القيصر السوري مغدورا بست وثمانين طعنة!
أحمد عمر
تناقلت وسائل الإعلام خبرا عن قيصر جديد هرب بآلاف الصور. يقول الخبر إنه فرّ بها في جرابه. قاض سوري، هرب بآلاف الوثائق في معطفه، معطف القاضي ليس كمعطف أَكاكي أَكاكيفيتْشْ لغوغول، الذي خرج منه معظم كتاب القصة، فالمعطف السوري لا يدفئ أحدا، وها هي أشباح صاحب المعطف السوري في كل العالم وتطارد الناس على كوكب الأرض كاللعنة.
سألت عن القيصر الثاني، وكل سوري قيصر عنده أكثر من شهادة، كل سوري هو شاهد وشهيد، فقال لي رئيس تحرير وسيلة إعلامية سورية ومعارضة: إنهم بعد البحث، وجدوا أن الإعلام العالمي الذي نقل الخبر، قد أهمله فأهملوه أسوة به؟ ولو دخل الإعلام العالمي جحر ضب لدخلوه!
يوليوس قيصر طُعن من صديقه بروتوس في الظهر، طعن يوليوس بستٍ وثلاثين طعنة، وقتها فوجئ القيصر وهو يلتفت ليجد أعزَّ أصدقائه بروتوس يطعنه، فقال قولته الخالدة: حتى أنت يا بروتوس. ولم يكن لديه وقت للبكاء سوى بدموع حمراء نزف معها روحه.
السوري، وكل سوري قيصر، قال شكري القوتلي شيئا مثل هذا، طُعن من أكثر من ستة وثمانين صديقا، وربما أكثر، بروتوس اللبناني فرض على النازح السوري منع التجول المحدد بساعات تنفس كما في السجون، وكانت الجزيرة قد قابلت الفريق التركي الذي فحص صور القيصر الأول وبوَّبها على أقسام: الميتون تحت التعذيب بالنار، الميتون بالجوع، بالاغتصاب، بالشنق، بالخنق، بتحطيم العظام.. وتحدَّث الفريق عن الآلام والكوابيس التي عانوها وهم يصنّفون الصور. أين القيصر السوري؟
القيصر السوري تحول إلى شبح، بل كان شبحا منذ أن سمعنا به، كُتبت عنه آلاف التقارير، وسمعه الكونغرس في جلسة سرية باطنية، تحوّل إلى طيف بسبب إهمال الغرب الإنساني، وهو يبحث عن عباءة الحرية الدافئة، فلم يجد سوى البرد. القيصر السوري تحول إلى أَكاكي أَكاكيفيتْشْ سُرق منه معطف يقيه نار البراميل.
كان النظام السوري الكافر (والكفر لغويا معناه التغطية، لكن لا بأس بالمعنى الديني أيضا، فهو كافر وكفره بواح ونكاحه سفاح) يعيش حال يوتوبيا، سورية في ولاية الأسد وراثةً، واحةً للأمن والاستقرار، لم يكن في سوريا سوى أخطاء فردية لا ترى بالعين المجردة، هناتٌ بسيطة مثل أربعين ألف ضحية في حماة، وأكثر من ألفا ومائتين في تدمر، وعدة آلاف في جسر الشغور.... رضي الرئيس الشاب، فلبس مرة قميص نص كم، فطار السوري من الفرح برؤية عورة زنوده المذهلة التي تسحر الألباب!
ثم جاءت الثورة السورية واشتعلت حرب الإعلام، وصارت الحواجز السورية تبحث عن الموبايلات خوفاً من تسريب الصور في ذاكرة الهواتف النقالة، وصارت الجزيرة والعربية قناتين للفتنة، وأخطر من الحشيش والهرويين، واتهم الإعلام بالفبركة؛ فساعة حمص مفبركة، وحمزة الخطيب كذبة، ودرعا بألف خير وتشكر وتحمد الملاك الطاهر عاطف نجيب، وكلها مظاهرات نُفذت في قطر، بغرض تحريض الشعب السوري الطيب المسالم المرفّه، على حكامه العادلين الأنقياء البواسل من أجل ثني سورية عن المقاومة والممانعة، وإشعال جبهة الجولان التي كانت على وشك أن تشتعل لولا أحد الأمراء الخليجيين .
وها قد مرت سنواتٌ ستٌ على سوريا، وقد دمر فيها الحرث والنسل. أمس قصف الأسد اللطامنة بالغاز، وعمل الإعلام العالمي نفسه من "بنها"، واستضافت الجزيرة مختصين بالكيمياء وتفاعلات الغاز في الشرطيين النظاميين: وهما الأمن والاستقرار، فجادلوا بأنّ تحديد نوع الغاز يحتاج إلى فريق علمي، وهم لا يعرفون من الذي قصف اللطامنة. التحقيق صعب في هذه الظروف الحرجة من تاريخ الغرب، الغرب أيضا يضر برحلة حرجة، وسيردُّ على النظام السوري في الوقت المناسب، ولا هم يعرفون أيهما أولاً: الدجاجة أم البيضة، الأسد أم حرْق البلد؟
تحصّلتْ آلاف الصور التي تبكي الحجر..
ريما سيعمدون إلى وزن الصور بالكيلو، ولم تبلغ الطن بعد. الغرب يحتفي ببعض الهاربين والنازحين ويعرضهم على التلفزيونات الغربية لذرّ الرماد في العيون الوقحة، كما يفعل السيسي، فيقابل فقيرة مثل امرأة العربة، وصاحبة الحلق الحاجة زنيب، فيكفر عن كل ذنوبه بصورة وحيدة. الغرب يؤدي نفس النمرة. أمس تحدث الأمين العام للأم المتحدة عن ضرورة توفير ممر آمن لأهل الموصل، الهدف هو تفريغ الحواضر السنية من أهلها وإحلال شعب مكان شعب أسوة بإسرائيل.. ستستبدل إسرائيل الشعوب من أجل الأمن والاستقرار حولها.
فرغت الحواضر السنية، وشُرد شعب ومُزقت أعراض، "اللوكشين" السوري جاهز لتصوير أفلام الحرب. "رأس المملوك جابر" أوصل الرسالة مكتوبة على رأسه بعد أن نبت عليها الشعر، فقطعوا رأسه جائزة له على الرسالة، ربما سيقطعون رأس القيصر السوري. الشرعية بالطنّ. لم تبلغ الوثائق الطنّ بعد. العفو الدولية تتأكد، تأكدت لكن الغرب لم يتأكد، يا لها من حكومات إنسانية..
لذلك تجد صحافيين وناشطين كباراً، سعداء بفوز ريال مدريد على برشلونة أو بالعكس، والأسد يزداد شباباً، ويتناوب أمريكيون على التصريح، فريق يقول: إن مصير الأسد ليس في الأولويات، ويقول آخر: إن سورية أفضل بدون الأسد، وفريق في السعير..
القيصر لايزال كأنه قيصر من التاريخ، كأنه سرّ الكأس المقدسة، كأنه شبح. قضى الأتراك شهوراً وهم يبكون ويعانون من تصنيف الضحايا، ويسمعون أنيهم في كوابيس الليل، لكن الغرب لم يقرر الاعتراف سياسياً بصوره بعد، ربما حتى يصير عددها ست ملايين ضحية كما في الهولوكوست. هو يكرم بعض الهاربين من السجون السورية، فيسمى شارعاً باسم أقلهم تعذيباً، من الأقليات يا روح. الغرب سيدفعنا إلى القول للأسد "منحبك"، خسئ، من يدري ربما نقول؟
الحياة في برد روسيا من غير معطف موت محقق، كذلك في هذا العالم الحر الذي يتفرج على المذبحة بدم بارد مثل دم الأفعى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق