الثلاثاء، 8 يوليو 2025

آيات مواجهة الباطل في القرآن!

آيات مواجهة الباطل في القرآن!

بقلم عبد الرحمن الميعان

من يقف على آيات القصص القرآني وبخاصة: نوح وهود وصالح وشعيب وإبراهيم وموسى وعيسى عليهما السلام ، يجد أمورا عظيمة في خطابهم ودعوتهم أقوامهم، ولكن ما يلفت النظر، هو قوة الخطاب مع ما يحمله الخطاب من تحد ومن مواجهة وصدح بالحق في جنبات الباطل، وقد يكون النبي المرسل وحيدا، يجابه قبيلة أو شعبا بأكمله، كإبراهيم عليه السلام ، أو معه ثلة مؤمنة هي بالتأكيد أقل بكثير من الكافرين، كنوح عليه السلام ،هذا النهج يجعل الباطل متحيرا، يبحث عن حجج فلا يجد، فلا يكون أمامه إلا المواجهة بالقتل أو التشريد!
الاستضعاف سمة العصر عند التنزيل

من الملاحظ والملفت للنظر، أن الله عزوجل كان ينزل هذه الآيات، وهذا القصص في ظل الدعوة المستضعفة في مكة، والمؤمنون ضعفاء، يعذبون ويهددون في كل شيء، بل حتى النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، لم يستطع الدفاع عن نفسه، وكم تعرض للقتل والهجوم والإيذاء، وكذلك أن هذه الآيات لم تكرر أبدا في الوضع المدني، أي بعد الهجرة وتكوين الدولة الفتية دولة الإسلام، أي بعد أن صار للإسلام شوكة وقولة من خلال الدولة!
كل هذا يعطي انطباعا أو تصورا عاما أن الدعوة الإسلامية لا بد أن تتبصر في خطابها، وأن يكون خطابها عقديا قويا، ولا تتنازل عن أصول هذا المعتقد، وأنها قد تمر بما مرت به الدعوة الأولى من غربة، وتيه، وضياع، وتسليط الباطل أدواته عليها، وليس عليها انتظار النتائج أو التزلف للباطل أو مهادنته، بل عليها الثبات أولا على المبدأ، ولتعلم أن النصر مرهون بثبات الدعاة ومدى فهمهم وعمق إيمانهم بهذا الحق الذي يحملونه، ومن الحق الذي لا يمازجه ريب ولا يقاربه شك، أن الخطاب النبوي في القرآن خطاب تعالى عن كل خطاب دعوي جاء في زمن الاستضعاف والمهانة والاستخفاف بكيان الانسان، وبخاصة بعد سقوط حكم الشريعة، فلم نعد نسمع من ذلك الخطاب إلا ما نقرأه بين دفتي المصحف، وصيحات خافتة من هنا وهناك، بل نرى ونسمع تصدي بعض الدعاة والعلماء لأي خطاب مواجهة مع الاستبداد، أو ضد النظام العالمي الكافر الذي يحكم العالم، ويقبض على مقدراته، ويطبق على عنقه!

الانحراف عن الخط العقدي في التيارات المعاصرة


وذلك لم يكن ليكون، لولا التماهي لبعض تيارات الإسلام، مع النظام الحاكم ومع متطلبات النظام العالمي، مما يجعل قوة الخطاب الدعوي تخفت لتراوح بين المصلحة ومقاصد الدين الوهمية!

فكيف ألقى القرآن العظيم خطابات الأنبياء ، ومواجهتهم لأقوامهم؟ 
وكيف صور مواقفهم والتي لم يكونوا يملكون فيها من السلاح والعتاد والرجال ما يملكه المقابل الكافر؟! 
بل لم يكونوا يملكون إلا سلاح الكلمة، وإلا سلاح البرهان العقلي الذي يحاور الفطرة، ويستنهض العقل ليفكه من أساره، ويعتق الروح لتنطلق في آفاق الإيمان الرحبة! 
والعجيب أن الأنبياء نصرهم الله، وأهلك الأقوام الكافرة، فالرسل تقريبا كلهم نصرهم الله تعالى على أقوامهم، وتلك نقطة مهمة جدا تحتاج إلى بحث وقراءة متعمقة ليس هذا موضعها!

خطاب المواجهة في القرآن:

فلنقلب أبصارنا ونوجه عقولنا نحو آيات هذا الكتاب العظيم كي ننهل من خطابات أولئك السابقين العظماء عليهم السلام الذين قال عنهم الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم

﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ

 عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَإِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ﴾ -الأنعام 90.


مع نوح عليه السلام :

يحدثنا القرآن كثيرا عن نبي الله نوح عليه السلام ، وهو أول رسول بعث إلى أهل الأرض، بعد آدم وإدريس عليهما السلام ، جاء في سورة هود ، ما نصه من القرآن:
(قَالُواْ يَٰنُوحُ قَدۡ جَٰدَلۡتَنَا فَأَكۡثَرۡتَ جِدَٰلَنَا فَأۡتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ ﴿32﴾ قَالَ إِنَّمَا يَأۡتِيكُم بِهِ ٱللَّهُ إِن شَآءَ وَمَآ أَنتُم بِمُعۡجِزِينَ ﴿33﴾ وَلَا يَنفَعُكُمۡ نُصۡحِيٓ إِنۡ أَرَدتُّ أَنۡ أَنصَحَ لَكُمۡ إِن كَانَ ٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغۡوِيَكُمۡۚ هُوَ رَبُّكُمۡ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ ﴿34﴾ أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ إِنِ ٱفۡتَرَيۡتُهُۥ فَعَلَيَّ إِجۡرَامِي وَأَنَا۠ بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُجۡرِمُونَ ﴿35﴾ وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُۥ لَن يُؤۡمِنَ مِن قَوۡمِكَ إِلَّا مَن قَدۡ ءَامَنَ فَلَا تَبۡتَئِسۡ بِمَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ ﴿36﴾ وَٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡيُنِنَا وَوَحۡيِنَا وَلَا تُخَٰطِبۡنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِنَّهُم مُّغۡرَقُونَ ﴿37﴾ وَيَصۡنَعُ ٱلۡفُلۡكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيۡهِ مَلَأٞ مِّن قَوۡمِهِۦ سَخِرُواْ مِنۡهُۚ قَالَ إِن تَسۡخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسۡخَرُ مِنكُمۡ كَمَا تَسۡخَرُونَ ﴿38﴾ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ مَن يَأۡتِيهِ عَذَابٞ يُخۡزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيۡهِ عَذَابٞ مُّقِيمٌ ﴿39﴾ )

نلاحظ في هذا الخطاب ما يلي:

1-تجريد الداعية نفسه من عذاب أو التصرف بالآخرين، إنما هو مبلغ لدعوة ربه تعالى.

2-توضيح ما عليه الملأ من ضلال، ومن ارتداد عن دعوة الله تعالى، وأن الملأ هم من يضل الناس ويصدهم

3-الرد على أهل الكفر والضلال بقوة، وعدم تركهم ينتصرون في خطابهم للداعية، فانظر إلى نوح عليه السلام وهو يرد على اتهامهم، ثم انظر إلى قوة الخطاب والثقة بالله جل وعلا ، ويقول لهم بكل ثقة ما قالوه من سخرية به!

4-المواجهة واضحة، فلا تردد ولا مواربة، ولا شك أن نوحا عليه السلام ، هو حامل الدعوة، وهو يمثل الحق، والملأ هم أهل الباطل ومن يحمل راية الصد عن سبيل الله، فقد قالها صريحة (فإنا نسخر منكم كما تسخرون)، دون تزييف ولا مواربة، بل هو الحق المبين والخطاب القوي الصارم.


مع هود عليه السلام:

وننطلق مع هود عليه السلام في دعوته، وننظر إليه، ونسمع خطابه القوي جدا، فهو يقول لقومه:

فعندما تعنت القوم، ومالوا للاستهزاء والكفر، والاستخفاف بالدعوة، لم يتمالك هود عليه السلام ، نفسه، بل صدح بهم وبقوة الخطاب التهديدي، قائلا لهم عندما قالوا:
(إِن نَّقُولُ إِلَّا ٱعۡتَرَىٰكَ بَعۡضُ ءَالِهَتِنَا بِسُوٓء(، (قَالَ إِنِّيٓ أُشۡهِدُ ٱللَّهَ وَٱشۡهَدُوٓاْ أَنِّي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ ﴿54﴾ مِن دُونِهِۦۖ فَكِيدُونِي جَمِيعٗا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ ﴿55﴾ إِنِّي تَوَكَّلۡتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمۚ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلَّا هُوَ ءَاخِذُۢ بِنَاصِيَتِهَآۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ ﴿56﴾)

واضحة نبرة خطاب هودعليه السلام، مع قومه، فلم يتلكأ، ولم يجمجم، ولم يسكت أو يرهب، ولم يحجم، بل انطلق لسانه وقلبه بكل قوة وشجاعة وثبات ويقين يهددهم، ويعتصم بالله الواحد!

ونلاحظ في خطابه عليه السلام ما يلي:

1-تصويب وتصحيح ما يظن الباطل بالحق، قال إني أشهد...

2-البراءة من شرك المشركين، وإعلان ذلك أمامهم، وأمام أتباعه u، وأنهم في ضلال مبين.

3-التحدي بعد الثقة بالله عز وجل

4-الصدع والصدح بأن الله هو الواحد الذي ينبغي للداعية الاعتماد عليه والتوكل عليه لا غيره

مع شعيب عليه السلام :

ومع نبي الله شعيب عليه، نرى كذلك هذا التحدي، وهذه المواجهة
خطاب السلف في مواجهة الاستبداد والباطل: ففي سورة هود نجد هذه الصورة الناصعة في الموقف:(قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيز-قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ-وَيَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُواْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ)، لم تختلف الصورة، ولم يتغير الموقف، ولم يتأخر النبي عن المواجهة، ورج الباطل وتحديه، والاعتماد والثقة على الله وحده!

وقد اختصرت سورة إبراهيم ، هذا الموقف:

(أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ- اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ-قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ-قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ-وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ-وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ-وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ!)

موسى عليه السلام : 

أما مع موسى فالأمر واضح جدا، ففي سورة الإسراء قوله تعالى يلخص كل الحكاية:
(وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَىٰ تِسۡعَ ءَايَٰتِۭ بَيِّنَٰتٖۖ فَسۡـَٔلۡ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ إِذۡ جَآءَهُمۡ فَقَالَ لَهُۥ فِرۡعَوۡنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَٰمُوسَىٰ مَسۡحُورٗا 101 قَالَ لَقَدۡ عَلِمۡتَ مَآ أَنزَلَ هَٰٓؤُلَآءِ إِلَّا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَٰفِرۡعَوۡنُ مَثۡبُورٗا 102)

 :قال الطبري رحمه الله 

(قال موسى لفرعونَ: {لَقَدْ عَلِمْتَ} يا فرعونُ {مَا

 أَنْزَلَ هؤُلَاءِ} الآياتِ التسعَ البيناتِ التي أريتُكها، حجةً لى

 على حقيقةِ ما أدْعُوك إليه، وشاهدةً لى على صدقى

 وصحَّةِ قوله: إنى للهِ رسولٌ بَعثني إليك - {إلَّا رَبُّ

 السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ}؛ لأن ذلك لا يقدِرُ عليه ولا على

 أمثالِه أحدٌ سواه، {بَصَائِر} يعنى بـ "البصائرِ" الآياتِ

 أنهنَّ بصائرُ لَمن استبصَر بهنَّ، وهدًى لَمن اهتدَى

 بهنَّ، يعرِفُ بهنَّ مَن رآهُنَّ أن مَن جاء بهنَّ فَمُحِقٌّ،

 وأنهنَّ من عندِ اللهِ لا مِن عند غيرِه، إذ كُنَّ معجِزاتٍ

 لا يقدِرُ عليهنَّ ولا على شيءٍ منهنَّ سوى ربِّ

 السماواتِ والأرض، وهو جمعُ بصيرةٍ. 

وقولُه:{وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا}. يقولُ: إني

 لأظُنُّك يا فرعون ملعونًا ممنوعًا من الخيرِ.)



 محمد صلى الله عليه وسلم:

وقد هالني ما قرأت من آيات تهديد لصاحب الرسالة، أمام الكفار ومن يقرأ القرآن إلى يوم، مما يدل على عظمة وخطورة هذا الأمر:

أولا سورة الإسراء:

(إن الله تعالى ذكره أخبر عن نبيّه صلى الله عليه وسلم، أن المشركين كادوا أن يفتنوه عما أوحاه الله إليه، ليعمل بغيره، وذلك هو الافتراء على الله، وجائز أن يكون ذلك كان ما ذكر عنهم من ذكر أنهم دعوه أن يمسّ آلهتهم، ويلمّ بها، وجائز أن يكون كان ذلك ما ذُكر عن ابن عباس من أمر ثقيف، ومسألتهم إياه ما سألوه مما ذكرنا، وجائز أن يكون غير ذلك، ولا بيان في الكتاب ولا في خبر يقطع العذر أيّ ذلك كان، والاختلاف فيه موجود على ما ذكرنا، فلا شيء فيه أصوب من الإيمان بظاهره، حتى يأتي خبر يجب التسليم له ببيان ما عُني بذلك منه.

وقوله (وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلا) يقول تعالى ذكره: ولو فعلت ما دَعَوْك إليه من الفتنة عن الذي أوحينا إليك لاتخذوك إذا لأنفسهم خليلا وكنت لهم وكانوا لك أولياء.

القول في تأويل قوله تعالى: (وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا ‌‌)

يقول تعالى ذكره: ولولا أن ثبَّتناك يا محمد بعصمتنا إياك عما دعاك إليه هؤلاء المشركون من الفتنة (لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا) 
يقول: لقد كدت تميل إليهم وتطمئنّ شيئا قليلا وذلك ما كان صلى الله عليه وسلم همّ به من أن يفعل بعض الذي كانوا سألوه فعله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر حين نزلت هذه الآية، ما حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا أبو هلال، عن قتادة، في قوله (وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تكلني إلى نَفْسي طَرْفَةَ عَيْنٍ.

ثم قال: القول في تأويل قوله تعالى: {إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75) }، يقول تعالى ذكره: لو ركنت إلى هؤلاء المشركين يا محمد شيئا قليلا، فيما سألوك إذن لأذقناك ضعف عذاب الحياة، وضعف عذاب الممات.) الطبري سورة الإسراء، خطاب تهديد من رب العالمين ، إلى أفضل الخلق ، أن لا يركن، مجرد الركون أو الاستجابة أو محاولة الاستجابة والمهادنة معهم، فالأمر جد لا هزل فيه، لأنه أمر عقيدة وأمر دين يريد أن يتميز عن كل الأديان والأفكار في كل شيء، لأنه من تنزيل رب العالمين .

الخلاصة:
إن الدعاة اليوم لهم بحاجة إلى مراجعة هذا الخطاب من خلال القرآن والروايات الصحيحة، ويفقهوا دورهم، الذي يريده منهم ربهم، ورسمه لهم القرآن (ليس عليك هداهم)، ولكن ﴿ وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ﴾-الرعد 40، وأن يتعلموا ويقرأوا أصول هذا الدين وأصول العقيدة الصحيحة، فإنما الثبات يكون بالفهم والتعمق في قراءة تاريخ وسير الأنبياء عليهم السلام ، وتاريخ الصحابةرضي الله عنهم وثباتهم على الحق!


هل انتهينا، لا سنستأنف الحديث حول ما حدث وكان بعد زمن الصحابة رضي الله عنهم !








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق