الجامعة العربية... جعجعة بطحين أم لا؟
د. محمد المقاطع
في تغيُّر لافت بموقف السلطة الفلسطينية، برز لأول مرة نفَسٌ جاد من خلال إظهار تذمّر وامتعاض من تلك السلطة بشأن المجاعة الحادة والكارثية التي تواجه غزة، لكن أهو موقف إبراء الذمة والطبطبة على تساقط موتى المجاعة، أم أنه موقف فَيْصلي يؤكده تحرّك ميداني وعملي يشكّل إنذاراً مباشراً للصهاينة من مغبة التمادي بالتجويع الممنهج، ومن ثم سنشهد تحركات ميدانية تهدد بانسحاب السلطة من التفاهمات الأمنية وإنذار بتعليق اتفاقية أوسلو، وصولاً إلى خطوات وإجراءات تصعّد المواجهة على كل المستويات، بعد أن ظلت صامتة 650 يوماً، ليكون موقفها حاسماً بعد أن بلغ التمادي بالتجويع مرحلة اللاعودة واتخاذ إجراءات تصعيدية محددة؟! هذا ما سنترقبه في الساعات القادمة.
وبموازاة ذلك، تأتي الدعوة لاجتماع للجامعة العربية، والذي يُفهم من عنوانه «اجتماع على مستوى المندوبين»، أننا أمام جعجعة ستكون بلا طحين فعلاً، أي أنها ضجيج إعلامي بلا تأثير ولا خطوات ولا إجراءات حقيقية لمحاولة رفع الحصار قسراً عن غزة وإدخال المساعدات، خصوصاً أن دول الجوار العربي لغزة، وهي مصر والأردن، إضافة إلى سورية (التي لم تتعافَ بعد)، يمكنها أن تكون محرّك ومحور كسر الحصار على غزة، وإدخال المساعدات عنوة، وهو ما ينبغي أن يبدأ بتوجيه إنذار وتهديد مباشر للكيان الصهيوني من الجامعة العربية بكل أعضائها بأنه سيتم معاقبة الكيان سياسياً بإلغاء الاتفاقيات وطرد السفراء، ووقف أشكال التطبيع كافة، أما اقتصادياً فسيكون بوقف جميع التعاملات الاقتصادية مع الكيان، وفرض حصار اقتصادي وتجاري عليه وعلى كل دولة تتعامل معه، وغلق أراضيها وأجوائها وموانئها أمام هذا الكيان، وهو المنتظر أن تعلنه الجامعة العربية في اجتماعها الطارئ، وأن يكون ذلك خلال أيام قليلة، فإذا مضت من دون فائدة، فسيتم التداعي لعقد قمة عربية على مستوى رؤساء هذه الدول خلال 24 ساعة، لاتخاذ موقف وإجراءات أكثر حزماً وشدة وصلابة في مواجهة الكيان الصهيوني وأية دولة تتعاون معه، إذا لم يُنهِ الحصار فوراً ويدخل المساعدات كافة بلا قيد أو شرط أو تأخير، خصوصاً أن المخطط الصهيوني واضح أنه بدأ يستهدف الضفة والقدس، ومن ثم الدول العربية بلا استثناء، إن لم يتم ردعه.
فهل سنشهد موقفاً عربياً صلباً لنكون فعلاً أمام جعجعة للجامعة العربية بطحين منذ زمن كانت فيه الجامعة غائبة في غياهب الموت؟!
وإذا لم نشهد ذلك فسيكون كل من الموقف الفلسطيني والعربي بحق جعجعة بلا عجين ولا طحين، ولا يعدو أن يكون ضجيجاً إعلامياً لا يسمن ولا يغني من جوع، وهو ما يقودنا للتساؤل:
هل الموقف الإسلامي سيكون أيضاً جعجعة بلا عجين ولا طحين، رغم المجاعة الكارثية والحادة للطحين والغذاء والمساعدات الإنسانية كافة في غزة؟!
وهل سيتطابق الموقف العربي والإسلامي مع الموقف الفلسطيني قبلهما، والذي ظل صامتاً طوال 650 يوماً، ليكونوا جميعاً جعجعة بلا عجين، ويكون متماشياً مع الموقف الأميركي والأوروبي والعالمي الذي صمّ آذاننا ببيانات الاستنكار والتنديد والادعاء بالنزعة الإنسانية، وجميعها كذب وخواء، بل هي أساس تلك الجعجعة التي بلا عجين، وسيكون نتيجة ذلك موتا جماعيا متلاحقا لأهل غزة، أم سيكون قدر أهل غزة رفض الشعوب العربية المجاورة لموتهم جوعاً وزحفهم للحدود، بشكل متلاحق، في ثورة تسعف الجياع بغزة بحركة موحدة ومتزامنة بسيل لموجات بشرية عربية ضخمة باتجاه كل حدود الكيان الصهيوني المغتصب في غضون ساعات من التدفق البشري والتدافع في موجاته تلك؟!
أو أن يكون الموقف الرسمي العربي أسرع إنقاذاً لأهل غزة من التجويع والحصار والإجرام الصهيوني الفاشي وتطهيره العرقي وإبادته الجماعية؟!
فهل سنرى لحظات حاسمة خلال أيام أو ساعات لجعجعة، ولكن بطحين هذه المرة، وكسر طوق الحصار وردع للاحتلال؟!
«وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ».

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق