آخر كلام
النظام الرئاسي الموسّع والدولة المعاصرة... ومخطط التطبيع
من الأهمية بمكان أن نفهم لماذا السلطة المركزة تمنح الأفضلية للنظام الرئاسي، ذلك أن هذا النظام يوفر ديناميكية حيوية في تعزيز قوة سلطة الحكم بالدولة وقدراتها على اتخاذ القرارات المصيرية بلا عوائق، بل هو يعتبر نظاماً أقدر على حقن الدماء ومنع الفوضى والتنازع في الدولة، ولعل عبارة سلطة الحكم القوية مرادفة للنظام الرئاسي ولصيقة به لما يحققه من قوة واستقرار للدولة، ولن تجد في تاريخ الأمم وحضاراتها أظهر من تلك الحقيقة، وأما الشورى والمشاورة والديموقراطية والمشاركة الشعبية فهي آليات لتمكين وتعظيم سلطة الحكم، التي تتجمع تالياً لتكون القوى الفاعلة في إحداث التغيير والسطوة والتطوير، ولا يكاد نظام سياسي قديم أو حديث، ديني أو علماني، ديموقراطي أو دكتاتوري، فردي أو جماعي، برلماني أو رئاسي، يخلو من تلك الحقيقة التي صنعت التاريخ وأقامت أمماً وامبراطوريات ودولاً عظمى وأرست حضارات، وهذا النموذج من الأنظمة لا يخلو من قوة وتحكُّم، وربما يحتاج إلى تضحيات لإقامته، وربما أرواح تزهق ودماء تُراق للحفاظ على قوته.
وتبقى الحقيقة واحدة لا تختلف، وهي أن قوة سلطة الحكم هي ضمان حقن الدماء، والنظام الرئاسي باختلاف نماذجه وتخريجاته، فقط هو الذي يحقق قوةً واستقراراً للدولة، مع وضع محاذيره وإحاطته بالضمانات المناسبة لعدم صيرورته استبدادياً، والتاريخ كما هو الواقع المعيش والمُشاهد اليوم خير برهان ودليل على ذلك.
ولا شك في أن الأنظمة السياسية - على اختلاف أشكالها وطبيعتها ومسمياتها - تحصر السلطة في نهاية المطاف بيد شخص واحد، مثل رئيس الوزراء أو الملك أو الرئيس، أو عدد محدود من الأشخاص وإن تسمّت بغير اسم النظام الرئاسي، بل حقيقتها أنها أحد نماذجه المباشرة أو غير المباشرة... وللحديث تتمة.
هل تختار دول عربية أخرى التطبيع؟!
خرج المبعوث الأميركي الخاص للرئيس ترامب للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، أخيراً بتصريح للإعلام قائلاً:
«هناك دول ستنضم لاتفاقيات إبراهام في الشرق الأوسط، وسيكون بعضها مفاجأة كبيرة»!
ما نلمسه من مواقف عربية متراجعة عن الدفاع عن القضية الفلسطينية، والتي بدأت بفكرة الاكتفاء بإقامة دولة فلسطينية على أراضي ما قبل 1967، ثم التراجع خطوات أخرى بالدخول باتفاقيات سلام مع الكيان الصهيوني واحدة تلو الأخرى، وغمض عيونهم عن حقيقة توجهات هذا الكيان الذي يرغب في أن يستولي على الدول العربية واحدة تلو الأخرى، ثم التراجع خطوات أخرى إضافية بقبول اعتداءات، بل واستيلاء متتالٍ على أجزاء من الدول العربية، بل وتدمير عدد آخر منها، والاكتفاء ببيانات التنديد والشجب، ثم التراجع بخطوات أكثر بعدم الوقوف بحزم في وجه العدوان الصهيوني الذي وصل إلى مراحل الإبادة الجماعية والتهجير والتجويع، الأمر الذي حرّك أنظمة مختلفة في أوروبا وأميركا الجنوبية وإفريقيا، لأخذ مواقف مقاطعة، بل وعقابية للكيان الصهيوني وإغلاق السفارات ومقاطعة اقتصادية له ووقف الاستثمارات معه، نجد أنه لم تقع دولة عربية واحدة بمقاطعة اقتصادية أو طرد السفراء أو غلق السفارات أو أي إجراءات عقابية أياً كان نوعها وحجمها، بل وجدنا بعض الدول العربية تدعم تهجير أهل غزة بصورة مباشرة أو غير مباشرة، والأسوأ هو أن تكون هناك دول عربية أخرى تصطف في طابور التطبيع مع الكيان الصهيوني، حسب تصريح ويتكوف، رغم ما يرتكبه هذا الكيان المجرم من إبادة وتدمير وتهجير وتجويع في غزة، ورغم توسُّعه على حساب بعض الدول العربية، مثل لبنان وسورية، ودنوّه من الحدود الأردنية، ونواياه الخبيثة باحتلال الدول العربية!
فهل يوجد منطق للتطبيع معه، في حين أن معاقبته ومقاطعته والحذر منه هو ما ينبغي أن تقوم به، لا أن تقوم بالتطبيع؟!
الأمل معقود على الدول العربية المناهضة للتطبيع، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، أن تُفشل هذا المخطط الخبيث للحيلولة دون ذلك التطبيع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق