السبت، 12 يوليو 2025

العدالة الدولية في قبضة البلطجة الأمريكية

 العدالة الدولية في قبضة البلطجة الأمريكية

د عز الدين الكومي 


ما جدوى نظام دولي يخاف من واشنطن؟
في مشهد يتكرر بوقاحة سافرة، تتعرض المقررة الأممية الخاصة بحالة حقوق الإنسان في فلسطين، السيدة فرنشيسكا ألبانيز، لهجمة أمريكية منظمة، تبدأ بالتحريض العلني وتنتهي بالتهديد المباشر، لمجرد أنها تجرأت على قول الحقيقة:
إن ما يحدث في غزة ليس فقط حربًا، بل جريمة ضد الإنسانية تُرتكب أمام الكاميرات وعلى مرأى العالم. 
لكن ألبانيز ليست وحدها. فقد سبقتها المدعية العامة السابقة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، التي فُرضت عليها عقوبات أمريكية بسبب تحقيقاتها في جرائم حرب ارتكبها جنود أمريكيون في العراق وأفغانستان. 
ثم جاء كريم خان، الذي ما إن اقترب من توجيه الاتهام لقادة الاحتلال الإسرائيلي، حتى بات هو الآخر تحت تهديدات مقصلة العقوبات الأمريكية.
نظام دولي مشلول… والبلطجة تحكم
ما جدوى نظام دولي ترتعد مؤسساته أمام تهديدات دولة واحدة؟ 
كيف يمكن لمجلس الأمن، والمحكمة الجنائية الدولية، والأمم المتحدة أن تؤدي دورها في إرساء العدالة، إذا كانت تخشى العقوبات الأمريكية أكثر مما تخشى فقدان مصداقيتها أمام شعوب الأرض؟
لقد تم تقويض مبدأ “المساءلة الدولية” بشكل كامل، حين أصبحت واشنطن قادرة على خنق كل من يجرؤ على تطبيق القانون ضد جنودها أو حلفائها.
ردود الفعل: صمت مهين وعدالة تُترك وحدها
اللافت، والمثير للغضب، هو ردود الفعل الدولية الباهتة إزاء فرض العقوبات على ألبانيز. لم تصدر إدانات صريحة من قادة كبار، ولم تُعقد أي جلسة طارئة في الأمم المتحدة، ولم تُتخذ إجراءات تضامنية حقيقية.
البيانات القليلة التي صدرت – إن وُجدت – كانت أقل من أن تُسمى “مواقف”، وأشبه باعتذارات خجولة لا تليق بحجم العدوان الأمريكي على موظفة أممية محمية بالقانون الدولي.
هكذا تُترك ألبانيز وحدها في مواجهة الغطرسة الأمريكية، كما تُرك قبلها خان وبنسودا. 
ولا عزاء للعدالة حين يصبح الدفاع عن حقوق الإنسان تهمة، والسكوت عن الظلم فضيلة.
ازدواجية المعايير: عنوان المرحلة
ترفع الولايات المتحدة شعارات “حقوق الإنسان، العدالة، المحاسبة، دعم الديمقراطية”، لكن سلوكها الفعلي يعكس عكس ذلك تمامًا.
فحين يتعلق الأمر بفلسطين أو العراق أو أفغانستان، تتحول العدالة الدولية إلى “ملوخية”، كما يسخر الناس من تلك الانتقائية الفجة في تطبيق المبادئ.
أمريكا تُفرغ النظام الدولي من مضمونه
ما يحدث اليوم ليس مجرد تهديد لمسؤولة أممية، بل هو تهديد لهيبة النظام الدولي برمّته.
الولايات المتحدة تستخدم نفوذها السياسي والاقتصادي لفرض منطقها، حتى في ملفات العدالة، التي يُفترض أن تكون محايدة ومستقلة.
إذا كانت المحكمة الجنائية الدولية تُبتز ويُهدَّد مسؤولوها، فكيف يُنتظر منها أن تحاكم مجرمي الحرب؟
وإذا كانت التقارير الحقوقية تُقابل بالعقوبات، فما الفرق بينها وبين تقارير دعائية مدفوعة؟
العدالة انتقائية… لأن واشنطن تريدها كذلك
الولايات المتحدة لا ترفض المحكمة الجنائية الدولية لأنها ظالمة، بل لأنها قد تطبق العدالة يومًا ما عليها أو على من تحميهم.
هكذا، تتصرف كقاضٍ وجلّاد، تقرر من هو المذنب ومن هو الضحية، وتفرض العقاب أو تمنحه، وفق مقاييس لا علاقة لها بالقانون أو بالعدالة.
وختامًا: عندما تخشى العدالة الدولية سطوة أمريكا… فاعلم أن العالم في خطر
التهديدات الأمريكية لمسؤولي العدالة الدولية، وردود الفعل الدولية الباهتة، ليست مجرد حادثة عابرة، بل كشفٌ مخزٍ لواقع نظام دولي لم يعد يحمي إلا الأقوياء.
وإذا لم تجد فرانشيسكا ألبانيز من يحميها، فهل يمكن لأي ضحية في غزة أو ميانمار أو السودان أن تحلم بالعدالة؟
حين تُخنق العدالة باسم الديمقراطية، ويُرهب القضاة باسم الحرية، فاعلم أن النظام الدولي قد فقد آخر أوراق شرعيته

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق