الثلاثاء، 14 يونيو 2016

جنود "أودين" وأتباع " محمد "

جنود "أودين" وأتباع " محمد "



شريف عبدالعزيز

الحضارة الغربية ؛ حضارة مادية برجماتية لا تعترف بقيم ولا مبادئ ولا مُثل إلا إذا كانت هذه القيم والمبادئ تتماشي مع الأهداف والمخططات والطموحات ، ولا ينكشف الوجه الحقيقي لهذه الحضارة إلا عند الأزمات الكبرى والمواقف الفاصلة ، عندها تسقط الأقنعة ويظهر الوجه الحقيقي لأتباع هذه الحضارة المفعمة بالتعصب والتطرف والعنصرية البغيضة .

الديمقراطية وقبول الآخر والتعددية وغيرها من منتجات وفيوضات العقل الغربي ، والتي ظل الغرب يفخر بها لقرون كواحدة من أهم إنجازاته الحضارية والفكرية في مجال الحكم والإدارة ، أصبحت اليوم وبفعل الأزمات العالمية التي يعاني منها الجميع ، محل شك ورفض الكثيرين من أبناء الغرب أنفسهم لها . 

ومن يراقب نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية خلال العامين المنصرمين يجد أن العالم يسير بقوة نحو التطرف والعنصرية .

فالأحزاب النازية توجد الآن بقوة على خريطة المشهد السياسي في العالم ، وأزمة اللاجئين السوريين الأخيرة كشفت جانبا من المستقبل المظلم الذي ينتظره العالم حال وصول هذه الأحزاب لموقع السلطة، حيث من المتوقع أن تكون السبب في اندلاع الحروب الإقليمية والدولية بسبب خطابها الفاشي المتطرف .

ففي ألمانيا يوجد حزب ألمانيا القومي ، وفي فرنسا حزب الجبهة القومية ، وفي بريطانيا  حزب استقلال بريطانيا ، وفي اليونان حزب الفجر الذهبي ، وفي هولندا حزب من أجل الحرية ، وفي إيطاليا حزب الخمس نجوم ، وفي بلجيكا حزب المصلحة الفلاندرية ، وفي النمسا حزب الحرية ، وفي المجر حركة يوبيك "الحركة من أجل مجر أفضل " هي الحركة الفاشية الأشهر الآن في أوروبا والأكثر شعبية في بلدها، وهي أحد أكثر الحركات اليمينية تطرفًا ومعاداة للإسلام والمسلمين ،وفي بلغاريا حركة أتاكا النازية، وفي الدنمارك حزب الشعب القومي ، ولا يكاد توجد دولة أوروبية إلا ويوجد بها أحزاب عنصرية وقومية وكل هذه الأحزاب تتمتع بوجود سياسي لافت في بلادها .

وإن كانت الأبعاد السياسية لهذا الجنوح العنصري ضد الإسلام والمسلمين قد بدأت تتبلور منذ أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي إثر بروز ظاهرة ما يسمى "الصحوة الإسلامية" أو "صعود الإسلام السياسي" في العالم العربي والإسلامي، وخاصة بعد الثورة الإيرانية بزعامة الخميني عام 1979، وتزايد الاهتمام الغربي بدراسة ظاهرة تنامي الصعود السياسي للتيارات الإسلامية والأصولية وتأثيرات ذلك على الغرب . 

فإن الأبعاد الاجتماعية لهذا الجنوح السلوكي قد بدأ قبل ذلك بكثير وفي أدبيات الفكر الغربي بمجموعة من المسلمات المسبقة والسلبية عن الإسلام والمسلمين. وبخاصة بالصورة النمطية الهوامية التي بدأتها المخابرات البريطانية عبر جاسوسها الشهير لورانس العرب وملاحظاته.

وأكملتها المخابرات الأميركية في سياق عملها على رسم قوالب نمطية للأمم والشعوب بهدف وضع قوالب سلوكية للتعامل معهم. 

وتجدر الإشارة هنا إلى أن معظم علماء النفس والإنثروبولوجيا الذين رسموا هذه القوالب كانوا من العلماء اليهود المهاجرين من ألمانيا هربًا من النازية !! . 
ناهيك عن الدور الاستشراقي ، حيث تعد حركة الاستشراق واحدة من أهم وأخطر القنوات التي أسهمت في تشكيل الصورة النمطية المشوهة عن الإسلام والمسلمين، وترسيخها في مخيلة العقل الغربي الفردي والجماعي. فالاستشراق بوجهه الكلاسيكي أو ما بات يعرف بالاستشراق الجديد، شكل القاعدة الخلفية والمصنع الفكري الذي يمد الجماعات والتنظيمات المعادية للإسلام والمسلمين .

المشكلة اليوم أن هذه الكراهية والعنصرية لم تعد تترجم حركيا في أحزاب سياسية ذات أيديولوجيات فاشية ، بل تحولت إلى كيانات وتنظيمات وتشكيلات مجتمعية مشحونة بكميات مهولة بالحقد والعداء لكل ما إسلامي وعربي . 
في ظاهرة حاول البعض تفسيرها بسبب الأزمات الاقتصادية المتتالية، والتراجع المتسارع لدولة الرفاهية مما سبب حالة من الاحساس بعدم الأمان لدى المواطن الغربي، ولطالما كانت الديمقراطيات الليبرالية الغربية رهينة صعود وهبوط الأسواق . 
ولكن التعمق في بحث جذور هذا التحول الخطير في التاريخ والحضارة الأوروبية ، يقود إلى النظرة العدائية المتنامية تجاه العالم الإسلامي منذ أوائل الألفية الثالثة ، وهي النظرة التي انبثقت عبر رافدين كبيرين ، أولهما : الكنيسة الكاثوليكية والتي مازالت تغذي الذاكرة الغربية والعقل الجمعي للمواطن الغربي بذكريات ومآثر الحروب الصليبية الغابرة ، وثانيهما : الجاليات الإسلامية الموجودة في الغرب والتي تكونت وظهرت في المجتمعات الغربية في أعقاب الحرب العالمية الثانية ، والخلخلة التي سببتها هذه الجاليات في مفهوم الهوية والقومية لدى الأوروبيين . ثم جاءت الموجة الأخيرة من المهاجرين لتشعل جذوة التعصب والعنصرية لدى الأوروبيين بعدما شعروا بتفاقم الخطر الهوياتي الذي يتهدد وجودهم وحضارتهم بسبب ملايين المهاجرين . 
و جماعة " جنود أودين " هي آخر حلقة في سلسلة العداء الديني والعنصري ضد المسلمين والإسلام ، ولكنها ربما تكون الحلقة الأخطر.
جماعة عنصرية شديدة التطرف ظهرت فجأة ، دون أن تخرج من رحم جماعة أو حركة أخرى ، ظهرت في دول أوروبية منها فنلندا والنرويج وإستونيا منقسمة إلى مجموعات يمينية متطرفة، تطلق على نفسها جنود أودين “Soldiers Of Odin”. و"أودين" هو كبير الآلهة في الميثولوجيا النوردية، والذي يشتق اسمه من كلمة تعني الغضب، ويعتبر طبقا للأساطير إله الحرب والمعركة والموت ، وكان الفايكنج يعتبرونه معبودهم الأكبر .

هذه الجماعة انتشرت كالنار في الهشيم في أنحاء أوروبا، وهدفها الرئيس هو مواجهة موجات اللاجئين العرب، وتطبيق القانون بيدها، بمعزل عن السلطات في هذه الدول. 
وتظهر العديد من مقاطع الفيديو المنتشرة على موقع “يوتيوب” مجموعات كبيرة من الشبان ترتدي زيا موحدا كتب عليه شعار تلك المجموعة، تجوب الشوارع بحثا عن اللاجئين العرب، زاعمة أنها تحمي السكان المحليين من هؤلاء اللاجئين، وسط أنباء عن تواصل هذه المجموعات بين بعضها البعض في دول أوروبية عديدة ، ويزعم منظمو هذه الجماعة العنصرية أنها تأسست رداً على موجة طالبي اللجوء التي شهدتها حدود الاتحاد الأوروبي، ويرتدي أعضاء الجماعة ملابس سوداء أثناء "دورياتهم" التي يدّعون أنها لحماية "النساء البيض من الاغتصاب على أيدي اللاجئين"، لكن المراقبين لا يصدقون ذلك، ويعتقدون أن توجهات تلك الجماعة لا تهدف إلا إلى تهديد المسلمين.

وقد انتقلت الحركة العنصرية إلى الجهة الأخرى من الأطلنطي ووصلت إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، وانتشرت في 42 ولاية أمريكية بسرعة لافتة للانتباه ، وكانت آخر تحرشاتهم بالمسلمين يوم السبت الماضي حيث قامت مجموعة مكونة من خمس أعضاء لتنظيم جنود أدوين باقتحام مسجد في مدينة دنفر بولاية كولورادو فيما سمّوه مهمة "تقصي الحقائق"، ووجهوا للإمام العديد من الأسئلة حول موقف المسجد من الشريعة وعن التعاون من "الجماعات الجهادية" ، ثم نشروا في اليوم التالي تهديداً لهذا الإمام على شبكة التواصل الاجتماعي مما دعاه للاتصال بالشرطة التي تعاملت مع الموضوع بتجاهل مريب
الجماعة العنصرية تؤكد في كل وسائل الإعلام على سلميتها وعلى وجود "الكثير من الديانات والأعراق والمستويات المادية المختلفة بها"، وهو ما جاء على لسان أحد قادة المجموعة في حديثه لصحيفة Vocativ  الأمريكية في مايو الماضي. ولكن الحقيقة مغايرة تماما لمثل هذه الادعاءات ، حيث يشارك العديد من "جنود أودين" في جماعات عنصرية أخرى مثل: "كو كلوكس كلان" و"الحركة الاشتراكية الوطنية" التي تمثل نازيي البلاد الجدد، كما أدين العديد من منتسبي الحركة في جرائم كراهية ضد المسلمين في أمريكا .
هذه الحركة الجديدة أخطر وأشد تأثيرا من حركة " بيجيدا" الألمانية المعادية للمسلمين ، فحركة بيجيدا ممجوجة ومرفوضة من قطاعات كبيرة من الأوروبيين بسبب فجاجة خطابها وتحريضها السافر ضد المسلمين في أوروبا بغض النظر عن كونهم عرب أو أوروبيين . حتى أن مؤسس الحركة  لوتز باخمان، مؤسس الحركة يحاكم في ألمانيا بتهمة التحريض على الكراهية. 
أما حركة جنود أودين فتتظاهر بالسلمية ، وتهتم بالجانب الاجتماعي والتركيز على تأسيس عمل منظم مليشاوي بحجة حماية المجتمع الأوروبي من عدوان وانتهاكات اللاجئين المسلمين ، لذلك فالحركة تستقطب أعدادا كبيرة باستمرار ، خاصة من صفوف الشباب .
مما يرشح أوضاع المسلمين في أوروبا لمزيد من الضغوط والاضطهاد ، فأتباع محمد صلى الله عليه وسلم قد صاروا أهدافا مرخص بها لدى جنود أودين الذين سيطلقون موجة جديدة من العداء والكراهية ضد الإسلام والمسلمين
لن تجد من حكومات العالم الإسلامي التي يتجاوز عددها الخمسين  من يردعها أو يوقفها عند حدها ، فللأسف الشديد أتباع محمد قد صاروا مثل الغنم القاصية في الليلة الشاتية ، لن يكون لهم إلا الذئاب .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق