الاثنين، 10 يونيو 2013

انتحار 30 يونيو بأسبقية الحجز


انتحار 30 يونيو بأسبقية الحجز
وائل قنديل

إذن فقد اختاروا الذهاب إلى الجحيم فوق جسور الحشد والكراهية، كل قرر إحراق مراكبه بعد الوصول إلى نقطة الصدام ناسفا أى فرصة للعودة، فتخير ما شئت من الهلاك: أن تفعلها على الطريقة اللبنانية فتحرق وتحترق وتقتل وتنتحر وتقضى على ما تبقى من ملامح للحياة.. أو تذهب إلى السيناريو الجزائرى فتفتتح حصاد الأرواح بدون حد أقصى.

إنهم يتأنقون فى ثياب من اللغو المهترئ استعدادا للذهاب إلى عرس الدم، يطلقون الرصاص على كل دعوة لحوار إنسانى متحضر، يعفى المواطن البسيط من أن يلقى مصير الأرانب التى تموت فوق العشب تحت أقدام أفيال متصارعة، لا يشغلها البشر ولا العشب الأخضر، فكل ما يهمها أن تقتل خصمها وتلقى بجثته فى النهر.. النهر الذى بات مهددا هو الآخر ويواجه مصيرا أكثر بؤسا.

لقد عاشت الجزائر عقدا كاملا من القتل والعنف حصد أكثر من 200 ألف قتيل لأسباب لا تبتعد كثيرا عما يتجمع فى الأفق السياسى المصرى الآن، حين تم الانقلاب على حصيلة انتخابات 1991 التى فازت بها جبهة الإنقاذ الإسلامية، فتدخل الجيش لإلغاء نتائجها، وبعدها أطلت على المشهد الجماعات الإسلامية الأكثر تشددا ودخلت البلاد أتون صراع مسلح، لم يتوقف عند ضرب الأهداف الحكومية والمدنية فقط بل امتد فيما بعد لاستهداف جبهة الإنقاذ الإسلامية الأكثر اعتدالا أيضا.

إن الفارق بين الجزائر ومصر أن الجيش المصرى أعلن احترامه لشرعية الانتخابات ولفظ كل الدعوات الهستيرية للانقلاب، غير أن آلة الشر لم تتوقف عن محاولات جره إلى المستنقع، وحسب مثقف جزائرى كبير دارت بينى وبينه دردشة سريعة فإنه يرى أن «الطموح عند الطرفين هنا وهناك مختلف فى تصورى، ولا أرجو تشابها عندكم، والمؤسف أن المعارضة تتصرف بحماقة لا حدود لها وتواجه أخطاء السلطة بالخطايا، وربنا معكم».

قلت له إن الجزائر انزلقت إلى العنف حين جرى الانقلاب على نتائج الانتخابات، فقال «لم تكن القضية رفضا لإقرار شرعية الانتخاب ولكنها كانت حماقة القيادات الإسلامية التى أعطت الفرصة لمن يريد نسف التجربة الإسلامية.

وعندما رفع التيار الإسلامى شعار «لا ميثاق ولا دستور»، «قال الله وقال الرسول» وراحوا يعلنون توجههم للقضاء على معالم الدولة ومؤسساتها بغباء منقطع النظير انقض اللائكيون (أصحاب نظرية أن الدين مسألة شخصية ولا دين للدولة) على الفرصة التى اعتبروها انقلابا على الدستور، وهكذا تم تحرك مضاد يصر أصحابه على أنه كان لإجهاض الانقلاب المرتقب، ولا أعتقد أن الجيش المصرى سيقع فى هذا الفخ».

وفى ظل هذه الرغبة الجامحة فى السباحة بمستنقعات العنف يبرز شبح المصير اللبنانى البائس، خصوصا مع التصعيد الملحوظ فى نبرة من كنا نفترض أنهم عقلاء، برفع السقف إلى إسقاط الرئيس المنتخب ونظامه، الأمر الذى يوفر غطاء منطقيا وسياسيا لأصحاب الحشد المضاد..

وليس مقبولا عقلا أو منطقا هنا أن تدعو لإسقاط الرئيس بكل الوسائل ثم تطالب من يختلف مع توجهك بأن يلزم بيته ولا يتدخل بحجة الأسبقية فى الدعوة للخروج إلى الشارع حتى الإطاحة برئيس ونظام لهما مؤيدون كثر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق