من الذي يمنح ويمنع حق اقتناء التكنولوجيا النووية؟!
عامر عبد المنعم
لا يمكن تمرير ما يريده الإسرائيليون والأمريكيون من حظر التكنولوجيا النووية على الدول العربية والإسلامية، ولا يمكن القبول بالتهديد العسكري لكل من يفكر في بناء مشروع نووي للأغراض السلمية؛ بمزاعم حيازة المعرفة التي تمكن من صناعة السلاح الذي تمتلكه 9 دول وتتسابق لإنتاج المزيد من أسلحة الدمار الشامل.
لو تم التسليم بانفراد الولايات المتحدة وإسرائيل بتحديد من الذي له الحق في امتلاك المحطات النووية ومن لا يملك؛ فإن هذا يعني نهاية النظام الدولي، ونهاية كل الاتفاقات الدولية المتعلقة بحظر الانتشار النووي، التي وقعت عليها معظم دول العالم، ولا جدوى من وجود الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تطاردها الاتهامات بالتحيز والتحول إلى أداة لخدمة السياسة الأمريكية.
جاء العدوان على إيران وقصف منشآتها النووية من دولة وكيان منبوذ يمارسان الإبادة في غزة، في لحظة أصيب فيها النظام الدولي بالشلل، والعجزعن مواجهة خروج الإسرائيليين على القانون الدولي الإنساني، والفشل في وقف المحرقة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني منذ ما يقارب العامين، وما زالت عملية تدمير القطاع المحتل جارية، بحماية ودعم من الرئيس الأمريكي ترامب الذي لم يتراجع عن أفكاره حول تهجير الفلسطينيين لبناء ريفيرا ومشروعات عقارية!
إسرائيل التي تريد فرض إرادتها على دول العالم متهمة بجرائم القتل والتدمير و تلاحقها الإدانات في كل العواصم وشتى المحافل، وتطاردها محكمة الجنايات الدولية ولهذا ليس من المنطقي أن تتولى هي وأمريكا تدمير الدول بزعم الحفاظ على السلام الدولي، وتنتزعان سلطة الاتهام وإصدار الحكم وتنفيذ العقوبات، وقد تم تدمير العراق بذات الاتهامات من قبل في 2003 في عهد بوش وثبت كذبها بعد ذلك.
أمريكا هي التي استخدمت القنبلة وليس أي دولة أخرى
التكنولوجيا النووية حق لكل الدول، وهي قاطرة التقدم التي تجر خلفها شتى صنوف التقدم العلمي، وكل يوم تظهر اكتشافات جديدة للاستخدامات النووية في المجالات المدنية وليس فقط العسكرية، وهناك نحو 32 دولة معظمها في أوربا تستخدم التكنولوجيا النووية في توليد الطاقة وتحلية المياه وفي الطب وفي مجالات أخرى.
السلاح النووي سلاح ردع وليس للاستخدام، لأن أي حرب بين دولتين نوويتين يعني دمار الدولتين؛ الدولة التي تبدأ والتي ترد، ومن بين 9 دول تمتلك أسلحة نووية، فإن دولة واحدة فقط هي التي ارتكبت هذه الجريمة المروعة واستخدمت القنبلة، وهي الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية عام 1945 عندما قصفت المدينتين اليابانيتين: هيروشيما وناغازاكي، وفي العقيدة النووية الأمريكية فإن لها الحق في الضربة الأولى وفي شن هجوم استباقي باستخدام السلاح النووي.
تؤكد تصريحات الكثير من القادة الأمريكيين، السياسيين والعسكريين، أن استخدام القنبلتين تم بدون ضرورة عسكرية، حيث كان اليابانيون قد اعترفوا بالهزيمة وكانوا يتفاوضون على شروط الاستسلام، ولكن الرغبة في سحق الآخر واستعراض القوة كانت وراء الدمار الفظيع الذي نتج عن السلاح النووي، حيث تشير تقديرات الأربعينيات إلى أن عدد الضحايا كان 70 ألف قتيل في هيروشيما، وحوالي 40 ألف قتيل في ناغازاكي، أي 110 آلاف قتيل، وتشير تقديرات أخرى عام 1977 إلى حوالي 140 ألف قتيل في هيروشيما، وحوالي 70 ألف قتيل في ناغازاكي، ليصبح المجموع 210 آلاف قتيل، بخلاف ما تسبب فيه الإشعاع والتلوث على كل صور الحياة لعقود.
تسارع مخيف لإنتاج المزيد من الأسلحة النووية
في الوقت الذي يطاردون فيه الدول العربية والإسلامية بحملات التفتيش والضغوط والتهديدات الصريحة والمبطنة؛ لحرمانها من حقها في اقتناء التكنولوجيا النووية، هناك سباق تسلح متسارع لتصنيع الأسلحة النووية، فوفقا لتقارير اتحاد العلماء الأمريكيين ومصادر أخرى فإن إجمالي الرؤوس النووية التي تم تصنيعها في العالم حتى عام 2025 بلغ نحو 12,241 رأسًا نوويًّا، منها 9,600 رأس جاهزة للاستخدام العسكري في الصوامع أو محملة على الصواريخ والغواصات.
تمتلك الولايات المتحدة وروسيا 90% من هذه القنابل، حيث لدى الولايات المتحدة 5,177 قنبلة، موجودة في 11 ولاية أمريكية و 5 دول أوروبية، وتمتلك روسيا 5,500 رأس نووي والصين 600 وفرنسا 290 والمملكة المتحدة 225 والهند 180 وباكستان 170 وكوريا الشمالية 50 قنبلة، وتشير التقارير إلى أن إسرائيل التي تريد تجريد العرب والمسلمين من السلاح تمتلك ما يتراوح بين 90 و400 قنبلة نووية، ولا تخضع لتفتيش الوكالة الدولية.
باكستان والتهديدات الإسرائيلية
ليس لأمريكا وإسرائيل الحق في منع أي دولة عربية أو إسلامية من استخدام التكنولوجيا المتقدمة، بمزاعم أنها ستصنع القنبلة القذرة وتستخدمها، فلا توجد سوابق تؤكد هذا الزعم، فباكستان الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك السلاح النووي؛ صنعته للحفاظ على التوازن مع الهند التي صنعت القنبلة قبلها، وقد حقق السلاح النووي الردع والحماية، ولم يحدث أن هددت باكستان باستخدام القنبلة النووية ضد أي دولة أخرى ولا حتى الهند، ورغم بعد المسافة فإن نتنياهو هدد بتدمير المشروع النووي الباكستاني لكون باكستان دولة إسلامية!
التهديدات الإسرائيلية لباكستان يكشف أن المطاردة تستهدف المسلمين، ولكي تنفرد إسرائيل بالسلاح النووي، وممارسة البلطجة والإرهاب الدولي، وضرب كل مشروع نووي آخر بالمنطقة، ويشارك الأمريكيون في هذه النزعة العدوانية التي تتخذ أبعادا دينية.
ضرب التجارب النووية العربية
لم يتورع الإسرائيليون عن قصف المفاعل النووي العراقي عام 1981 بالطائرات المقاتلة، واغتالوا في باريس عالم الذرة المصري الدكتور يحيى المشد الذي كان يشرف على المشروع العراقي الذي تم القضاء عليه، كما اغتالوا الكثير من علماء الذرة العرب والمسلمين.
بعد غزو العراق في مارس/ آذار 2003 وإسقاط نظام الرئيس العراقي صدام حسين والتدمير الهائل لهذا البلد العربي الكبير استسلم الرئيس الليبي معمر القذافي تحت التهديد، وقرر وقف مشروعه النووي الذي بدأ منذ سبعينيات القرن الماضي بمعاونة عالم الذرة الباكستاني عبد القدير خان، ووافق القذافي في ديسمبر/ كانون الأول 2003 على تفكيك المنشآت النووية وتسليمها للأمريكيين، وتم تحميل المعدات وأجهزة التخصيب والوثائق والأبحاث على سفينة نقلتها إلى الولايات المتحدة، وبعدها تجمدت المشروعات ولم يكتمل مشروع واحد حقيقي.
لم تتمسك الدول العربية بحقها في امتلاك التكنولوجيا النووية، وهروبا من المسؤولية أمام الشعوب بدأ القادة العرب في الجامعة العربية يطالبون بإخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل، وهو مطلب غير جاد، يصب لصالح الإسرائيليين، إذ يبقي على السلاح النووي الإسرائيلي الذي تحميه الولايات المتحدة ولا يمكن انتزاعه، ويلزم الدول العربية بالتنازل عن حقها النووي.
الموقف العربي الخائف من ولوج العصر النووي كان مرتبطا بحالة الهزيمة الاستراتيجية، لكن التطورات على الساحة ستجبر أكثر من دولة عربية وإسلامية على تغيير موقفها، فإفلات المشروع النووي الإيراني من التدمير وتصدع الغطرسة الإسرائيلية بسبب التورط في حروب أكبر من قدرتها، وتراجع القوة الأمريكية؛ ستدفع بتغيير الاستراتيجيات للدفاع عن الذات والنجاة، في أخطر مرحلة يعيشها العالم الآن بسبب الصراع على الزعامة بين أقطاب متعددة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق