الأربعاء، 30 يوليو 2025

الواقع الجيوسياسي السوري نعمة أم نقمة؟

الواقع الجيوسياسي السوري نعمة أم نقمة؟
د.أحمد الهواس 
كاتب وإعلامي سوري

شكل الموقع الجغرافي لسوريا ومازال دورًا مهمًا في فهم الصراع الدائر على هذه منطقة قديمًا وحديثًا، فضلًا عن دور الشام الحضاري لاسيما في عهد الدولة الأموية وخضوع امبراطوريات سابقة لسلطة دمشق عسكريًا واقتصاديًا. 
وحين نتحدث عن سوريا فإن أول ما يقفز في الذهن بلاد الشام عامة لبنان وفلسطين والاردن وأجزاء في العراق وتركيا والسعودية ، وليس فقط الحدود الجيو-سياسية لكل دولة مما ذكرنا، أي أن التقسيم الفعلي إن صحت التسمية قد طال بلاد الشام، وأثمر عن ذلك ليس نشوء الدولة الوطنية الحديثة في المنطقة، بل زرع كيان غريب تعهّد الغرب بحمايته وتفوقه ليس على جواره بل على العرب مجتمعين، وهذا يستوجب وجود كيانات حوله تتساند معه وإن ادعت العداء معه!

سوريا من الاضطراب إلى السكون:

تأسست سوريا باسم المملكة العربية السورية في 8 آذار مارس 1920 كما أعلن عن ذلك الملك فيصل وتم احتلالها وإنهاء الملكية من قبل فرنسا في 28 تموز 1920 . 
ورغم تقسيمها إلى دويلات ، ومن ثم إعادة تجميعها في حدود جيوسياسية متغيرة ، حتى استقلالها في 17 نيسان/ أبريل 1946 إلا أنها دخلت في نفق مظلم منذ تنفيذ أول انقلاب عسكري في المنطقة وكان بقيادة حسني الزعيم في 30 آذار/مارس 1949، وما تلاه من انقلابات قوّضت الحياة السياسية وأثّرت على المجتمع والاقتصاد، ومن ثم وحدة فاشلة مع مصر في 22 شباط /فبراير 1958 ثم الانفصال في 28 أيلول1961. 
 والانقلاب البعثي في 8 آذار 1963 ثم انقلاب البعثيين على البعثيين في 22 شباط / فبراير 1966، لينتهي حكم البلاد بانقلاب وزير الدفاع حافظ ألاسد في 16 تشرين الثاني 1970 ،لتنتهي البلاد تحت حكم طائفي، وحاكم متهم بتسليم الجولان للصهاينة وتهجير أهلها في هزيمة 5 حزيران 1967. 
حكم رضي عنه المعسكران الشرقي والغربي، والأهم رضا الجار الصهيوني،الذي خاض معه حربًا تحريكية في 6 تشرين الأول/اكتوبر 1973 ليتعهد بعدها بحماية الحدود وتصفية البندقية الفلسطينية في لبنان.

الثورة السورية وموقف الصهاينة منها :

منذ أن بدأت الثورة السورية في 15 آذار/ مارس 2011، مع بدأ ثورات الربيع العربي، وقف الصهاينة منها موقفًا مختلفًا عن بقية الثورات العربية، ففي الوقت الذي توجد دولة عميقة في مصر يمكن أن تقود ثورة مضادة فإن واقع الحكم في سوري يقوم على حكم طائفي مستندًا على قوة عسكرية وأمنية تقود المراكز القيادية فيها قيادات علوية، مع تحالفات داخلية تقوم على مبدأ المنفعة وأخرى خارجية كالتحالف مع إيران على أساس طائفي، والتحالف مع إيران يعني حكمًا التحالف مع أذرعها في لبنان والعراق واليمن . 
وهذا يستدعي إما سحق الثورة وإبقاء النظام ، أو سحق الدولة في حال الفشل في إنهاء الثورة ، وتحويلها إلى دولة ضعيفة تسيطر عليها الأقليات ، وبدل أن تكون دولة تحكمها أقلية تنتهي إلى دولة تسيطر عليها الأقليات في كيانات مجتمعية تكون الأطراف فيها أقوى من المركز، ولا تسيطر على حدودها ولا ثرواتها، وحتى يتحقق ذلك كانت عمليات التهجير للكتلة الصلبة ( السنة) مع تغيير ديمغرافي وعقدي قادته إيران ، وقد كان الصهاينة منذ البداية هم أصحاب الكلمة الأعلى في بقاء النظام والتغطية على جرائمه ، فقد كتب المحلل الصهيوني الشهير ألوف بن في بداية الثورة السورية محذرًا من التغيير الذي قد يطرأ في سورية، ورد رامي مخلوف مختصرًا الوضع مخاطبًا إسرائيل: أمنكم من أمننا. 
وقد رفعت لافتات في إسرائيل تصف بشار الأسد بأنه ملك ملوك بني إسرائيل، وقد نقلت صحيفة التايم البريطانية في 30 أيار مايو 2012 ، إسرائيل تقول :
الأسد يجب أن يبقى.

وقد اتضح فيما بعد أن كل التدخلات التي جرت في سوريا لمقاتلة الثورة السورية، تمت برضا إسرائيل وذلك من خلال الصمت أو الموافقة الأمريكية، فقد ذكر( بن رودس) نائب مستشار الأمن القومي زمن أوباما، في كتابه العالم كما هو : أن أوباما كان معجبًا بإيران محتقرًا للعرب وكان يهمه توقيع الاتفاق النووي مع إيران، ولم تكن الثورة السورية في اهتمامه. 
وكذلك كان التدخل الروسي حيث بطلب من نتياهو، بعد أن تقهقر النظام السوري ومن معه في مواجهة الثورة السورية، فقد نشر الكاتب الصهيوني مقالا في يديعوت احرونت في ال 17 ، من أيلول 2015 ، قبيل الغزو الروسي بأسبوعين ألون بن دافيد : 
"لا يسافر نتنياهو إلى موسكو كي يوقف انتشار قوات الجيش الروسي في سوريا ، بل يسافر كي ينسق فقط" ولا يختلف الموقف الأمريكي في الموافقة على ذلك، فقد ذكر أندرو أكسوم في شهادته أمام الكونجرس الأمريكي أن أمريكا سمحت لروسيا بالدخول لسوريا ودعم نظام بشار الأسد ، بعد أن وصل المتمردون-حسب وصفه- إلى مسافة قريبة من قصر المهاجرين ، وأن بشار الأسد كافح طويلًا من أجل بقاء الدولة الوطنية العلمانية التي بنيناها في المنطقة !

السقوط المفاجئ والموقف الصهيوني :

كانت كل المعطيات، تشير إلى أن النظام السوري باق، فقد تم له بمساعدة حلفائه استعادة كل الأراضي التي كانت تحت سيطرة الثوار ، وبقيت منطقة إدلب واقصى الشمال الشرقي ، بيد الثوار، في حين يسيطر تنظيم البي كاكا الإرهابي، المتخفي باسم قسد بدعم أمريكي وغربي على مناطق الثروة السورية ، وهو لايشكل تهديدًا للنظام فقد نشأ على عينه وتعاون معه منذ بداية الثورة السورية ، وأصبح خوف السوريين على المناطق المحررة ، فقد تمت إعادة تأهيل بشار الأسد عربيًا، وثمة دول عربية تسعى لإعادة تأهيله دوليًا، وبدا أنه المنتصر على المؤامرة الكونية كما كان يصف الثورة ، بل يجهز نفسه لأبعد من ذلك باستعادة مناطق المحرر السوري، وليس معنيًا بالطلب التركي للقاء معه.. 
لكن ثمة تغييرات في المنطقة والعالم ،كانت تفت في عضد النظام الطائفي وحلفائه، فقد غرقت روسيا في حرب أوكرانيا وتلقت هزائم متكررة ، ما دعاها لسحب جل طائراتها من قاعدة حميم ، ولم يبق لديها ما يمكن أن يشكل خطرًا حقيقيًا على الثوار السوريين ، كذلك حزب الله الذي فقد خيرة مقاتليه في عملية البيجر، ومن ثم الضربات الساحقة التي تلقاها من إسرائيل ، وهي الغارقة في حرب غزة وتبحث عن نصر معنوي . 
ظروف كثيرة لعبت دورًا مهمًا في استغلال الثوار السوريين لتلك الظروف، مع حنق تركي من أسلوب بشار الأسد في الرد على دعوة الرئيس التركي للقاء به . 
لقد أدى الانتصار الساحق للثورة السورية في اطلاقها عملية ردع العدوان، واسقاط النظام في 8 كانون الأول 2024 إلى صدمة ليست في المحيط العربي فحسب بل إلى زلزال حقيقي عند قادة الكيان الصهيوني، لذلك سارع الكيان إلى تدمير السلاح النوعي السوري حتى لا يقع بيد الثوار ويشكل خطرا عليها . 
ولم تكتف بهذا بل استمرت غاراتها بشكل شبه يومي بتدمير المقرات العسكرية، ووصل الأمر بها إلى تدمير مراكز مدنية، والتقدم في جنوب سوريا ، مع محاولة واقع جديد بعد أن أعلنت تخليها عن اتفاقية فك الاشتباك الموقع مع الجانب السوري عام 1974 . وجد الصهاينة أنفسهم في مواجهة جار يحكمه الأكثرية، ونظام قادم من ثورة شعبية قدمت أكثر من مليون شهيد، وملايين المهجرين وبلد مدمر، مع رغبة عارمة ببناء بلد مستقر مزدهر، هذا الأمر يتنافى مع الإستراتيجية الصهيونية في أن يكون دول الجوار إما أنها تملك جيوشًا تقوم بحماية الحدود ، أو مناطق عازلة تحت قيادة عملاء تابعين لها، لذلك فقد أغرت الأقليات بعدم التعاون مع النظام الجديد، وأنها ستكون حامية للدروز والأكراد، ودعت لتعاون وثيق بين العلويين والدروز والأكراد ، وهددت بالتدخل العسكري في حال فكرت الدولة السورية ببسط نفوذها على السويداء، ولهذا كان دور الهجري ومجلسه العسكري في العمل على استفزاز الدولة السورية وعدم التعاون معها بدعم اسرائيلي واضح ، وهذا يعني أن غياب الدولة العميقة التي قضت عليها الثورة يستوجب التنسيق مع الأقليات ولاسيما الجيب الانفصالي الكردي والجيب الدرزي، وما الأحداث الأخيرة إلا دليلا على أن الصهاينة ماضون في صناعة قوس درزي يكون فاصلا بينهم وبين نظام دمشق .


زيارة لمجتمع الغربة القسرية!







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق