لولا الطوفان
أحمد بن سعيّد
حدّث #سهم_بن_كنانة، قال: احتجتُ إلى إفضاء المكنون، فهُرعتُ إلى شيخي الفضل بن ميمون، وذلك أني سمعت عالماً في السياسة، يلوم في #غزة أهل الثغور والرياسة، زاعماً أنهم أخطؤوا الاجتهاد، وجرّوا إلى المقتلة الحاضرَ والباد، وأن عملية #طوفان_الأقصى، ما زادت حال #فلسطين إلا نقصا، فضاق بذلك صدري، وعِيل من احتماله صبري، فعلمت أنه ما لي إلا الفضل، وكم له عليّ من فضل!
قال سهم بن كنانة: فما كنتُ والله بالمفلس، إذ دخلت عليه المجلس، فوجدته يحدّث الناس نصّا، عن الفوائد الإستراتيجية لعملية طوفان الأقصى، فكأنما قرأ فكري، وأنا لا أدري، وإذا به يقول، وحوله احتشد قومٌ من ذوي العقول:
لقد أخفق شيخ العلوم السياسية، في النفاذ إلى أسرار تلك العملية، ولم ينظر إلى المحيطِ بأسرِه، وأخذه الظاهرُ فوقعَ في أسرِه، حيثُ أوجعه نزيفُ الدماء، ونسيَ قوله تعالى: “ويتخذَ منكم شهداء”، ولم يلحظ افتضاح الطغيان، ولم يرَ الأبعادَ الإستراتيجية للطوفان، حين محّصَ الله الصفوف، وميّز المنكرَ والمعروف، وأظهر أصواتَ النفاق، حتى ضجّت من فجورها الآفاق، وثبّتَ الله أهل الثغور، فما فيهم من يائسٍ ولا مكسور.
قال سهم بن كنانة: وبعد هذا الكلام العجيب، أشرقَ وجهُ الشيخ بنورٍ غريب، ثم قال: على أيدي قلّةٍ من الرجال، انكسرت هيبةُ الاحتلال، وخارت في لحظةٍ قواه، ولم تمنعْه حصونُه من الله، وتلاشى ما راكمتْه الدعايةُ الصهيونية في قرن، فلم يعُدِ الناسُ يتذكرون قصّة النازي والفرن، وصارت عندهم غزّة هي الهولوكوست، فلستَ تحصي كم كتبوا عنها من “بوست”، ووقع ذلك على “إسرائيل” كالقواصم، وعمّت التظاهراتُ ضدّها العواصم، واشتعلت جامعاتُ الغرب احتجاجا، ودخل كثيرٌ منهم في دين الله أفواجا، وسيئت وجوهُ الذين كفروا، فخرّبوا كأجدادهم بيوتَهم التي عمَروا، رؤوسُهم منكّسة، على الأرض المقدّسة، وطاردتْهم في الأرض المحاكم، ودانتْهم بارتكاب الجرائم، وعمّتْهم الدنيّة، فحدثت “الهجرةُ العكسية”، وكانت من غير خلاف، بمئات الآلاف، هذا غير ما تكبّدَهُ الكيانُ من خسائرَ جمّة، وما حلَّ به من زوال نعمة، ومن لعنةٍ لا ترتفع، وغمّةٍ لا تنقشع، وما هلكَ فيه من جنود، حتى تحدّثَ بعضُهم عن نهاية يهود، وما احتملوا من جراح، وما افتقدوا من سلاح، فرحٌ أناخ به الحداد، وشللٌ أصاب الاقتصاد، وساءت أمورُهم، حتى نقَصَ ذكورُهم، وطفقوا يجنّدون الإناث، أم لم يرَ النفيسي تلك الأحداث؟
قال سهم بن كنانة: وقلت في نفسي: صدق الفضل، فإنَّ هذا الطوفان، من سنن الله في الأكوان، إذ هو ترتيبٌ ربّاني، يَقْصُرُ عن فَهمه العقل الإنساني، صحيحٌ أن العدوَّ عذّبَ أهلنا، لكن عسى أن نكرهَ شيئاً وهو خيرٌ لنا، لقد غيّرَ الطوفانُ هذه الأمّة، ففتحَ عيونَها على النور بعد الظلمة، وأيقظها من سبات، وذكّرها أن الجهادَ حياة، بل إنّه غيّرَ البشرَ أجمعين، لأن مكانَه الأرضُ التي بارك الله فيها للعالمين، وهنا قلت للشيخ: لقد فعل أبو إبراهيمَ وصحبُه ما هو أشدّ من الصواريخ، إذ صحّحوا في تشرين الأول مسار التاريخ، وقالوا للعالم إنّ أمّتَنا خُلقت للغارات، لا للحلول والمبادرات، وقد ارتأوا أن يكونوا طليعة الجهاد، وبشارة الميلاد، فما عادوا بكرّةٍ خاسرة، بل حازوا شرفَ الدنيا والآخرة.
قال سهم بن كنانة: ولما بلغتُ هذا الحد ابتسم الفضل وقال: لم يأتِ النفيسي بتحليل معتبر، وكان فيه قصير النظر، ولا يقلّل ذلك من فضله، فكم أخطأ الحقَّ رجلٌ من أهله، إنّ سؤال الطوفان ليس: هل أخطأ مهندسوه، بل لماذا خانَ الدمَ أهلوه، وكيف رمَوا غزّةَ بالإرهاب، وأغلقوا عليها الباب، وتآمروا مع القاتل، على المسلم المقاتل، وعصَوا قول الله تعالى، “انفروا خفافاً وثقالا”، ألا ليت شيخ السياسة، تحلّى في هذا الموقف بالكياسة، ونأى بنفسه عن اللوم، ذلك هو واجب اليوم، وقد زعم أنّ قرار الهجوم اتخذه بضعة أفرادٍ فقط، فسبحان الله ما أكبر هذا الغلط، إذ كان يقصد أنه مغامرة، ولم يكن نتيجةَ مشاورة، ولو لم يكن مدروساً ما انهار التطبيع، وأدرك العرب قيمة الربيع، ولما انكشفت أنظمة في فلك صهيون دائرة، “يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة”، ولما انهار حزب لبنان، وسقط لسفّاح الشام جيشٌ وبنيان، وانكفأ المشروع الإيراني، وكان ذلك عند قومٍ من الأماني، ولما انكسر باطلٌ عُمُرُه مئة عام، فكأنه وكأنها أحلام، بل لولا الطوفان، ما صلّى في الجامع الأُمويِّ فيصل بن فرحان!
قال سهم بن كنانة: وخرجت من مجلس الفضل وأنا أقول: لولا الطوفان يا نفيسي، ما عرف القاصي والداني خيانة السيسي، “لولا الطوفان”، يا له من عنوان، وطفقتُ أترنّم بهذه العبارة، التي أصبحت للخلود شارة، إن آثاره لم تظهر كلها بعد، وسيتذكّرُ المسلمون قادتَه كما يتذكرون المثنّى وسعد، لقد استدارَ الزمان، وحانت ساعةُ الكيان.
د.عبدالله النفيسي: صارحت المقاومة بتحفظي على "أحداث 7 أكتوبر" لأنها ولدت واقعًا إسرائيليًا ليس في صالحنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق