المسألة الكردية.. مقترح لمبادرة قَطَرية لدعم تركيا
|
والرهان على إيمان الغرب بتثبيت مستوى من الاستقرار لتركيا، لمنع موجة اجتياح ونزوح شعبية أو فوضى اجتماعية خطيرة تصل إلى أرضه، لو دُفعت الحروب إلى داخل تركيا، هو رهانٌ غير موثوق أبدا، خاصة في ظل تنامي وضع جديد، وقوى مختلفة وتحالفات حديثة، وتطور سياسة تدافع كرة اللهب مع الإرهاب والتطرف، كلٌ يدعي الحرب عليه (الإرهاب) ويستخدمه في الوقت ذاته.
ولذلك فإننا نطرح ورقة العمل هذه في سياق يتفق مع تركيا ومصالحها العليا، ومن خلال شريك سياسي خاض معها تجربة فكرية وسياسية مشتركة، وبعلاقات ثقة كبيرة، وإن نجحت الدوحة بهذه المهمة، فإن كل المشرق العربي والشرق المسلم، سيستفيد من إطفاء جذوة هذه الحرب، والعودة إلى تجديد الانطلاقة الوطنية الدستورية للتجربة التركية.
ونطرح بعض أساسيات الرؤية في هذه العناصر:
1- الفكرة الأساسية تبني الدوحة بعيدا عن الإعلام، وبالتنسيق مع تركيا وموافقتها، غرفة حوار لمصالحة كردية أناضولية تعتمد التوافق السياسي والحقوق السيادية التركية، ومصالح الأشقاء الأكراد، كقومية جامعة، ومواطنين شركاء في دولة دستورية موحدة، في تركيا اليوم، وفي سوريا غدا، ضمن خيارات سوريا الجديدة بعد زوال هذا النظام، لكن التركيز حاليا على أزمة تركيا له الأولوية، إذ ستؤثر على ملفات أخرى.
2- التواصل مع الأكراد متاح ومرحب به من خلال السيد مسعود البرزاني، ومن خلال قواعد شعبية واجتماعية وتيارات كردية عديدة لا توافق على مشروع دمرطاش الذي حول منتج الحوار السياسي التاريخي بين الأشقاء، إلى جولة صراع خطيرة تهدد سلامة الأكراد والأتراك معا.
3- يدرك العديد من الأشقاء الأكراد أن ما يجري هو موسم استثمار لأذرع عسكرية وسياسية منهم، وأن حلم الانفصال الموحد لكل الكرد، يسوق تحته مشاريع خطيرة تضرب بنيتهم الاجتماعية وسلمهم الأهلي، كما تضرب بنية أشقائهم الأناضوليين والعرب.
4- أحد أوجه القصور الكبيرة، هو عدم انفتاح العرب على الخطاب القومي الكردي وتفهم رحلته ومآسيه، وليس المطلوب تخلي القوميات عن طموحها وأحلامها، لكن وضعها في سياق الضرورات الكبرى لشعوب الشرق.
والقومية الكردية محتاجة بالضرورة إلى عقد اجتماعي سياسي في أكثر من دولة، يحمي مواطنة الأكراد كما حقوق الدولة السيادية، وتركيا هي اليوم مفصل مهم للوصول إلى هذا التوازن الذي ينزع فتيل الحروب القومية الكبرى.
6- لكن دمرطاش ورفاقه مارسوا بمراهقة سياسية تفجير هذه المشاعر في توقيت خطير، لم يُراع التوازنات القومية الحساسة ومرحلة تثبيت السلام التي تبناها الجيش الجمهوري الأيرلندي، مع فروق عديدة في طبيعة الأزمتين الأيرلندنية والتركية.
7- سيظل حزب العمال أيقونة مؤثرة، فمع تأكيد استخدام سياسات وأطراف دولية وإقليمية مجموعات وأجنحة منه في حملة العنف والإرهاب لصالح المشروع الدولي المعادي لتركيا، إلا أن المراقبين -ومن بينهم أتراك- يجزمون بتعدد الرؤية في أجنحته، وأن عبد الله أوجلان كان ضد هذا التوظيف العبثي.
8- من المهم للغاية بل ومن ضروريات الممارسة السياسية والخطاب الاجتماعي الكردي، الخروج من هذه الثنائية الغريبة بتوظيف الماركسية المجنونة التي سقطت كل تجاربها، مع تقاطعات المشروع الغربي، وذلك من أجل إخراج القرار الكردي إلى مساحة من التفكير والنضج العقلي الذي يُقدر مصالح المرحلة.
9- إن بدأ هذا الحوار مع توسيع الفعاليات الكردية وبقاء الأطراف المؤثرة، وتحييد المتطرفين، فإن ذلك سيخلق أرضية شراكة لممثلين سياسيين لأكراد تركيا، هم من يختارونهم، وموقف وقناعات الرئيس مسعود البرزاني والتجربة الصعبة التي يعيشها إقليم كردستان العراق، ستشجع نضوج هذه الطبقة، من أجل الوصول إلى اتفاق جديد، وهو اتفاق لن يأتي على خلفية تحقق طموح المناضل الكردي السياسي المعتدل والمتطرف، ولكن لإيمانه بأن ما يجري من مواسم حروب وصراعات وتفجير العلاقة مع تركيا، هو كارثة للشعب الكردي قبل غيره، وأن الإيمان بتوافقات إنسانية تطفئ الحرب والعنف، هو خيار الحياة لهذه الشعوب اليوم، خاصة مع المشتركات العظمى بين الأناضوليين والكرد والعرب.
10- حوار الدوحة الذي يجب أن يُعزل عن الإعلام، سيُنجز المهمة الرئيسية والصعبة لعودة الثقة والتواصل، ولكن الفريقين فريق الرئيس أردوغان الذي خاض التجربة الأولى، والفريق الكردي الجديد، هما من سيضمنان مسار تحقيق المصالحة، وهي مصالحة من المهم للغاية أن تُتجاوز فيها العاطفة، ويتغلب على آلام المشاعر القومية التركية المتفهمة لدينا تماما، بحيث تُصارح بأن مشروع المصالحة هو ما سيدعم حماية السيادة التركية وتفوق القوات المسلحة النوعي، أكثر من الانهيار في سلسلة حروب تستنزف الجمهورية وإنسانها، في حريق الشرق الكبير.
إننا ونحن نقدم ورقة العمل هذه، ندرك صعوبتها ولكنها تحتاج إلى حيوية تفكير غير تقليدي تتمتع به الدوحة، منذ تأسيس قطر الجديدة في 1995، كما أن العلاقة الجديدة بين الدوحة والرياض ستساعد كثيرا في الحصول على دعم مركزي عربي لهذا الجهد؛ خاصة وأن نجاح هذا المشروع، هو مقدمة مهمة للغاية لتحييد الكثير من فوضى الإرهاب المتعدد، ومن التدخلات الموجعة في الشرق الإسلامي إقليميا ودوليا.
كما أنها مبادرة عملية لكي يتبنى الشرق بذاته الإدارة المدنية لمحادثات سلام نوعية، لمصلحة كل شعوبه وقومياته، فليس هناك أمر جيد في الحروب إلا نهايتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق