الچزويت، أو "رهبانية اليسوعيين"
أ. د. زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية
فرانسيس الأسيزي يبشر السلطان الحاكم
البابا فرنسيس يحلم بتنصير العالم، أو لعله يتأمل العواقب..
لكنها في الواقع قد ارتفعت بالفعل، وتم التعتيم على اية تساؤلات حول كيفية وقوع هذا الحدث المتفرد.
لأن أصداء الرهبانية اليسوعية (الچزويت)، في مختلف الكتابات والعصور تثير القلق والريبة بل وكثيرا ما كانت تحارَب.
واليوم نجحوا في اعتلاء أعلى أعالي القمم الحاكمة المتحكمة في العالم بأوسع معاني الكلمة.
فلأول مرة في التاريخ يترأس الفاتيكان ومؤسساته المتعددة، العلنية منها والسرية، بابا چزويتي، وترتفع التساؤلات والاتهامات لحظة، كالبرق، ثم يتم القاء صمت القبور عليها..
ولو بدأنا بالتمعن في بعض الكتابات الخاصة بوصفهم وأفعالهم أو تاريخهم المدرج بالأحداث الكاسحة في مختلف المجالات، لأدركنا معنى الصمت الصموت الذي اُلقى حول كيفية اختيار البابا فرنسيس الچزويتي. ومنها على سبيل المثال لا الحصر، أنه لهم ضلع في مقتل الملك هنري الرابع، وغرق الباخرة تايتانيك، وساهموا في المذابح المعروفة باسم "سانت بارتلمي" في باريس، بين الكاثوليك والبروتستانت، وأنهم مقربون من النازي، ولهم صلة بالقنبلة التي ألقيت على ناجزاكي، وإنشاء بنك "الاحتياط الفدرالي الأمريكي" الذي تديره عائلات روكفيلر وروتشيلد، وتطوير النظام العالمي الجديد، ومقتل چون كينيدي، وتطول القائمة..
أما حول غرق السفينة تايتانيك فيقول چان لودوك: "من المؤكد ان الأميرال سميث، وكان چزويتي، تلقى أوامر إغراق السفينة تايتانيك لقتل ثلاثة من أغنى الأثرياء، كانوا من ضمن الركاب، وكان المطلوب استبعادهم لإنشاء بنك الاحتياط الفدرالي الأمريكي، الذي يمتلكه فرسان مالطة ويديرونه.. والأثرياء الثلاثة المطلوب اقتلاعهم غرقاً كانوا يهود ويعترضون بشدة على إنشاء ذلك البنك الفدرالي، وهم: استور، جوجنهايم، وشتراوس"
(كتاب: "الچزويت جواسيس وقتلة الفاتيكان")..
أما أوصاف بعض الكتاب والمؤرخين لهم فتجعل تلك العبارة الشهيرة التي قالها المؤرخ آڤرو مانهاتن تتوارى خجلا: "ما من حدث سياسي يمكن فهمه تماما دون الأخذ في الاعتبار تورط الفاتيكان فيه"..
* "عادة ما يقدم الچزويت للعالم نظاما لاهوتيا قائم على اعتبار ان أي قانون ديني أو انساني قابل للمخالفة بلا أي عقاب، كما يمكن تجاهل الرسائل والقرارات الباباوية، بدون أى عقاب أيضا. انها عقيدة مرعبة، ديانة يتعيّن على الشرفاء ان يبغضوها" (الراهبة م. ف. كوزاك، "البابا الأسود" 2014) ؛
* "الچزويت يسخرون منا، وبينما نغرق في الضحك يلتف الثعبان حول اقدامنا ويلدغنا في القلب" (الدوين شرمان، "آليات الجحيم" 1883) ؛
* "إن الچزويت قد نشروا في الكنيسة أسوأ الظلمات التي يمكنها أن تنبثق من بئر العدم" (بليز باسكال) ؛
* "رهبانية اليسوعيين هي أكبر جمعية سرية شديدة التنظيم واكثرهم نشاطا. وهي الجماعة الوحيدة التي تمتلك سلطات سرية مركزة وفعالة. والچزويتي العادي شيء والذي تلقى السر شيء آخر" (چان لو دوك) ؛
* "كل جيوش الشيطان لم تسبب خسائر على الأرض بالقدر الذي قام به الچزويت" (هيلن بلافاستكي) ؛
* "مع الچزويت لا يمكن أن يكون هناك أي سلام بين الدول" (البابا كليمنت التاسع عشر، الذي اغلق هذا التنظيم، لكنه عاد بعد خمس وعشرون عاما أقوى مما كان)..
تنظيم رهبانية اليسوعيين (الچزويت)
الچزويت هم تلامذة إجناس دي لويولا (1491 ـ 1556)، فارس اسباني في القرن السادس عشر، شارك في الحروب ضد الإسلام والمسلمين أيام الملك فرديناند وزوجته إيزابيلا، فهو من رجال ذلك البلاط الذي يحمل غلا أسود الشراسة ضد كل ما هو إسلام أو مسلم. وأصيب في ساقه في إحدى المعارك، مما اضطره الى الاعتزال والانغماس في التدين. فاتخذ حياة النساك نموذجا تيمناً بأبو المنصرين، فرنسيس الأسيزي، الشهير بمحاولة تنصيره الملك الحاكم، وهو الاسم الذي اختاره البابا الحالي تيمنا بأهمية التبشير والتنصير لديه، وأملا في تنصير العالم الذي يقوده حاليا بشره لا رحمة فيه..
وكان اجناس دي لويولا يحلم بالسيطرة على العالم لفرض المسيحية في الأراضي المقدسة، وفشل. ثم أدرك ان الدين هو أفضل وسيلة لاختراق صفوف العدو بترديد "كلمات السلام"، وهي نفس العبارة التي كثيرا ما يستخدمها البابا فرنسيس حاليا، بل تحتل صدارة شعار زيارته المقبلة لمصر..
أنشأ دي لويولا الرهبانية سنة 1539، وأقرها البابا بولس الثالث سنة 1540. وفي العام التالي، 1541، تم تعيينه رئيسا لها برتبة جنرال. وهو اللقب الذي يحمله كل رئيس لهذا التنظيم العسكري التبشيري بأرديته السوداء. ومن أهم دعائم هذه الأخوية كتاب "تمارين روحية"، الذي كتبه اجناس دي لويولا، بناء عن تجربته الروحية وهي تدريبات شديدة القسوة، طويلة المراس، على المريد أن يجتازها بكل صعوباتها عبر سنين لتطويع روحه وجسده. ونطالع في الجزء السادس البند الأول من قوانين هذه التمارين الروحية: "على المريد ان يطيع رئيسه كالجثمان بين يدي الحانوتي، ليحركه ويقلبه كيفما شاء" !..
وحينما تقدم دي لويولا للبابا ليعرض عليه خدماته قال له تحديدا: "ليواصل أتباع أغسطين بناء أديرتهم لمن يود التأمل؛ وليواصل البندكتيين انهماكهم في الأعمال الأدبية؛ وليحافظ الدومينيكان على مسئولية محاكم التفتيش؛ أما نحن، الچزويت، فسنستأثر بالمدارس والجامعات وبها سوف نسيطر على مجالات الشرع والطب والعلوم والتعليم، وهكذا سوف ننتزع كافة الكتب المخالفة في روما.. سوف نقوم بصب أفكار الشباب وفقا لقوالبنا. سوف يتم تعييننا كمبشرين معترضين على مختلف العقائد البروتستانتية، وإن عاجلا أو آجلا سوف ننجح في التقليل من قيمة العهد الجديد اليوناني الذي كتبه إرازم، وأيضا ترجمات العهد القديم التي تجرؤ على الاعتراض على التراث. وكذلك سوف نقلل من شأن ثورة الإصلاح البروتستنتية".. وهو ما يكشف كيف تمت صياغة الكتاب المقدس فعلا وفقا للأهواء! فلقد وجد ارازم ان بعض أجزاء ترجمة القديس جيروم، اول من اعاد صياغة الكتاب المقدس في القرن الرابع، غير سليمة، وذلك بفضل اتقانه لليونانية. فأعاد ترجمة الڤولجات اللاتينية..
وعند وفاته امسك إجناس دي لويولا بخريطة وحدد عليها باللون الأحمر الأماكن التي يتعين على أتباعه الچزويت أن يحتلونها. فامتد سلطان الچزويت لينغرس في أوروبا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط والهند واليابان والتبت، فهم يتسللون بين الشعوب كالسمك في الماء.. وكانت الجمعية تضم آنذاك أكثر من ألف عضو موزعون في اثني عشر مقاطعة، ولهم اثنان وسبعون مقر وتسع وسبعون مدرسة. وعندما لم يتمكن دي لويولا من تحقيق أحلامه وتنصير الأراضي المقدسة وخاصة القدس، أقامها في روما بناء على نصيحة البابا بولس الثالث الذي قال له: "ستكون روما بالنسبة لكم بديلا عن القدس". فقام بوضع دستور الجمعية سنة 1539.
وهذه الرهبانية عبارة عن تنظيم تبشيري أساساً وعسكري في آن واحد، تم إعداده ليكون مصدا عاتياً لأفكار مارتن لوثر والبروتستانت. وعلى عكس عبارة يسوع القائلة إن "ملكوته ليس من هذا العالم"، فإن الچزويت يرون ان ملكوت الرب يجب إقامته على الأرض. مما يفسر سعيهم الدؤوب للاستيلاء على السلطة الباباوية لسيادة العالم أجمع. لذلك يصفها البعض بأنها "عسكرية الجستابو المتحرك للباباوية". فكل عضو منهم عليه أداء قسم الولاء التام للبابا. أما إيمانهم المطلق فهو تلك العبارة القميئة: "الغاية تبرر الوسيلة". وبموجب هذا القسم فإن الكذب والسرقة والتعذيب والقتل كلها أفعال مقبولة ومغفورة عندما تكون لخدمة الكنيسة والبابا..
نشاطاتهم الدينية
تحول كبار رجال الكنيسة الكاثوليكية في وقت قصير ليعتنقوا مذهب ذلك المجتمع الشيطاني، على حد وصف العديد من المؤرخين. وفي حوالي سنة 1582، عندما تمت صياغة الكتاب المقدس الچزويتي لهدم النص الإنجليزي المعروف باسم تينديل، والنص الفرنسي المعروف باسم أوليڤتان، كان الچزويت يسيطرون على 278 كلية وجامعة في أوروبا. وهو ما يؤكد من ناحية أخرى، حقيقة كيفية صياغة ذلك الكتاب المقدس وكيفية تعديله وتبديله وفقا للأهواء والنحل على مر العصور..
ويقسّم المؤرخون تاريخ هذا التنظيم الى ثلاث مراحل: منذ انشائه سنة 1540 حتى قيام البابا كليمنت الرابع بإلغائه سنة 1773 ؛ مرحلة الاستمرار السرية 1773ـ1814 إلى ان أعاده البابا بيوس السابع ؛ ومن 1814 حتى يومنا هذا. وقد وصف إدجار كينيه حياتهم قائلا : "حياة صاخبة تتجاوز فيها الفروسية والافتتان وحساب المكاسب ليجمع الفرد منهم بين صفات فرانسيس الأسيزي ومكيافيللي"، أي بين التبشير والدهاء.
وليس من فراغ ان يكتسب اسم "الچزويت" في اللغة الفرنسية مجازا معنى "اللئيم" و"الخبيث".. ويا له من خليط! وقد تعرض التنظيم أثناء مسيرته الجبارة في مختلف أنحاء العالم الى حوالي ثلاثين عملية طرد أو إلغاء. ورغمها، يعود ليشرئب من جديد ليواصل التبشير ويعتلى أعلى القمم الحاكمة..
حقيقة توغل الچزويت
يقول لوران فريمان "ان الچزويت هم سادة النظام العالمي الجديد الحقيقيون. فهم التنظيم الوحيد الذي لديه سلطات سرية مركزة وفعالة. ولا أقصد هنا أي فرد تعلم في مدارسهم أو معاهدهم وإنما اللذين تلقوا السر وارتقوا الى الدرجة الرابعة من القسم. ورؤساء المستنيرون دائما من الدرجات العليا في الچزويت. ولقد تمت برمجة عقول الناس على ألا يروا في أولئك الچزويت إلا جماعة من الرهبان المتواضعين المتقشفين بأرديتهم السوداء".
ولقد استولوا على الكنيسة الكاثوليكية والماسونية منذ أربعة قرون كقاعدة يتمكنون من خلالها تنفيذ مشاريعهم الكبرى، أو ما يطلق عليه "العمل الأعظم"، الذي يعنى : تنصير العالم.
ففي هذا الزمن الكالح الذي نعيشه ما من ثورة أو حرب قامت إلا وكان لهم ضلعا فيها. فمنذ البداية أراد لها مؤسسها أن تكون بمثابة جيش في خدمة روما، الكنيسة الكبرى. فهم بالفعل محاكم التفتيش بالنسبة لزماننا، وجيش قتالي لتنصير الشعوب، أو على الاقل للالتفاف حول الديانات الكبرى وجذبها لروما من خلال الاتحاد والتحاور إذا ما تعذر التنصير.
حقيقة انتخاب البابا فرنسيس
في فترة زمانية يعيش فيها العالم العديد من التقلبات الشاملة والصراعات، ويعتريها العديد من المؤامرات المفتعلة لتغييره، نذكر منها على سبيل المثال: مؤامرة 9/11/2001 ؛ انفجار فوكوشيما 3/9/2011 ؛ شبكات الدعارة الشيطانية بين القيادات العليا ؛ انهيار النظام المالي، وكلها بفعل فاعل..
هي صراعات وتقلبات يتوقعون لها ان تنتهي خلال عشر سنوات، يتم فيها غرس الدين العالمي الجديد بفضل تنازلات المسلمين.. لذلك كان من الضروري إقالة البابا بنديكت السادس عشر، المتورط في قضايا انفلاتيه وصادر ضده احكام قضائية، فتم إجباره على تقديم استقالته وانتخاب شخص آخر كان يجب ان يكون من أمريكا الجنوبية، بما ان النبوءات المزعومة التي صاغوها تقول ان المسيح الدجال سيأتي من هناك.
ولمن يعشقون الألغاز المحلولة، يقول إريك جون فيلبس: "علينا ان نذكّر بإنشاء دولة إسرائيل: الحرب العالمية الأولى أعدت الأرض للشعب ؛ الحرب العالمية الثانية أعدت الشعب للأرض ؛ والحرب العالمية الثالثة، معركة هرماجدون، سوف تعد الناس للمسيح" !!
لقد كان نجاح العصابة صاخبا كاسحا.. وانتظرت رهبانية اليسوعيين قرابة 475 عاما قبل أن ترى تتويج مساعيها الملتوية بانتخاب أحد أتباعها بابا للفاتيكان والكرسي الرسولي. فانتخاب بابا چزويتي يعني امرين : ان الچزويت الذين يرتبون لإتمام مخططهم الممتد منذ عدة قرون قد تأكدوا من نجاحهم ؛ وانهم لذلك تجرأوا على اللعب في العلن أو على المكشوف وأتوا بچزويتي يترأس الفاتيكان..
ويمكرون.. ويمكر الله سبحانه وتعالي..
زينب عبد العزيز
11 ابريل 2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق