دفاعاً عن عبد الفتاح السيسي
استولى السيسي على السلطة السياسية، وصادر السلطة الدينية لحسابه، وهيمن على سلطة القضاء، ولم يبق له سوى الاستحواذ على القدر.
لم يكن السيسي قضاءً وقدٓراً على مصر، بل كان صناعةً دقيقة للغاية، أبدع فيها الذين صاروا فيما بعد ضحاياه.
هو "كائن فرانكشتاين الخرافي" الذي صنعته النخب السياسية والقضائية والثقافية في مصر، وظلت تنفخ فيه، فيتضخّم وتصفق هي له كلما التهم لها خصماً وأزاح منافساً، ثم تعيد تأجيج شهيته المجنونة في الافتراس والالتهام، فلمّا لم يعد أمامه ما يأكله، استدار يلتهم صانعيه، ويطحن عظامهم، من دون أن يملكوا القدرة على الصدّ أو الرد.
هي حكاية "فيكتور فرانكشتاين"، بطل الرواية الشهيرة التي كتبتها البريطانية ماري شيلي عام 1818، والذي يدفعه جنونه بالاختراعات إلى تخليق شبحٍ، أو مسخٍ أسطوري، يبقيه هو وأصدقاءه على قيد الحياة إلى الأبد.
في الحكاية التي عالجتها السينما في أعمال دراميةٍ مثيرة، ارتكب فيكتور خطأ صغيراً في تصنيع مخلوقه الشبح الذي يشبه "الروبوت"، فخرج في صورةٍ مخيفةٍ ومرعبة، وحين حاول التخلص منه، كان قد فقد القدرة على السيطرة عليه، ويحدث، بعد ذلك، أن ينطلق هذا المسخ المخيف، ليقتل ويدمر ويحرق كل من يقف في طريقه.
وتنتهي الرواية بأن يتصارع الشبح المخيف، وصانعه فيكتور فرانكشتاين، في تجسيدٍ للمقولة الذائعة "انقلاب السحر على الساحر"، إلى أن يقتلا معاً.
قال عنه الراحل محمد حسنين هيكل إنه "الرئيس القائد الضرورة"، فلحقت به إهاناته في أيامه الأخيرة، حين منعوا إذاعة حواراته، وبعد مماته، حينما أخرجوا جنازته على نحو بائس، لا يليق بحجم الراحل، ولا يتناسب مع حجم ما قدّمه من خدمات في عملية تصنيع الجنرال فرانكشتاين.
ووصفه علاء الأسواني بأنه "الأعظم في تاريخ العسكرية بعد أيزنهاور"، وتبارى شيوخٌ وقساوسةٌ في إنزاله منزلة الرسل والقدّيسين، فنالهم من البطش جانبٌ، بعد أن صدّق الجنرال نفسه، وصار يسلك باعتباره تجسيداً للعلم اللادني الذي يهبط من لدن الخالق على المصطفين من مخلوقاته، وتنافس كتابٌ وكاتباتٌ في عرض أنفسهم عليه، ملك اليمين، يأتيهم كيفما، ووقتما شاء.
قتل السيسي السياسة، بناء على طلب السياسيين، وأحرق العقل والفكر، نزولاً عند رغبة مفكرين، وفتك بالعدل بواسطة، وبإرادة جل المفترض أنهم حماة العدالة وسدنة القضاء، وأهلك الحقوق والحريات، استجابةً لنصائح معنيين بقيم احترام الكرامة الإنسانية، من عيّنة الثنائي أستاذ الطب النفسي، أحمد عكاشة، وأستاذ العلوم السياسية معتز بالله عبد الفتاح، عندما وضعا، معاً، الأسطورة المؤسّسة لمحو الحرية والديمقراطية من حياة الشعب المصري، حين أعلنا على الهواء مباشرة أن"إعطاء الحرية والديمقراطية لجاهلٍ مثل إعطاء السلاح لمجنون".
كل هؤلاء، وغيرهم، دفعوا عبد الفتاح السيسي بكل السبل كي يتقمّص حالة الحاكم بأمر الله، وكما قلت مبكرا، كلاهما مولعٌ بالهيمنة على كل السلطات، الدينية والدنيوية، وكلاهما أفرط في اتخاذ القرارات والمراسيم، من دون الرجوع لأحد.
وفي هذا، لا يختلف اللامعقول واللاانساني الذي تعيشه مصر مع السيسي، عمّا عاشته مع الحاكم بأمر الله، فغالباً ما يبدأ اللامعقول صغيراً، ثم يتضخّم ويتحوّل إلى محيط هادر من الجنون.
وأذكر أنه حين أعلنت سلطات عبد الفتاح السيسي القبض على طالبٍ جامعي، بتهمة حيازة نسخة من روايه 1984 للكاتب جورج أورويل، اعتبر كثيرون ذلك هو اللامعقول، غير أنني توقّعت ما هو أبعد، وتساءلت: متي يحرّم السيسي أكل الملوخية، كما فعل الحاكم بامر الله الذي بدأ، مثله، معتبراً نفسه حكيماً فيلسوفاً، وانتهى به الأمر مدّعياً النبوّه والألوهية.
أتخيل الآن عبد الفتاح السيسي يقف أمام محكمةٍ عادلة، وحقيقية، فيسأله القاضي:
1- لماذا تجرّأت على الذات الإلهية وعبثت بالدين؟.
يرد السيسي: هناك من رجال الدين من اعتبروني رسولاً ومجدّداً ومعجزة إلهية، وقالوا إن كل ما أفعله هو الخير المطلق، فاستخدمت سلطاتي.
2- لماذا قتلت المعتصمين ضدك، وشرّدت آخرين، وقضيت على الحريات والحقوق؟.
يجيب الجنرال: فعلت ذلك كله استجابة لرغبات كثيرين من أهل العلم والفكر والسياسة، حتى أنني عندما كنت أتباطأ يتهمونني بمحاباة "الإرهابيين"، ويستعجلونني على إبادتهم وفض اعتصاماتهم.
3- لماذا استحوذت على كل السلطات، وجعلت من نفسك الخصم والحكم؟.
يقول: لقد قالوا لي"افرم يا سيسي" ففرمت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق