الثلاثاء، 16 سبتمبر 2025

العدوان البربري على الدوحة وأهمية تشكيل رأس للعالم الإسلامي

العدوان البربري على الدوحة وأهمية تشكيل رأس للعالم الإسلامي



الهجوم الإسرائيلي على قطر نقطة تحول كبرى في العداء الذي يواجه العالمين العربي والإسلامي، فالأطماع الإسرائيلية لن تقف عند غزة وإنما هناك رغبة في السيطرة على كل المنطقة، ويعلن نتنياهو هو وأركان حكومته أنهم لن يترددوا في ضرب أي عاصمة ترفض الخضوع للهيمنة الصهيونية، ويتوهم مجرم الحرب أنه سيعيد رسم الخرائط ويزيد من حدود الكيان لإقامة “إسرائيل الكبرى” متوعدا الجميع بالقصف، ولا احترام لسيادة أي دولة.

لم يترك نتنياهو أي باب مفتوحا أمام قادة الدول العربية والإسلامية للهروب من المواجهة، فهو يخيرهم بين الاستسلام أو قصف عواصمهم، وهو كالمجنون الذي يمسك ببندقية ويطلق الرصاص على كل من حوله، ويسانده في مواقفه الرئيس الأمريكي ترامب الذي يبدو من التطورات في غزة أنه أكثر عدوانية من الإسرائيليين، وأن الولايات المتحدة متورطة في الحرب التي تتوسع بمزاعم حماية إسرائيل!

إن إقدام نتنياهو على قصف لبنان وسوريا وإيران واليمن ثم قطر بزعم القضاء على قيادة حماس، والتهديد بتوجيه ضربات لتركيا ومصر ودول أخرى يدل على اليأس والتخبط، فهذا الجنون دليل على الضعف وليس القوة، وهو ينسف كل ما أنجزه سابقوه منذ عام 1948، ويلغي عقودا من التطبيع والتعاون مع دول الجوار التي وفرت الحماية له والحراسة، ويؤدي إلى القطيعة والمواجهة التي ستنتهي بحصار الكيان وقطع الحبل السري الذي يبقيه على قيد الحياة.

عجز إسرائيلي عن حسم المعارك

يظن نتنياهو أنه باستخدام طائرات الشبح وحفنة من الصواريخ يستطيع استعباد شعوب ومحو حضارات، وهذا وهم كبير، فهذا المهزوم الغارق في أوحال غزة منذ عامين أمام ثلة من الشباب الفلسطيني بأسلحة بسيطة غير قادر على تحقيق أي انتصار في معارك جديدة، وربما يمكنه فتح جبهات ولكن لكل قوة عسكرية حدودا، وعند نقطة معينة من الغطرسة يبدأ الانهيار الكبير وخسارة كل شيء.

ربما يكون الخذلان العربي قد شجع نتنياهو ومن يقف خلفه على المضي في طريق العدوان إلى آخره، لكن التحولات الكبرى بسبب الصدمة من جرائم الإبادة ومشاهد المجاعة الرهيبة التي يديرها الإسرائيليون بدعم ترامب غيرت الكثير؛ فاليوم لا يستطيع أي حاكم عربي أن يضع يده في يد مجرم الحرب في السر أو العلن، ولن تتسامح الشعوب مع أي حكومة متواطئة، وأصبحت الشرعية لمن يقف مع غزة، وستنزع الشرعية ممن يتخاذل، وهذا التغير في الموقف العربي شاهدناه ولو بشكل نسبي في قمة الدوحة، ولكنه البداية.

قمة الدوحة: إسرائيل عدو

رغم عدم صدور قرارات عملية في قمة الدوحة ضد الاحتلال الإسرائيلي، فإن مواقف زعماء الدول العربية والإسلامية الذين حضروا تختلف عن القمم السابقة؛ ففي هذه المرة لم يجرؤ أحد على إدانة حماس والمقاومة الفلسطينية وطوفان الأقصى كما اعتادوا، وإنما كان الاتهام موجها بشكل صريح ومباشر لنتنياهو والمطالبة بمحاكمته، والجديد أيضا هو وصف الكيان الصهيوني بأنه “عدو” وأن الحكومة الإسرائيلية المتطرفة متعطشة للدماء وهي التي تمارس الإرهاب الدولي.

أجمع قادة 57 دولة عربية وإسلامية على الوقوف مع قطر، وأدانوا العدوان الإسرائيلي والمحاولة الفاشلة لاغتيال قادة وفد حماس المفاوض في الدوحة، وهو الاعتداء الذي تجاوز كل الحدود، واعتبروا أن الهجوم يمثل “عدوانًا على جميع الدول العربية والإسلامية”، ويمثل “تصعيدًا خطيرًا يعرّي عدوانية الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، ويضاف إلى سجلها الإجرامي”، وأعلنوا الرفض الكامل والمطلق للتهديدات الإسرائيلية المتكررة بإمكانية استهداف دولة قطر مجددا، أو أي دولة عربية أو إسلامية.

بعد غياب لعقود منذ كامب ديفيد؛ عاد الحديث عن مفهوم “الأمن الجماعي والمصير المشترك للدول العربية والإسلامية وضرورة الاصطفاف ومواجهة التحديات والتهديدات المشتركة”، وكان واضحا من كلمات قادة الدول العربية والإسلامية استخدم اللغة والمصطلحات الحادة في إدانة الاحتلال الإسرائيلي والتخلي عن التردد المعتاد، حتى وإن كان ذلك بدافع تحسين الصورة أمام شعوبهم فإن هذه الجرأة تؤكد أن الغضب الشعبي العام يضغط عليهم ويحاصرهم، وهذا تطور إيجابي.

المطلوب تشكيل رأس للعالم الإسلامي

يريد الإسرائيليون توسيع الحدود وابتلاع المزيد من الأراضي، وتخويف المحيط العربي والإسلامي، والنيات الإسرائيلية معلنة، وهي توسيع النفوذ بالقوة المسلحة، وتنصيب إسرائيل زعيمة للمنطقة بالإرهاب والتلويح بتوجيه الضربات لأي عاصمة ترفض الخضوع لنتنياهو، ومع الدعم الأمريكي المطلق فلا قانون دولي ولا نظام أممي، وكأننا عدنا إلى قانون الغاب.

من الواضح أن الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي مشلولتان، ولم يعد ممكنا اتخاذ قرارات عملية لمواجهة ما هو قادم؛ بسبب طريقة صدور القرارات بالتوافق، فهذا النهج هو الذي أفسد المنظمتين، وهو الباب الذي يجعل عددا من الدول التي تخضع للهيمنة الأمريكية وتلك المرتبطة بـ”إسرائيل” تعرقل وتفشل أي توجه عربي أو إسلامي لاتخاذ مواقف تليق بحجم التحديات.

الخذلان الذي شاهدناه منذ بداية طوفان الأقصى يقتضي أن تسعى الدول الإسلامية الكبرى المؤيدة للحق الفلسطيني بإخلاص لتأسيس تحالف إسلامي جديد لإدارة الصراع، والاستعداد للعدوان الاستباقي الذي يقوده نتنياهو للتوسع في كل الاتجاهات، وتشكيل رأس سياسي وعسكري للعالم الإسلامي، تكون نواته الأولى تركيا ومصر وقطر وباكستان، وينضم إليهما بعد ذلك المزيد من الدول المفيدة وتُستبعَد الدول المعطلة.

الجبهات المفتوحة سترتد على نتنياهو

أزمة صناع القرار العربي أنهم عاشوا في وهم السلام ولم يستعدوا للحرب، وظنوا أنهم بالتطبيع مع الإسرائيليين والتحالف مع الأمريكيين يكونون في مأمن، ولهذا تورطوا في البداية في إدانة المقاومة الفلسطينية ودخلوا في حروب مع التيارات الإسلامية للتقرب للصهيونية سواء كانت يهودية أو مسيحية، حتى وجدوا أنفسهم وجها لوجه مع الغدر والقوة النارية التي لن ترحم أحدا.

لقد استطاع نتنياهو بحماقته أن يوقظ القوة الكامنة، التي ظن أنها ماتت، وكشف لكل ذي عقل أن مطلب استسلام حماس ونزع سلاحها مجرد بداية للمطلب الكبير وهو استسلام العرب والمسلمين دون خوف من السلاح الأمريكي الذي يمتلكونه والذي ثبت في الهجوم على الدوحة أنه لا يعمل.

رب ضارة نافعة، ورب عدوان لا يكسرنا وإنما يقوينا؛ فالهجوم على الدوحة سيكون هو الصاعق الكهربي أو الشرارة الصادمة التي تعيد الروح للجسد الميت، وتوقف حالة الانهيار الاستراتيجي، وسيدفع نتنياهو ثمن جرائمه وسترتد عليه الجبهات المفتوحة مع دخول عناصر قوة جديدة استخف بها، لنرى نهاية لهذا الجنون المسلح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق