جلاد الكنانة
قصيدة للشاعر:هاشم الرفاعي
أنزل بهذا الشعب كل هوان
و أعد عهود الرق للأذهان
و اقتل به ما اسطعت كل كرامة
و افرض عليه شريعة القرصان
أطلق زبانية الجحيم عليه
من بوليسك الحربي و الأعوان
و اصنع به ما شئت غير محاسب
فالقيد لم يخلق لغير جبان
يا باعث الوادي أما من جنة
للمتقين بجانب النيران ؟
هدمت صرح فساده لكن على
حرية الأرواح و الأبدان !
ما بين محكمة تقام و أختها
مني الضمير بغفوة النعسان
الشعب يلعنها و تقرن باسمه
أرأيت كيف تبجح البهتان ؟
فيها القضاة هم الخصوم و إنها
لعدالة مختلة الميزان
هبني خدعت بكل ما زيفته
عن سادة الأحزاب و الإخوان
هل خان قائدنا نجيب عهدنا
أم راح نهب الحقدِ و الأضغان ؟
لم يرض بالحكم انفرادا غادرا
بعد العهود و بيعة الرضوان
أو كل شهم لا يطيق خداعكم
أضحى لديكم خائن الأوطان ؟
إن الشهيد قتيلكم و طريد كم
حر و ليس سجينكم بمدان
كفلوا لكل مواطن حرية
في الرأي إن أثنى على الطغيان
من ذا الذي يخشى الكلام و هاهموا
قد أطلقوا للزور كل لسان
هذي الصحافة حرة أقلامها
في جوف أربعة من الجدران
لم تخش بأس رقابة من بعد أن
ألقوا بها في ظلمة القضبان
أما الإذاعة فهي بوق دعاية
عادت بداء الوقر للآذان
ملئت بكل مخدر و مضلل
من مائع الأخبار و الألحان
زعموه عهد تقدم نحو العلا
جعل المواطن صاحب السلطان
فعجبت كيف يريد مجد بلاده
من راح يطبعها على الخذلان
جلبوا الشقاء لنا فأي نقيصة
لم تنتشر فينا بكل مكان
وصفوا الدواء لرشوة مذمومة
فإذا بها أنكى من السرطان
و تظاهروا بفناء محسوبية
و شيوعها ما احتاج للبرهان
و دعوه عهد تحرر من قيدنا
لبسوا مسوحا فيه للرهبان
فرأيت شعبا مستذلا صاغرا
نحو السجون يساق كالقطعان
يستعمل الأشرار في تعذيبه
ما فاق كل وسائل الشيطان
الرفق بالحيوان أصبح واجبا
أفلا ننال الرفق بالإنسان ؟!
قالوا: القضاء على الفوارق بيننا
و إزالة الألقاب مقترنان
أي الثمار أصاب بعد زوالها
من بات يجرع سابق الحرمان
قد أبدل الباشا القديم بسيد
و الشعب بينهما المريض العاني
كم جائع قد خاف جلادا له
فأسر بالشكوى إلى عريان
و معذب سمع الدجى أناته
متعللا بالصبر و الإيمان
ما رد جوعا أو كسا عُرْيَانَنا
تحديدهم ملكية الأطيان
المال قد أفنوه كي يتظاهروا
بتتابع التشييد و العمران
ماذا أفاد النيل من كورنيشه
إن كان يشكو ذلة و يعاني
إن السجين إذا ارتدى من سندس
في القيد لا يرتاح للسجان
شغل الكماه الغر كل وظيفة
وتسلموا في النيل كل عنان
وتربعوا في دست كل وزارة
لم يتركوا للكفء أي مكان
حتى كأن بمصر كل كفاءة
قصرت على أبطالها الفرسان
و أرى العدو ببابنا متربصا
و يكاد أن ينقض كالعقبان
كم شن عند حدودنا من غارة
قد قوبلت بالصفح و الغفران
و الجيش مشغول بإذلال الحمى
هل خوض معركتين بالإمكان ؟
يكفيه عرض الجند في حفلاته
و الكشف عمن فيه من شجعان
لن ندرك النصر المراد إذا التقى
بوما بإسرائيل في ميدان
أتريد من جيش هزيل قاده
غَرُ دفاعاً ساعة العدوان ؟
جلاد مصر ويا كبير بغاتها
مهلا فأيام الخلاص دواني
من أي غاب قد أتيت بشرعة
ما إن يساس بها سوى الحيوان
و بأي قانون حكمت فلم تدع
شيئا لطاغية مدى الأزمان
أبرأيكم ؟ و الله يشهد أنه
فيه الهوى و الغي يلتقيان
أم ذاك رأي الشعب و هو مكبل
فحياته و الموت يستويان
قد بات مثل الزوج مخدوعا متى
يعلم فبعد تحدث الجيران
لو كان عهدك قبل عهد محمد
للعنت يا فرعون في القرآن
في ظل فترة الانتقال بنا إلى
دار البقاء و رحمة الديان
هجرا لقضاء الحرِ مجلس دولةٍ
قد نام ملء العين و الأجفان
و أُضيع دستور البلاد و حقها
في برلمان ثابت الأركان
نيرون لو قيست بكم أفعاله
سيكون رب الخير و الإحسان
يا رب مغلوب ينام على الأذى
لكن بمقلة ساهر يقظان
لا يغرينكموا بضرب رقابنا
هذا السكون فإنه لأوان
و من العواصف ما يكون هبوبها
بعد الهدوء و راحة الربان
إن احتدام النار في جوف الثرى
أمر يثير حفيظة البركان
و تتابع القطرات ينزل بعده
سيل يليه تدفق الطوفان
كم من قوي ظالم قد ناله
من شعبه ما ليس في الحسبان
فتشت لم أر مستبدا ناجيا
دمع الضحايا فاحش الأثمان
عرف الشيشكلي قبلكم في سوريا
ماذا وراء الصمت و الإذعان
فاروق لم يكن الخيال يراه في
يوم الخروج يجر في الأحزان
ما كان فينا حالم بنزوله
عن عرشه في لحظة و ثوان
لكنه ظلم الطغاة شعوبها
جعل الحياة تدب في الجثمان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق