كُلُّ واحدٍ مِنَّا على ثغر!
أدهم شرقاوي
مرَّ عُمَرُ بنُ الخطَّابِ يومًا بالمسجد، فإذا حسَّان بن ثابت يُنشِدُ فيه شِعراً، فانتهره عُمر لا تحريمًا للشِّعرِ، ولا انتقاصًا من قيمة الشُّعراء، كيف لا وهو القائل: خذوا لُغتكم من كتابِ ربكم وقديم شِعركم!
وإنّما كان نهيه إعلاءً لقيمة المسجد، وتنزيهه أن لا يُقال فيه إلّا قرآن كريم وحديث نبويّ.
ولكنَّ حسَّان بن ثابتٍ قال له: يا أمير المؤمنين كنتُ أُنشِدُ في المسجد شِعرًا وفيه من هو خير منك!
ثمَّ التفتَ إلى أبي هريرة وقال له: يا أبا هُريرة أما سمعتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لي: يا حسَّان، أَجِبْ عني، اللهمَّ أيِّده بروح القُدُس؟!
فقال أبو هريرة: نعم
فمضى عمر وتركه!
واستطرادًا، إنّي لو كنتُ مُحدِّثًا، وأردتُ أن أجمع الأحاديث الواردة في فضل عُمر بن الخطاب، لأوردتُ هذا الحديث في فضائله، فليستْ الفضيلة في أن يكون المرء على صوابٍ دومًا، إنّما أن يكون وقّافًا عند الحق إذا تبيَّن له أنّه مُخطئ!
أَجِبْ عني.
هنا مربط الفرس، وبُغية الكلام!
هذا الدين الذي احتاج يومًا إلى سيف خالد حين احتدمتْ المعارك الحربية،
احتاج أيضًا إلى قصائد حسّان حين احتدمتْ المعارك الفكرية،
خالد لم يكن بإمكانه أن يسُدَّ مكان حسَّان، وحسَّان لم يكن بإمكانه أن يسُدَّ مكان خالد!
لقد وضع الله سبحانه كلَّ واحدٍ منّا على ثغر، وعليه أن يحرس هذا الثغر بكل ما أُوتيَ من قوة، دون أن يستصغر الثّغر الذي يحرسه، ودون أن يتفاخر بأن ثغره أَهَمُّ من بقية الثغور!
مال عثمان بن عفَّان كان يوم جيش العُسرة أهم من قراءة أُبيّ بن كعب، وعند جمع المصحف الشريف كانت قراءة أُبيِّ بن كعب أهمَّ من مال عثمان، وسيف خالد، وقصائد حسَّان، فكُن أسدًا عندما يحين دورك!
سيف عليّ بن أبي طالب يوم تصدَّى لمَرْحبٍ في غزوة الخندق، يُوازي مالَ أبي بكرٍ الذي أعتقَ به بلالًا، ما كان لسيفِ عليٍّ أن يُحرر عبدًا مسلمًا من قيده، تمامًا كما لم يكن لمال أبي بكر أن يقضي على مَرْحبٍ!
هذا الدين تكامل بين أتباعه، لا تنافس وتفاضل.
وهذا هو حال الإسلام اليوم، ثُغورٌ شتَّى، وكلُّ واحدٍ منَّا على ثغر!
الأمُّ في بيتها على ثغر، لأنَّ صناعة الرجال مهمة عظيمة!
والمُدرِّس في صفه على ثغر، لأن الأمَّة الجاهلة تُقاد ولا تقود!
المُجاهد على ثغر لا يَسُدُّهُ إمام المسجد، وإمام المسجد على ثغر لا يَسُدُّهُ التاجر الثري، غير أنّ ثغر التاجر الثريّ صدقةً وإنفاقًا وإعانة للناس لا يقل أهميّة عن دور المجاهد الذي يجود بدمه، وإمام المسجد الذي يأخذ بأيدي الناس إلى الله!
اُنظُرْ أين أقامك الله، هذا هو ثغرك الذي عليكَ أن تحميه، وتُجاهد فيه، وعندما يقوم كلُّ واحدٍ منَّا بدوره، تستعيد هذه الأمّة مجدها!
مرِضَتْ زوجة الملك، فأوصى الأطباء أنْ تستحمَّ كلَّ يومٍ بالحليبِ، فتساءل الملك كيف يَملأ الحوض حليبًا كل يوم، فاقترح وزيره أن يحضر كلُّ راعٍ في المملكة دلو حليب في الليل يفرغه في الحوض، وهكذا تُحَلُّ المشكلة!
قال كلُّ راعٍ في نفسه، لو وضعتُ دلو ماء، سيضيعُ بين دِلاءِ الحليب، ولن يعرف الملك، وفي صبيحة اليوم التالي، وجد الملك الحوض مملوءًا ماءً!
لم يبدأ كلُّ واحدٍ بنفسه، لقد انتظر أن يقوم الآخرون بدوره، وهذا باختصار هو حالنا اليوم!
أدهم شرقاوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق