حدوتة التنزيلات والتنازلات الثورية
وائل قنديل
مُجدَّداً، وفي الموعد ذاته من كل عام، يعود الاشتباك حول شرعية الرئيس محمد مرسي، لمناسبة تسريب أخبار، أو تلفيق أخبار، عن تكتل أو اندماج، أو شركة مساهمة ثورية مستحدثة.
السؤال: هل تمت الإطاحة بالرئيس المصري المنتخب محمد مرسي، وفق آليات قانونية وأخلاقية؟!
إذا كنت ترى أن الإجابة هي نعم، فإنك تقر بشرعية استيلاء الجنرالات على السلطة، وهنا تصبح معارضتك ومناهضتك لعبد الفتاح السيسي نوعاً من الخروج عن القانون والأخلاق، تستوجب العقاب، لأنك بذلك تضع نفسك تحت طائلة عقوبة مقاومة السلطات، وتجعل من كل كلامك لغواً وتنظيراً وثرثرة، لا لزوم لها.
أما إذا كانت الإجابة هي لا، فإنك تقر بأن ما جرى كان انقلاباً وجريمة سطو على السلطة، المنتخبة شعبياً، وفي المحصلة انقلاباً على إرادة الأغلبية التي حملته إلى الحكم، وهنا تعترف بشرعية الرئيس الذي تم الانقلاب عليه، وبالتالي ليس من العدل والإنصاف، وليس من المصلحة أن تقيم مشاريع تحالفاتك ضد الذين اغتصبوا السلطة (الشرعية) على أساس إسقاط شرعية الرئيس المنتخب، والتنازل عنها.
منطقياً، ولغوياً، فإن مفهوم التنازل يستدعي على الفور مفهوم الحق، ذلك أننا نتنازل عما هو حق لنا، ولو بحثت في معنى التنازل، لغةً، ستجد: الفعل تنازل ويتنازل عن ملك أو حوَّله ويحوّله إلى شخص آخر، فهناك التنازل عن الملكية، والتنازل عن الحق، والتنازل عن الامتياز، والتنازل عن العلاوة والمكافأة.. وهكذا.
قانوناً، لا يملك سلطة التنازل عن شيء سوى صاحب الحق الأصيل في هذا الشيء، وتأسيساً على ذلك فإن الوحيد الذي يحق له التنازل عن شرعية الرئيس المنتخب محمد مرسي، هو، وفقط، الدكتور محمد مرسي، القابع في أسر السلطة الغاصبة، يُعامَل أسوأ معاملة، ويتم حرمانه من أبسط الحقوق الإنسانية.
لا جماعة الإخوان ولا أي فصيل معارض، أو بوتيك ثوري، من حقه تحديد شرعية الرئيس من عدمها.. وبوضوح أكثر، أنت تضحك على نفسك، وعلى الجميع، وتتحايل على المنطق وتحتقر الحقيقة، حينما تدعي أن التمسك بشرعية السلطة المعتدى عليها، المخطوفة، يعطل جهود التخلص من السلطة المعتدية، الخاطفة، كونك هنا تنسف الجوهر الأخلاقي للمسألة كلها، وتضع نفسك على مسافة قريبة للغاية من منطق الخاطف والمعتدي، وتمنحه خيطاً يتشبث به، وهو يحاول إثبات أن استيلاءه على الحكم مسألة مستحقة.
يخدعونك حين يقولون إن الإصرار على إحقاق الحق، يقوي الباطل، ويعضده، ويعطل توسيع رقعة مقاومة الباطل والتخلص منه، ذلك أن مقاومة الباطل لا تكون بباطل آخر، فنقاء الغاية مرتبط بنقاء الوسيلة، كما ذهب مارتن لوثر كينغ.
ستقول إن الأولوية هي التخلص من كابوس الانقلاب، حسناً، متفقون في ذلك، فليناضل الجميع من أجل التخلص من هذا الكابوس، كل بطريقته، وقدر استطاعته، غير أن هذا لا يمنح جدارة إخلاقية، وكفاءة سياسية، لأصحاب الجهود المتنوعة، كي يشترطوا على سواهم أن يتنازلوا عما هو شرعي، وعما هو حق ومستحق، وهم يسيرون في طريق التحرر من كابوس السلطة الانقلابية.
قبل شهر تقريباً، طرحت رؤية متواضعة، على مجموعة ضيقة من السياسيين، بشأن مشروع وطني جامع للتخلص من الكابوس الذي يشل مصر ويهدد بمصائر أبشع، وكان مما قلت إن أحدا لا يملك مفاتيح الثورة، ولا يصح أن يدعي طرف أنه الثورة، كما أن إغلاق الأبواب في وجه العائدين من تلك العلاقة مع سلطة الانقلاب، هو جريمة بحق الثورة، غير أنه مع كرنفالات الفرح والترحيب بالعودة، لا يجب أن تمنح لأصحابها الحق في ممارسة أنواع من التطاوس والاستعلاء الممجوج السفيه، أو فرض الإملاءات والتصورات.
ومن بين نقاط سبع، أعيد التأكيد على أن كل جهد، وكل رؤية، للتخلص من كابوس الانقلاب مرحب بها، تحت مظلةٍ وطنيةٍ جامعة، تتسع للمواقف والآراء المختلفة، بتنوع درجاتها وألوانها، من دون التفريط في حق الدم وثوابت الدولة المصرية المدنية الديمقراطية العادلة.
أما اشتراط نفي الرئيس محمد مرسي، وقتل موضوع شرعيته، فهذا ينقل مشروع التخلص من الانقلاب من المقاومة إلى المقاولة، ويجعل المسألة أقرب إلى روح 30 يونيو، وأبعد من روح 25 يناير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق