الجمعة، 28 أبريل 2017

عالم أول.. لكنه الأخير

عالم أول.. لكنه الأخير

د. محمد عمارة

إن نظرة فاحصة على واقع العالم الإسلامي، تفصح - بكل ألسنة الحال والمقال- عن أننا بإزاء حالة من السفه الصارخ، تستوجب "الحجر" بموجب القوانين الشرعية والمدنية جميعا.

فمساحة هذا العالم الإسلامي خمسة وثلاثون مليون كيلو متر مربع، بينما مساحة الصين 9 ملايين كيلو متر مربع، أي ربع مساحة العالم الإسلامي.

وسكان هذا العالم الإسلامي مليار وسبعمائة مليون نسمة، أي قرابة ربع البشرية.

والثروات الطبيعية في العالم الإسلامي تجعله - عالميا - الأول في البترول والغاز والطاقة الشمسية والمنجنيز والكروم واليورانيوم والقصدير والبوكسيت، وتجعله الثاني في النحاس والفوسفات والثالث في الحديد، والخامس في الرصاص والسابع في الفحم.

وفي هذا العالم الإسلامي أطول أنهار الدنيا، وأقدم فلاح علم الدنيا فن الزراعة، وفيه مساحات من الأرض الصالحة للزراعة يمكن أن تمثل سلة غذاء لعالم الجنوب، وشواطئ للمحيطات والبحار والأنهار فيها ثروة سمكية تفيض عن الحاجات.

وهذا العالم الإسلامي ينتج من النفط وحده أكثر من ستة بلايين متر مكعب يوميا، ومن الغاز الطبيعي 616 بليونا من الأمتار المكعبة يوميا.

ولدى هذا العالم الإسلامي - الذي ينهب الغرب ثرواته الطبيعية - أكبر الفوائض النقدية، لكنه يودعها - وبالأحرى يردها - إلى البنوك الغربية، ليعود الغرب فيقرض بعضا من هذه الفوائض لبلاد العالم الإسلامي، مستعمرا إياها بهذه القروض الربوية المركبة، حتى أن الكثير من بلاد العالم الإسلامي إنما تكد وتكدح وتشقى لسداد فوائد الديون - وليس ذات الديون -، أي أن هذا العالم الإسلامي قد بلغ - في السفه - الحد الذي باع فيه حريته بفوائضه النقدية، فدخل في لون من الرق تحدث عنه الشيخ محمود شلتوت (1310 - 1383 هـ ، 1893 - 1963 م) عندما قال: "لقد حل مكان الرق القديم رق هو أشد خطرا على الإنسانية، ذلكم هو استرقاق الشعوب في أفكارها وأموالها وسلطانها وحريتها في بلادها، كان ذلك رق أفراد يموت بموتهم وتبقى دولهم حرة، رشيدة لها من الأمر والأهمية ما لسائر الأحرار الراشدين، ولكن هناك رق شعوب وأمم تلد شعوبا وأمما هي في الرق كآبائهم، فهو رق عام وإثم يفرض على الأمة بقوة غاشمة، وإذن، فما أجدر هذا الرق بالمكافحة والعمل على التخلص منه، ورفع ذله عن الشعوب، لا بمال الصدقات فقط، بل بقوة الأموال والأرواح".

ومع هذه الثروات المادية التي يملكها العالم الإسلامي - والتي غدت قيودا لاسترقاقه - بدلا من أن تكون سبيلا لحريته ورفاهية شعوبه، فرط هذا العالم الإسلامي - مع الفوائض النقدية - بالعقول المهاجرة التي بلغت خسائرها العربية وحدها - في تسعينات القرن الماضي وحدها - أحد عشر بليونا من الدولارات!! 
وهي نزيف مستمر ومتصاعد، فـ 54% من الطلاب العرب الذين يدرسون بالخارج لا يعودون إلى بلادهم! 
وفي إنجلترا وحدها 34% من الأطباء الأكفاء عرب! 
وفي الغرب 450.000 عالم وطبيب ومهندس عربي، وأضعاف هذه الأرقام من العالم الإسلامي.

وغير هذه الثروات المادية والبشرية التي يمتلكها العالم الإسلامي، فهو يمتلك تراثا حضاريا جعل من أمته العالم الأول على ظهر هذا الكوكب لأكثر من عشرة قرون، بينما عمر الغرب كعالم أول لم يتعد قرنين من الزمان.


















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق