الأربعاء، 12 أبريل 2017

تعبتني يا فضيلة الإمام

تعبتني يا فضيلة الإمام

وائل قنديل

تحرش عبد الفتاح السيسي بالأزهر الشريف سابق لكل فواجع التفجيرات بالكنائس، إذ تنبئنا الوقائع بأن العزم على تدمير هذه المؤسسة العريقة منعقد منذ اعتلى الجنرال سدة الحكم.

منذ حرّض السيسي أوروبا والغرب ضد مليار وستمائة مليون مسلم، صنفهم بأنهم يشكلون خطراً على المجتمع الدولي، ورأس الأزهر مطلوب، بحجة تجديد الخطاب الديني، مرة، وبحجج أخرى كثيرة، مرات، ليس آخرها مسألة الطلاق الشفهي.

لعب شيخ الأزهر الدور المطلوب منه في إضفاء شرعنة غير مستحقة على جريمة الانقلاب، وكان الطيب طيباً ومقبولاً من السلطة الجديدة، وهو يقف على منصة الاحتفال باكتمال الجريمة، صحبة بطريرك التغيير، محمد البرادعي، وبطريرك الكنيسة، تواضروس، حتى وقعت مذبحة الحرس الجمهوري، وأطلق نائب شيخ الأزهر، الدكتور حسن الشافعي، صرخته المدوية ضد الدم والقتل، على ذلك النحو المروع، ولوّح الإمام الأكبر، هو الآخر، بالاعتكاف، براءة من الدم المراق.

في تلك اللحظة، أزعم أن عملية التخلص من شيخ الأزهر كانت قد بدأت، ولم يعطلها ويبطئ من سرعتها سوى أن الرعاة الإقليميين للانقلاب لم يكونوا متحمسين، بالقدر ذاته، لرغبة الجنرال المجنونة.

فيما بعد، وعقب كل عملية استهداف داعشية للكنائس، أو للجنود الذين تُرِكوا للقتل في العراء من دون تسليح كاف، أو جهوزية لمعركة عبثية اخترعها زعيم دواعش السلطة، كانت كل الاتهامات توجه إلى الأزهر، شيخاً ومشيخة وجامعة وتراثاً عريقاً، حتى رأينا وصلات من الردح الوضيع والإهانة الزاعقة، تنساب على ألسنة السلطة الإعلامية، ثم تدخل الكنيسة طرفاً في إملاء شروطها ومواصفاتها على الأزهر المطلوب للمرحلة.

كل من هبّ ودبّ صار يشكل الأزهر وفقاً لمزاجه الخاص، ويرسم له الحدود التي ينبغي عليه التزامها، وإلا سيوضع على لائحة الأعداء، الإرهابيين، الخونة، الطابور الخامس، إلى آخر هذه القائمة من تصنيفات ما بعد الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013.

وبمجيء دونالد ترامب، بأجندته المسعورة لإعادة رسم خرائط العالم الدينية، وإهاناته الصريحة للمعتقد الإسلامي، عادت مؤسسة الانقلاب في مصر تصعّد من وتيرة تحرشها بالأزهر الشريف، إذ أنعشها تصنيف رعاة الانقلاب للرئيس الأميركي "صديقاً حقيقياً للإسلام"، وهكذا بتنا بصدد إسلامين: الإسلام كما يعرفه الأزهر والمجامع العلمية والفقهية... والإسلام كما يطلبه ويريده عبد الفتاح السيسي، وكل الطغاة الباحثين عن مظلة شرعية لجرائمهم وفظاعاتهم بحق الشعوب.

في العام الماضي، واستقبالاً لدونالد ترامب، وعقب إيماءة الغضب الأقوى من الجنرال للإمام الأكبر "تعبتني يا فضيلة الإمام"، هرول ما يسمى المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر إلى الإعلان عن عزمه دراسة مقترح بدمج التعليم الأزهري بالتعليم العام، ثم طالب نواب في البرلمان المصري مؤخراً بإلغائه كلياً أو تقليص عدد المعاهد الأزهرية، بذريعة"محاربة الإرهاب وتجفيف منابعه".

كان الناصريون في مصر يباهون بأن جمال عبد الناصر طور الأزهر، في الستينيات، حين قرر إضافة الكليات العلمية المرموقة، الطب والهندسة والصيدلة والتجارة واللغات والترجمة، إلى مناهج التعليم الأزهري في مصر ودول العالم الإسلامي... غير أن الناصري جمال فهمي رئيس لجنة الثقافة والإعلام بالمجلس القومي لحقوق الإنسان بشر بالآتي: "ناقشنا خطوات مهمة في التعامل مع الإرهاب، أهمها إنهاء الازدواج بين التعليم العام والتعليم الديني"، معللا بأن "التعليم الديني ظاهرة خطيرة تصنع بيئة خصبة للأفكار المتطرفة والمنحرفة".

الآن، وفي غمرة استثمار فاجعة الكنائس، صار المطلب الأول إنهاء الأزهر، والاستعاضة عنه بمجلس سيسي أعلى لمواجهة الإرهاب والتطرف، وعلى بوابة الأزهر، الآن، يتقافز حواة ومهرجون متأهبون لاقتحام الأزهر بخيولهم، كما فعل نابليون بونابارت، ويستعجلون إتمام المهمة، عازمين على عدم تفويت الفرصة هذه المرة.

هذا الاندفاع الطائفي المجنون يحمل نذر خطر حقيقية، لو تمت الاستجابة له، سيثبت السيسي أنه مزود الخدمة الأساسي للداعشية، وحليفها الأول.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق