما فعله النائب العام.
كما أصدر الرئيس مبارك عقب اعتقال المتهمين قراراً بصفته الحاكم العسكري بإحالة المتهمين إلي المحكمة العسكرية
***
تغيير قليل جدا في ألفاظ شكلية يجعل هذه الحيثيات تنطبق على قضية سيد قطب.. كما أن تعديلا بسيطا على دفاع المحامي الكبير شوكت التوني في قضية 65 يصلح – بعد تحوير قليل- للدفاع عن طلبة الأزهر و أساتذتهم:
يقول الأستاذ شوكت التوني المحامي في تفنيده للتهم التي وجهت للإخوان ظلماً ونالوا منهما ما نالوا لا لذنب جنوه، أو جرم اقترفوه:
"هذه التهم كيف جاءت وما مدى صحتها؟! لكي يقتنع عاقل أو نصف عاقل بصدور هذا التفكير من عقول المتهمين، يجب أن تتوازى أقدار هذه التهم مع المعدات والأسلحة التي هيئت للتنفيذ، وقد قلنا سابقاً في قضية "حسين توفيق": إن الفقهاء الأجانب قد ضربوا مثلاً واحداً لمحاولة قلب نظام الحكم، وهو خروج مجموعة من الجيش مسلحة وموجودة في الطريق العام.. ويقول جارو الفقيه الفرنسي: "حذار..!! فقد تكون خرجت لتقدم ملتمساً للجهات الحكومية العليا".
أما هؤلاء المتهمون فلم يضبط معهم غير سبعين زجاجة كوكاكولا اشتريت بمائة قرش، وقيل إنها كانت ستستعمل كقنابل مولوتوف، وليكن.. ولنفرض صحة ذلك فهل الحكومة القائمة كانت من الهوان هي والجيش المصري الذي أطلق عليه وقتئذ وصف "أكبر قوة ضاربة في الشرق" إلى حد أن تحارب الحكومة والجيش بسبعين زجاجة مولوتوف؟ وأقسم بالله غير آثم ولا حانث ولا هازل: لو أن هذه القضية في أي بلد ربع متمدن لخجل النائب العام من تقديمها للمحكمة!! ولكن المدعي العسكري العام قدمها ونظرتها محكمة الدجوي، وقضت فيها بالإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة.
ويستطرد شوكت التوني:
 إن قلب النظام جريمة مستحيلة لأن سلاح الانقلاب هو بضع زجاجات كوكاكولا فارغة، أو حتى زجاجات مولوتوف، فهل هذا النظام من الهوان أن تقلبه زجاجات فارغة أو مليئة؟!! إن قالوا نعم سلمت لكم المتهمين جميعاً لتشنقوهم، وذلك بشرط أن يقولوا لي أيضاً: ما هذا الجيش الجرار العرمرم المزود بالدبابات والطائرات التي تهدر كصوت القدر وصواريخ القاهر والظافر؟!
وفي ختام مرافعته قال الأستاذ شوكت التوني : السيد الرئيس.. السادة الأعضاء، إنني أدفع في ختام مرافعتي كما بدأتها ببطلان إجراءات القبض والتحقيق والمحاكمة، وإنني آسف أن أقرر أنني أعلم علم اليقين مصير هذا الدفع أمام الهيئة التي تنظر الدعوى.
الدجوي: يعني إيه؟!
شوكت التوني: المعنى هو ما تعبر عنه الكلمات والألفاظ والعبارات، وأنا أوجه هذا الدفع إلى التاريخ مهما بعد زمانه، وغاب عن عمرنا أوانه.
ثم يتحدث عن التعذيب قائلا: وقد كنت عثرت في أوراق التحقيق على واقعة تعذيب أثبتها السيد وكيل النيابة العمومية كالآتي:
س: لقد قررت في إقرارك كذا وكذا..
ج: لقد وقع عليَّ تعذيب شديد، فقد اقتلعوا أظافر يدي بالقوة حتى أغمي عليَّ أكثر من مرة، واضطررت تحت وطأة الألم الذي لا يطاق من شد الأظافر أن أكتب الإقرار وأوقع عليه.. وأثبت وكيل النيابة "النزيه" الجريء ما يأتي:
ملحوظة: عرض علينا المتهم أصابعه، فوجدنا بالفعل أظافر أصابعه كلها منزوعة إلى آخرها، تمت الملحوظة.. "لا لم تنتهِ الملحوظة، ولن تتم يا سيدي النائب.. إن الدفاع يحييك، وسيحييك التاريخ معي".
***
هل يعرف القارئ كيف كانوا ينزعون أظافر المتهمين في قضية الشهيد سيد قطب ورفاقه؟..
كانت هناك طريقتان: الطريقة الرحيمة هي نزعها بالكماشة.. أما الطريقة الأخرى فهي نزعها بالسياط..
يقول المحامي كمال الفرماوي وهو أحد المتهمين في نفس قضية الشهيد سيد قطب في كتابه يوميات سجين في السجن الحربي- دار الثقافة للطباعة والنشر:
 وتحت الشجر بالحديقة وحول النافورة انتثر الجالسون وتحت السور وجد كذلك عدد كبير وجوههم للسور وخلفهم الحراس يلهبون ظهورهم بالسياط .. أمرني الحارس أن اجلس على ركبتي بجوار النافورة والجالس في هذا المكان لا يسمع إلا أصوات السياط  تنهال على الضحايا وصراخهم يرتفع إلي عنان السماء ومع كل ضحية ثلاثة أو ‏أربعة من الشرطة العسكرية والمباحث الجنائية يقومون علي تعذيبه.. وبداخل كل حجرة من حجرات التحقيق عدد من الضباط ‏الذين يرتدون الملابس المدنية ‏وهم الذين يشرفون على تعليمات التعذيب ومنهم  ‏شمس بدران رئيس المخابرات العسكرية في ذلك الوقت ووزير الحربية فيما بعد وسعد زغلول عبد الكريم مدير الشرطة العسكرية ثم جلال الديب ورياض والجنزوري وغيرهم ممن كانت أسماؤهم تثير الرعب في قلوب المعذبين. وانتشر في الحديقة عدد من جنود الشرطة العسكرية بيد كل منهم سوط ومعهم ماسورة من الحديد ربط طرفاها بسلسلة من الحديد تسمى الفلقة .. يقوم اثنان أو ثلاثة بتقييد الضحية بالسلسلة الحديدية ويأمران اثنين من الجالسين أمام الحائط   بحمله على أكتافهم.. كان يتم تقييده بأن توضع يداه بين رجليه وتقيد بالسلسلة وترفع الماسورة لتنقلب رأسه إلى أسفل ورجلاه إلي أعلى ..و يبدأ الضرب .. يستمر الضرب ساعات ولا يتم إنزال الضحية  إلا بعد ‏أن يطير معظم الجلد الذي يغطي قدميه ويديه وبالطبع فإن الأظافر تكون قد تطايرت بعد الدقائق الأولى من ‏الضرب ونادرا ما يبقى ظفر أو اثنين في اليدين أو الرجلين.. يستمر الضرب ويتركز على بطني الرجلين فهما المكان المفضل لان الجلد عادة في هذه المنطقة يكون رقيقا . فيتطاير :الجلد ويستمر التعذيب إلى أن ينعقد الدم  ويتغير إلى اللون الأسود. وعند اسوداد  الدم يكون ذلك بمثابة العلامة  على أن الضحية قد نال الحد الأدنى من التعذيب.. ثم يتم إنزال الضحية والسياط تلهب جسده، ويطلب منه الجري على شكل دائرة  حول حاملي ماسورة الحديد  والسلسلة، ينزل المسكين جثة على الأرض.. ويحاول أن ينهض فلا تسعفه قدماه  فينهالون عليه بالسياط حتى ينهض ويطلبون منه الجري، فيتحامل ويجري من نيران السياط. وأحيانا يكون الزبانية قد تعبوا من الضرب فينادون على اثنين يحملان ماسورة الحديد ثم يسلمون السياط لمجموعة من المعتقلين ليقوموا هم بأنفسهم بضرب زميلهم  فإذا لم يفعلوا نالوا من الضرب ما ينسيهم أسماءهم.. فيمسكون السياط ‏وينهالون على زميلهم الذي يحمله اثنان من زملائهم  والحراس وقوف يضحكون ويتمايلون ويحتسون أكواب الليمون المثلج والشاي وإذا أحذت الرحمة بقلوب المعذبين فخففوا من ضرب السياط عن زميلهم  اخذوا منهم السياط وألهبوهم بها صائحين : هكذا يكون الضرب فيقومون بتنفيذ ما يؤمرون به.
كانت هذه الصورة تتكرر كثيرا، وكان الزبانية يمارسونها عندما يعرفون أن ثمة قرابة بين المطلوبين للتحقيق.
 ‏فكم من مرة حمل الأخ أخاه وهو مقيد بالسلسلة الحديدية والآ‏خرون يقتطعون من جسمه بالسياط وجلد شقيقه وبعض لحمه ودمه يتطاير على ملابسه ووجهه ولا يستطيع أن يفعل شيئا. بل انه كان في بعض الأحيان يحلو لهم ى أن يأتوا بالرجل المسن وابنه ويوقفاهما أمام بعضهما ويأمرون الابن أن يصفع أباه فإذا ما تباطأ انهالوا عليه ضربا بالسياط.
***
كمال الفرماوي هذا يتهم بالإرهاب..!!
وسيد قطب أيضا اتهموه بالإرهاب..!!
أما كلاب الشيطان الذين ساموهما سوء العذاب فهم ملائكة رحمة..
وعلى الأمة المنكوبة الآن أن تمجد المجرم الذي عذّب وأن تلعن الشهداء والأبطال..
كان كمال الفرماوي رفيقا للشهيد في سجنه في فترة من الفترات..
تفاصيل تعذيب الشهيد سيد قطب مخفية.. لا يعرفها أحد.. لم يشهدها أحد إلا لمحات خاطفة مسترقة.. فقد كان الكلاب والشياطين يعذبونه وحيدا.. لا يجد إلا الله ناصرا.. ولا يراه أو يسمعه إلا السميع البصير.. وظنوا أنهم بذلك يخفون جريمتهم ولكن الأحداث تتتالى تترى فإذا بالذي لم نفهمه منذ أربعين عاما يحدث مع شخص آخر فيكشف لنا ما حدث مع الأخير تفاصيل ما حدث مع الأول..!!
سبحان الله..
لقد أتت مأساة الرئيس العراقي الشرعي صدام حسين عليه رحمة الله ورضوانه وغفرانه لترينا كيف يمكن أن تكون كل التفاصيل مخفية لا يعرفها إلا الجلاد.. ولولا أن صدام حسين تحدث عن تعذيبه وكشف عن العلامات التي بقيت بعد التئام الجروح بشهور ما عرف بتعذيبه أحد.. مورست نفس الطريقة مع الشهيد سيد قطب.. الذي لم يترك لينفرد بدفاعه أبدا منذ لحظة القبض عليه حتى إعدامه.. لم يسمح له الجلاد أيامها أبدا بأن يروي ما حدث.. أما كيف أن جرائم الجلاد القديم ( عسكر مصر) اكتشفت منذ زمن بينما لم تكتشف جرائم الجلاد الحديث(خنازير الغرب)  إلا منذ أعوام قليلة فهو أمر طبيعي.. ذلك أن صبيان العصابة ينكشف أمرهم قبل انكشاف أمر رئيسها.
ترى ..
ماذا كان يمكن أن يقول الشهيد لنا لو لم يحل الطاغوت بيننا وبينه..
وتلك نقطة يغفلها الكثيرون بعضهم عن جهل وبعضهم عن عمالة وخسة..
إنهم يحاسبون الشهيد على ما روته محاضر الأمن عنه..
ويتجاهلون في أي وضع كان وتحت أي ظرف عاش..
***
كان الشهيد سيد قطب قد تعرض للسجن والاعتقال في مذبحة السجن الحربي سنة 1954 وبسبب التعذيب الشديد الذي  تعرض له حينئذ أصيب بنزيف رئوي شديد مما اضطر السلطات إلى تأجيل محاكمته شهرين كاملين وقد ذكرت الصحف ذلك .. وكان هذا المرض نعمة من الله سبحانه وتعالى.. فقد كان الجلادون ينوون الحكم عليه بالإعدام  لكن المظاهرات الصاخبة التي انطلقت بعد أحكام إعدام حادث المنشية الملفق والمزور جعلت سلطة العسكر تعطي المواثيق والعهود ألا تكون هناك إعدامات أخرى.. ولذلك فقد  حوكم الشهيد  محاكمة سرية لم يحضرها أحد وحكم عليه بالسجن خسة عشر عاما . . .. وقد عاش منها –قبل استشهاده عشرة أعوام  خلف لنا فيها فصولا متطاولة من كتابه العمدة:" في ظلال القرآن" أعز الله قائله ولعن قاتله..
نعم.. لولا التعذيب الذي أدى إلى المرض لأعدم الشهيد ولما ظفرنا بتفسير من أعظم التفاسير منذ نزول القرآن حتى الآن.
كان الشهيد سيد قطب في محنة الإخوان المسلمين سنة 1954 قد تجاوز الأربعين.. كان رقيقا معتل الصحة  ثم تضاعفت أمراضه في السجن إزاء ما شهد وعانى.. وأمام تدهور حالته الصحية كان لا بد أن ينقل إلى مستشفى السجن ..
وبعد حوالي خمس سنوات من سجنه تدهورت حالته ولم تكن إمكانات العلاج كما يقول الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي في كتابه: سيد قطب- دار القلم – دمشق: في مستشفى طرة تناسب أمراضه . . فالرئة تتعرض لحالات من النزيف المفاجيء . . والمعدة والأمعاء تتعرض لنوبات لا تتوقف من التقلصات . . والقلب بدأ يضاعف من ضرباته إلى أن وصل لمرحلة الأزمة . .لذلك تم نقله إلى مستشفى "المنيل " الجامعي التي تردد عليها مرتين بعد ذلك إلى أن أفرج عنه إفراجا صحيا.. كان قد أمضى في السجن حوالي عشر سنوات.. وكان طاغوت الأمن المتوحش الجبار :"ذراع الأخطبوط الصليبي الصهيوني"  قد أدرك أن الشهيد بأمراضه لن يعيش طويلا وأن موته داخل السجن قد يثير العالم  الإسلامي مرة أخرى.. لذلك صدر العفو الصحي.. و إن كانت هناك وجهة نظر أخرى تقول أن الإفراج عنه قد تم للإيقاع به.. فقد كان طاغوت الأمن المتوحش الجبار :"ذراع الأخطبوط الصليبي الصهيوني" يدرك أن عشرة أعوام قد مرت على القضية الأولى .. وأن هذه الأعوام العشرة تكفي لتكوين جيل جديد من الإخوان فما عليهم إلا إطلاق سراح الشهيد كطعم لاصطياد هذا الجيل الجديد.
ولم يكن هذا العفو الصحي رحمة من الطاغوت الذي لا يرحم.. والظاهر في الأمر أن الإفراج عن الشيوعيين جميعا كان قد تم  بناء على ضغوط الرئيس السوفيتي – أيامها- نيكيتا خروشوف مع استمرار التنكيل بالمسلمين مما أظهر الدولة مباشرة في صف الكفر ضد الإيمان.... وكان أن توسط  الرئيس العراقي  عبد السلام عارف وكان معجبا بكتب سيد قطب للإفراج عنه..
 وقد قال الشهيد: "فقد كان كتابي في ظلال القرآن هو أنيسه في فتره اعتقاله أيام عبد الكريم قاسم ! وبالفعل نجحت الوساطة ، والحمد لله"..
أفرج عنه ليمكث خارج السجن شهورا يعود بعدها إليه ليعدم..
***
مكث خارج السجن شهورا قليلة ليعدم  بعد ذلك في لهيب محنة وصفها الدكتور يوسف القرضاوي بأنها كانت مفاجئة لجمهور الإخوان، فقد داهمتهم على غفلة، دون توقع منهم، ولا عمل قدموه يمكن أن يؤاخَذوا عليه. فقد كان أكثرهم منصرفًا إلى عمله المعيشي اليومي بحسبه أن يؤدي فرائض الله، ويجتنب محارم الله، ويدع السياسة لأهلها، والدعوة لربها، على نحو ما قال عبد المطلب لأبرهة: أما الإبل فأنا ربها، وأما البيت فله رب يحميه!. كان هذا هو اتجاه جمهور الإخوان بعد محنة 1954م ـ 1965م، وهو الكمون والسكون، حتى تتغير الأحوال.. ولكن الإخوان فوجئوا -برغم اعتزالهم لأي نشاط سياسي أو حركي- بهذه الهجمة العامة التي لم تدع أحدًا له صلة بالإخوان إلا امتدت يدها إليه، حتى بعض من ضعف إيمانهم، وتراخت عزائمهم، ولم يكتفوا باعتزال النشاط الدعوى، بل أوسعوا الإخوان ذمًّا وتجريحًا، عسى أن يشفع ذلك لهم، فلم يغنِ عنهم ذلك شيئًا، وشمت بهم من شمت ممن نالهم أذاهم وتطاولهم من إخوانهم.ولهذا ينظر الإخوان إلى هذه "المحنة" الهائلة المريرة على أنها من جانب آخر كانت "منحة" ساقها الله تعالى للإخوان، الذين أرادوا أن ينشغلوا بهمومهم المعيشية عن همومهم الدعوية، وأن يقول كل منهم: نفسي نفسي، فشاء الله تعالى أن يريهم أن اعتزالهم لواجب الدعوة لن ينفعهم.
يواصل الدكتور يوسف القرضاوي:
ولقد فكرت وتأملت في سبب هذه المحنة الهائلة التي فُتِحت فيها النار على جماعة الإخوان من كل جانب، وسلطت عليهم آلات التعذيب الجهنمية، تحطمهم ماديًّا، وتحطمهم نفسيًّا، آلات تأكل من لحومهم، وتشرب من دمائهم، وتهشم من عظامهم.
لقد قلت: إن جمهور الإخوان لم يمارسوا أي نشاط، وهذه حقيقة لا ريب فيها ولكن أجهزة عبد الناصر، أعلنت أنها اكتشفت "تنظيمًا سريًّا" خطيرًا جدًّا، يقوده "سيد قطب" ومعه مجموعة من الإخوان وقد حاولت أجهزة الأمن أن تضفي المبالغات على هذا التنظيم المحدود، فقالوا: إنه كان يخطط "لنسف القناطر الخيرية"! وهل يفكر في ذلك عاقل؟ وماذا يستفيد من ذلك إلا الهلاك والخراب؟ وإذا كان يريد أن يحكم البلاد، فكيف يخربها قبل أن يستولي عليها؟ وقالوا: إنهم يريدون اغتيال "أم كلثوم".. وهل يفكر في ذلك من له ذرَّة من عقل؟ وماذا ارتكبت أم كلثوم من جرائم تستحق عليها القتل؟ وهل يقتل عاقل إنسانة يحبها جماهير الشعب المصري -بل العربي كله- ويعرض نفسه لسخط عام دون حاجة لذلك.؟!
المهم أن الحكومة كانت تملك من أجهزة الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، ما تستطيع به أن تغير الرأي العام إلى صفها. ولاسيما أن الخصم لا يملك أية وسيلة إعلامية يستطيع بها أن يدافع عن نفسه، ولو بأدنى دفاع. وكان القبض على الإخوان المسلمين بتهمة أنهم يدبرون مؤامرة للعدوان على عبد الناصر وقتله، ويذكر الأستاذ موسى صبري -وهو كمسيحي لا يمكن أن يكون ضالعًا مع الإخوان- أن كل الثقات يؤكدون أن قضية الإخوان التي أُعدم فيها سيد قطب كانت من اختراع شمس بدران، وزبانية البوليس الحربي، وأنها مؤامرة وهمية، وأن التعذيب في هذه القضية هو قمة المأساة.
***
لنستأذن الدكتور يوسف القرضاوي قليلا كي نستعرض نموذجا من نماذج التعذيب الذي عاناه الضحايا في هذه القضية.. لنتأمل ماذا حدث للإرهابي الخطير محمد منيب على يدي ملائكة الرحمة ورسل السلام في السجن الحربي.. وتحت قيادة الزعيم المفدى الذي يقول فيه الأستاذ جمال فوزي في أحد دواوينه:
هبني مدحتك بين الناس قاطبة
حتى جعلتك بين الناس عملاقا
هبني زعمتك قدِّيساً تُباركنا
وقلت إنك خير الخلق أخلاقا
من ذا يصدّقني بين الأُلى عرفوا
عنك الخِداعَ وسفَّاحاً وأفَّاقاً..

سوف نعود بعد قليل إلى ما حدث للشاعر جمال فوزي نفسه.. أما الآن فدعونا نعود إلى الشهيد محمد منيب كما يسرد وقائع ما حدث له الأستاذ جابر رزق في كتابه "مذابح الإخوان في سجون ناصر":
وكان الشهيد محمد منيب أشد تعرضا للإيذاء من بيننا جميعا فكنا عندما نؤخذ إلى دورة المياه صباحا في مجموعات يناله من الأذى الكثير على يدي سامبو ففي الذهاب والإياب يتعرض للصفع والركل والضرب دون ما سبب أو مبرر من سامبو بالذات وكان محمد منيب شابا صعيديا تجاوز الثلاثين بقليل أبيض الوجه .. ملون العينين .. أشقر الشعر تندهش حين تعلم أنه صعيدي ؟)..
‏وفى اليوم التالي لوصولنا إلى السجن الحربي .. أخذوا مجموعة من إخوان المحلة الذين كانوا معنا في المخزن إلى مكاتب التحقيق .. وبعد فترة قليلة .. أخذوا محمد منيب إلى التحقيق أيضا .. وبعد وقت ليس قصيرا أعيد إخوان المحلة .. وآثار التعذيب ظاهرة عليهم خاصة أيديهم وأرجلهم .. وأبدانهم بصفة عامة إلا أنهم جميعا عادوا يمشون على أقدامهم .. وجلسوا يقصون علينا ما رأوا من وحشية التعذيب وضراوة الجلادين أمثال شمس بدران وحسن كفافي ورياض إبراهيم وصفوت الروبي وغيرهم ..
‏وفى آخر اليوم أعيد محمد منيب وهو في حال مفزعة يسوقه جنود السجن في فظاظة وغلظة مع إلهاب ظهره بالسوط وصفعه وضربه بالأيدي .. وكانوا قد عذبوه تعذيبا مبرحا ينذر بخطر جسيم على حياته .. وقبل أن أراه لم أكن ‏أتصور أن يبلغ التعذيب هذه الدرجة من الوحشية التي توصل حتما إلى الموت لقد كانت  رجلاه إلى ما فوق الركبتين .. ويداه إلى ما فوق المرفق مشوهتين ومهترئتين لا أثر فيما للصورة التي خلقنا الله عليها .. وكانت مواضع السياط غائرة في جسده من كثرة الضربات على موضع واحد فكان السوط يمزق اللحم وينثره حتى تعمقت الجروح وأوشكت العظام أن تظهر مجردة من اللحم .. وكان معظم جسده على هذه الصورة .. ولاحظت عند نقله إلى مكانه الذي ينام فيه بحواري .. ولاحظت أثناء تصحيح وضع نومه أنه يتألم ألما شديدا من أماكن في ظهره وضلوعه وكأنها دكت دكا باللكمات .. وأن بقية جسده الذي لم يتمزق أسودت فيه الدماء تحت الجلد ولم يكن يستر جسده سوى سروال وفانلة مزقتما السياط !! .
‏وسيطر على جو الحجرة سكون حزين .. وصمتنا حتى عن الهمس وشغلنا برعاية المعذبين والتخفيف عنهم ومحاولة إطعامهم وتسكين توجعانهم وتأوهاتهم . وفى اليوم الثالث فزعنا لأن الحراس اقتحموا علينا الحجرة يطلبون محمد منيب الذي كان في حالة احتضار ولا يقدر على مجرد الكلام ولا يصلح جسده لمجرد اللمس ولكنهم أرادوا منه أن ينهض .. وامتدت أيديهم القاسية إليه بالصفع وهو في هذه الحالة .. ولم نكن نتصور أن تبلغ الوحشية بالبشر هذه الدرجة ولما لم يجدوا بدا من حمله حملوه في بطانية أمسكوها من أطرافها وذهبوا به إلى مكاتب التحقيق .. وبعد حوالي ساعة ونحن في ذهول تتفطر قلوبنا إشفاقا على محمد منيب فتح باب الحجرة وألقوا به أمامنا داخل البطانية وهو في أنفاسه الأخيرة فحملناه إلى مكانه من الحجرة .. ولم  يكن يحس بشيء أو بأحد .. كمن فقد الإحساس بجسمه وما فيه من جروح .. لقد فزعنا عندما رأينا الدماء تنزف من جراحه التي لم تكن قد اندملت .. ضربوه رغم حالة احتضاره .. ولم يمض سوى وقت قصير حتى اقتحم الحرس الحجرة علينا ونحن نرقب أنفاسه الأخيرة ونترقب اللحظة التي تفيض فيما روحه وقد كف عن التأوه والتوجع تماما .. لقد انقضوا عليه في عنف وأمسكوا أطراف البطانية وحملوه وخرجوا به هذه المرة وهو في سكرات الموت .. ولم يعودوا به مرة أخرى .. بعد أن فاضت روجه إلى ربها حمل جسده وووري في تلال الجبل ثم دونوا أمام اسمه في السجلات كلمة .. هارب !! ..
***
كان هذا التعذيب يتم تحت إشراف المجرم شمس بدران..
شمس بدران هذا كان بمثابة الابن العزيز الغالي لجمال عبد الناصر.. وكان موضع ثقته.. ولم ينقلب عليه إلا بعد أن حسم موقفه إلى جانب عبد الحكيم عامر وضد عبد الناصر شخصيا.. بعدها انقلب عليه
والذي يقول هذا ليس عدوا لعبد الناصر,, بل هو الفريق محمد فوزي- وهو ناصري عتيد-  في مذكراته:"حرب الثلاث سنوات"..
***
يقول المستشار عبدالله العقيل في مقال له بمجلة المجتمع عن الأستاذ جمال فوزي:
وقد تعرّض لتعذيب وحشي بشع، أتلف له أذنابُ السلطة وجلادوها نصف جسده طولياً إحدى عينيه، وعموده الفقري، وذراعه وخصيته ورجله وهو الرقيق النفس، الرهيف المشاعر، فكان صابراً محتسباً، وهو شاعر رقيق، باسم الوجه، مرح الروح، وذلك رغم ما يعانيه من آلام خلَّفتها على جسده الأيدي الآثمة من زبانية السلطة الظالمة.
أطلق عليه إخوانه لقب "حسّان الدعوة" لأنه من أدق من وصف الدعوة في مراحلها المتنوعة شعراً، خاصة وصفه مرحلة السجن والتعذيب أيام الطاغية عبد الناصر.
وله أشعار كثيرة، طبع منها ديوانان هما: "الصبر والثبات" و"الصبر والجهاد" فضلاً عن القصائد الكثيرة التي قالها داخل السجن وخارجه ولم تنشر.
كما كُتبتْ عنه وعن حياته وشعره، رسائل جامعية، منها رسالة للباحث عبد الباسط مصطفى في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر سنة 1988م.
 أما الأستاذ جمال فوزي نفسه فيصف ما حدث له قائلا:
 ‏دخلنا مبنى ضخما وألقى بي أحدهم في إحدى حجراته بعد أن طفنا وسط ممرات كثيرة وبعد فترة وجيزة صاح صوت من خلال مكر صوت : أنت بالمخابرات العامة .. إما الاعتراف .. وإما الموت .. وبالطبع تبينت حقيقة المكان .. ولكن عن أي شيء أعترف ؟ .. ولم يطل بي تفكيري إذ دخل عل زبانية المخابرات العامة ليوقعوا بالجسد المشلول المزيد من العذاب .. علقوني من
‏ذراعي إلي أعل وربطوها في حبال فصار جسدي معلقا ومتدليا ثم ربطوا قدميّ في اتجاهين مختلفين م بدأت عملية ‏الفسخ  ‏بشعة .. رهيبة .. قاسية .. صرت أتمزق وأحسست آلاما فوق الآلام .. فوق طاقة البشر من صنع أناس ليسوا من البشر .. وجرب القوم معي في المخابرات شتى صنوف التعذيب .. وضعوني فوتى ما يشبه الكرسي وربطت من يدي ووسطي ثم أخذ الجهاز يدور ‏بي بسرعة مجنونة ثم يتوقف عن الدوران فجأة لتبدأ عملية المساومة ويمنحني الله قدرة على الاحتمال فأواجه المساومة بالصمت فيدار الجهاز من جديد حتى أجد نفسي مشرفا على الموت .. ونزعوني من فوق الجهاز ثم قذفوا بي على الأرض ثم رفعوني ثانية وقذفوا بي وهكذا مع الركل بالأقدام وتهشيم جسدي بالعصي واللكمات والقيد في يدي من الخلف وعيناي معصوبتان وأحس  بحارا  ‏من الدم تغمر بقية ملابسي .. أمروني بالوقوف فما استطعت فقد ماتت فيّ الحركة وجاء صوت قبيح كريه تحس في نبراته غلظة وحش كاسر يقول:  ضعوا ‏له الخابور ..
‏وشعرت ببقايا ملابس الممزقة تنزع وبجسم مدبب صلب يخزونني به .. وشعرت بالتمزق .. وكان آخر ما أذكره صيحة مدوية أفلتت منى رغم تهافتي.. ثم رحت في غيبوبة تامة ..
‏وأفقت .. فوجدت نفسي في سيارة تنهب بنا الطريق وأحد الضباط يوقظني.. نزع الطاقية من فوق عيني فصرت أرى ويا لهول ما رأيت .. الدماء  تسيل منى في نزيف خطير وكانت بالضابط إنسانية أو ربما كانت حالتي من السوء حتى حركت في نفسه مواطن العطف والرحمة  حاول أن يعطيني جرعة ماء .. ولم تكن بي حاجة إلى الماء فقد غمرتني الآلام وكنت أشعر لهيب نار من آثار جريمة المخابرات العامة لم تكن مياه الدنيا بأسرها لتطفئها.
***
كانت هذه هي الثورة التي حررت الإنسان المصري العربي المسلم و ألحقته بركب الحضارة والتاريخ..
وكان هؤلاء هم الذين انهزموا في كل معركة خاضوها.. إلا معركتهم ضد الإسلام والمسلمين.. معركتهم ضد الشعب والوطن والأمة..
 يقول الدكتور القرضاوي: لم تكتف السلطات الحاكمة باعتقال عشرات الآلاف من الإخوان، وإيداعهم في السجون المختلفة، وتعريضهم لألوان شتى من التعذيب البدني والنفسي، ومحاكمة أعداد منهم أمام محاكم عسكرية، وإصدار أحكام جائرة وقاسية على الكثيرين.. لم تكتف بذلك، بل سلطت أجهزة الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية -وكلها تملكها- على جماعة الإخوان ودعوتهم وتاريخهم، لتفتري عليهم الكذب، وتشوه صورتهم وسيرتهم، أمام الشعب، ولا سيما الأجيال الناشئة التي لا ترى ولا تسمع إلا ما تريده الحكومة، ولا يملك الإخوان أن يردوا ولا أن يكذبوا، ولا أن يدافعوا عن أنفسهم، فالحكومة هي الخصم وهي الحكم. وقد جعلت كل السلطات في يدها، وهي سلطات عسكرية مائة في المائة، من الادعاء والتحقيق والقضاء والتنفيذ.
***
كنت دائما قبل أن ينير الله بصيرتي أقرأ في أدبيات الإخوان أن الشهيد أعدم من أجل كتابه المعالم فأقول في سريرتي من حق الإخوان أن يفتتنوا بكاتبهم الأعظم وبشهيدهم الغالي، وهم معذورون حين  يهملون الوقائع الثابتة في التحقيقات.
بعد ذلك أدركت من خلال دمع العين ودم القلب وخشوع الروح أن سيد قطب ليس كاتبهم العظيم وشهيدهم الغالي بل هو كاتب الإسلام العظيم وشهيده الغالي أينما كان المسلمون وحيثما كان الإسلام و أنه هو الرائد والقائد والشهيد الحي.
كما أدركت أن الوقائع الثابتة في التحقيقات– و إن صح بعضها-   كذب في كذب. ثم كانت الخطوة التالية، حين اهتممت فجأة بأن أقرأ مذكرات المجرمين الذين شاركوا في المذبحة وفي المؤامرة. ثم مذكرات الذين اختلفوا مع عبد الناصر وحاشيته.
وكان مما قرأت أيضا على سبيل المثال مذكرات ضباط الثورة والرئيس محمد نجيب والعديدين ممن عاصروها. وكان مما قرأت في كتاب : معارك عبد الناصر - رياض الصيداوي- مركز الوطن العربي للأبحاث والنشر- جنيف / سويسرا، وفي هذا الكتاب يعترف سامي شرف بأن اكتشاف ما يسمى  مؤامرة "الإخوان المسلمون" سنة 1965 لم  يكن عن طريق المباحث ولا  المخابرات  بل كان اكتشافهم سياسياً.. يعترف سامي شرف أن  كتاب معالم في الطريق هو خيط البداية.. كان الشهيد قد كتبه في السجن وموضوعه الأساسي هو المجتمع الجاهلي وتكفيره.. "وتكرر طبعه أكثر من مرة، ومن هنا تساءلنا كيف يمكن لهذا الكتاب أن يروج بهذه السعة وبهذا الكم فبدأت شكوكنا تتجه نحو وجود تنظيم كبير يقف وراء هذا الكتاب".
***
أتساءل والتساؤل جمرات من النار..
لقد كان الشيوعيون وراء التحريض على قتل الشهيد العظيم بعد أن ظنوا أن إعصار "معالم في الطريق" هو إعصار سيكنسهم كنسا ويطهر الأرض منهم تطهيرا..كان ذلك ظن الشيوعيين ومن على دربهم..
فماذا كان دربك أنت يا محمد حسنين هيكل.!..
لأنه إذا كان سيد قطب قد أعدم من أجل المعالم.. فليس ثمة ريب أنك أنت الادعاء والقاضي والجلاد..
كنت تعمل من خلف ستار..
كنت الأذكى.. وكنت الأقدر على فهم خطورة فكر سيد قطب.. وأنكم لا تملكون فكرا يواجه فكره.. ببساطة لأن فكره صواب وفكركم باطل.. وفكره مع الأمة والناس وفكركم ضدهم.. وفكره لا يمكن مواجهته بالفكر بل بالمحاكم العسكرية والإعدام.. وكنت أنت – يا هيكل- ورئيسك وثورتك الإرهابيين.. وليس سيد قطب.

***
يقول الشهيد في: "لماذا أعدموني":
لقد امتلأت نفسي بضرورة وجود حركة إسلامية كحركة الإخوان المسلمين في هذه المنطقة وضرورة عدم توقفها بحال من الأحوال .. الصهيونية والصليبية الاستعمارية تكره هذه الحركة وتريد تدميرها .. ومخططاتها الواضحة من كتبها ومن إجراءاتها ومن تقريراتها ومن دسائسها تقوم كلها على أساس أضعاف العقيدة الإسلامية، ومحو الأخلاق الإسلامية، وإبعاد الإسلام عن أن يكون هو قاعدة التشريع والتوجيه وذلك للوصول إلى تدمير العقائد والأخلاق، وبالتالي تدمير المقومات الأساسية للمجتمع في هذه المنطقة وإحداث انهيار يسهل معه تنفيذ تلك المخططات.. ووقف نشاط الإخوان حقق الكثير من هذه المخططات، وساعد على نشر الأفكار الإلحادية والانحلال الأخلاقي.
الإخوان المسلمون تدبر لهم المذابح في حادث المنشية وحادث طرة … جمعية الفلاح عن طريق أعضائها القريبين من رجال الثورة، تشحن الجو بالتوتر والمخاوف وتعمل على توسيع الهوة وتعميقها .. التعذيب والقتل والتشريد ينال الألوف من العناصر المتدينة المتماسكة الأخلاق، الأمينة المخلصة، وبيوتهم وأطفالهم ونساءهم.. إلى آخر هذه الصورة المفزعة الكئيبة .. هذه هي الحصيلة التي تجمعت لدي فيما بين سنة 1954 وسنة 1962، ليس معنى ذلك أنه لم تكن هناك أخطاء إطلاقاً في حركة الإخوان، ولكنها إلى جانب تلك الحصيلة تعد ضئيلة.
إن الحركة الإسلامية يجب أن تستمر. إن القضاء عليها في مثل تلك الأحوال يعد عملاً فظيعاً جداً يصل إلى حد الجريمة. إن الأخطاء الحركية يمكن أن تستبعد، ويمكن الاستفادة من التجربة في تجنبها..
خرجت من السجن، وفي تصوري صورة خاصة محددة لما يجب أن تكون عليه أية حركة إسلامية في الظروف العالمية والمحلية الحاضرة وصورة لخطوات المنهج الذي يجب أن تسير عليه. وقد ذكرت ذلك من قبل ولكني ألخصه هنا قبل البدء في التفصيلات :
1- المجتمعات البشرية بجملتها قد بعدت عن فهم وادراك معنى الإسلام ذاته . ولم تبعد فقط عن الأخلاق الإسلامية، والنظام الإسلامي، والشريعة الإسلامية. وإذن فأية حركة إسلامية يجب أن تبدأ من إعادة تفهيم الناس معنى الإسلام ومدلول العقيدة وهو أن تكون العبودية لله وحده. سواء في الاعتقاد بألوهيته وحده، أو تقدير الشعائر التعبدية له وحده، أو الخضوع والتحاكم إلى نظامه وشريعته وحدها .
2- الذين يستجيبون لهذا الفهم يؤخذ في تربيتهم على الأخلاق الإسلامية في توعيتهم بدراسة الحركة الإسلامية وتاريخها وخط سير الإسلام في التعامل مع كل المعسكرات والمجتمعات البشرية، والعقبات التي كانت في طريقه والتي لا تزال تتزايد بشده ، وبخاصة من المعسكرات الصهيونية والصليبية الاستعمارية.
3- لا يجوز البدء بأي تنظيم إلا بعد وصول الأفراد إلى درجة عالية من فهم العقيدة ومن الأخذ بالخلق الإسلامي في السلوك والتعامل ومن الوعي الذي تقدم ذكره.
4- ليست المطالبة بإقامة النظام الإسلامي وتحكيم الشريعة الإسلامية هو نقطة البدء. ولكن نقطة البدء هي نقل المجتمعات ذاتها - حكاما ومحكومين - عن الطريق السالف إلى المفهومات الإسلامية الصحيحة - وتكوين قاعدة إن لم تشمل المجتمع كله فعلى الأقل تشمل عناصر وقطاعات تملك التوجيه والتأثير في اتجاه المجتمع كله إلى الرغبة والعمل على إقامة النظام الإسلامي وتحكيم الشريعة الإسلامية .
5- وبالتالي لا يكون الوصول إلى إقامة النظام الإسلامي وتحكيم الشريعة الإسلامية عن طريق انقلاب في الحكم يجيء من أعلى، ولكن عن طريق تغير في تصورات المجتمع كله - أو مجموعات كافية لتوجيه المجتمع كله - وفي قيمه وأخلاقه والتزامه بالإسلام يجعل تحكيم نظامه وشريعته فريضة لا بد منها في حسهم !
6- في الوقت ذاته تجب حماية هذه الحركة، وهي سائرة في خطواتها هذه بحيث إذا اعتدى عليها وعلى أصحابها يرد الاعتداء. وما دامت هي لا تريد أن تعتدي ، ولا أن تستخدم القوة في فرض النظام الذي تؤمن بضرورة قيامه - على الأساس المتقدم وبعد التمهيدات المذكورة - والذي لا يتحقق إسلام الناس إلا بقيامه حسب ما يقرر الله سبحانه ، ما دامت لا تريد أن تعتدي ولا أن تفرض نظام الله بالقوة من أعلى فيجب أن تترك تؤدي واجبها وألا يُعتدى عليها وعلى أهلها . فإذا وقع الاعتداء كان الرد عليه من جانبها .
***
يتحدث  أحمد عبد المجيد وهو واحد ممن حكم عليهم بالإعدام مع الشهيد ثم خفف الحكم – أو على الأحرى شُدّد- إلى الأشغال الشاقة المؤبدة عن الهجوم الضاري على فكر الشهيد وعن الأكاذيب التي روجت حوله.. ويؤكد أن فكرة التكفير كانت بعيدة عن "قطب"، وأن التكفير لم يتبنَّه القريبون منه أو الذين تربوا على يديه، ولم يتبنَّه تنظيم 1965م، ولكن الذي تبنى التكفير هم الذين لم يتربوا على يد "قطب"، ولم يكونوا من الإخوان المسلمين، وأشار الأستاذ أحمد عبد المجيد  إلى حقيقة تاريخية وهي أن التكفير نشأ عام 1968م، وأنهم (أي قيادات تنظيم 1965) عاشوا في عزلة تامة في السجن الحربي لمدة تزيد على السنتين، وعندما تم ترحيلهم إلى سجن قنا فوجئوا أن قدامى الإخوان في السجن يسألونهم عما تردده الصحافة عنهم من أنهم يكفرون المجتمع ويسعون لقتل "أم كلثوم"، فكان الحديث مفاجأة، ويذكر الرجل أنه عندما أخبر عن "التكفير" لم يسترعِ الأمر انتباهه؛ لأن المسألة لم تكن مطروحة في فكرهم الذي فهموه من "قطب".
وأشار -أيضا- إلى حقيقة، وهي أن الذي أطلق عبارة "نحن دعاة ولسنا قضاة " هو الشهيد "سيد قطب" وهي العبارة التي صارت منهجًا للإخوان في عهد المرشد الثاني للإخوان "حسن الهضيبي".
***  
كلاب النار يحاولون الدس بين الشهيد وبين عامة المسلمين.. ولا يذكرون أبدا كم الحنان والحب الذي يحمله الشهيد حتى للعصاة..
يقول الشهيد:
إن العظمة الحقيقة: أن نخالط هؤلاء الناس مشبعين بروح السماحة والعطف على ضعفهم ونقصهم وخطئهم، وروح الرغبة الحقيقة في تطهيرهم وتثقيفهم ورفعهم إلى مستوانا بقدر ما نستطيع.
ويقول:
إنه ليس معنى هذا أن نتخلى عن آفاقنا العليا ومثلنا السامية أو أن نتملق هؤلاء الناس ونثني على رذائلهم، أو نشعرهم أننا أعلى منهم أفقًا، إن التوفيق بين هذه المتناقضات وسعة الصدر لما يتطلبه هذا التوفيق من جهاد هو العظمة الحقيقة".
***
يواصل الدكتور القرضاوي
وكان الاعتقال هذه المرة أوسع دائرة من أية محنة سبقت، وقد جرى فيها من أساليب التعذيب ووسائله الوحشية والحديثة، ما لم يجرِ في المحنتين السابقتين في عهد الثورة، ولا في المحنة التي مضت في عهد الملك فاروق وحكومة النقراشي وإبراهيم عبد الهادي.
ثم يتحدث الدكتور القرضاوي عن كيفية إخراج المؤامرة في صورتها التي أرادها الأخطبوط الصليبي الصهيوني بأذرعته في الداخل حين استقطب الأمن الباطش الجبار شخصا من الإخوان اشتروه بالإغراء، والتأثير بالوعد والوعيد، والعفو عنه من حبل المشنقة -وهو علي عبده عشماوي- فخارت قوته، وانهزمت إرادته، فسقط في أيديهم فريسة سهلة، وأمسوا يلقنونه ما يجب أن يقول، فيذعن لهم، ويصبح رجع الصدى لما يقولونه. وهذا الطريق من وقع فيه، فقد وقع في حفرة لا ينجو منها إلا إلى حفرة أشد منها عمقًا، ومن مضى فيه خطوة لم يستطع الرجوع عنها، ومن سقط السقطة الأولى ظل يسقط ويسقط، إلى ما لا نهاية، فقد غدا لا يملك من أمره شيئًا، غدا مسيّرًا لا مخيرًا، زمامه بيد غيره. لأن الذي يبيع نفسه للطاغوت، قد خسرها بالمرة، وهذا لون من الشرك بالله، الذي ينحط به الإنسان إلى أسفل الدركات "وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ" [الحج: 31].
وكان القبض على الإخوان المسلمين بتهمة أنهم يدبرون مؤامرة للعدوان على عبد الناصر وقتله، ويذكر الأستاذ موسى صبري -وهو كمسيحي لا يمكن أن يكون ضالعًا مع الإخوان- أن كل الثقات يؤكدون أن قضية الإخوان التي أُعدم فيها سيد قطب كانت من اختراع شمس بدران، وزبانية البوليس الحربي، وأنها مؤامرة وهمية، وأن التعذيب في هذه القضية هو قمة المأساة.
حتى حلمي النمنم،  يتحدث عن حكاية سيّد قطب، الذي راح ضحية صمت الجميع، من حول عبد الناصر، رهبة أو نفاقاً، وينتقد هُزال المحاكمة، وعلى تلفيق التهمة، وعلى سرعة تنفيذ الحكم بالإعدام (بعد تسعة أيام من صدوره). فحلمي النمنم، يصل إلى نتيجة، بأن قرار الإعدام كان مضمراً قبل الاعتقال، وأن سيّد قطب، لم يفعل شيئاً يستحق حتى السجن بعد خروجه من الحبس في المرة الأولى، وأن قيادة "الإخوان المسلمين" في السجون وفي الخارج، كانت ضد أي عمل في ذلك الوقت، بل بلغ بعضها، حد الشكوك في سيّد قطب، بأن ما تناهى إلى أسماعهم عن محاولته إحياء التنظيم، إنما هو ملعوب أمني، للإجهاز على من تبقى من "الإخوان"!.
لكم هو مؤلم أن يقول حلمي النمنم ذلك.. لكم هو مؤلم أن ينطق بالصدق بعد أن تعودنا منه غيره..
فحلمي النمنم ليس شاهد عدل.. بل هو ظالم وغير موضوعي ولا منطقي ويحمل مواقف مبدئية ضد الإسلاميين عموما.. وليس أدل على ذلك من كتاباته عموما.. وعلى وجه الخصوص فقد كان من كبار مؤيدي حيدر حيدر في روايته الشيطانية: "وليمة لأعشاب البحر".. كما أنه في المؤامرة الأخيرة على الإخوان كان ملكيا أكثر من الملك في هجومه على ما سماه الاستعراض العسكري لطلاب جامعة الأزهر وخطورة ذلك على الأمة وضرورة أن تتخذ الدولة منهم موقفا حاسما.. لقد ظننت من غلوائه أنه سيطلب إعدامهم دون محاكمة- ألم يفت المفتي عليه من الله ما يستحقه بشيء مثل هذا؟- وفي نفس الوقت كان يقطر حنانا ورقة على الطالب الأزهري المفصول الذي كتب في مدونته سبابا فظيعا لسيد الخلق صلى الله عليه وسلم.. مهاجما الحكم عليه بالسجن مطالبا بالرأفة وانتظار تغيراته الفكرية حيث أنه لم ينضج بعد.. حلمي النمنم هذا وبتركيبته الفكرية تلك يؤكد أن قضية سيد قطب كلها كانت ملفقة ولم تكن تستحق الإعدام ولا حتى السجن..
يا له من ألم..
ويا له من عار..
***
ألقى القبض على الشهيد سيد قطب يوم 9 أغسطس سنة1965 بعد أن قدم رسالة احتجاج إلى المباحث العامة بسبب القبض على أخيه الأستاذ محمد قطب . .  لم تشفع له سنه . . ولم يشفع له مرضه . . بل إنهم استغلوا هذه الأمراض جميعا في نوع التعذيب الذي تعرض له . . لقد ربطوه في كرسي  لمدة أربعة أيام وحرموه فها من الطعام والشراب وحرموه حتى من الماء " . وكانوا يسكبون الماء أمامه . . ومعروف أن مريض الكلى يحتاج إلى كميات كبيرة من الماء . . ولقد وصل الأمر بالشهيد سيد أنه أوشك على أن يفقد بصره وكان هناك نوع آخر من العذاب تعرض له الشهيد سيد قطب .. وهو ما أصاب أفراد أسرته لقد عذب ابن أخته رفعت بكر حتى أستشهد أمام عينيه وكان رفعت بكر أحب أولاد أخته إليه للشبه الكبير بينهما .
لقد كانوا – لعنهم الله ولعن تابعيهم إلى يوم الدين-  يريدون من رفعت بكر أن يكون شاهدا على خاله سيد قطب وعلى خالته حميدة قطب وعلى الحاجة زينب الغزالي فأرادوا منه أن يقول كلاما بعينه ولكنه رفض فاستمروا في تعذيبه حتى أنقذه الله من أيديهم واتخذه شهيدا .
وعذبوا أيضا عزمي بكر أخ رفعت واشتدوا أيضا في تعذيبه حتى أوشك أن يقتل مثل أخيه وكانوا يريدون منه أيضا ما أرادوه من أخيه رفعت .. ولم يقف الأمر عند ذلك فقد اعتقلوا السيدة نفيسة قطب أم رفعت وأم عزمي بكر وكان عمرها يزيد على الخامسة والستين وبقيت معتقلة في السجن حتى مقتل ابنها رفعت فتركوها تعود إلى البيت ..
واعتقلت أيضا الأخت أمينة قطب في السجن الحربي وظلت رهن الاعتقال فترة أطول من أختها الكبرى .. أما الأخت حميدة قطب وهى أصغر أخوات الشهيد سيد قطب فقد اعتقلت في السجن الحربي ولفقت لها تهمة وقدمت للمحاكمة وصدر ضدها حكم بعشر سنوات سجن قضت منها ست سنوات وأربعة أشهر بين السجن الحربي وسجن القناطر ..
***
كيف كنت يا حبيبي وهم يقتلونه أمام ناظريك.. كيف كنت...
سحقوا قلبك- يا حبيبي- كما سحقوا جسدك لكن روحك ظلت شامخة في عنان السماء تطل على أرواحهم النجسة و أخلاقهم النتنة في أسفل سافلين..
كيف كنت يا حبيبي وهم يقتلون ابنك أمامك.. نعم.. كان ابنه أو كابنه فالشهيد لم يتزوج ولم يكن له أبناء والمؤكد أنه كان يشعر نحوه شعور الأب نحو ابنه و أكثر..
كيف كنت وهم يقتلونه أمامك.. كيف استقبلت مشاعرك الحساسة مصرعه و أنت الرقيق الحساس الذي لم تحتمل عذاب قط أجرب في السجن كان الجميع يطاردونه فآويته وقاسمته طعامك وهو قليل..
هل بكيت يا حبيبي..
لقد بكيت لأمور أقل..
كان الشهيد سيد قطب ذا قلب كبير . . يحب الإخوان ويشفق عليهم . . ويحنو عليهم حنو الأب . . حدث أثناء خروج المجاهدين  للمحاكمة كانوا في انتظار العربات التي ستحملهم للسجن.. كان الشهيد في غرفة داخلية وكانوا هم في الفناء .. والتقت الأعين في صمت وراح الشهيد يتفرس في وجوههم  فابتسموا له وأظهروا له الثبات والصبر والجلد ما تقر به نفسه فما كان من الشهيد سيد إلا أن بكى ورفع يديه إلى السماء وأخذ يدعو لهم . . لقد بكى إشفاقا عليهم وحبا وحنانا ورقة.
إن كنت قد بكيت في مشهد كهذا يا حبيبي فماذا فعلت وهم يقتلون ابنك.. و أمام عينيك..
***
تحدث محمد حسنين هيكل في إحدى حلقاته على قناة الجزيرة 16 / 6 / 2005 عن تجسد الرمز في حياتنا وكيف يمكن أن يعبر تعبيرا صادقا عن حالة أوسع بكثير فيعطي مثالا على ذلك – إذ يضرب المثل على حال العرب قبل وبعد 7 أكتوبر 1973-  القصة التي كتبها أوسكار وايلد 'دوريان جراي' و مؤداها باختصار أن شابا خلقه الله ومنحه حسنا وجمالا إلي أقصي حد.. ورسم فنان لهذا الشاب صورة ووضعت في قاعة عرض في لندن ودخل الشيطان وأطل علي هذه الصورة وذهل أن يوجد إنسان بهذا القدر من البهاء والروعة  وسأل عنه فعلم أنه شاب مستقيم جدا لأنه يريد – من خلال استقامته-  أن يحافظ على جماله وبهائه.. فذهب إليه على الفور وعقد معه صفقة.. وراح  يغويه فقال له الشاب إنه راغب في أن يحافظ علي ما حباه به الله كما هو فعقدوا صفقة مؤداها أن يفعل 'هبري' كل ما يشاء من خطايا مع 'دوريان جراي' دونما أن تظهر الآثار علي وجه الشاب وبدلا من ذلك تظهر الآثار علي الصورة، وبالتالي تتحمل وزر كل ما يفعله دون أن يتحمل هو، وتم عقد الصفقة مع الشيطان وبدأ يعيش الحياة ولم يترك خطية إلا وأقدم عليها وهو مطمئن أن الصورة تتحمل وزر هذه الخطايا لكن جماله باق كما هو.. حتى استبد به الفضول لرؤية الصورة التي يخفيها الشيطان بستارة.. تشوق ليعرف تأثير حياته علي صورته.. فتسلل ذات يوم وطلع وفتح الباب ودخل وأزاح الستار عن الصورة فوجد وجها بشعا لم يتصوره ومن غيظه أخذ سكينة ضرب بها الصورة وعندما ضربها انتهي العقد مع الشيطان فإذا بالصورة نفسها تتحول ملامحها إلي ما كان عليه من جمال والقبح كله يظهر علي وجه الشاب.. وهذه هي النتيجة لحظة مواجهة الحقيقة التي يحاول الناس أن يداروا عليها.. ما حدث عندنا ولدولنا هو بالضبط صورة 'دوريان جراي'.
يواصل هيكل: اللي حصل إنه قبل 6 أكتوبر 1973 تبدي العالم العربي علي صورة كاملة جميلة مليانة كبرياء حلوة التقاطيع قادرة علي أن تقف وتقاتل في معركة مصير وحطت كل مواردها في سبيل ذلك ولها أصدقاء في العالم بلا حدود: الاتحاد السوفيتي ­ الهند ­ الصين ­ أوربا كلها متعاطفة ­ آسيا ­ أفريقيا ­ وبدا مساء 6 أكتوبر العالم العربي علي أجمل صورة ..
دعونا الآن من تلفيق يكاد يدفع للبكاء وهو– هيكل-  يصف صورتنا قبل 6 أكتوبر 1973 بالرونق والبهاء لكي تتحول بعد 7 أكتوبر 1973 إلى صورة بشعة ( لأنني واثق أن البعض لن يصدق أن هيكل يمكن أن يصل إلى هذه الدرجة البائسة من فقدان القدرة على الحكم على الأمور فإنني أنبهه أن نص المقال موجود على موقع قناة الجزيرة حيث نقلته منه حرفا بحرف) .. لكن تلك ليست هي قضيتنا الآن.. فقضيتنا هي الفعل البشع الحيواني الدنس المجرم الخائن المجنون الذي يظهر بمظهر خادع مليء بالبراءة والجمال والطهر والجلال..
يا محمد حسنين هيكل..
أولي بك أن  تقصد بإحالتك إلى قصة دوريان جراي قصتك أنت..شكلك أنت .. مظهرك أنت.. جوهرك أنت..و أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى أن تقصد مظهر جمال عبد الناصر ومخبره.. ومظهر ثورة 23يوليو ومخبرها..
***
لم يكن محمد حسنين هيكل يدرك وهو يتحدث عن قصة أوسكار وايلد  "دوريان جراي" أنه يستعمل حيل النفس المريضة لتبرئة الذات الآثمة.. يستعملها للتزوير وبالتزوير.. و أنه لم يلجأ إلى التسامي أو التعويض أو الاحتواء و إن كان قد لجأ إلى الإسقاط والتقمص والتعويض والتفكيك والتبرير والإنكار والإبطال والنسيان والإزاحة والتعميم والتكوين العكسي والإبدال.. إلا أننا نكتفي بتعريف الإسقاط من هذه الحيل جميعا فهو يشير – و إن لم يغن- عن الآليات الأخرى: فالإسقاط هو أن ينسب الفرد ما في نفسه من عيوب إلى الآخرين.. كما أنه في خضم عملية الإسقاط تلك يلجأ إلى أحلام اليقظة فيقلب فيها الحقائق أو يبدلها لتتواءم مع بنائه المقلوب، وليقدم تفسيرا منطقيا – من وجهة نظره- لاستنتاجات مستحيلة.. كأن يقول أن صورتنا الجميلة قبل 73 قد تحولت إلى صورة قبيحة بعدها.. وأننا في 73 فعلنا ما فعله بطل أوسكار وايلد.. حين قمنا بطعن الصورة فبدت بشاعة الواقع..
والحقيقة أن هيكل هو الذي يقلب الواقع..
والكارثة أن عملية قلب الواقع هذه لم تكن استثناء.. بل لعلها كانت القاعدة في حياته كلها في علمانية شاملة براجماتية وحشية كاسحة مخيفة تجعل هدفها ليس إظهار الحقيقة بل إخفاءها وخلق شبه حقيقة أو أشباه حقائق موازية لا تمت للحقيقة الحقيقية بصلة.. إن علاقتها بالحقيقة كعلاقة الشبيه"الدوبلير" بالبطل.. أما وظيفتها فهي الحلول محل الحقيقة بعد إزاحتها لإخفائها..
يحدد هيكل  هدفه- دون أي ارتباط بالقيم والأخلاق والحلال والحرام والصواب والخطأ  والتاريخ والجغرافيا.. ودعنا الآن من اقتناعه بصدق ما يفعل فلم يعد يهمنا إذا كان في الشاطئ الآخر بالعمالة أو بالأصالة- وبعد أن يحدد ذلك الهدف يقوم بتحديد الوسيلة المثالية لإقناع الناس بما يقول .. وبذكاء فذ يمارس ذلك فيقلب الحقيقة بتغيير لفظ.. وإنني أرجو القارئ الرجوع إلى العمل الأدبي الهائل:" الصخب والعنف" للكاتب الأمريكي الشهير وليم فوكنر.. أو رواية "أفراح القبة" لعملاق الرواية العربية نجيب محفوظ(بالمناسبة كان سيد قطب هو أول من تنبه ونبه لموهبة محفوظ. يقول نجيب محفوظ: أول ناقدَيْن كَتَبَا عن مؤلفاتي في مجلة "الرسالة" هما : سيد قطب وأنور المعداوي ، فقد كان لهما الفضل في انتزاعي من الظلام إلى النور) .. ففي الروايتين المذكورتين يكفي تغيير كلمة لقلب المعنى بل ولتشكيل رؤية جديدة ورواية تتناقض مع الرواية السابقة التي لا تختلف معها إلا في لفظ أو نحوه.. أو حتى في إعادة ترتيب الأحداث دون تغيير الألفاظ لتعطي معنى مناقضا.. وهذا بالضبط هو ما برع فيه محمد حسنين هيكل حتى أنه يحاول إقناعنا بتلك الفرضية المستحيلة التي أشرت إليها لتوي عن صورتنا الجميلة - نحن العرب- التي انقلبت إلى قبيحة يوم 7 أكتوبر 1973..
يا محمد حسنين هيكل..
قصة دوريان جراي ليست رمزا لصورة العرب قبل 73 وبعدها..بل كانت ترمز لك أنت.. وكأنما شعر عقلك الباطن بأن زمانا سيأتي ليستعمل فيه أحد المفكرين هذا الرمز ضدك فبادرت بإسقاطه على غيرك..
يا محمد حسنين هيكل..
أولي بك أن  تقصد بإحالتك إلى قصة دوريان جراي قصتك أنت..شكلك أنت .. مظهرك أنت.. جوهرك أنت..و أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى أن تقصد مظهر جمال عبد الناصر ومخبره.. ومظهر ثورة 23يوليو ومخبرها..
أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى أن تقول أنك بطل دوريان جراي..من البداية للنهاية.. إلا أن الطعنة النهائية – رغم كل الكوارث التي ترتبت على الثورة-  لم تُطعن بعد.. ولا مدى بشاعة الواقع قد اكتُشفت حتى الآن..
يا محمد حسنين هيكل..
أين كنت ساعات التعذيب والقهر والقتل..
أين كنت أيها المتنبئ المذموم لإله مزعوم..
أين كنت من التعذيب والقهر وإهدار الآدمية والإذلال وقمع الفكر وسيادة الغوغائية والسوقية والجهل والاستعراض الذي دمر البلاد في النهاية..
أين كنت من الكذب.!..
أين كنت من التزوير؟!..
أين كنت من إعادة صياغة التاريخ لتعلى الباطل وتحاول إطفاء نور الحق؟!..
أين كنت وأنت تمارس خطتك البشعة الرهيبة التي وصلت إلى أنه لا يمكن لفكرك أن ينتصر في وجود الإخوان فكان قرارك وقرار وليك وربيبك بالقضاء عليهم وفي محاولتكم تلك كنتم ترفعون شأن إسرائيل عاليا في السماء..
أين كنت وزعيمك و إلهك  يعترف و يصرخ بأن الإخوان المسلمين أخطر عنده من اليهود..
كنت أنت أذكى من أن تعترف بهذا الاعتراف الفادح الفاضح لكنك كنت تضمره..
يا محمد حسنين هيكل..
أمط اللثام عن صورتك البشعة أيها النبي المزعوم وعن صورة إلهك الموهوم..
أمط اللثام كي يدرك الناس كم كان جوهركم وحشيا ومخيفا وبلا ضمير..
كانت الصورة فقط هي الجميلة..
أما الأصل فقد كان – من البداية للنهاية- غاية في الشراسة والإجرام والقبح..
***
نعم..
لقد قاموا بعملية تزوير شاملة للتاريخ, عملية لا يمكنني حتى في كتاب كبير أن أحيط بها..
عملية شارك فيها ملايين الأشخاص وآلاف الهيئات والمؤسسات والأجهزة  لعشرات من السنين بهدف قلب الحقيقة..
عملية شيطانية لا تقتصر في الاستناد إلى مداها الزمني بل تمد جذورها إلى قرون متطاولة دأب فيها اليهود والصليبيون – حيث امتدت جذور هيكل وقومه- على تشويه الإسلام والمسلمين مستعملة كل آلياتهم وإمكانياتهم وقدراتهم وتاريخهم وفلسفاتهم وتزويرهم و أكاذيبهم وسيطرتهم على كل شيء من إعلام و إعلان وصحافة وتلفاز ومسرح وسينما ورواية وشعر وكراسي دراسات جامعية و أكاديمية  و أبحاث ودراسات وجامعات وهيئات تتستر تحت غطاء دولي وهي في الأصل تابعة لأجهزة مخابرات..
عملية تقبع فيها عبقرية الشيطان وهي العبقرية التي يلخصها كتاب خطير للكاتب الفلسطيني الأمريكي المسيحي إدوارد سعيد:"الاستشراق" والذي حاول فيه بطريقة فذة أن يتقصى الآليات المذهلة لقلب الحقائق.. وليس مجرد عملية القلب وحدها.. فالأنكى إقناع الضحية برأي عدوه فيه..
نعم .. بعد أن تقرأ كتاب إدوارد سعيد ستكون خلاصة القراءة أن الأمر يشبه خيالا مروعا .. أخطر ما فيه أنه لم يعد خيالا !! هذا الخيال الذي لم يعد خيالا يعبر عن لص طاغوت مجرم سفاح قاتل.. ولكن أمر هذا اللص غريب.. وأغرب ما فيه أنه جعل الغريب طبيعيا والطبيعي غريبا..فهذا الطاغوت اللص  هو الذي يحدد قضاته.. وهم في الحقيقة والواقع خدمه وجزء من عصابته حتى لو لم يعترفوا.. وهو الذي يشرف على تحريات الشرطة عنه فيعتمد منها ما يشاء ويطمس ما يشاء.. فالشرطة التي كانت خدم السلطان كما عرفها الفيروزبادي قد أصبحت الآن خادمة اللص الطاغوت..  ثم أن هذا اللص هو الذي يختار القانون هو الذي يوجده ويلغيه ويعدله .. وهو بالطبع قانون لا يمكن أن يحاكم به..فهو مفصل له.. بل وهو الذي يضع الدستور ويستفتي عليه ويزور نتائج الاستفتاء بوقاحة وبشاعة.. ثم أنه قبل ذلك كله محصن ضد المحاكمة..  فضلا عن أنه  مصدر السلطات كلها.. لا سلطة لسواه..  وهو الذي – بسطوته - يعيّن المسئولين.. ويكافئ شركاءه في العصابة من أموال ضحاياه.. إنه يدرك أن الناس هم أعداؤه.. لذلك لا يكف عن إضعافهم بسلب الأغراض وهتك الأعراض ونشر الأمراض.. خاصة  أن سطوته وصلت إلى أجهزة الإعلام التي أغدق عليها الملايين من جيوب الضحايا أيضا.. فراحت هذه الأجهزة تعلي دوره وتمجد جوره.. وتهلل لفجوره.. وتهاجم أعداءه.. وتمهد الناس بهذا الهجوم لتقبل قيام الشرطة المخصخصة للقبض على هؤلاء الأعداء.. وللقضاء بالحكم الرادع عليهم..  وبالمال والسلطة والسطوة يطمس اللص الحقائق ويخلق الأكاذيب.. ينشر المحن ويخلق الإحن وينثر الفتن.. إنه يدمر مجتمعه كي يظل هو الأكبر.. تماما كما تنبأ جورج أورويل في روايته العبقرية 1984.. بل و أبشع مما تنبأ.. لأن هذا اللص المجرم لم يكتف بكل ما ذكرت.. لقد مد أحابيله إلى الجامعة فكبلها وسيطر عليها فأصبحت الأبحاث الأكاديمية التي تكشف أمره تحارب وتعدم.. كذلك كاتبوها.. وتصبح رايات الباطل أعلى من رايات البغاء وفي كل عند هذا اللص خير..ولقد مد سطوته إلى الأدباء والكتاب والمفكرين.. فأدخلهم في حظيرته.. ليصبحوا أبواقا له.. حملة مشاعل تزوير لا تنوير.. وهي مشاعل تحرق وتخنق ولكنها لا تضئ..إنها تطلق الدخان الكثيف لتخفي الحقائق.. وليتمكن ذلك اللص الفاجر من إخفاء ما يفعل.. تحت ستار دخان المثقفين والكتبة.. إنه يحدد حتى أنواع الأفلام التي يجب أن تفوز.. والروايات التي ينبغي أن تحصد الجوائز.. والمسرحيات التي يفسح لها المجال لتشخص.. كما يتكفل بالتعتيم والإظلام على كل من لا يسايره.. فكأنه قتله.. إن لم يكن على المستوى المادي فعلى المستوى المعنوي..إنه يشهر من يريد أن يشهره.. وينشر ما يريد أن ينشره.. ويخفي ما يريد ومن يريد أن يخفيه..أما من يعتصم بحبل ربه من هؤلاء و أولئك.. فإن ذلك اللص قادر بكل ما سيطر عليه أن يتعقبهم ويحاصرهم بل و أن يشردهم ويسجنهم أيضا.. وأن يسومهم سوء العذاب.. فقد أنساني العذاب أن أقول لكم أنه استولى على السجن أيضا.. فأطلق منه المجرمين كي يكونوا حاشيته وسدنته وجمهوره وأعوانه.. وسجن فيه كل من يصر على أن يسمي الأشياء بمسمياتها فيقول له:
- برغم كل شيء فلست إلا لصا ومجرما وقاتلا ومزورا وخائنا وعميلا.. ثم أنك وحش مفترس..
هؤلاء لا يعكر عليهم اللص دنياهم فقط.. بل ويحاول الإيهام بأنه يتحكم في آخرتهم أيضا.. لقد ظن أنه قادر عليها .. فقد  استولي فيما استولى.. وسيطر فيمن سيطر على شيوخ المدينة ليفتوا بما يرى ويمنحوا صكوك الغفران لمن يريد ويمنعوها عمن يشاء..فيحكمون بما قرر اللص لا بما أنزل الله..  فإذا بعبدة الشيطان أبرارا وإذا بعباد الله كفارا.. ففي ذلك الوسط الجهنمي يوجد أيضا حسنات وذنوب و إن اختلف المعنى.. ويوجد أيضا كبائر.. أما أكبر الكبائر فهي الصدق والإخلاص والأمانة والشرف.. إنها إهانة مباشرة لعالم اللص الطاغوت أو الطاغوت اللص.. واتهام لأن جهوده لم تتكلل كليا بالنجاح.. لذلك تكون عقوبته للمتهمين بالصدق أوالإخلاص أوالأمانة أوالشرف عقوبات رادعة.. بل عقوبات مجتثة.. تستهتدف استئصال الفعل  وليس مجرد الفاعل.. تبدو هذه الصفات خطرا شديدا.. ومجرد ممارستها هي بالتأكيد محاولة لقلب نظام اللص الطاغوت.. في هذا العالم الجحيمي يوجد أيضا حسنات.. وهي تعرف بالضد.. فالكذب والغش والخيانة والدنية هي مسوغات العلا.. كلما كبرت كلما كبر منصب حاملها وازداد قربا من الطاغوت اللص واللص الطاغوت.. وفي هذا العالم  فإن كبيرة الكبائر هي محاولة كشف الكذب والإعلان عن الغش وفضح الخيانة والاشمئزاز من الدنية والحقارة.. كبيرة الكبائر تلك هي اتهام نهائي بالإرهاب.. اتهام نهائي يستحق أقصى درجات العقاب وحتى دون العرض على القضاء المزيف المغشوش.. أو محاكم اللص الطاغوت المخصخصة.. بل يستحق الموت.. وكل الجرائم الأخري قد يمكن العفو عنها إلا تهمة الإرهاب تلك..
ويظل هذا ما يردده الجميع ولا تكف كل الأجهزة والمؤسسات والهيئات وكتب التاريخ ومحاضرات الجامعة ومقالات الصحف ومنهج التاريخ عن ترديده..
ويظل الصدق ممنوعا والكذب متبوعا والإخلاص مقطوعا والغش ينبوعا  والأمانة جوعا  والعدل منزوعا وقلبك موجوعا  أما سبيل القرب من الطاغوت فهو أن تكون الأكثر خضوعا و بالشر ولوعا وللخير منوعا وللفاحشة ذيوعا .. وفي كل الأحوال يجب أن يكون الجهاد ممنوعا وموضوعا ومرفوعا..
فكيف يمكن الوصول إلى الحقيقة إذن في وجود هذا الوضع الجهنمي ..
كيف..كيف..كيف..
نعم..ثمة
عملية تزوير شيطانية شاملة يصبح استقصاء الحقيقة بعدها عصيا كالمستحيل لولا قبس من نور الله الذي يأبى إلا أن يظهر نوره ولوكره العلمانيون !
***
لكم هي محنة أن أتصدى وسط هذا الطوفان كله-  للكتابة عن الشهيد العظيم- أحسبه كذلك- سيد قطب..
نعم..محنة.. و أي محنة.. خاصة مع الكم الهائل من التزوير والكذب الذي أحاط بالشهيد وبجماعته..
محنة أكابدها مروّعا ووجلا أشد الوجل من انقلاب الدائرة علىّ.. فقد بدأت الكتابة راجيا من الله العلىّ القدير أن يجعل ما أكتبه في ميزان حسناتي يوم القيامة.. وإذا بي بعد عامين من الكتابة.. إذ أشرف على النهاية أدعو الله أن أنهي هذا الأمر لا ليَ ولا عليّ.. فقد بت أخشى أن يكون في ميزان سيئاتي لا حسناتي.. ذلك أنني أعلم و أشعر أن الشهيد أكبر جدا مما وصفت.. و أنني كنت إزاء مشروعه الفكري العقدي.. مثل نملة تحاول أن تحيط بجبل.. ولم تكن بالطبع تستطيع.. فوقفت على صخرة على السفح .. وسجلت ما رأته بعينها الكليلة من زاويتها الضئيلة في مساحتها القليلة لتقوم بمهمتها المستحيلة.. ثم عادت النملة إلى قومها.. وهم- القوم- بالمناسبة غثاء كغثاء السيل.. لتقول لهم:
-         ها أنذا قد أحطت بالجبل كله فانظروا.. أدركت ما فيه وما يعنيه وما يظهره وما يخفيه فانظروا..
***
في فترات كثيرة أثناء الكتابة.. كنت أود أن أولي فرارا ممتلئا رعبا مقرعا نفسي :
-         ما الذي يدفع واحدا– مثلي – أن يكتب عن الشهيد العظيم إن شاء الله.. كيف امتلكت هذه الجرأة.. جرأة كجرأة طالب طب على الإقدام على إجراء عملية جراحية كبرى كنقل القلب مثلا.. أو أنني في مثل آخر كنت أخدع الناس بعد أن انتحلت شخصية عالم في الجيولوجيا يعرض قطعا من الزجاج الملون على أنها نماذج وعينات من الماس..
وفي فترات كثيرة أثناء الكتابة.. وحينما كنت أحيل إلى فقرات من الظلال أو المعالم..أو من كتابات الشهيد الأخرى.. كنت أغوص فيما أقرأ .. و أظل أغوص و أغوص و أغوص.. حتى أنسى أنني أقرأ جزءا لأحيل إليه.. فأواصل القراءة وأنسى الكتابة.. أتلاشى من الرعب الرعيب  و أنفجر من الأمل وأثمل من النشوة وأذوب من الألم.. و أُوصَلُ حتى أحسب أنني لن أُهجر أبدا.. و أُهجر حتى أظن أنني لن أُوصل أبدا..أحلق في سماء الرحمة فأظن أنني لن أدخل النار قط.. ثم أهبط لأغوص في بحار العدل فيلطمني طوفانه فأحسب أنني لن أخرج من النار أبدا.. أتلاشى مع المعاني ثم أولد ثم أثلاشى ثم أولد ثم أتلاشى ثم أولد..  أتلاشى فأتمني من رعب الحساب لو أنني لم أولد أبدا.. وأولد فأتمنى من الطمع في حلاوة اللقاء وجلاله ألا أغيب أبدا..  ثم عندما أؤوب إلى نفسي أتساءل في دهشة:
-         ما الذي أوقعني في هذا الأمر.. ألم يكن أولى بي أن أوفر كل هذه الأوراق التي سوّدتها شهرا بعد شهر.. و أن أستعيض عن كل ما أكتب بنشر فصول من الظلال أو المعالم.. لأقف أمامها قارئا – لا كاتبا – كبقية القراء..
و أتصور السؤال يواجهني يوم القيامة فيتساقط لحم وجهي خجلا.. سؤال يقول:
-         هل كان هذا كل قصارى جهدك في الكتابة عن الشهيد؟..فقط.. مجرد هذا.. أيوزن كل ما كتبت وقرأت وسفحت من حبر ودموع بقطرة دم سفكت منه أو بضربة سوط أصابته؟.
*** 
ألم يكن من الأولى أن أترك هذا الأمر كي يوسد أهله؟..
ألم يكن من الأولي أن أتركه للمرشد الثاني المستشار حسن الهضيبي يقول عن كتاب الشهيد سيد قطب ( معالم في الطريق) :
" إن هذا الكتاب حصر أملي كله في سيد، ربنا يحفظه، لقد قرأته وأعدت قراءته وأعدت قراءته، إن سيد قطب هو الأمل المرتجى للدعوة الآن.."
ألم يكن من الأولي أن أتركه للمجاهد الشهيد عبد الله عزام يقول لنا عنه:
"والذين دخلوا أفغانستان يدركون الأثر العميق لأفكار سيد في الجهاد الإسلامي وفي الجيل كله فوق الأرض كلها ، إن بعضهم لا يطلب منك لباسا وإن كان عاريا ولا طعاما وإن كان جائعا ولا سلاحا وإن كان أعزلا ولكنه يطلب منك كتب سيد قطب".
ألم يكن من الأولي أن أتركه للمجاهد الأستاذ عمر التلمسانى المرشد العام الثالث للإخوان  المسلمين رحمه الله ليقول عنه:
"إنه داعية إسلامي، ‏من عيون دعاة المسلمين، ظلمه من أخذ كلامه على غير مقاصده، ومن هاجموه متجنين  لما رأوا من عميق تأثير كلماته وكتاباته على الشباب الطاهر النظيف.... "
‏ ألم يكن من الأولي أن أتركه للمجاهد الأستاذ أحمد عبد المجيد أطال الله عمره ليقول عنه:
‏"كان سيد قطب رحمه الله رحيما لا يغضب إلا للحق . وما رأيته مرة واحدة غاضبا، عف اللسان حتى عند ذكر أعداء الله، لطيف المجلس، ‏حلو المعشر لا تفارقه الابتسامة الوقور، ‏ذو دعابة مؤدبة، رقيق المشاعر، مرهف الحس ... إذا سألت أو ناقشت يستمع إليك، ‏حتى تنتهي من كلامك تماما ‏ولا يقاطعك ولا يعرض  برأيك ولو خالفته الرأي، ولا يرفع صوته حتى ولو رفعت صوتك، ولا ‏ينفعل حتى لو انفعلت". . .
(وبالمناسبة فإن كتب الأستاذ أحمد عبد المجيد مصدر رئيسي لهذا الفصل من الدراسة خاصة كتابه: سيد قطب بين مؤيديه ومعارضيه- كتاب المختار.. وبالمناسبة فما أشد عتابي على التقي النقي الورع – أحسبه كذلك- الأستاذ أحمد عبد المجيد.. فهل يجوز أن نورد في كتاب من كتب السيرة مقالة لأبي لهب –تبت يداه- أو لأبي جهل عن الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم؟!؟؟ والإجابة بالطبع لا.. إذن.. فكيف جاز أن يستشهد بمقالات لصلاح عيسى عن الشهيد..).
*** 
‏ ألم يكن من الأولي أن أهرب من هذا الأمر كله و أن أتعلق  بزمرة المساكين كي أحشر معهم.. لماذا عرضت نفسي للامتحان.. وهو امتحان قد أرسب فيه و أفشل فيتحول دفاعي عن الشهيد إلى إساءة له بعدم القدرة على إبراز فكره كما يجب أن يكون الإبراز والتصدي للهجوم عليه كما يجب أن يكون التصدي..
*** 
‏ ألم يكن من الأولي أن أترك هذا الأمر للأديب المفكر العالم  الأستاذ علي الطنطاوي رحمه الله ليقول عنه:
  " كتاب التصوير الفني في القرآن فتح والله جديد وسيد قطب وقع على كنز من كنوز القرآن كأن لله ادخره له فلم يعط مفتاحه لأحد قبله حتى جاء هو ‏ففتحه.."
‏ ألم يكن من الأولي أن أتركه الأستاذ محب الدين الخطيب رحمه الله ليقول عنه:
"لقد برهن سيد قطب بمواقفه في عهد الطغيان على أنه يحسن القول في تأييد الحق يوم يتجهم وجه الباطل القوى للحق"..
ألم يكن من الأولي أن أتركه الشيخ سلمان العودة يقول لنا عنه:
"حمل لواء الجهاد في سبيل الله بالكلمة الصادقة - كما نحسبه والله حسيبه - ومات وهو على كلمة الحق التي دعا إليها"
"والذي أدين الله به أن الأستاذ سيد قطب من أئمة الهدى والدين، ومن دعاة الإصلاح، ومن رواد الفكر الإسلامي.. سخّر فكره وقلمه في الدفاع عن الإسلام، وشرح معانيه، ورد شبهات أعدائه، وتقرير عقائده وأحكامه، على وجه قلّ من يباريه أو يجاريه في هذا الزمان. وكان حديثه حديث المعايش الذي لابس همّ الإسلام قلبه ، وملك عليه نفسه ، قد شغله الحزن على الإسلام ، والغضب له ، حتى عن ذاته وهمومه الخاصة ".
ألم يكن من الأولي أن أتركه للشيخ عبد الرحمن الدوسري يقول لنا عنه ردا على من عاتبه على الاستشهاد بالشهيد وقد كان حليق اللحية:
"إذا كان الشهيد سيد قطب بلا شعر في لحيته، فهو صاحب إحساس وشعور، وإيمان ويقين، وعزة وكرامة، وغيرة على الإسلام والمسلمين، قدَّم روحه فداءً لدينه، واستشهد في سبيل الله طلباً لمرضاته، وطمعاً في جنته، وقال قولته المشهورة حين ساوموه ليرجع عن موقفه: لماذا أسترحم؟ إن سُجِنتُ بحقٍ، فأنا أرضى حُكم الحق، وإن سُجِنتُ بباطل، فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل، إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة ليرفض أن يكتب حرفاً يقر فيه حكم طاغية"، هذا هو سيد قطب، فأين أصحاب الشَعْر بلا شعور من مواقف الرجال".
ألم يكن من الأولي أن أتركه للأستاذ : حسن عاشور يقول لنا عنه:
"قليلون جدًّا هم الذين لا يستطيع كاتب أن يقدمهم إلى القراء مهما أوتي من العلم والمعرفة ، أو برز في صناعة القرطاس والقلم... ومن هؤلاء الشهيد الخالد سيد قطب .. فحسب هذا العالم المبرَّز أن يُشار إلى ما يكتب بعبارة واحدة تقول: "بقلم سيد قطب" فقد استطاع هذا العملاق الفذ خلال عدة سنوات أن يدخل التاريخ من أوسع أبوابه ، وأن يحتل مكانة في فترة وجيزة بين أصحاب الأفهام ، والفقهاء العظام ، والأئمة الأعلام ، فكان إنتاجه العلمي زادًا لكل عالم ، ومادة لكل كاتب ، ومدادًا لكل باحث عن الحقيقة المجردة!!"
ألم يكن من الأولي أن أتركه لأستاذه : الأستاذ الدكتور مهدي علام يقول لنا عنه:
"إنه لو لم يكن لي تلميذ سواه لكفاني ذلك سرورًا وقناعة واطمئنانًا إلى أنني سأحمِّل أمانة العلم والأدب مَن لا أشكُّ في حسن قيامه عليها، وقصارى القراء أن أقول لهم إنني أعد سيد قطب مفخرة من مفاخر دار العلوم ، وإذا قلت دار العلوم ، فقد عنيت دار الحكمة والأدب.."
( هل تتصورون أن اسم الشهيدين حسن البنا وسيد قطب قد رفع من كل مطبوعات احتفالات كلية دار العلوم بمئويتها.. كان الطاغوت اللص يزيح حقيقة ليحل محلها باطلا وزورا)..
ألم يكن من الأولي أن أتركه للأستاذ الدكتور عبد الصبور شاهين يقول لنا عنه:
"هو سيد قطب... الشهيد... الداعية ... المفكر...الإمام، وهو جدير أن يوصف بهذه الألقاب ، وأن يجمع كل هذه الوظائف ، التي يكفى واحدة منها لتجعل صاحبها في مصافِّ الخالدين... فكيف بمن جمعها كما لم يجمعها أحد قبله "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل منهم" ... إنه خط الدعوة الإسلامية طريقها وجدد طاقتها إلى قرنين قادمين من الزمان على الأقل .......... إن الذي يقرأ كلام سيد قطب في تفسيره - بخاصة - وسائر كتبه الحركية بعامة - يشعر أن هذا كلام ليس تراكيب لغوية تنتمي إلى أساليب الكتاب المحترفين ومهارات المتفننين .. بل كان جنينًا في رحم المعاناة ، وكان غذاؤه روح كاتبه ، وكانت حروفه من نبض قلبه وذوب وجدانه.."
ألم يكن من الأولي أن أتركه لقطب من أقطاب الجماعة هو اللواء صلاح شادي، في كتابه: الشهيدان: "حسن البنا وسيد قطب "  يقول لنا عنه يقول:
"لقد كان حسن البنا البذرة الصالحة للفكر الإسلامي، وكان سيد قطب الثمرة الناضجة."
ألم يكن من الأولي أن أتركه للأستاذ عبد البديع صقر يقول عنه:
"إنه الرجل الذي كتب عشرين مؤلفًا ، منها ثلاثون مجلدًا سماها " في ظلال القران " حياءً من الله أن يسميها تفسيرًا للقرآن ، الرجل الذي ترك عمله مستشارًا لوزارة التربية ليكتب للمسلمين ، ويعيش على الكفاف ، ثم طاف القارات مبشرًا بالإسلام. الرجل الذي تعرف على دعوة الإخوان المسلمين، وظل عشرة أعوام فيها يربى ويوجه ثم يقول : لم أبلغ عند نفسي أن أكون عضوًا في هذه الجماعة( جملة اعتراضية: هل يمكن أن يأتي جاهل من هواة تصيد الكلمات والتفسير الحرفي الغبي لها ليقول لنا أن سيد قطب ليس من الإخوان المسلمين فقد اعترف بلسانه أنه لم يبلغ عند نفسه أن يكون عضوا في الجماعة)..ويواصل الأستاذ عبد البديع صقر : ".. وتوالت الأيام فاستشهد سيد قطب بعد سجن بلغ ثلاثة عشر عامًا ، وتعذيب لم تكن تطيقه الفيلة ، مع أنه لم يقتل ولم يسرق ولم يؤذ قط."
ألم يكن من الأولي أن أتركه للأستاذ المرشد محمد مهدي عاكف يقول عنه:
الشهيد سيد قطب- رحمه الله- كان أديبًا وعالمًا فذًّا، وأفكاره لم تكفر مسلمًا. إن سيد قطب كان مفسرًا رائعًا وصاحب أدبيات مبدعة, إذا قرأها مَن يمتلك فقهًا إسلاميًّا يزداد إيمانًا وقوةً، وإذا قرأها مَن لا فقه له ولا علم يمكن أن يؤلها تأويلاً خطأً؛ حيث قد يُخيل إليه أن كتابات الشهيد تُكفر الناس.
ألم يكن من الأولي أن أتركه للشيخ عبدالعزيز آل الشيخ حفظه الله مفتي المملكة العربية السعودية والتي يقول عنه وعن كتبه –خاصة الظلال-: 
والكتاب (في ظلال القرآن)  له أسلوب عال في السياق، أسلوب عال ، هذا الأسلوب الذي كتب به السيد كتابه قد يظن بعض الناس بادئ بدء من بعض العبارات أن فيها شركا أو أن فيها قدحا في الأنبياء أو أن وأن .. ، ولو أعاد النظر في العبارة لوجدها أسلوبا أدبيا راقيا عاليا لكن لا يفهم هذا الأسلوب إلا من تمرس في قراءة كتابه ، والكتاب لا يخلو من ملاحظات كغيره لا يخلو من ملاحظات و لا يخلو من أخطاء ".. ثم يستطرد:" لكن ينبغي الإنصاف والاعتدال وأن لا نحمل ألفاظه فوق ما يحتمله ، ما نحمل الألفاظ فوق ما تحتمله ، ولا نسيئ الظن .
ألم يكن من الأولي أن أتركه للشيخ المجاهد ، أبو محمد المقدسي ليقول عنه:
بالنسبة للشيخ المجاهد والكاتب الفاضل أستاذنا الكبير سيد قطب رحمه الله تعالى فإن من عجائب هذا الزمان الذي لا تنقضي عجائبه أن يسأل عن سيد أمثالي ويتكلم فيه جرحا أو تعديلا ، وهو الذي فارق هذه الدار مستعليا على زخرفها وحطامها وفتاتها الذي تهالك عليه وأخلد إليه أكثر الخلق ، ويبذله الطواغيت لأهلها المنقادين الخاضعين لهم ، وأبى هو رحمه الله أن يخط ببنانه الذي سطر به ظلال القرآن والتوحيد ؛ كلمات تعتق رقبته من الموت ، يلبس بها الحق بالباطل أو يقر بها حكم الطاغوت ؛ في الوقت الذي يسود فيه كثير من أهل زمانها وجوههم وصحائفهم ، ومنهم كثير من أولئك الطاعنين الذين أطالوا ألسنتهم فيه ؛ ما هو أحط من تلك الكلمات التي ترفع عنها رحمه الله ، ويطوعون دينهم ليل نهار للطواغيت ويبيعونه بثمن بخس دون أن يكرهوا أو يهددوا بالموت والإعدام ، بل يسارعون في ذلك كأنهم إلى نصب يوفضون ، فينحرون على عتباتهم التوحيد ، ويبذلون لهم دينهم قربانا وكبش فداء لحطام دنياهم الفاني.
ألم يكن من الأولي أن أتركه للشيخ راشد الغنوشي يقول عنه:
كتب قطب بدمه أروع ملاحم الفكر الإسلامي المعاصر التي ستظل مؤثرة على امتداد الأجيال على غرار أمثاله من فطاحل العلماء الأفذاذ: الغزالي وابن تيمية ومالك وابن حنبل والشافعي وأبي حنيفة وابن رشد وعبده والأفغاني ورضا والبنا والمودودي وابن عاشور.. ومن خصوصيات المفكرين الكبار أن يتحولوا مع الزمن إلى رموز لمدارس أكثر من كونهم أفرادا، وذلك بما يتوفر عليه فكرهم من ثراء وتعدد أبعاد تجعله مبعثا لأنواع من الجدل حول تفسير نصوصهم على اتجاهات مختلفة، كلّ يبذل وسعه في سحب المفكر إلى صفه مؤولا تراثه وفق منزعه تأييدا لمذهبه الخاص. وقد تقترب أو تبتعد تلك التأويلات من الأصل، ولا يكون المؤسس للمدرسة مسئولا بالضرورة عن هذا التأويل أو ذاك، لا سيما إذا كان المؤسس هو أقرب إلى الأديب والفنان منه إلى العالم المنضبط بضوابط البحث العلمي، وهو الحال الغالب على تراث شهيد الكلمة سيد قطب رحمه الله، أنه أديب كبير، وكان الأدب مدخله إلى الإسلام وللدراسات الإسلامية، بما جعل سبحانه القرآنية أقرب إلى الفن الراقي والتأملات الفلسفية والمجادلات القوية ضد مناهج العلمنة التي كانت في طور تمدد وانتصار وطموح إلى احتواء الإسلام.
ألم يكن من الأولي أن أتركه للشيخ محمد حسان يقول عنه:
.. نسأل الله -عز وجل- أن يجعل الشيخ سيد قطب -رحمه الله- عنده من الشهداء فهو الرجل الذي قدّم دمه وفكره وعقله لدين الله -عز وجل- نسأل الله أن يتجاوز عنه بمنه وكرمه، وأن يغفر لنا وله وأن يتقبل منا ومنه صالح الأعمال، وأنا أُشهد الله أني أحب هذا الرجل في الله مع علمي يقيناً أن له أخطاء وأنا أقول: لو عاملتم يا شباب شيوخ أهل الأرض بما تريدون أن تعاملوا به الشيخ سيد قطب فلن تجدوا لكم شيخاً على ظهر الأرض لتتلقوا العلم على يديه لأن زمن العصمة قد انتهى بموت المعصوم محمد بن عبدالله وكل كتاب بعد القرآن معرض للخلل {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا}.
ألم يكن من الأولي أن أتركه للشيخ العالم الدكتور:محمد بن إسماعيل المقدم رضي الله عنه و أرضاه وحفظه  يقول عنه:
مثال فذ ، بذل حياته لإعلاء كلمة الله ، وهو الأستاذ سيد قطب وأعلى درجته في الشهداء ، ذاك البطل الذي ارتضع منذ طفولته معاني العزة والكرامة والأنفة وشرف النفس ، والذي عاش حياته " سيدا " ، وغادر الدنيا سيدا ، رافعاً رأسه ، والذي عاش حياته " قطبا " ، وغادرها قطباً في الدعوة والجهاد ، ونتوقف فقط عند ساعاته الأخيرة في الدار الفانية ، وقد طُلب إليه أن يعتذر للطاغية مقابل إطلاق سراحه ، فقال : (( لن أعتذر عن العمل مع الله )) ، وعندما طُلب منه كتابةُ كلمات يسترحم بها عبد الناصر قال : (( إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة ، ليرفض أن يكتب حرفاً يُقرُ به حكم طاغية )) ، وقال أيضاً : ((لماذا أسترحم ؟ إن سُجنتُ بحق ، فأنا أقبل حكم الحق ! وإن سُجنت بباطل ، فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل ! )) .
ألم يكن من الأولي أن أتركه لسماحة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين حفظه الله  ليقول:
هناك قوم اشتغلوا ببعض الأموات، مثل: سيد قطب، وحسن البنا. الواجب أنهم يُلخّصون أخطاءهم ويـحذِّرون منها، وأما حسناتهم فلا يدفنوها، ولا يَقدح فيهم لأجل تلك الأخطاء أو تلك الزلات، لأن لهم حسنات..إذا كانوا يذكرون السيئات، وينسون الحسنات؛ صدق عليهم قول الشاعر:
ينسى من المعروف طوداً شامخاً.... وليس ينسى ذرة ممن أساء
فيـجب أ ن تُلخَّص الأخطاء، وأن يـحذَّر منها، وبقية علومهم يُستفاد منها ..
ويواصل سماحة الشيخ:
ثم أقول إن سيد قطب وحسن البنا من علماء المسلمين ومن أهل الدعوة وقد نصر الله بهما وهدى بدعوتهما خلقا كثيراً ولهما جهود لا تنكر ولأجل ذلك شفع الشيخ عبد العزيز بن باز في سيد قطب عندما قرر عليه القتل وتلطف في الشفاعة فلم يقبل شفاعته الرئيس جمال ـ عليه من الله ما يستـحق ـ ولما قتل كل منهما أطلق على كل واحد أنه شهيد لأنه قتل ظلما ، وشهد بذلك الخاص والعام ونشر ذلك في الصحف والكتب بدون إنكار ثم تلقى العلماء كتبهما ، ونفع الله بهما ولم يطعن أحد فيهما منذ أكثر من عشرين عاما والذين وقع لهم مثل ذلك كالنووي والسيوطي ، وابن الجوزي وابن عطية والخطابي والقسطلاني ، وأمثالهم كثير .
وقد قرأتُ ما كتبه الشيخ ربيع المدخلي في الرد على سيد قطب ورأيته جعل العناوين لما ليس بحقيقة ، فرد عليه الشيخ بكر أبو زيد ـ حفظه الله ـ (1) وكذلك تحامل على الشيخ عبد الرحمن وجعل في كلامه أخطاء مضللة مع طول صحبته له من غير نكير !!
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ..... ولكن عين السخط تبدي المساويا
ألم يكن من الأولي أن أتركه للإمام العلاّمة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله حين سئل عن مؤلفات أبي الأعلى المودودي وأبي الحسن الندوي وسيد قطب فقال:
 كلها كتب مفيدة ، كتب هؤلاء الثلاث رحمهم الله كلها كتب مفيدة فيها خير كثير ولا تـخلو من بعض الأغلاط كل إنسان يؤخذ من قوله ويترك ، ليسوا معصومين، وطالب العلم إذا تأملها عرف ما فيها من الأخطاء وما فيها من الحق ، وهم رحمهم الله قد اجتهدوا في الخير ودعوا إلى الخير وصبروا على المشقة في ذلك وأبو الحسن موجود بحمد الله فيه خير كثير ولكن ليس معصوماً ولا غيره من العلماء ، بالنسبة للرسل عليهم الصلاة والسلام فيما يبلغون عن الله والرسل عصمهم الله فيما يبلغون عن الله وهكذا الأنبياء ، أما العلماء كل عالم يخطئ ويصيب ، لكن بحمد الله صوابهم أكثر ، فقد أفادوا وأجادوا ونفعوا الناس ، يقول مالك -رحمه الله- ابن أنس إمام دار الهجرة في زمانه : ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر وهو الرسول عليه الصلاة والسلام ، فالمؤمن يطلب العلم وهكذا المؤمنة تطلب العلم ، وكل واحد يتفقه في الدين ويتبصر ويسأل عما أشكل عليه يقرأ القرآن يقرأ السنة يعتني حتى يعرف الحق بأدلته وحتى يعرف الغلط إذا غلط العالم ، ولا يـجوز أن يقال هذا فلان العالم الجليل يؤخذ قوله كله دون نظر ، بل لابد من النظر والعناية وعرضها على الأدلة الشرعية ، فمن وافقها قبل ، ومن خالف الأدلة الشرعية ترك.
ألم يكن من الأولي أن أتركه للإمام العلاّمة المجاهد الشيخ حمود العقلاء الشعيبي- رحمه الله-  حين راح يميط اللثام يفضح سر الهجمات المسعورة التي يشنها  مهاجمو الشهيد ويكشف أهدافهم فيقول:
إن المفكر الأديب سيد قطب رحمه الله له أعداء كثيرون، يختلفون في كيفية النقد وأهدافه والغايات منه، ويتفقون في مصالح مشتركة، وقبل أن أكشف بطلان مثالب الجراحين والمطاعن الموجهة إلى سيد رحمه الله ، أبين أولا:
-  لماذا يستهدف سيد قطب خاصة ؟ ومن المستفيد من إسقاطه ؟
إن سيدا رحمه الله يعد في عصره علما من أعلام أصحاب منهج مقارعة الظالمين والكفر بهم، ومن أفذاذ الدعاة إلى تعبيد الناس لربهم والدعوة إلى توحيد التحاكم إلى الله ، فلم يقضّ إلا مضاجع أعداء الله ورسوله كجمال عبد الناصر وأمثاله .. وما فرح أحد بقتله كما فرح أولئك ، ولقد ضاق أولئك الأذناب بهذا البطل ذرعا، فلما ظنوا أنهم قد قتلوه إذا بدمه يحيي منهجه ويشعل كلماته حماسا، فزاد قبوله بين المسلمين وزاد انتشار كتبه، لأنه دلل بصدقه وإقدامه على قوة منهجه، فسعوا إلى إعادة الطعن فيه رغبة منهم لقتل منهجه أيضا وأنى لهم ذلك.
فاستهداف سيد قطب رحمه الله لم يكن استهدافا مجردا لشخصه، فهو ليس الوحيد من العلماء الذي وجدت له العثرات، فعنده أخطاء لا ننكرها، ولكن الطعن فيه ليس لإسقاطه هو بذاته فقد قدم إلى ربه ونسأل الله له الشهادة، ولكن الذي لا زال يقلق أعداءه وأتباعهم هو منهجه الذي يخشون أن ينتشر بين أبناء المسلمين .
وإني إذ اسمع الطعن في سيد قطب رحمه الله لا أستغرب ذلك لقوله الله تعالى: { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا } فكل من معه نور من النبوة أيضا له أعداء من أهل الباطل بقدر ما معه من ميراث نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ، فما يضير سيدا طعن الطاعنين، بل هو رفعة له وزيادة في حسناته، ولكن الذي يثير الاستغراب هو فعل أولئك القوم الذين يدّعون اتباع الحق ومع ذلك ينقصون الميزان ولا يزنون بالقسطاس المستقيم والله يقول: { ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون } , فأولئك إذا أرادوا مدح أحد عليه من المآخذ ما يفوق سيدا بأضعاف قالوا كلمتهم المشهورة "تغمس أخطاؤه في بحر حسناته" وقالوا "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث" وغير ذلك، وإذا أرادوا ذم آخر كسيد رحمه الله الذي يعد مجددا في باب( إن الحكم إلا لله ) سلكوا معه طريق الخوارج وكفروه بالمعاصي والزلات .
وسيد رحمه الله لا ندعي له العصمة من الخطأ، بل نقول إن له أخطاء ليس هذا مجال تفصيلها، ولكنها لا تخل بأصل دعوته ومنهجه، كما أن عند غيره من الأخطاء التي لم تقدح في منزلتهم وعلى سبيل المثال ابن حجر والنووي وابن الجوزي وابن حزم، فهؤلاء لهم أخطاء في العقيدة إلا أن أخطاءهم لم تجعل أحدا من أبناء الأمة ولا أعلامها يمتنع من الاستفادة منهم أو يهضمهم حقهم وينكر فضائلهم ، فهم أئمة إلا فيما أخطئوا فيه، وهذا الحال مع سيد رحمه الله فأخطاؤه لم تقدح في أصل منهجه ودعوته لتوحيد الحاكمية وتعبيد الناس لربهم.
والقاعدة التي يجب أن تقرر في مثل هذه الحالات هي ما يستفاد من قول الله تعالى { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما } فكل من حقق ما يجب تحقيقه من أصل الدين، ينظر بعد ذلك في سائر منهجه فإن كان خطؤه أكثر من صوابه وشره يغلب على نفعه فإنه يهمل قوله وتطوى كتبه ولا تروى ، وعلى ذلك فالقول الفصل في سيد رحمه الله أن أخطاءه مغمورة في جانب فضائله ودفاعه عن ( لا إله إلا الله )، لا سيما أنه حقق أصول المعتقد الصحيح ، وإن كان عليه بعض المآخذ وعبارات أطلقها لا نوافقه عليها رحمه الله.
وختاما لا يسعني إلا أن اذكر أنني أحسب سيدا والله حسيبه يشمله قوله عليه الصلاة والسلام ( سيد الشهداء حمزة، ورجل قام عند سلطان جائر فأمره ونهاه فقتله ) فنحسب أن سيدا رحمه الله قد حقق ذلك الشرط حيث قال كلمة حق عند سلطان جائر فقتله .. وأنقل كلمة له رحمه الله قبل إعدامه بقليل عندما أعجب أحد الضباط بفرح سيد قطب وسعادته عند سماعه نبأ الحكم عليه بالإعدام "الشهادة" وتعجب لأنه لم يحزن ويكتئب وينهار ويحبط فسأله قائلا : أنت تعتقد أنك ستكون شهيدا فما معنى شهيد عندك؟ أجاب رحمه الله قائلا : الشهيد هو الذي يقدم شهادة من روحه ودمه أن دين الله أغلى عنده من حياته، ولذلك يبذل روحه وحياته فداء لدين الله .
وله رحمه الله من المواقف والأقوال التي لا يشك عارف بالحق أنها صادرة عن قلب قد مليء بحب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، وحب التضحية لدينه، نسأل الله أن يرحمنا ويعفو عنا وإياه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
***
يا إلهي..
لكم كنت أود و أتمنى و أريد أن يكون ينبوع هذا العذب السلسبيل هو شيخنا و إمامنا وحبيبنا الشيخ يوسف القرضاوي..
لكنه لم يكن هو..
كان القائل هو شيخنا و إمامنا وحبيبنا الشيخ حمود العقلاء الشعيبي..
أما شيخنا القرضاوي فلم يقل ذلك.. بل قال غيره..

***
ولم أكن أقتصر بالطبع على الإعجاب.. كنت أقرأ الآراء الأخرى التي تنتقده وتهاجمه .. خاصة بعد أن تبينت الأسباب الخافية للهجوم عليه  وهو هجوم لم أصدم به.. بل كان حريا بي أن أصدم لعدم وجود هذا الهجوم.. ذلك أن سيد قطب رأس رمح وقلب جيش كان هو السيد والقائد فيه وقد تجرأ على منازلة الطاغوت الغربي من صليبية ويهودية وهو واثق من أنه أرقى و أن النصر النهائي له.. لقد كان سيد قطب كما قال الدكتور محمد موسى البر( جامعة القرآن كلية الدعوة والإعلام ) : كان ابرز شخصية ظهرت في المرحلة الأخيرة من مراحل الحضارة الأوروبية الاستعمارية بشقيها الرأسمالي والشيوعي علي حد سواء . هذه سيرة سيد قطب باختصار هذا المفكر الذي أراد أن يقود تيارا للتغيير في كل مجالات المجتمع تغيرا اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا بالمنهج الإسلامي الذي اقتنع به وثبت عليه . لقد كان سيد قطب يدافع عن أفكار ضد الرصاص . وذلك عندما استشهد بقيت أفكاره ولا تزال لأنها تستند إلي أصول باقية . سيد قطب واحد من رواد الحركة الفكرية الإسلامية في العصر الحديث الحركة التي تحافظ علي الأصالة ولا تنكر المعاصرة . ذلك المنكر الذي عرف الغرب الرأسمالي النصراني يوم كان الشرق معجبا بممارسات الغرب كشف لنا سيد قطب عن مساوئ الحضارة الغربية وطرح البديل الإسلامي . (...) كان سيد قطب يطرح البديل للحضارة الوافدة سواء من الشرق الشيوعي أو الغرب الرأسمالي لقد كان سيد قطب ينادي بقيام كتلة ثالثة تتمثل في الدول الإسلامية قاطبة تقف ضد الكتلتين الرأسمالية والشيوعية . وكان همه إن يكون هناك مجتمع إسلامي وهو مجتمع لا يعترف بالألوهية والحاكمية العليا إلا لله وحده . ويطبق شريعته في جميع وجوه الحياة . ويقول من المؤسف أن نري العالم الإسلامي اليوم يتسابق إلي تقليد المجتمعات الغربية الجاهلية أو الكافرة ، إلي درجة أصبح معها عبدا (للغرب) بدلا أن يكون عبدا لله وحده كما تقضي بذلك التعاليم الإسلامية . سيد قطب الذي يطرح أفكار بديلة وأصيلة ومعاصرة في ذلك الزمان ، طرح سيد قطب في رأي يجيب علي السؤال لماذا أعدموه ؟ فقد أعدموه ولكن للأسف كما يعبرون أن أفكاره زادت انتشارا مثلهم مثل الملك الذي قتل غلام أصحاب الأخدود وحشد الناس يوم قتله فما كان من الحشود ألا أن قالت أمنا برب الغلام وذلك بعد إعدام الغلام .
***
 من أجل ذلك كان طبيعيا أن يواجه سيد قطب بهجوم مروع من الغرب في عمومه.. ولما كان الهجوم الغربي المباشر سيضيف إلى سيد قطب فقد ركزوا على اختراق هيئات ومؤسسات إسلامية لتقوم بالهجوم بديلا عن الغرب. وفي قلب هذا الهجوم شخص يدعي الانتماء إلى السلفيين.. اسمه ربيع المدخلي.. ليس لدي شك أنه عمل مخابراتي أيا كانت الوسيلة.. إما بالتجنيد المباشر أو بغسيل المخ.. وأمر هذا الهجوم وارد في مصادر عديدة نختار منها – كمرجع- كتاب  (سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد) .. للدكتور صلاح الخالدي .. حيث يختمه بردّ من الشيخ العلامة – السلفي حقيقة-  بكر أبو زيد على  الدعيّ ربيع المدخلي.. وكان الأخير  قد أرسل نسخة من كتابه(أضواء إسلامية على عقيدة سيد قطب وفكره) للشيخ بكر .. وكان يرجو من الشيخ بكر أن يبدي ملاحظاته على الكتاب ليعدّلها ومن ثم يطبع الكتاب ..فما كان من الشيخ بكر إلا أن ردّ بوثيقة تاريخية تبرز المنهج السلفي الحقيقي الذي ينبغي أتباعه في التعامل مع العلماء والدعاة ومؤلفاتهم وهو درس عملي حقيقي ومقارنة بين السلفية الحقيقية المدسوسين عليها المزروعين فيها.
وكان خطاب الشيخ بكر أبوزيد ردا على خطاب  ربيع المدخلي –عامله الله بما يستحقه-  يطلب منه ملاحظاته على  كتابه السابق ذكره والذي خصصه  للطعن في سيد قطب كي يتسني له تعديله ونشره.
إن خطاب الشيخ بكر أبوزيد سيحمل عنا عناء إيراد نماذج كثيرة من الهجوم غير المنصف كما سيعلمنا نموذجا شامخا للإنصاف.. بل سيكشف لنا كيفية تفكير دعي كربيع المدخلي.. مع إشارات لا تخفى ولا يمكن تجاهلها تشي بأن المدخلي ليس كاتب الكتاب الوحيد.. على الأقل.
ولأهمية خطاب الدكتور بكر فإننا نورده بنصه في موقعي على الشبكة راجيا قارئ المجلة الرجوع إليه، وهو في الأصل رد على رسالة ربيع الذي عرض فيه على الدكتور بكر كتابه عن الشهيد سيد قطب .. يقول الدكتور بكر:
فضيلة الأخ الشيخ / ربيع بن هادي المدخلي .. الموقر
السلام عيكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد
فأشير إلى رغبتكم قراءة الكتاب المرفق ((أضواء إسلامية على عقيدة سيد قطب وفكره)).. هل من ملاحظات عليه ثم هذه الملاحظات هل تقضي على هذا المشروع فيطوى ولا يروى، أم هي مما يمكن تعديلها فيترشح الكتاب بعد الطبع والنشر ويكون ذخيرة لكم في الأخرى، بصيرة لمن شاء الله من عباده في الدنيا، لهذا أبدي ما يلي..
1 - نظرت في أول صفحة من (فهرس الموضوعات فوجدتها عناوين قد جمعت في سيد قطب رحمه الله، أصول الكفر والإلحاد والزندقة، القول بوحدة الوجود، القول بخلق القرآن، يجوز لغير الله أن يشرع، غلوه في تعظيم صفات الله تعالى لا يقبل الأحاديث المتواترة، يشكك في أمور العقيدة التي يجب الجزم بها، يكفر المجتمعات ..( الأصفر هنا وفي بقية المقال يحذف من المختار فقط)
إلى أخر تلك العناوين التي تقشعر منها جلود المؤمنين.. وأسفت على أحوال علماء المسلمين في الأقطار الذين لم ينبهوا على هذه الموبقات.. وكيف الجمع بين هذا وبين انتشار كتبه في الآفاق انتشار الشمس، وعامتهم يستفيدون منها، حتى أنت في بعض ما كتبت، عند هذا أخذت بالمطابقة بين العنوان والموضوع، فوجدت الخبر يكذبه الخبر، ونهايتها بالجملة عناوين استفزازية تجذب القارئ العادي، إلى الوقيعة في سيد رحمه الله
وإني أكره لي ولكم ولكل مسلم مواطن الإثم والجناح، وإن من الغبن الفاحش إهداء الإنسان حسناته إلى من يعتقد بغضه وعداوته.
2 - نظرت فوجدت هذا الكتاب يـفـتـقــد:
(أصـول البحث العلمي، الحيـدة العلمية، منهـج النقد، أمانـة النقل والعلم، عـدم هضم الحق).
أما أدب الحوار وسمو الأسلوب ورصانة العرض فلا تمت إلى الكتاب بهاجس.. وإليك الدليل…
أولاً: رأيت الاعتماد في النقل من كتب سيد رحمه الله تعالى من طبعات سابقة مثل الظلال والعدالة الاجتماعية مع علمكم كما في حاشية ص 29 وغيرها، أن لها طبعات معدلة لاحقة
والواجب حسب أصول النقد والأمانة العلمية، تسليط النقد إن كان على النص من الطبعة الأخيرة لكل كتاب، لأن ما فيها من تعديل ينسخ ما في سابقتها وهذا غير خاف إن شاء الله تعالى على معلوماتكم الأولية
لكن لعلها غلطة طالب حضر لكم المعلومات ولما يعرف هذا ؟؟ وغير خاف لما لهذا من نظائر لدى أهل اعلم، فمثلاً كتاب الروح لابن القيم لما رأى بعضهم فيما رأى قال: لعله في أول حياته وهكذا في مواطن لغيره  وكتاب العدالة الاجتماعية هو أول ما ألفه في الإسلاميات والله المستعان.
ثانيًا: لقد اقشعر جلدي حينما قرأت في فهرس هذا الكتاب قولكم (سيد قطب يجوز لغير الله أن يشرع)، فهرعت إليها قبل كل شيء فرأيت الكلام بمجموعه نقلاً واحدًا لسطور عديدة من كتابه العدالة الاجتماعية)
وكلامه لا يفيد هذا العنوان الاستفزازي، ولنفرض أن فيه عبارة موهمة أو مطلقة، فكيف نحولها إلى مؤاخذة مكفرة، تنسف ما بنى عليه سيد رحمه الله حياته ووظف له قلمه من الدعوة إلى توحيد الله تعالى (في الحكم والتشريع) ورفض سن القوانين الوضعية والوقوف في وجوه الفعلة لذلك  إن الله يحب العدل والإنصاف في كل شيء ولا أراك إن شاء الله تعالى إلا في أوبة إلى العدل والإنصاف.
ثالثًا: ومن العناوين الاستـفـزازيـــة قولكم (قول سيد قطب بوحدة الوجود).
إن سيدًا رحمه الله قال كلامًا متشابهًا حلق فيه بالأسلوب في تفسير سورتي الحديد والإخلاص وقد اعتمد عليه بنسبة القول بوحدة الوجود إليه  وأحسنتم حينما نقلتم قوله في تفسير سورة البقرة من رده الواضح الصريح لفكرة وحدة الوجود، ومنه قوله: (( ومن هنا تنتفي من التفكير الإسلامي الصحيح فكرة وحدة الوجود))  وأزيدكم أن في كتابه (مقومات التصور الإسلامي) ردًا شافيًا على القائلين بوحدة الوجود  لهذا فنحن نقول غفر الله لسيد كلامه المتشابه الذي جنح فيه بأسلوب وسع فيه العبارة.. والمتشابه لا يقاوم النص الصريح القاطع من كلامه، لهذا أرجو المبادرة إلى شطب هذا التكفير الضمني لسيد رحمه الله تعالى وإني مشفق عليكم.
رابعًا: وهنا أقول لجنابكم الكريم بكل وضوح إنك تحت هذه العناوين (مخالفته في تفسير لا إله إلا الله للعلماء وأهل اللغة وعدم وضوح الربوبية والألوهية عند سيد) .
أقول أيها المحب الحبيب
لقد نسفت بلا تثبت جميع ما قرره سيد رحمه الله تعالى من معالم التوحيد ومقتضياته، ولوازمه التي تحتل السمة البارزة في حياته الطويلة فجميع ما ذكرته يلغيه كلمة واحدة، وهي أن توحيد الله في الحكم والتشريع من مقتضيات كلمة التوحيد وسيد رحمه الله تعالى ركز على هذا كثيرًا لما رأى من هذه الجرأة الفاجرة على إلغاء تحكيم شرع الله من القضاء وغيره وحلال القوانين الوضعية بدلاً عنها ولا شك أن هذه جرأة عظيمة ما عاهدتها الأمة الإسلامية في مشوارها الطويل قبل عام (1342هـ )
خامسًا: ومن عناوين الفهرس (قول سيد بخلق القرآن وأن كلام الله عبارة عن الإرادة)..
لما رجعت إلى الصفحات المذكورة لم أجد حرفًا واحدًا يصرح فيه سيد رحمه الله تعالى بهذا اللفظ (القرآن مخلوق)  كيف يكون هذا الاستسهال للرمي بهذه المكفرات، إن نهاية ما رأيت له تمدد في الأسلوب كقوله (ولكنهم لا يملكون أن يؤلفوا منها ـ أي الحروف المقطعة ـ مثل هذا الكتاب لأنه من صنع الله لا من صنع الناس) ..  وهي عبارة لا شك في خطأها ولكن هل نحكم من خلالها أن سيدًا يقول بهذه المقولة الكفرية (خلق القرآن)
اللهم إني لا أستطيع تحمل عهدة ذلك.. لقد ذكرني هذا بقول نحوه للشيخ محمد عبد الخالق عظيمة رحمه الله في مقدمة كتابه دراسات في أسلوب القرآن الكريم والذي طبعته مشكورة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فهل نرمي الجميع بالقول بخلق القرآن اللهم لا، واكتفي بهذا من الناحية الموضوعية وهي المهمة.
ومن جهات أخرى أبدي ما يلي:
1 - مسودة هذا الكتاب تقع في 161 صفحة بقلم اليد، وهي خطوط مختلفة، ولا أعرف منه صفحة واحدة بقلمكم حسب المعتاد، إلا أن يكون اختلف خطكم، أو اختلط علي أم أنه عُهد بكتب سيد قطب رحمه الله لعدد من الطلاب فاستخرج كل طالب ما بدا له تحت إشرافكم، أو بإملائكم. لهذا فلا أتحقق من نسبته إليكم إلا ما كتبته على طرته أنه من تأليفكم وهذا عندي كاف في التوثيق بالنسبة لشخصكم الكريم. ( إنني أرجو أن يلاحظ القارئ أن انتقادات شبيهة قيلت في حق قاسم أمين وعلى عبد الرازق.. حيث يشتبه أنهما لم يكتبا هذه الكتب و إنما كتبت لهما كيدا للإسلام)..
2 - مع اختلاف الخطوط إلا أن الكتاب من أوله إلى أخره يجري على وتيرة واحدة
وهي: أنه بنفس متوترة وتهيج مستمر، ووثبة تضغط على النص حتى يتولد منه الأخطاء الكبار وتجعل محل الاحتمال ومشتبه الكلام محل قطع لا يقبل الجدال…وهذا نكث لمنهج النقد: الحيدة العلمية .
3 - من حيث الصيغة إذا كان قارنًا بينه وبين أسلوب سيد رحمه الله، فهو في نزول، سيد قد سَمَا وإن اعتبرناه من جانبكم الكريم فهو أسلوب (إعدادي) لا يناسب إبرازه من طالب علم حاز على العالمية العالية لا بد من تكافؤ القدرات في الذوق الأدبي، والقدرة على البلاغة والبيان، وحسن العرض، وإلا فليكسر القلم.
4 - لقد طغى أسلوب التهيج والفزع على المنهج العلمي النقدي…. ولهذا افتقد الرد أدب الحوار.
5 - في الكتاب من أوله إلى آخره تهجم وضيق عطن وتشنج في العبارات فلماذا هذا…؟
6 - هذا الكتاب ينشط الحزبية الجديدة التي أنشئت في نفوس الشبيبة جنوح الفكر بالتحريم تارة، والنقض تارة وأن هذا بدعة وذاك مبتدع، وهذا ضلال وذاك ضال.. ولا بينة كافية للإثبات
وولدت غرور التدين والاستعلاء حتى كأنما الواحد عند فعلته هذه يلقي حملاً عن ظهره قد استراح من عناء حمله، وأنه يأخذ بحجز الأمة عن الهاوية  وأنه في اعتبار الآخرين قد حلق في الورع والغيرة على حرمات الشرع المطهر وهذا من غير تحقيق هو في الحقيقة هدم، وإن اعتبر بناء عالي الشرفات، فهو إلى التساقط، ثم التبرد في أدراج الرياح العاتية .
هذه سمات ست تمتع بها هذا الكتاب فآل غـيـر مـمـتـع
هذا ما بدا إلي حسب رغبتكم، وأعتذر عن تأخر الجواب، لأنني من قبل ليس لي عناية بقراءة كتب هذا الرجل وإن تداولها الناس لكن هول ما ذكرتم دفعني إلى قراءات متعددة في عامة كتبه، فوجدت في كتبه خيرًا كثيرًا وإيمانًا مشرفًا وحقًا أبلج، وتشريحًا فاضحًا لمخططات العداء للإسلام  على عثرات في سياقاته واسترسال بعبرات ليته لم يفه بها، وكثير منها ينقضها قوله الحق في مكان أخر والكمال عزيز والرجل كان أديبًا نقادة، ثم اتجه إلى خدمة الإسلام من خلال القرآن العظيم والسنة المشرفة، والسيرة النبوية العطرة  فكان ما كان من مواقف في قضايا عصره، وأصر على موقفه في سبيل الله تعالى، وكشف عن سالفته وطلب منه أن يسطر بقلمه كلمات اعتذار وقال كلمته الإيمانية المشهورة، إن إصبعا أرفعه للشهادة لن أكتب به كلمة تضارها... أو كلمة نحو ذلك فالواجب على الجميع … الدعاء له بالمغفرة … والاستفادة من علمه  وبيان ما تحققنا خطأه فيه، وأن خطأه لا يوجب حرماننا من علمه ولا هجر كتبه.. اعتبر رعاك الله حاله بحال أسلاف مضوا أمثال أبي إسماعيل الهروي والجيلاني كيف دافع عنهما شيخ الإسلام ابن تيمية مع ما لديهما من الطوام لأن الأصل في مسلكهما نصرة الإسلام والسنة وانظر منازل السائرين للهروي رحمه الله تعالى، ترى عجائب لا يمكن قبولها ومع ذلك فابن القيم رحمه الله يعتذر عنه أشد الاعتذار ولا يجرمه فيها، وذلك في شرحه مدارج السالكين، وقد بسطت في كتاب (تصنيف الناس بين الظن واليقين ) ما تيسر لي من قواعد ضابطة في ذلك .
وفي الختام فأني أنصح فضيلة الأخ في الله بالعدول عن طبع هذا الكتاب (أضواء إسلامية) وأنه لا يجوز نشره ولا طبعه لما فيه من التحامل الشديد والتدريب القوي لشباب الأمة على الوقيعة في العلماء وتشذيبهم، والحط من أقدارهم والانصراف عن فضائلهم..
واسمح لي بارك الله فيك إن كنت قسوت في العبارة فإنه بسبب ما رأيته من تحاملكم الشديد وشفقتي عليكم ورغبتكم الملحة بمعرفة ما لدي نحوه…
جرى القلم بما تقدم سدد الله خطى الجميع.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
أخوكم بكر أبو زيد
-----------------------------------
انتهى
ومع ذلك طبع الكتاب ونشر وهو موجود في موقع ربيع على الإنترنت .. ذلك أن دور هذا الرجل في الحياة – أو على الأحرى وظيفته- أن ينشر على الناس مثل هذه الكتب ليبلبل أفكارهم.
وقد يعتب علىّ بعض القراء أن أورد هجوما مسفا كهجوم ربيع على الشهيد.. ولكنني كما قلت مرات ومرات أتحدث عن الشهيد وعيني على الإسلام والمسلمين.. راجيا أن ندرك جميعا أن الماضي ليس ماضيا.. لأنه ما يزال يحدث.. و إن الألسنة التي تستنطق بالباطل ما زالت تستنطق.. والأقلام التي تُستأجر ما تزال تُستأجر.. ومن ذلك على سبيل المثال شيخ سلفي له باع طويل في الدعوة منذ 15 عاما.. حكم على المجاهد أسامة بن لادن رضي الله عنه بالكفر لأنه خارجي.. وحرك هذا الحكم بعض المخلصين ليبحثوا في جذور هذا الشيخ.. ليفاجئوا بأنه ضابط أمن زرع وسط الحركة السلفية منذ عشرين عاما.. كجاسوس في البداية.. فلما أثبت نجاحه واصل كداعية وفقيه.. ولم يستخز الرجل عندما واجهوه بافتضاح أمره.. بل كان على قدر من غلظة الإحساس والفجاجة أن اعترف بأنه بدأ كضابط أمن فلما اقتنع بالفكر السلفي استقال و أخلص للدعوة..
وكان بالطبع كاذبا.
***
يا إلهي..
لكم كنت أود و أتمنى و أريد أن يكون ينبوع هذا العذب السلسبيل هو شيخنا و إمامنا وحبيبنا الشيخ يوسف القرضاوي..
لكنه لم يكن هو..
كان القائل هو شيخنا و إمامنا وحبيبنا الشيخ بكر أبو زيد..
أما شيخنا القرضاوي غفر الله له فقد كان – للحزن والأسى في الجانب الآخر..
وهو موقف أعترف أنه ذبحني.. ولم يعزني عنه إلا أن من هم أفضل من شيخنا – بعض الصحابة- قد وقعوا فيما هو أشد مما وقع فيه.. ألا وهو حديث الإفك..
غفر الله للجميع..
ولكن هذا هو موضوع المقال القادم إن شاء الله..
***
***
***

حاشية 1

احتجاج

رغم أن ما أكتبه عن الإخوان هو في الواقع حديث عن الحاضر والمستقبل قبل أن يكون حديثا عن الماضي، إلا أن القارئ لابد أن يلاحظ أنني أتجنب الخوض المباشر في عفن الحاضر ربما بسبب الاشمئزاز وربما احتجاجا على صمت الأمة.
***
حاشية 2
بــــشــــر

أري كثيرا من البشر موتي يدبون على الأرض.. ما زلوا يتحركون ويتكلمون وينافقون ويكذبون لكنهم بالنسبة لي موتي جرى عليهم كل ما يجري على الموتي من تعفن وتصلب وشكل بشع مروع مخيف مقزز.. أراهم كذلك .. فلا أعجب من تحركهم وهم موتي كعجبي من استطاعتي الحياة بينهم.
***
حاشية 3

فيصل القاسم

أذكي و أخبث مذيع عربي.. لا أوافقه كثيرا لكنني أعجب به غالبا.. كان عتابي عليه صاخبا حين جاء بالعملاق الدكتور عبد الوهاب المسيري في الاتجاه المعاكس ووضع أمامه قردا أو أضل سبيلا.
لا أحتج على إهانة لحقت بعبد الوهاب المسيري فالرجل يحلق في عالم أسمى و أعلى من أن يطاله رذاذ المجاري الذي لوث البرنامج.
***
حاشية 4

محمد إبراهيم مبروك

أنبه القراء لهذا الكاتب العملاق رغم اختلافي معه في بعض ما يكتب خاصة عندما يتجنى على الإخوان المسلمين. إنه تجني خلاف الرؤى واختلاف القراءات وليس اختلاف العمالة للكلاب الشرسة المدربة..  اختلاف ناضج أحترمه ..
 يمثل محمد مبروك  السهل الممتنع.
ولقد تمنيت عندما طفقت أقرأ كتابه الأخير: " الإسلام الليبرالي بين الإخوان المسلمين والوسطيين والعلمانيين "- "الدار القومية للنشر والتوزيع".. أقول تمنيت أن يقرر هذا الكتاب في مراحل التعليم المختلفة كي يتعلم  أبناؤنا منه الكثير من المنطق والفلسفة والتاريخ والمنهج.. و أدب الاختلاف..
ولقد كفر فيصل القاسم عن بعض خطيئته مع الدكتور عبد الوهاب المسيري عندما أتى بالعملاق محمد مبروك أمام القزم جمال البنا.. حيث انهزم البنا من الدقائق الأولي .. أما باقي البرنامج فكان حلقات فكاهية لا يكف مشاهدها عن الضحك.. خاصة عندما لم يتمالك مبروك نفسه فعير البنا بأنه " بتاع هالة سرحان" التي تأتي به كمسوغ لإهانة الإسلام والمسلمين.
فقط تمنيت لو أن مبروك واجه البنا بأسئلة أربعة:
-   هل أصدر مجمع البحوث الإسلامية بيانا بأن بعض كتب البنا تنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة.. مما يثير الريبة في ردته ويستوجب استتابته..
-   من غير الحثالة يعترفون بالبنا كمفكر؟!..( فائدة نحوية: الحثالة هنا تعرب بدلا من الشيوعيين والعلمانيين ومعظم القوميين)..
-         هل حصل البنا على شهادة أعلى مما يعادل  دبلوم التجارة؟!
-   لا أقول كيف يمكن لعامل – وعضو نشط في نقابة العمال- أن يؤلف أكثر من مائة كتاب .. و إذا تغاضينا عن ضحالة الثقافة وفقر فكر يشارف حد العته فهل له أن يجيبنا من الذي مول طباعة هذه الكتب وبعضها مجلدات..ودعنا الآن من السؤال عن الذي ألفها!؟!
***
حاشية 5

خالد منتصر..

من أبغض خلق الله إلى قلبي.. كيان  محشو بالازدراء لدينه و قومه و أهله ووطنه.. مسدس منزوع الأمان متحفز للانطلاق في أي وقت على كل ما يتخيل أنه يمت للدين بصلة.. ولقد توهم في الفترة الماضية أن ثمة رابطا لا خلاف عليه بين الطب الشعبي العربي – ما يطلق عليه البعض الطب النبوي- وبين الدين نفسه.. ولأن غزوة "وليمة لأعشاب البحر" قد أرتهم رأس الذئب الطائر فإنهم لم يعودوا يجرءون  على المجاهرة بما تكنه صدورهم.. وهو أكبر.. ولقد تجاهلوا رأي الشيخ العلامة يوسف القرضاوي الذي ينكر مصطلح الطب النبوي كله.. قائلا أنه سبحانه وتعالى قد أرسل النبي عليه أفضل الصلاة والتسليم مبشرا ونذيرا ولم يبعثه أستاذا لعلم العقاقير في إحدى كليات الصيدلة.. ولست أنكر أنني قريب جدا من رأيه ذلك..
عن نفسي فإنني أتعامل مع كل شيء في حياتي تعامل علماء الحديث مع الأحاديث النبوية بداية من التدقيق والجرح والتعديل  أو تعامل السلفيين مع النصوص الدينية والتاريخية..  و أرى أن المسلمين سبقوا العالم بالتدقيق والإسناد ثم بالتجريب. كما أنني أتعامل مع الدين والعلم والطب والحياة نفسها بذلك المنهج.. و أرفض كثيرا جدا مما يقال عن الطب البديل و أرى أن معظم المطروح منه دجل.. لكنني أقبل على الفور ما يثبت بالأبحاث والتجارب .. فذلك هو المنهج العلمي التجريبي..
كما أن شعاري الذي لم أحد عنه أبدا هو مقولة سيدنا أبي بكر الصديق:
-         إن كان قد قالها فقد صدق..
-         ولعن الله التزيد  ومداهنة العامة بدلا من قيادتهم..
ولست أنقم  على من يقحم نفسه في هذا الأمر إلا استعانته بالأحاديث الموضوعة أو الضعيفة أو التعسف في تأويلها..
ولو أن خالد منتصر كان يرفض الطب البديل كله لما أدنته .. لكنه على استعداد للتغاضي عن الطب البديل في كل الدنيا إلا إذا كان منسوبا إلى العرب.
لم يتكلم أبدا – على سبيل المثال-  عن عشرات العقاقير المستوردة الغالية جدا والمستخلصة مباشرة من الأعشاب ( والشائعة في الدول الغربية خاصة ألمانيا) و أذكر منها على سبيل المثال:
Zelmac.
Orthofalk.
Renofalk
وعشرات غيرها أثبتت تأثيرها بالتجارب العلمية الدقيقة على أعلى مستوى عالمي و أصبحت علاجات جوهرية ضمن منظومة العقاقير الغربية.
كما أنه لم يتكلم أبدا عن الإبر الصينية التي أصبحت علاجا معتمدا في العالم كله ومنه أمريكا و أوروبا.. ولو أن الله ابتلاهم  في الصين  بفكر مشوه حاقد مغرض منحرف كفكر الدكتور خالد منتصر لوُئد العلاج بالإبر الصينية في مهده ولأحبطت كل محاولات تطويره.. ( في البداية.. كنت واحدا من الذين يرفضون العلاج بالإبر الصينية ما دمت لا أفهم الأساس العلمي لها .. لكنني عام 1969 وكنت طبيب امتياز بالقصر العيني رأيت عمليات جراحية كبرى تجري تحت تأثير الإبر الصينية بدون  أي تخدير.).. ولقد لفت ذلك نظري إلى منهج علمي صارم كنت أفهمه على نحو خاطيء.. كنت أظن أن الطب باعتباره علما تطبيقيا فإن درجة اليقين النظري فيه عالية جدا ودرجة الشك ضئيلة.. لكن ما أدركته بعد ذلك هو أن الطب أحد العلوم التجريبية.. مما يعني أنه ليس لدينا فيه يقين ولا نظريات فلسفية  أو معادلات رياضية تربط ما بين الداء والدواء والشفاء..نعم.. ليست هناك معادلة تفسر لنا – أو تكشف – أن هذا الدواء سيعالج هذا الداء.. ليس الأمر كذلك أبدا..بل إن كثيرا من العقاقير تكتشف بالصدفة .. كما أن  مجموعات من المرضي والأصحاء تتعاطي الدواء – أو الجراحات- بطريقة منهجية معينة.. ودون رأي مسبق.. ثم تقودنا النتائج وليست الأفكار ولا الهوى إلى الاستنتاجات النهائية..  الأمر كله – نعم: كله- خاضع للتجربة والإحصائيات التي تختلف من بحث لبحث ومن مدرسة لمدرسة بل وتتناقض أحيانا وهذا سر اختلاف المدارس الطبية المختلفة. ومن الناحية الأخرى فإن الدواء نفسه يتباين تأثيره من مريض لمريض. وعندما يصف الطبيب دواء لمريض – أو يقرر إجراء عملية جراحية له- فإن ذلك لا يعني أن هذا هو الطريق إلى الشفاء بنسبة   100% أو 90 أو حتى 50% بل يعني أن هذا المريض يحتمل أن يشفي بعد إجراء هذه العملية أو تعاطي هذا الدواء. لكن من الناحية الأخرى يمكن أن يموت هذا المريض. والعامل المحدد هنا هو الإحصائيات.. كم يموتون وكن يتم شفاؤهم.. رغم أنه بالنسبة لأي مريض منفرد فإن الإحصائية لا تهمه بصورة شخصية.. فبالنسبة للمريض فإن احتمال الشفاء 50% واحتمال الموت 50%.. الإحصائيات تفيد على مستوى المجتمع لا الفرد ( بالمناسبة هذا ليس اجتهادا في الرأي مني  لكنه يتبع علم الإحصاء وهو فرع من الرياضة التي كانت فرعا للفلسفة ثم فصلها عته برتراند راسل فيما أذكر).
إنني أعرف أن هذا الحديث سيصيب قارئه بانزعاج شديد.. فالقارئ يتخيل أن طبيبه على يقين.. وهذا ليس صحيحا.. إنما يغلب على ظن الطبيب تشخيص على آخر.. والشفاء وارد والمضاعفات واردة – لا أعنى المضاعفات بسبب الجهل والإهمال و إنما أعني المضاعفات الكامنة في العلم الطبي الحاذق الحريص نفسه .. وإلا  لكف الناس في الغرب عن الموت- والموت أيضا وارد.
يصاب خالد منتصر بما يشبه الجنون عندما يسمع عن الحجامة مثلا.. مع أنه من المؤكد أن ضحايا الحساسية من النوفالجين والبنسلين آلاف أضعاف ضحايا الحجامة. ولكنه لا يواجهنا بالمنهج التجريبي الذي طالما صدعنا به.. لكنه يتحدث بمنهج ثرثرة العجائز على المقاهي: سمعت ورأيت وقيل لي.. دون أي منهج علمي.. والغريب أنه يفترض أن رأي سيادته جدير بالاستغناء عن كل آليات العلم التجريبي.. فيكفي أن هذا رأيه.. ويكفي أن سيادته يزدري هذا الرأي كي نزدريه معه دون حجة أو دليل.. كما أنه يمارس ذلك بعنجهية لعله يتفوق بها على الشيطان نفسه.
لو توفر جو علمي صحيح أتاح للتجريب أن يجرى بالضوابط العلمية الصارمة لاستطعنا الاستفادة السلبية أو الإيجابية بتراثنا العربي – ولا أقول الإسلامي أو النبوي – في الطب.
وهناك نقطة أخرى أريد أن أقولها.. هو أنه لو شرف عصرنا بالرسول عليه الصلاة والسلام لكانت أكبر مستشفى في العالم في المدينة المنورة ولكانت أكبر قاعدة نووية في العالم في مكة ولكانت في أيدينا صوارخ التوماهوك والكروزو نرهب بها عدو الله وعدونا ولكانت أكبر قاعدة علمية في العالم في ضاحية من ضواحي الطائف ولكان الأسطول الإسلامي يمخر عباب البحر في خليج الخنازير.. كي يردع الخنازير!!.
ما أريد أن أقوله أن خالد منتصر يلجأ إلى نوع من التسطيح الحاقد المغرض الكريه.. و أن منهجه ليس علميا على الإطلاق.. بل إنه يلغي التجريب كله لكي يعود بنا إلى عهود الجهل الأوروبي حيث كان الكاهن أو الحاخام – أو خالد منتصر- يحددون القاعدة العلمية الواجب اتباعها وعلى العلماء البرهنة على صحتها.
كنت أود أن يقول خالد منتصر أن عمليات الحجامة قد أجريت في عشر مراكز طبية.. ويتراوح عدد المرضى في كل مركز على عدد يتراوح بين الألف والخمسة آلاف.. ثم يتحدث لنا عن طريقة اختيار المرضى.. وعن نوعية الآلات المستخدمة وطريقة الحجامة ووفتها و أعمار الذين أجريت لهم والنسبة بين النساء والرجال وبين الكبار والصغار والفئات العمرية المختلفة.. كان لا بد أن يذكر ذلك كله بحيادية كاملة ثم تذكر النتائج ثم نصل إلى استخلاص العبرة النهائية من كل هذا وهل يجب اعتماد الحجامة أم يجب رفضها..
لو فعل خالد منتصر ذلك لاحترمت رأيه حتى لو اختلفنا..  فهو يكون قد اتبع منهجا علميا على أي حال- والكلام في المنهج طويل جدا لكن المجال الآن ليس مجاله).. ولكان يمكن أن نخلص إلى نتائج محددة.. لكنه لم يفعل ذلك.. بل رفض وهاجم وصاح بطريقة سوقية مبتذلة وكأن رأيه رأي أرسطو أو رأي الكاهن أو الحاخام الذي يجب على العلماء أن يأتوا بعده ليثبتوا ما يقول ولو بلي أعناق الحقائق. والمؤكد أن سيادته سينال مكافأته على الفور.. ليس بسبب المنهج العلمي الذي تجاوزه وافترى عليه.. بل بسبب السوقية والابتذال والتسطيح والحقد ولي أعناق الحقائق.. وصولا للنيل من الإسلام.. تحت دعم السلطة و أمن الدولة!..
لو أن خالد منتصر يحارب الخرافة باسم الدين لكنت أول من يشجعه.. لكنه يحارب الدين نفسه محاولا أن يصمه بالخرافة..
ثم أنني لم أسمع أبدا أنه يهاجم الطب الشعبي الصيني.. أو الهندي أو اليهودي والأخير بالذات ملئ بالخرافات المضحكة..
لا أريد أن أذكر الإيجابيات وما ثبت عالميا بالأبحاث على عسل النحل أو حبة البركة مثلا .. إنني لا أتحدث عن التفاصيل.. ولكنني أتحدث عن المنهج.. بل إنني أظن أنه لو جاء غدا من يقول أن الفراعنة هم أول من اكتشف الحجامة لانبرى خالد منتصر على الفور للتغزل فيها وللإشادة بعبقرية المصريين القدماء وبصلاحيتها للاستعمال حتى الآن..
نعم.. لنواجه الحقيقة.. فالرجل لا يواجه هذه الممارسة أو تلك.. إنه ضد ما يظن أنه خلف الممارسة..
ولذلك.. لم تهتز له شعرة عندما طيرت وكالات الأنباء أن ثلثي الدواء الذي تطرحه الشركات الغربية في أفريقيا و آسيا دواء مغشوش..
هذا أمر لا يهمه.. ولا يستعديه للهجوم على شركات الدواء العملاقة تلك..
لم يهتز ضميره المبرمج أيضا إزاء فضيحة هائلة وجريمة مقيتة يرتكبها أصدقاؤه من الأطباء الليبراليين  الذين يستعملون المرضى المصريين – وشعوب العالم الثالث-  كحيوانات تجارب يجربون عليهم أدوية تنتجها الشركات الغربية ولم يصرح باستعمالها في الغرب..
لا يهتز ضميره إلا عندما توجد شبهة احتمال ارتباط بالإسلام..
نعم..
ضميره مبرمج..
ولهذا.. ولهذا فقط تفتح له الأبواب ..
***
حاشية 5

خــــسة

يتميز اليساريون بخسة عجيبة، ولعن الله من ملكهم الإعلام والثقافة.. إنهم يتميزون بقدرة هائلة على الكذب.. وبقدرة أكبر على عدم الخجل عندما يكتشفهم الآخرون، فينتقلون إلى كذبة أخرى على الفور، وتتسم نفوسهم بقدر هائل من الغلظة والسوقية وانعدام الإحساس.. ويبدون في برامجهم كما لو كانوا صيادين لا تعرف قلوبهم الرحمة ولا نفوسهم العدل وشاغلهم الشاغل أن ينصبوا الفخاخ والغزلان والظباء.. بمنتهي الخسة والوحشية.. ثم أن كل برامجهم مصطنعة بما فيها من ضيوف تتخيل أنهم اتصلوا بمحض الصدفة فإذا بالأمر مبيت ومرتب بصورة مثيرة للاشمئزاز الشديد.
لشد ما أحتقرهم..
..
حاشية 6

مني الشاذلي..
واحدة من اكثر الشخصيات احتراما على الفضائيات الخاصة  المصرية.. لكن لا تنسوا في النهاية أن التليفزيون المصري عموما أداة من أدوات التضليل والتزوير والكذب.. كما أن هذا التلفاز لا يتبع وزارة الإعلام بل وزارة الداخلية.
منى الشاذلي تمثل استثناء.. لكنه ليس كاملا ( سيظل حديث الإفك عن الاستعراض العسكري لطلبة الأزهر وصمة عار لن تمحى أبدا من تاريخها).
ويزيد من قيمتها أن معظم أقرانها وقريناتها معينون على درجة " مخبر" أو "فاجر" مهما اختلف المسمى الوظيفي.
في أحيان كثيرة أتأمل تقلص ملامحها وحديث جوارحها فأقول لنفسي أن ثقافتها وصدقها مع نفسها سيدفعها إما للانسحاب أو لحسم أمرها والمواجهة .. و للتحجب لتطرد.. أو أن تندفع للاتجاه الآخر فتسفر عن وجه اليسار النتن القبيح بعد تجرده من الأصباغ!!.

***
حاشية 7
الدكتور محمد عباس.. المعالج بالأعشاب؟!
هل هو حقيقي؟ أم طبيب أمن دولة؟!

***
كان ذلك منذ 15 عاما.. وكنت أنشر في صحيفة الشعب الأسيرة سلسلة مقالات بعنوان: " من مواطن مصري للرئيس مبارك" حازت أيامها قبولا واسعا.. ورد سمير رجب بطريقته حيث سلط علىّ – عليه من الله ما يستحقه-  أحد صبيانه (واسمه  ش . ع.  وكان رجب قد عينه رئيس تحرير رغم إدانته والحكم عليه بالسجن ثلاثة أعوام في جناية تسهيل دعارة! وبالمناسبة فقد كان ربيبا لماهر الجندي أيضا.. والعلاقة بين سمير والجندي وصبيهما مشهورة جدا ).. وكتب  رجب موضوعا للهجوم علىّ نشره في الصفحة الأولى .. وكان الموضوع مليئا بالأكاذيب ومنها أنني أستغل لحيتي التي تصل إلى منتصف بطني لخداع الناس – لم يكرمني الله بإطلاق لحيتي إلا منذ أعوام قليلة بعد حجي الثالث و اللهم لا تجعله الأخير - وقال رجب على لسان صبيه   أنني لست طبيبا متخصصا و أنني كونت الجزء الأول من ثروتي بخداع الناس بتجارة الأعشاب حتى تمكنت  من خداع بعض الأمراء العرب بأنني اخترعت عشبا يعيد إليهم شبابهم.. فلما انطلت الخدعة عليهم و أغرقوني بأموالهم طورت عملي فافتتحت مكاتب عديدة لتزويج القاصرات لهم!!.. لكن ثورة الخميني قامت في ذلك الوقت.. فتركت كل شيء وهرعت إليه.. فأعطاني عشرات الملايين من الدولارات وكلفني بإشعال الثورة في مصر..
الغريب أن ألف باء التشويه والتشهير أن تعتمد على قليل من الصدق ثم تبني عليها جبالا من الكذب.. لكن ما فعله رجب كان كذبا كله.. والقارئ الذي يتابع مقالاتي يدرك أن السلطة الغاشمة كانت تتمنى أن تجد سم خياط تنفذ منه إلىّ.. لا تآمرا لقلب نظام الحكم يسكتون عنه. ثم أنني طبيب جراح ثم استشاري في الأشعة التشخيصية وليس لعملي ولا لخبرتي أي علاقة بالأعشاب.
كنت مندهشا لذلك كله..
ولم أجد له تفسيرا أبدا طيلة خمسة عشر عام..
ولكن حيرتي انتهت منذ عام أو عامين.. حين فوجئت ببعض رسائل القراء تستشيرني في العلاج بالأعشاب.. ولم ألق للأمر بالا ولم يثر ريبتي ذلك.. وكنت أرد عليهم أنني غير متخصص في هذا الأمر من ناحية.. و أنني من الناحية الأخرى أظن أن نسبة الصحيح إلى الخطأ في العلاج بالأعشاب تضاهي نسبة الصحيح والموضوع فيما بحثه الإمام البخاري من الأحاديث: سبعة آلاف مقسومة على مليون مائتي ألف!!..
ثم بدأت الرسائل تزداد بصورة ضايقتني.. وظننت ظن السوء بخسة بعض اليساريين والعلمانيين.. وقلت لنفسي أنه استهزاء خبيث منهم  ومحاولة لتعكير صفوي والنيل من العلاقة الحميمة بيني وبين القراء..  وذات مرة رددت على أحد القراء الذي سألني علاجا بالأعشاب معاتبا ومغاضبا لأنه ليست لي علاقة ولا خبرة بهذا الموضوع أبدا.. وإذا بالقارئ يرد علىّ بأنه معذور.. وقد كذب ما قرأه في مبدأ الأمر لكن الإلحاح الإعلاني جعله يصدق ما استنكرته فطرته وعقله.. فقد قرأ مئات الإعلانات على الشبكة العنكبوتية عن الدكتور محمد عباس طبيب الأعشاب والمتخصص في علاج الأمراض الجنسية!! ( يستعمل الرجل في إعلاناته أسلوبا داعرا لا يمكن أن يستعمله طبيب.. أو أي شخص محترم) ..واضطر القارئ  في النهاية أن يصدق حزينا أن كاتب المقالات الذي شد ما هز نفسه وروحه هو طبيب الأعشاب الذي يغلب على ظنه أنه نصاب!!.. يقول القارئ أنه قال لنفسه أن المأساة تتكرر مرة أخرى.. و أن الدكتور  محمد عباس يكرر ما فعله جلال كشك الذي كتب كتبا من أعظم الكتب مثل " ودخلت الخيل الأزهر" هو نفسه الذي كتب كتبا أخرى سيئة جدا مثل:"في المسألة الجنسية".. هرعت إلى الشبكة وتبين لي صدق القارئ.. وتعقبت الرجل حتى حصلت على رقم هاتفه.. وتحدثت إليه.. كان أسلوب الرجل سوقيا تماما حتى أنني أشك أنه قد حصل على أي قدر من التعليم..لا أقصد التعليم العالي بل أقصد التعليم الأساسي.. إنني أعتذر للقارئ عن تعبير الازدراء التالي  لكن أسلوب الرجل كان كأسلوب حوذي أو متشرد.. وسألته :
- هل أنت الدكتور محمد عباس إخصائي العلاج بالأعشاب؟
و أجاب الرجل بالإيجاب ( علما بأنه لا يوجد في الطب تخصص للعلاج بالأعشاب!!).. لم أفصح له عن شخصي.. ولكنني بدأت أناقشه في العلاج بالأعشاب و أنني أريد أن أتعاون معه و أريد أن أزوره.. ورحب الرجل بالزيارة ورفض أن يعطيني عنوانه.. و أعطاني اسم مقهى أطلبه هاتفيا  عندما أصل إليه.. ووقر في خاطري أن أفاجئه لعله يعترف.. فصرخت فيه:
- أنا الدكتور محمد عباس فمن أنت أيها الكذاب؟..
وهنا ارتبك الرجل ارتباكا عظيما وسقط المسماع من يده ثم أغلق الخط.. ولمدة أسابيع بعدها ظللت أحاول طلبه لكنه لم يرد أبدا..
ونسيت الأمر.. حتى فوجئت في الأسابيع الأخيرة بتواجد كثيف له على الشبكة العنكبوتية حيث يختلط اسمه باسمي.. فلا يدري المتجول على الشبكة أن هذا شخص وذاك شخص آخر.
ليس لدي شك كبير في أن هذا الرجل صنيعة سمير رجب و المباحث( هل هناك فرق؟).. و أنهم صنعوه على أيديهم منذ خمسة عشر عاما للشوشرة علىّ إذا لزم الأمر.
وحسبي الله ونعم الوكيل..


ليست حاشية

نعم.. ليست حاشية.. بل خبرا من أخبار الغد..
إذ يقال.. والعهدة على الرواة.. أن أولي الأمر في بلاد كبيرة.. لا تتم في بلادنا دون أوامرهم صغيرة ولا كبيرة.. قد اشترطوا عند تنحية وزير شاذ تمسكت به السلطة الطاغية الباطشة طويلا.. أن يكون الوزير الذي يليه.. من نفس نوعه.. شاذا مثله.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق