زجاجات الطعام والتضامن العام
ما وراء الزجاجات
فهل تصل زجاجات الطعام إلى الهدف الذي أُرْسِلَت
من أجله؟!
روى البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ فَقَالَ ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ فَقَالَ كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا قَالَ فَأْتِنِي بِالْكَفِيلِ قَالَ كَفَى بِاللهِ كَفِيلًا قَالَ صَدَقْتَ فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَخَرَجَ فِي الْبَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلْأَجَلِ الَّذِي أَجَّلَهُ فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا ثُمَّ أَتَى بِهَا إِلَى الْبَحْرِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلَانًا أَلْفَ دِينَارٍ فَسَأَلَنِي كَفِيلَا فَقُلْتُ كَفَى بِاللهِ كَفِيلًا فَرَضِيَ بِكَ وَسَأَلَنِي شَهِيدًا فَقُلْتُ: كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا فَرَضِيَ بِكَ وَأَنِّي جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إِلَيْهِ الَّذِي لَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا فَرَمَى بِهَا فِي الْبَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ ثُمَّ انْصَرَفَ وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ.
فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ فَإِذَا بِالْخَشَبَةِ الَّتِي فِيهَا الْمَالُ فَأَخَذَهَا لِأَهْلِهِ حَطَبًا فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ فَأَتَى بِالْأَلْفِ دِينَارٍ فَقَالَ وَاللهِ مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لِآتِيَكَ بِمَالِكَ فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي أَتَيْتُ فِيهِ قَالَ هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ قَالَ أُخْبِرُكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي جِئْتُ فِيهِ قَالَ فَإِنَّ اللهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِي بَعَثْتَ فِي الْخَشَبَةِ فَانْصَرِفْ بِالْأَلْفِ الدِّينَارِ رَاشِدًا».
إن الله تعالى يؤدي عن فاقد الحيلة حاجته إذا صدق في نيته وبحث عن الوسيلة المستطاعة، وقال ابن حجر العسقلاني: في الحديث فَضْلُ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ،
لماذا ألقى الشاب الزجاجات في البحر؟
إن هذا الشاب تربى على معاني الحديث الشريف الذي سبق
ذكره، فاتخذ هذه الوسيلة، من منطلق الإيمان بقدرة الله تعالى،
والقيام بالواجب الذي يعذره أمام الله عز وجل.
ويضاف إلى ذلك أن إعداد الطعام ولو كان قليلاً، من أجل
إعانة المجاهدين، ولو بفضح المتآمرين، له ثواب عند الله عز
وجل، ومن ذلك ما يأتي:
1- الجهاد بالمال، قال تعالى: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (التوبة: 41).
2- تحصيل أجر الجهاد؛ روى البخاري، ومسلم، عَنْ زَيْدِ بْنِ
خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ جَهَّزَ
غَازِيًا فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي أَهْلِهِ فَقَدْ غَزَا».
3- اتقاء النار ولو بشق تمرة؛ روى البخاري، ومسلم، عن
عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ».
البُعد السياسي والأخلاقي لزجاجات
الطعام
إن هذه الزجاجات رسالة إلى أصحاب الضمائر الحية
أن أفيقوا، فالمجاهدون الذين لم يموتوا تحت قصف سلاح الأعداء، يموتون تحت تهديد الجوع.
إن هذه الزجاجات هي احتجاج عملي على الحصار،
وتحدٍّ لحالة التبلّد الرسمي تجاه أهل غزة، إنها إدانة لكل من صمت أو ساهم في خنق غزة.
إنها رسالة تحريك للضمير العام، ففي ظل اختطاف
الإعلام والانحراف الثقافي، تُعيد هذه الزجاجات تذكير الشعوب بأن أبسط فعل نابع من القلب أبلغ من ألف كلمة مزيفة.
إنها رسالة تربوية للأبناء، حيث تؤكد لهم أن الرجولةمواقف، وأن الزجاجة التي ترسل لغزة أعظم من ألف شعار، وأن التضامن ليس كلمات، وإنما أفعال ولو صغيرة، وأن صاحب الغاية النبيلة لا بد أن يجد وسيلة شريفة.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق