الأربعاء، 23 يوليو 2025

لماذا يعجز حمزاوي أن يكون مثل هذا الصهيوني؟

 لماذا يعجز حمزاوي أن يكون مثل هذا الصهيوني؟


وائل قنديل

من جديد، يأتي الفحيح ضدّ المقاومة، يدخلون هذه المرّة من بوابة المجاعة القاتلة التي تعصف بالشعب الفلسطيني في غزّة، المجاعة التي يتّخذها العدوان الصهيوني خطّة حربٍ في مشروعه الذي يستهدف، أولاً وأخيراً، إخلاء قطاع غزّة من الفلسطينيين، في ظلّ صمتٍ وتواطؤٍ عربيَّين يبلغان حدّ المشاركة الفعلية في هذا المشروع الشرّير الهادف إلى إخلاء الشرق الأوسط كلّه من أيّ مشاريع لمقاومة الاحتلال، الذي لم يعد يسمّى "احتلالاً" عند معظم جيرانه العرب، أشقاء فلسطين سابقاً.

لم يعد المصدر الوحيد للفحيح مثقّفون ومتثاقفون عرب من المشتغلين في سوق "ثقافة السلام"، موزّعين رئيسيين وباعةً صغاراً يسرحون ببضاعة فكرية فاسدة في مواسم ومناسبات بعينها، بل صار يأتي كذلك من حفنةٍ من أهل القضية أنفسهم، لديهم من الأساس أزمةً نفسيةً مع الفصيل الأكبر للمقاومة في غزّة، لا يحملون أدوات الخيانة الوطنية ويشتغلون بها على الأرض مثل مليشيا أبو شباب، التي تعمل لمصلحة العدو الصهيوني ورجله المخلص في رام الله، لكنّهم يحملون ألسنة بذيئةً وقلوباً مريضة تحمّل المقاومة، فكرةً ومشروعاً، المسؤولية عما يتعرّض له الشعب الفلسطيني في غزّة ومدن الضفة، منطلقين من إدانة مسبقة لمبدأ المقاومة المسلّحة، من قبل "طوفان الأقصى" وبعده، أو بالحد الأدنى اعتبارها انتحاراً بالنظر إلى الفجوة الهائلة بين قوتها وقوة جيش الاحتلال.
أمثال عمرو حمزاوي وإبراهيم عيسى وعيّنات منهما تجدها في عواصم عربية أخرى، يصدرون من مقاربة شديدة الضحالة من الصراع مع الكيان الصهيوني، إذ تنحصر المسألة بالنسبة لهم في مجرّد نزاع بين طرفَين أصيلين على أرض واحدة، جارَين أو متنافسَين، وهي نظرة لا تعدو المقدمة المنطقية الفاسدة التي تؤدّي حتماً إلى خلاصاتٍ ونتائج فاسدة، تتعارض مع القانون الأخلاقي ومع الفطرة الإنسانية السليمة. 
لذا ليس غريباً أن يستأنف المواطن الشرق أوسطي عمرو حمزاوي نشر هرائه السياسي والمعرفي، فيذهب إلى أن ما حدث في" 7 أكتوبر" (2023) لم يخدم القضية الفلسطينية، بوصفه نوعاً من "المغامرات العسكرية غير المحسوبة تُهدد حقوق الفلسطينيين"، 
ثمّ لا ينسى أن يغمز بدلال للأنظمة العربية المتواطئة بالصمت زاعماً: "ولولا الحاضنة العربية والدولية لكانت الأوضاع أسوأ بكثير ممّا هي عليه الآن".
ليس هذا الغنج السياسي جديداً عليه، فهو الشخص نفسه الذي سبق أن دان انتفاضة السكاكين الفلسطينية في مدن الضفة الغربية ضدّ اعتداءات الصهاينة على مدن الضفة الغربية وبلداتها عام 2015، حين هدموا البيوت وأهانوا النساء والشيوخ وحرقوا الطفل الرضيع في مهده، فذهب حمزاوي إلى إدانة انتفاضة السكاكين، منطلقاً من المساواة بين اللصّ وصاحب البيت المُعتدى عليه، بالقول "إذا كنا ندين الاعتداءات المتكرّرة للمستوطنين المجرمين، وهم جميعاً كذلك، وبغض النظر عن مدى تورّطهم في ممارسة العنف اليومي ضدّ الفلسطينيين، لأن فعل الاستيطان يمثّل في ذاته جريمةً وعنفاً، فإننا لا نملك ترف الصمت على انجرار بعض الفلسطينيين إلى العنف المضاد".
كما قلت مراراً، القضية في نظر الحمزاويين العرب هي عنف وعنف مضاد، وكأنّ الطرفَين شريكان يتنازعان على قطعة أرض، أو أسهم شركة، للأول فيها مثل ما للثاني، أو جارن يتنازعان على أسبقية الريّ، وليست قضية مقاومة احتلال وتحرير أرض، يحقّ لأصحابها (بل يجب عليهم) استخدام كلّ ما تصل إليه أيديهم من سلاح، حجراً كان، أم سكّيناً، أم عبوات حارقة، أو صواريخ.
هذا الحقّ لا تكفله المواثيق الدولية وقرارات الأمم المتحدة والأخلاق والفطرة الإنسانية فقط، بل يعترف به صهاينة أقحاح مثل عامي أيالون، الرئيس الأسبق لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) بين عامي 1996 و2000، الذي قال في مقابلة مع قناة ABC الأميركية (مارس /أذار 2024): "لو كنت فلسطينياً أعيش تحت الاحتلال، لقاتلت إسرائيل من أجل الحرية"، ثمّ فصّل المسألة في حوار مع صحيفة معاريف الإسرائيلية في سبتمبر 2024، بالقول: "إذا جاء شخص وسرق أرضي، سأحاربه بلا حدود"، مشيراً إلى أن الفلسطينيين يروْن أنفسهم شعباً يطالب بالاستقلال، وليس مجرّد أفراد يبحثون عن احتياجات أساسية مثل الطعام".
يبقى أن اشتراط التكافؤ في موازين القوة بين شعب يبحث عن الاستقلال واحتلال مسلّح بترسانة عسكرية هائلة هو قياس أقرب للدياثة الفكرية، لا يصمد أمام تجارب الأمم المناضلة من أجل حريتها عبر التاريخ، فلم تكن موازين القوى متقاربةً حين هبّت الثورات الشعبية المصرية منذ الاستعمار الفرنسي والاحتلال البريطاني بعد ذلك، وعمليات الفدائيين في مدن القناة، وصولاً إلى ملحمة الشعب في السويس، كما لم تكن قوة ثوار الجزائر مكافئةً لغطرسة قوة الاستعمار الفرنسي، والأمر نفسه في فيتنام ضدّ الامبراطورية الأميركية، ما يعني أن الشعوب تقاوم وتحارب من أجل التحرير في كلّ وقت، بما استطاعت إليه سبيلاً من سلاح، صواريخ كانت أم سكاكين أو حتى بأظافرها، ودون ذلك هو العار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق