الاثنين، 24 أبريل 2017

تمرّد ضابط المخابرات الصغير

تمرّد ضابط المخابرات الصغير

 وائل قنديل

هل ارتكب المجنّدون الصغار تلك الفظائع التي شاهدها الملايين في شريط مصور، جرى تسريبه في توقيت محدّد، بقرار ذاتي منهم؟

هل جاءت الجريمة المشينة اجتهاداً شخصياً من عساكر، لا حول لهم ولا قوة.. أم أنهم في هذا الموقف كانوا مثل زناد البندقية، يضغط عليه المسؤول الأعلى، فينهمر الرصاص في الرؤوس؟

أزعم أن الجنود لم يفعلوا ما فعلوه إلا انصياعاً لأوامر صارمة، وأزعم كذلك أن تسريب تلك المشاهد الوحشية مقصود، في هذا التوقيت بالذات، ومن ثم ليس من المنطقي حصر المسألة في نطاق التجاوز العسكري، وإنما الأصوب الالتفات للإجرام السياسي الذي يلفّ مصر، فيتحوّل جنودها من مقاتلين ضد العدو إلى قتلة لأبناء الشعب.

كارثة الكوارث كانت استدعاء الجيش للسياسة، من سياسيين صدّعوا رؤوسنا بالنضال من أجل الدولة المدنية، الديمقراطية العادلة المتحضرة، فكانت الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013 لحظة اقتياد الثورة إلى مخدع العسكر، وتسليم مفاتيح العملية السياسية للجنرالات، فرأينا ضباط مخابرات صغاراً، وكباراً، يتولون دعوات الحشد الثوري (الانقلابي) ضد الرئيس المنتخب، ويمارسون الإشراف والإدارة على الميادين والمنصّات، ويختارون الهتافات والشعارات، فيما تراجع السياسيون إلى أعمال الإعاشة والدعاية.

من هنا، لا أستطيع أن أفهم سر هذه الحفاوة بظهور شخصٍ، تم تقديمه على شاشة قناة مفترض أنها مناهضة لعسكرة السياسة ورافضة آلية الانقلابات، بوصفها وسيلةً للتغيير الديمقراطي، ذلك أن اعتياد هذه المسألة يدخلنا في مساحاتٍ خطرة، لا يجوز اللعب فيها.

وبتحديدٍ أكثر، فإن اللعب على وتر انشقاق أو تمرد داخل مؤسسات الدولة المفصلية، الجيش نموذجا، لا يخدم الثورة التي تنشد استعادة الوجه المدني، الديمقراطي للدولة، وكما قلت سابقا في سياق رؤية متواضعة لصياغة مشروع وطني جامع

 "لا عداء مع مؤسسات الدولة الوطنية، وفي مقدمتها الجيش الوطني الذي يأتي في مقدمة من يدفعون الثمن الباهظ للانقلاب على ثوابت الدور الوطني للعسكرية المصرية، وقبل ذلك انقلاب على هوية مصر التي صاغتها عناصر الدين واللغة والتاريخ والجغرافيا".

وفي ذلك، تلقيت رسالة من صديق، تعليقاً على ظهور ضابط مخابراتٍ على شاشة التلفزيون، ويتم تقديمه، وجهاً ثورياً، أنقل لك بعض سطور الرسالة:

.. لقد عرضت قناة الشرق أمس ضابط مخابرات مصري ترك مصر لسبب أو لآخر. ورغم تعاطفي غير المحدود معه إلا أنني أرى ما فعله لا يخدم الهدف الذي نتمناه جميعا، وهو آتٍ تعيش مصر دولة حرة ذات سيادة... لا أؤيد إطلاقا الانشقاق في المواقع المهمة، مهما كانت الأسباب، لأننا نريد الحفاظ علي المؤسسات لإصلاحها بأبنائها الشرفاء، وليس لهدمها حتى لا تختلط علينا الأمور، ولا نعرف من الصادق ومن الكاذب، ونتعلم من درس 25 يناير  .. كان على هذا الضابط أن يظل في موقعه، لكي يستطيع فضح النظام بطريقة أو بأخرى من الداخل، من دون الحاجة للظهور عَلِى الفضائيات.. خروج ضابط مخابرات ليس كخروج طبيبٍ أو كاتب أو أستاذ جامعة.. نجاح ضابط المخابرات هو أن يفضح النظام، من دون أن يعلم به أحد، إذا أراد فعلاً خدمة الوطن وليس النظام.

ويضيف "لو كان هذا الضابط صادقا فسوف يسبب ضرراً كبيراً، لكل من تعامل معه من الشرفاء، ولو كان مندسّا فنعلم أنه قد غرس داخل الشرفاء أيضا قبل خروجه، وأن النظام يريد أن يخادع إلى أقصى درجة، لكي يظهره أمامهم على أنه صادق وهرب، وهكذا .... لذلك لا أحب الانشقاق، وخاصة من ضباط الجيش والشرطة، لأنه عمل غامض مثل القفز في الظلام".

انتهت سطور الرسالة، وتبقى ملاحظة أخيرة، بعيداً عن التشكيك في النيات والمقاصد، أو التفتيش في عقيدة ضابط المخابرات المتمرّد، فسواء كان صادقاً، أم لم يكن كذلك، فإن ظهوره بحد ذاته مسألة عبثية، ولعبٌ بالنار.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق