الأربعاء، 30 يوليو 2025

فلنعدّ للسؤال جواباً

 فلنعدّ للسؤال جواباً

د. حسين عبدالعال



قال الفضيل بن عياض لرجل: كم أتى عليك؟ قال: ستون سنة، قال: فأنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك يوشك أن تبلغ، فقال الرجل: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، قال له الفضيل: أتعرف تفسيره؟ قال الرجل: فسره لنا يا أبا علي، قال: فمن علم أنه عبد الله وأنه إليه راجع، فليعلم أنه موقوف، ومن علم أنه موقوف فليعلم أنه مسؤول، ومن علم أنه مسؤول فليعد للسؤال جواباً، فقال الرجل: فما الحيلة؟ قال: يسيرة، قال: ما هي؟ قال: تحسن فيما بقي يغفر لك ما مضى، فإنك إن أسأت فيما بقي أُخِذت بما مضى وما بقي(1).

هل حقًا أعددنا للسؤال جوابًا؟

أما عن السؤال، فهو واقع لا محالة لكل عبد، قال تعالى: (وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ) (الصافات: 24)، وعَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ»(2).

فما بالنا نغفل عن هذه الحقيقة الواقعة لا محالة! وما بالنا لا نستعد لها حق الاستعداد! وقد قال الفضيل: «ومن علم أنه مسؤول فليعد للسؤال جوابًا»، فمن أعد الجواب الصحيح نجا، ومن تلعثم في الإجابة هلك.

عن أي شيء نُسأل؟

هل ترانا سنسأل عن عدم اشتراكنا في غزوة من غزوات النبي صلى الله عليه وسلم؟ أم سنسأل عن عدم مشاركتنا في فتوحات الشام والعراق وبلاد ما وراء النهر وأفريقيا؟ أم سنسأل عن دخول التتار بلاد المسلمين واجتياحهم بغداد عاصمة الخلافة وتنكيلهم بالمسلمين يومئذ؟ أم سنسأل عن تقاعسنا يوم أن احتل الصليبيون بيت المقدس وعاثوا فيها فسادًا وإفسادًا؟

كل ذلك لا نسأل عن المشاركة فيه من عدمها لأننا ببساطة لم نكن حاضرين ولم يكن الزمان زماننا.

إذن عن أي شيء نُسأل؟ سنسأل أننا لم نقرأ ذلك التاريخ كله، ولم نأخذ منه العبرة والدرس، وسنسأل عن زمننا الذي ضاعت فيه الخلافة فلم نحرك ساكنًا وكأن شيئًا لم يكن، وسنسأل عن كل مسلم يهان أو يقتل ظلمًا لماذا لم نقم لنصرته؟! وسنسأل عن تفكيرنا وعقولنا التي وهبنا الله إياها لماذا لم نستخدمها في تجهيز الحيل لنصرة هذا الدين.

وسنسأل عن تفرقنا وتشرذمنا وخلافاتنا التي لا تكاد تنتهي وعن عدم عملنا الجاد لوحدة الأمة وجمع كلمتها وشتاتها، وسنسأل عن علم تعلمناه ولم نسخره لخدمة الإسلام والمسلمين، وسنسأل عن كل كلمة نكتبها أو ننشرها أو نروج لها وما هدفها وما جدواها وما نيتنا ساعة نشرها، وماذا استفاد المسلمون منها.

وسنسأل عن كل خطوة تخطوها أقدامنا وعن كل بطشة يد من أيدينا وعن كل نظرة من أعيننا هل كانت لله تعالى أم كانت سدى لا هدف ولا نية لها، وسنسأل عن نومنا ويقظتنا، عن جدنا ولهونا، عن طعامنا وشرابنا، عن أولادنا وأحفادنا، وسنسأل عن تطبيعنا مع العدو، والتعامل معه كأنه صديق حميم، وعن إمداده بالطعام والشراب ومقومات الحياة.

ترى بهذا هل سيكون السؤال سهلًا؟! بالطبع لا، وهل ترانا أعددنا لكل هذه الأسئلة أجوبة تتناسب معها.

ماذا عن غزة؟!

يراوغ البعض منا عندما يأتي ذكر غزة، ويحاول أن يجد لنفسه عذرًا، أو يبرر تقاعسه لنصرة إخوة الدين والعقيدة والدم، فتارة تسول له نفسه ملامتهم هم على ما فعلوا، وعلى استعجالهم مع عدم قدرتهم، وعلى جرهم للويلات لشعوبهم دون دراسة للأمر ودون استعداد كاف منهم.

فلما يجلس مع نفسه ويتفكر جيدًا يلوم نفسه بأن هؤلاء ما أخطؤوا بل قاموا بالواجب عليهم لكن الأمة هي التي قصرت، فيعود مجددًا يبحث لنفسه عن عذر بأن آلة البطش شديدة، وأنه لا قبل له بدخول المعركة، وأنه لا حيلة له فهو معذور، وسرعان أيضَا ما يجد نفسه مخطئًا في تفكيره خاصة وهو يجد من هو أقل منه في كل شيء يقوم بحيلة أو أخرى لنصرة غزة، ثم يعود ليقول: لو كنت في غزة لقاتلت معهم، أو لو استطعت عبور الحدود لدخلت لهم، ولا أملك طائرة ولا باخرة، فيعود ويرى أناسًا قاموا بواجبهم في النصرة من أمريكا وهولندا وبلجيكا وغيرها، فيدرك ساعتها مدى التقصير الشديد في حق إخواننا على أرض غزة هاشم.

فالنصرة تكون بالكلمة بالإعلام بالنشر بالكتابة بالمال بالوقفة بالمسيرة بالفكرة.. المهم هو التحرك والبذل في سبيل الله تعالى، وهروبًا من المسألة يوم القيامة، أو إعداد الأجوبة الصادقة للأسئلة الكثيرة والقاسية عن دورنا للوقوف مع أهل غزة، فيا ترى ماذا أعددنا من أجوبة إذا سُئِلنا؟

هل تعتبرون أهل غزة من أمتكم الواحدة التي يوجب عليكم الإيمان بالله نصرتها والوقوف معها؟ هل رأيتم الدمار والخراب الذي لحق بهم طوال عامين كاملين؟ هل سمعتم عن سبعين ألفًا منهم لحقوا بربهم شهداء على يد المحتل الغاصب، قرابة نصفهم من الأطفال؟ هذا فضلًا عن المفقودين وعن عشرات الآلاف من المصابين.

هل شاركتم مع العدو في حصار إخوانكم ومنع الطعام والشراب والدواء عنهم؟ وهل سكتم عن حصارهم وأنتم تعلمون أن عدم التحرك لفك حصارهم يعتبر مشاركة في الحصار؟ هل رأيتم الأطفال وهم يبكون من شدة الجوع وكل همهم لقمة يسدون بها جوعهم؟ هل رأيتم الآلاف من أهل غزة وهم يقاتلون للحصول على قليل من الطعام ويعودون صفر اليدين؟ هل رأيتم وسمعتم عن العشرات كل يوم يقتلون لأنهم ذهبوا يبحثون عن لقمة عيش لأولادهم الجوعى.

لو رأيتم هذا وعلمتم وجوب نصرة المسلم لأخيه المسلم على كل حال فلم لم تعملوا لنصرتهم، هل كنتم تخافون على أرواحكم وأموالكم وأعمالكم أما كنتم تعلمون أن ذلك كله بيد الله تعالى؟!

أهل غزة أوجبوا وأدوا ما عليهم

والحقيقة المسلَّم بها أن جميع أهل غزة من الرجال والنساء

 والأطفال قد ابتلوا بلاءً شديدًا، وأنهم أدوا ما عليهم، وصبروا

 صبر الجبال الرواسي، ومع كل ما لحق بهم ما زالوا على صبرهم

 وثباتهم، وأن الشباب المجاهدين ما زالت أرواحهم تحلق في علياء

 السماء، وما زالت همتهم عند الثريا، ولذلك فالنصر سيكون

 حليفهم بإذن الله تعالى عاجلًا غير آجل.

لكن بقي على الأمة أن تستفيد من هذه المعركة، وأن تؤدي ما

 عليها من واجب تجاه أهل غزة بل تجاه دينها وضميرها، بل

 خوفًا على نفسها وحفاظًا على ما تبقى من كرامتها، وحماية

 لأرضها وعرضها.

«طوفان الأقصى» هدية الرحمن

لقد جاءت «طوفان الأقصى» لإيقاظ الأمة وعودتها لدينها،

 فأحيت قلوبًا ماتت، وأيقظت ضمائر نامت، وبينت لنا سهولة

 ما كنا نستصعب من النصر على العدو، وكشفت لنا كل

 المنافقين بين صفوفنا، وميزت بين الفريقين، وهذه علامات

 النصر المبين.


___________________

(1) جامع العلوم والحكم، دار الباز، ص 360.

(2) رواه الترمذي برقم2417، وقال: حديث صحيح.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق