بعد ما يقارب العامين من حرب الإبادة التي لا تزال مستعرة في قطاع غزة، وبعد أربعة أشهر من التجويع المتعمد والقصف الوحشي والاستهداف المنهجي لكل ما هو حي، من القادة إلى الأطفال، ومن النساء إلى الشباب، في ظل نزوح جماعي وانتشار الجوع والمرض والإنهاك، يطل علينا الناطق باسم كتائب القسام، أبو عبيدة، بخطاب يمكن وصفه بأنه خطاب تاريخي بكل المقاييس.
خطاب حمل فيه الأمة العربية والإسلامية، بكل وضوح، مسؤولية ما يجري في غزة، وساءل قادتها وعلماءها أمام الله وأمام ضمائرهم، في لحظة مصيرية عظيمة، لم يتردد خلالها في توجيه العتاب واللوم، دون أن يغادر مربع القوة والثبات.
ورغم كل هذا العتب، ورغم مشاعر الخذلان، جاء خطاب أبو عبيدة ليؤكد أن كتائب القسام لا تزال واقفة على أرض صلبة، وأنها تمتلك رؤية واستراتيجية واضحة، هدفها إيقاع خسائر فادحة في صفوف الجنود الإسرائيليين، وأن الدبابات التي يظن العدو أنها تحميه، لن تنقذه من المصير المحتوم في غزة. فهناك، لا ينتظرهم سوى الموت، مهما فعلوا، ومهما قتلوا ودمروا وأبادوا.
ما قاله أبو عبيدة لم يكن مجرد تحد، بل إعلان لمرحلة جديدة. ومن يتابع المشهد يدرك أن كتائب القسام اليوم في أفضل حالاتها منذ أكثر من عام، وأنها أعادت ترتيب أوراقها بهدوء، وأعدت العدة لمفاجآت قادمة.
فقط ظهوره، بهذا التوقيت، هو بحد ذاته رسالة بأن القسام لا تزال حاضرة، قوية، وفاعلة، وأن يدها على الزناد، وعقلها على التخطيط، وجهازها العسكري العملياتي لا يزال ممسكاً بزمام المبادرة. وهذا وحده كفيل بإعلان فشل الحرب على غزة، وفشل رهان الاحتلال على الجوع والتدمير كوسيلة لحسم المعركة.
بل على العكس، يبدو أن هذا الخطاب هو تمهيد لما هو آت. فالمقاومة ترفض الخرائط التي طرحت عليها، وتدرك خطورتها. ومعها ترفضها الفصائل وكل من يفاوض باسم الشعب الفلسطيني. لذلك، أتوقع أن المرحلة المقبلة ستشهد تصعيداً في العمليات، وعودة لعمليات الأسر والقتل في صفوف جنود الاحتلال.
ولا يستبعد أيضاً أن يشهد الشارع العربي والإسلامي حالة صحوة جديدة، يقودها العلماء والرموز، إذ لم يترك أبو عبيدة مجالاً للغموض: تحركوا قبل فوات الأوان.
أما غزة، فتعيش واقعاً بائساً، قاسياً، كارثياً بكل معنى الكلمة. شعب يتعرض لحصار وتجويع وقتل وتدمير غير مسبوق في تاريخ البشرية. ومع ذلك، لا تزال هذه الأرض تقاوم، ولا تزال كتائبها ترسم ملامح المرحلة القادمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق