انتحار الدروز.. والعشائر السورية تقلب الحسابات
رغم حرص القيادة السورية على احتواء الدروز في السويداء استمر الجناح الانفصالي بقيادة حكمت الهجري برفع السلاح والتمرد على الدولة، ورفض كل الدعوات من الرئيس أحمد الشرع للجنوح للسلم، وحتى بعد التدخل الأمريكي وإبرام اتفاق لوقف إطلاق النار بين سوريا وإسرائيل لم يتراجع الهجري وأصر على الحرب ورفض دخول القوات الأمنية للمحافظة.
استطاع الإسرائيليون غواية زعيم الدروز، واستدرجوه لخيانة دولته والسير في طريق مظلم، فلا يمكن لأقلية عددها نحو نصف مليون أن تواجه 20 مليون سوري عربي سني، ومن الجنون وضع الدروز في مواجهة مع المحيط العربي والإسلامي الذي حافظ على وجودهم وتسامح معهم، بل كان لقادة الدروز في الماضي دور بارز في مواجهة الاحتلال الخارجي، فالزعيم الدرزي سلطان باشا الأطرش قاد الثورة ضد الفرنسيين ورفض التقسيم الطائفي.
لم يحقق الدروز الانفصاليون أي مكاسب من حركتهم المسلحة ضد الدولة غير تدمير محافظتهم وتخريب بيوتهم بأيديهم، ولم يدافع عنهم الإسرائيليون الذين وعدوهم بالحماية، بعد الهجوم الضخم للعشائر السورية لإنقاذ قبائل البدو الذين تعرضوا للمذابح والتطهير العرقي من ميليشيات حكمت الهجري.
أداة للأطماع الإسرائيلية
منذ البداية كان التهديد الإسرائيلي العسكري هو الذي يعوق ضم السويداء للدولة السورية الجديدة، وشجع نتنياهو نزعة الاستعلاء والانفصال عند الدروز، فسلاح الجو الإسرائيلي لم يتوقف عن قصف المدن السورية منذ هروب بشار الأسد واستلام الثوار للحكم، وخلال 7 شهور دمر الإسرائيليون كل القواعد العسكرية ومعظم السلاح الثقيل في كل أنحاء سوريا، ثم احتلوا مساحات واسعة في القنيطرة والجنوب ووصلوا حتى جبل الشيخ بالقرب من دمشق.
كان من الواضح أن نتنياهو الذي يريد الهروب من التعثر والهزيمة في غزة ويبحث عن أي نصر خارجها يريد السيطرة على الجنوب السوري، بعد تحويله إلى منطقة منزوعة السلاح، ظنا منه أن القوة والتفوق الجوي يتيح له تقسيم سوريا وإعادة رسم الخرائط كما يزعم، ومما أغرى الإسرائيلين بالاندفاع في هذا الطريق عدم رد الحكومة السورية التي تلملم أشلاء دولة مدمرة على العدوان.
ولأن القصف الجوي لا يرسم الخرائط استعان نتنياهو بالدروز ليكونوا له جنودا على الأرض، وأيضا كثف التعاون مع الميليشيات الكردية الانفصالية في شرق الفرات، وبسبب الغباء والحماقة وافق الدروز الانفصاليون على أن يكونوا أداة للمحتل الإسرائيلي، وخانوا دولتهم، وتوافقوا مع دروز إسرائيل الصهاينة، وقرروا التمرد، ورفضوا كل المبادرات التي قدمتها الحكومة ومنها تنازلات أثارت غضب السوريين.
طلب الانفصاليون الدروز من نتنياهو احتلال السويداء، وغاب عنهم أن هذا يعني احتلال محافظتي القنيطرة ودرعا حيث يوجد أكثر من مليوني سوري، كلهم مقاتلون، أي لا تستطيع القوات الإسرائيلية التمدد في كل هذه المساحات وهي الغارقة في محرقة غزة، وغير قادرة على السيطرة على القطاع منذ عامين، رغم استخدام أطنان القنابل ومئات الدبابات وكل أنواع الأسلحة، ومع الدعم الأمريكي اللا محدود.
تدخل العشائر قلب الحسابات
ظن نتنياهو أن ممارسة الإرهاب والتخويف يجعله قادرا على تمرير خططه في سوريا، فانتقل من تدمير المعسكرات والقواعد العسكرية إلى العدوان على وزارة الدفاع ومحيط القصر الرئاسي، وقام هو ووزير دفاعه كاتس بتهديد الرئيس أحمد الشرع ورموز الحكم بالقتل والاغتيال إذا لم يلتزموا بالخط الأحمر الإسرائيلي، وهو نزع السلاح السوري من جنوب دمشق وحتى الحدود مع الأردن، وعدم دخول الجيش السوري إلى السويداء ودرعا، ولكن حدث الزلزال الذي قلب الحسابات وهو ظهور مقاتلي العشائر.
عندما قصفت الطائرات المقاتلة الإسرائيلية دبابات الجيش السوري في السويداء، والذي تدخل لفض الاشتباكات التي استمرت لمدة يومين بين الدروز والبدو، شعر زعماء العشائر السورية بأن حكومتهم تتعرض للتهديد والابتزاز والضغوط، فقامت ثورتهم فقرروا استكمال المهمة، وهي القضاء على ميليشيات الهجري واعتبروها قوات عميلة تابعة لـ “إسرائيل”.
أثار الهجوم الواسع من مقاتلي العشائر على السويداء الذعر في تل أبيب وواشنطن، وكان لمشاهد الحشود العشائرية الضخمة والسيطرة على معظم محافظة السويداء تأثيرها المرعب في كل الاتجاهات؛ فتدخل الرئيس الأمريكي ترامب على الفور وأشرف بنفسه على اتفاق بين الشرع ونتنياهو بضمان أردوغان والملك عبد الله لوقف إطلاق النار والعودة التدريجية للحكومة السورية للسويداء وضمها للدولة، أي لا انفصال كما كان يتوهم الهجري وعصابته.
الدروز يخسرون معركتهم
حسابات الدروز خاطئة، فلن يرسل الإسرائيليون جنودهم من أجل عيون الهجري، ولا يستطيع الأمريكيون التورط بقواتهم في الدفاع عن عصابات ثبت أنها تمارس الإرهاب والتطهير العرقي، وتقتل الأطفال والنساء، وتمارس الفظائع وقطع الرؤوس في قرى البدو لتهجيرهم لتكون السويداء درزية خالصة، وتأسيس جيب انفصالي منبوذ لا تتوفر له أي فرصة للحياة.
حتى لو كان ممكنا إقامة الجيب الدرزي بحماية دولية –كما يحلمون- فالدروز الانفصاليون يضحون بمستقبل إخوانهم الدروز خارج السويداء، في جرمانا وصحنايا وفي إدلب والمتناثرين في مناطق أخرى بين السوريين، وهؤلاء سيكونون ضحايا العنف الطائفي الذي سيخرج عن السيطرة، ولن تستطيع حكومة الشرع السيطرة عليه، خاصة مع تصاعد الانتقادات الداخلية بسبب تأخر حسم المعركة مع الهجري.
لا أمان للدروز إلا في حضن دولتهم
ظهور العشائر السورية في معركة السويداء غير الكثير من حسابات الإسرائيليين وداعميهم، فهذا التداعي للمقاتلين في ساعات قليلة بعشرات الآلاف يمكن تكراره في اتجاه الإسرائيليين والهجوم على القوات الموجودة في جبل الشيخ والقنيطرة بل واقتحام الجولان، وإذا كان تسليح قوات العشائر خفيفا بسبب سحب الحكومة للأسلحة الثقيلة فإن أي تصعيد إسرائيلي ضد الحكومة السورية يفتح الباب لاحتمالات كارثية للاحتلال.
ليس أمام الدروز غير التبرؤ من الهجري وعصابته، والاستماع لصوت العقلاء منهم في السويداء (البلعوس والجربوع والحناوي) والزعيم اللبناني وليد جنبلاط، فالأمان الذي يبحثون عنه لن يكون إلا في ضمان الدولة السورية، وليس في التحول إلا عملاء والقتال من أجل “إسرائيل” وإذا لم يلق الانفصاليون السلاح عليهم أن يتحملوا التبعات ولن تنفعهم الخيانة والعمالة.
الدور بعد الدروز على الانفصاليين الأكراد وميليشيا “قسد” الذين تم التلاعب بهم للسيطرة على أكثر من ثلث الأرض السورية التي تقطنها أغلبية عربية سنية، وبها معظم ثروات سوريا من نفط وغاز وحاصلات زراعية، كافية لنقل الدولة من حالة الفقر إلى الوفرة، وسينطبق عليهم ما ينطبق على الدروز، إما إلقاء السلاح والانضمام للدولة وإما انتظار مصيرهم المحتوم، وهذه المرة عليهم مواجهة الدولة وقوات العشائر المرعبة والجيش التركي.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق