الأربعاء، 19 أبريل 2017

هل ستوقف إسرائيل غاراتها في سيناء؟


هل ستوقف إسرائيل غاراتها في سيناء؟  
صالح النعامي
لا خلاف في تل أبيب على تعاظم مستوى الدافعية لدى تنظيم "ولاية سيناء" بشكل غير مسبوق للمس بالأهداف الإسرائيلية، في أعقاب تواتر الشواهد والأدلة على الدور الكبير والحاسم الذي يلعبه الجيش الإسرائيلي في الحرب التي يشنها نظام عبد الفتاح السيسي على  التنظيم.
وقد باتت نخب أمنية إسرائيلية وازنة تحذر من التبعات "الكارثية" لاضطلاع سلاح الجو الإسرائيلي بالدور الرئيس في تنفيذ الغارات الجوية التي تستهدف التنظيم في شمال سيناء.
ومثلت الخطوة غير المسبوقة التي أقدمت عليها إسرائيل قبل أسبوع بإغلاق معبر "طابا" الحدودي عشية عيد "الفصح" اليهودي، ومنع السياح الإسرائيليين من دخول سيناء؛ ترجمة لمخاوف هذه النخب من ردود فعل محتملة للتنظيم على الشراكة بين نظام السيسي  وحكومة تل أبيب.
وقد برر ديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو القرار الدرامي بإغلاق المعبر بوجود معلومات استخبارية "دقيقة" حول عزم التنظيم على ضرب أهداف إسرائيلية.
اعتراف إسرائيلي بالغاراتتدرجت إسرائيل في إفصاحها عن الجهد الحربي الذي تقوم به في حرب نظام السيسي ضد تنظيم "ولاية سيناء". فقد نقل موقع وكالة "بلومبيرغ" الأميركية قبل عام تقريبا عن مسؤول إسرائيلي أمني سابق قوله إن إسرائيل شرعت -منذ عام 2014- في شن غارات جوية باستخدام الطائرات بدون طيارضد قادة وعناصر "ولاية سيناء"، بناء على طلب وتنسيق مع نظام السيسي.
مثلت الخطوة غير المسبوقة التي أقدمت عليها إسرائيل قبل أسبوع بإغلاق معبر "طابا" الحدودي عشية عيد "الفصح" اليهودي، ومنع السياح الإسرائيليين من دخول سيناء؛ ترجمة لمخاوف هذه النخب من ردود فعل محتملة للتنظيم على الشراكة بين نظام السيسي وحكومة تل أبيب
ومما يدل على أن ما نقله موقع "بلومبيرغ" كان دقيقا وصحيحا، حقيقة أن صحيفة "معاريف" نقلت في حينه عن مصدر في ديوان نتنياهو اتهامه لوزير الحرب السابق موشيه يعلون بتسريب المعلومات إلى "بلومبيرغ".
وقد تطرق كبار المعلقين الصهاينة المرتبطين بمؤسسة الحكم إلى الغارات الإسرائيلية التي تستهدف تنظيم "ولاية سيناء" بالتنسيق مع السيسي، حيث انتقد يوسي ميلمان المعلق العسكري في "معاريف" تسريب المعلومات بشأنها، على اعتبار أن هذه التسريبات تمس بمكانة السيسي أمام شعبه مما يضر في النهاية بإسرائيل (معاريف، 11 يوليو/تموز 2016).
في حين دافع رون بن يشاي كبير المعلقين في "يديعوت أحرنوت" عن التسريبات وطالب بأن تعلنها إسرائيل بشكل رسمي، تماما كما تعلن الولايات المتحدة غاراتها التي تنفذها الطائرات بدون طيار في أفغانستان وباكستان واليمن وغيرها (يديعوت أحرنوت، 11 يوليو/تموز 20166).
ومما لا شك فيه أن أوضح إقرار رسمي بشن الغارات بواسطة الطائرات بدون طيار في سيناء جاء على لسان وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان قبل حوالي شهرين، عندما قال -في مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي- إن غارة أدت إلى  تصفية خمسة من عناصر "ولاية سيناء" جاءت ردا على إطلاق التنظيم صواريخ على مدينة "إيلات".
وتكمن المفارقة في أن النخب المصرية المرتبطة بنظام السيسي -والتي ظلت تكذب التسريبات بشأن قيام إسرائيل بشن غارات في قلب سيناء- أخذت تبرر هذه الغارات بعد إقرار ليبرمان بتنفيذها، مع العلم بأنه لم يصدر عن الحكومة أو الجيش المصري أي تعقيب رسمي على تصريحات ليبرمان.
منظومة شراكة متكاملةإذا كان الغارات الإسرائيلية التي تستهدف تنظيم "ولاية سيناء" هي المظهر الأبرز للشراكة والأكثر فجاجة بين تل أبيب ونظام السيسي، فإن هناك مظاهر أمنية واستخبارية وسياسية أخرى لهذه الشراكة لا تقل أهمية. فقد أقر قائد شعبة العمليات في الجيش الإسرائيلي الجنرال نيتسان ألون بأن إسرائيل تزويد الجيش المصري بمعلومات استخبارية تساعده على استهداف "ولاية سيناء" (هارتس، 2 يوليو/تموز 2016).
وقد كشفت صحيفة "معاريف" تفاصيل دقيقة حول طابع المساعدة الاستخبارية التي تقدمها إسرائيل للجيش المصري، حيث أشارت إلى أن وحدة التجسس الإلكتروني (وحدة 8200) التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) تزود الجيش المصري بمعلومات استخبارية يتم الحصول عليها عبر عمليات التصوير التي تقوم بها الطائرات بدون طيار أو الأقمار الصناعية، ناهيك عن دور الوحدة في اعتراض المكالمات التي يجريها قادة وكوادر "ولاية سيناء" (معاريف، 25 فبراير/شباط 20177).
وأكثر من ذلك؛ أشارت الصحيفة إلى أن جهاز المخابرات الداخلية الإسرائيلي (الشاباك) -المسؤول عن جمع المعلومات الاستخبارية من سيناء عبر تجنيد مصادر بشرية- يقوم بدوره بتزويد الأمن المصري بالمعلومات المتعلقة بالتنظيم.
وإلى جانب ذلك، فإن إسرائيل أذنت لنظام السيسي بتجاوز بنود الملحق الأمني في اتفاقية "كامب ديفد"، وسمحت للجيش المصري بجلب دبابات واستخدام الطائرات النفاثة في شمال سيناء لتحسين قدرته على مواجهة التنظيم.
أهداف الاستنفار الإسرائيليينبثق التحرك العسكري والاستخباري الإسرائيلي في سيناء من منظومة اعتبارات إستراتيجية تتعلق بالأساس بمكانة نظام السيسي في البيئة الإقليمية للكيان الصهيوني، إلى جانب إدراك تل أبيب أن شبه جزيرة سيناء تمثل ساحة مواجهة متقدمة للدفاع عنالمستوطناتوالمرافق الإستراتيجية والأمنية الإسرائيلية في صحراء النقب.
قد كشفت صحيفة "معاريف" تفاصيل دقيقة حول طابع المساعدة الاستخبارية التي تقدمها إسرائيل للجيش المصري، حيث أشارت إلى أن وحدة التجسس الإلكتروني (وحدة 8200) التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) تزود الجيش المصري بمعلومات استخبارية يتم الحصول عليها عبر عمليات التصوير التي تقوم بها الطائرات بدون طيار أو الأقمار الصناعية
فمن حيث المبدأ ترى إسرائيل في أي تهديد يمكن أن يؤثر على استقرار النظام الحالي بالقاهرة تهديدا مباشرا لأمنها "القومي"، على اعتبار أن الانقلاب الذي قاده السيسي أسهم في تجنيب إسرائيل التداعيات "الخطيرة" لثورات الربيع العربي، علاوة على أنه ضمن عدم حدوث أي نكوص عن التزام مصر باتفاقية كامب ديفد.
ومن هنا، لم يكن من المستهجن أن يصف الرئيس السابق للدائرة السياسية والأمنية في وزارة الحرب الإسرائيلية الجنرال عاموس جلعاد -الذي كان مسؤول ملف العلاقات مع مصر- الانقلاب الذي قاده السيسي بأنه "أهم معجزة حدثت لإسرائيل" (موقع قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية، 12 مارس/آذار 20144).
ولذلك فإن لإسرائيل مصلحة كبيرة في تحسين قدرة نظام السيسي على التعاطي مع التحديات الأمنية التي يواجهها هذا النظام، وتحديدا تلك التي يمثلها تنظيم "ولاية سيناء".
في الوقت ذاته، فإن إسرائيل ترى في حرب السيسي ضد "ولاية سيناء" حربها، حيث تخشى أن يفضي استقرار التنظيم إلى تهديد عمقها الإستراتيجي. فصحراء سيناء تتاخم صحراء النقب التي تضم العديد من المستوطنات، وبشكل خاص تضم مرافق أمنية وإستراتيجية حساسة، من بينها مفاعل "ديمونا" النووي وعدد كبير من المطارات والقواعد الحربية.
ومن نافلة القول إنه مقابل دورها في الحرب على "ولاية سيناء" فإن نظام السيسي يساعد إسرائيل في تجفيف منابع المقاومة الفلسطينية بقطاع غزة، عبر سد منافذ تهريب السلاح والوسائل القتالية بإغلاق الأنفاق وتشديد الحصار البري والبحري.
إن تأثير الجهد الحربي الإسرائيلي ضد "ولاية سيناء" يبدو أكثر وضوحا من تأثير عمليات الجيش المصري. فهناك من يرى أن ميل التنظيم مؤخرا إلى تبني أسلوب حرب العصابات، وتخليه عن فكرة السيطرة على الأرض، وتجنب التمركز في نقاط ثابتة؛ جاء لمنع تمكين الطائرات الإسرائيلية من استهداف قواته.
محاذير التورط بسيناءلقد عمدت نخب أمنية إسرائيلية مرموقة إلى تحذير دوائر صنع القرار في تل أبيب من تداعيات الاستنفار العسكري الميداني لمساعدة نظام السيسي في حربه ضد "ولاية سيناء"، وعلى رأس ذلك شن الغارات بدون طيار، على اعتبار أن هذا التورط يزيد دافعية التنظيم للمس بإسرائيل، ويفتح المجال أمام اندلاع مواجهة معه لا طائل منها.
وقد اعتبرت هذه النخب أن إدراك إسرائيل لفشل الجيش المصري في مواجهة "ولاية سيناء"، وافتراض تل أبيب أن حرب السيسي في سيناء هي حربها، لا يسوغ الاستدراج لهذه المواجهة.
لا يوجد حتى الآن ما يدل على أن دائرة صنع القرار في تل أبيب ستأمر بوقف الغارات الجوية ضد "ولاية سيناء"، على اعتبار أن التسليم بفشل نظام السيسي في مواجهته يعني التمهيد لنقل المواجهة إلى داخل الكيان الصهيوني وتحديدا داخل صحراء النقب
وقد كان الجنرال أودي سمحوني -وهو أبرز القادة العسكريين الإسرائيليين- الأكثر صخبا في تحذيره من مغبة مواصلة الانخراط في الحرب على التنظيم، حيث استذكر أن تنظيم الدولة الإسلامية الذي ينتمي إليه "ولاية سيناء" يتجنب استهداف إسرائيل، مما ينسف مسوغات استهدافه والمخاطرة بفتح مواجهة معه (موقع وللا، 8 أبريل/نيسان 2017).
وحسب سمحوني فإن أخطر تداعيات مواصلة فتح مواجهة مع "ولاية سيناء" يتمثل في إمكانية أن تقود هذه المواجهة إلى تآكل قوة الردع الإسرائيلية، التي تمت مراكمتها عبر عقود من العمل العسكري المتواصل.
لا يوجد حتى الآن ما يدل على أن دائرة صنع القرار بإسرائيل ستأمر بوقف الغارات الجوية ضد "ولاية سيناء"، على اعتبار أن التسليم بفشل نظام السيسي في مواجهته يعني التمهيد لنقل المواجهة إلى داخل الكيان الصهيوني وتحديدا داخل صحراء النقب.
لكن على كل الأحوال، أرغمت المخاوفُ من ردة فعل "ولاية سيناء" على الغارات التي تنفذها الطائرات بدون طيار، إسرائيلَ على الإضرار بنظام السيسي سياسيا واقتصاديا، دون أن تقصد ذلك.
فقد جاء قرار نتنياهو بإغلاق معبر "طابا" -بحجة أن "ولاية سيناء" يخطط لتنفيذ عمليات داخل سيناء ضد سياح إسرائيليين- بعد يوم فقط من إعلان السيسي أن التنظيم قد اندحر في سيناء مما دفعه لتنفيذ عمليات في العمق المصري، كانت أخراها حادثة تفجير الكنيستين في طنطا والإسكندرية.
ومثّل القرار الإسرائيلي نسفا لمصداقية خطاب السيسي، كما شكّل تحذيرا غير مباشر للسياح من التوجه إلى المرافق السياحية المصرية في سيناء.
ورغم أن القيادة الإسرائيلية غير مستعدة حتى الآن للتوقف عن مساعدة السيسي في مواجهته "ولاية سيناء"؛ فإن موقفها سيخضع في النهاية لميزان الربح والخسارة. وفي حال تبين أن الفاتورة التي تدفعها تل أبيب لمساعدة السيسي كبيرة؛ فإن هذا سيفضي حتما إلى إجبار الحكومة الإسرائيلية على مراجعة موقفها واستخلاص العبر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق