عن الجزيرة وشعبيتها بعد ثورة سوريا
ياسر الزعاترة
في وقت تشير دراسة نشرت قبل أيام لشركتي إبسوس وسيغما بأن الجزيرة تتقدم بنسبة 38 في المئة على جميع القنوات الإخبارية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لا يزال كثير من أنصار النظام السوري على تنوع ولاءاتهم وانتماءاتهم ودرجة انحيازهم يصرون على أن المحطة الأشهر في العالم العربي قد فقدت بريقها.
والحال أن من يشاهد قناة الدنيا والإخبارية السورية، ويعتبرهما مرجعا في الأخبار، ويؤمن بمصداقية إعلام يموله رامي مخلوف، ومعه إيران في سوريا ولبنان مثل الميادين، هو آخر من يمكنه الحديث عن المصداقية والمهنية، فضلا عن الحيادية، اللهم إلا إذا كان يتحدث إلى طائفة من المغفلين، وليس البشر العقلاء.
وفيما كانت الثنائية التي يماري فيها كثيرون سابقا تتعلق بالجزيرة والعربية والتنافس بينهما، فقد جرى الحديث عن هبوط متابعة المحطتين من قبل القوم إياهم، ودائما بسبب عدم مهنيتهما في التعاطي مع الملف السوري، وبالطبع نظرا لأن العربية لم تعتد على الوقوف إلى جانب قضايا الشعوب، بقدر ما تعكس هواجس مموليها، فضلا عن اللون الأيديولوجي للقائمين عليها، وإن كانت هواجس الممول هي التي تحدد هوية المديرين.
هل تتعامل الجزيرة (لندع العربية نظرا لفارق التوجه) بمهنية وحيادية مع الملف السوري؟ الجواب هو (لا) كبيرة، وهي لم تتعامل بالمهنية أيضا، لا مع الثورة المصرية ولا التونسية، ولا اليمنية ولا الليبية، فهي تعلن بلسان الحال، لا بلسان المقال انحيازها لخيارات الشعوب، بدليل أن مموليها كانوا الأكثر قربا من نظامي بشار الأسد ومعمر القذافي، وترددوا قبل اتخاذ الموقف منهما، لكنهم ما لبثوا أن حسموا الموقف لصالح الشعوب، ما يعني أن الفضيحة هي فضيحة أولئك الذي صفقوا للثورات قبل سوريا، وحين وصلت لحليفهم الإستراتيجي انقلبوا على أنفسهم واعتبروها جميعا مؤامرة كونية لصالح الإمبريالية والصهيونية.
للتذكير فقط، فقد كان هذا الفريق الذي يصرخ ويندب من غياب المهنية والحيادية في الجزيرة دائم التهليل لها بسبب مواقفها في الصراع العربي الإسرائيلي (خلا استضافة إسرائيليين)، وكذلك في قضايا الأمة الأخرى مثل احتلال العراق، ولم يكن يومها يتحدث عن مهنية ولا عن حيادية، بل كان يحيي ذلك الانحياز ويعتبره ميزة للمحطة، وهي كذلك بالفعل، لأن شيئا لم يمحنها ذلك الحضور في الوعي الشعبي كما هو حال انحيازها لقضايا الأمة والشعوب، أكثر بكثير من القدرات المهنية والإخبارية على أهميتها، ولو كفت الجزيرة عن الانحياز للشعوب وثوراتها وقضاياها لتركها الناس، أو أكثرهم في أقل تقدير.
النقطة الوحيدة التي يأخذها أولئك على الجزيرة، وتنطوي على بعض المصداقية هي تلك المتعلق بتغطية حراك البحرين.
ونكرر حراك البحرين، لأن معارضة البحرين تؤكد دائما أنها لا تريد الإطاحة بالنظام، أي أنه حراك يشبه حراكات أخرى في أكثر من دولة عربية، وهو بالتأكيد له مطالب مشروعة، على خلاف حول تفاصيلها، لكن من قال إن الجزيرة متحللة تماما من التزامها السياسي حيال مموليها الذين لهم حساباتهم في الحالة البحرينية، وهي حسابات (لها شق مذهبي) يشارك فيها كثيرون في الشارع العربي، لاسيما بعد موقف إيران وحلفائها في العراق، وتاليا من الثورة السورية (هل يصدق أحد أن وقوف إيران وحلفائها إلى جانب بشار لا صلة له بالبعد المذهبي؟!).
مع ذلك، لا تعتم الجزيرة تماما على الحراك في البحرين، وهي تأتي بأخباره حين يكون هناك ما يلفت الانتباه، فيما نرى أن إعلام إيران وحلفائها لا يستحي من الوقوف بالباع والذراع ضد الثورة السورية، فضلا عن تشكيكه بكل تجليات العربي العربي، وصولا إلى الوقوف ضد الرئيس المرسي رغم كونه رئيسا منتخبا.
لو وقفت الجزيرة بحيادية في الملف السوري لسقطت في أعين الجماهير، ولربما تبعا ذلك بقيت ذات مصداقية عند حفنة من اليساريين والقوميين (ليسوا جميعا)، والطائفيين بألوانهم المتعددة، ولكنها اختارت الغالبية التي تعيش جراح الشعب السوري الذي يواجه مجرما يسانده أقوام أكثرهم بلا أخلاق، ولا حس إنساني.
ومن يتحدثون عن النفط والغاز بكثير من الخفة، يتجاهلون ملايين إيران التي تتدفق على كثيرين، مؤسسات وأفراد وجمعيات ومراكز، وهي بالمناسبة أكثر سخاءً في شراء الذمم، مع أن بعضهم يلتقي في هواه معها لحساباته الخاصة في بعض الأحيان، فيما لا يفعل آخرون إلا لأن “من يدفع للزمار يطلب اللحن الذي يريد”، ولن يقبض أحد حكاية المهنية والحيادية التي يحاولون بيعها على الناس بثوب من الفذلكة والأونطة واللعب بالبيضة والحجر.
هل ندافع عن الجزيرة؟ نعم. ليس لأننا نظهر على شاشتها، بل لأنها مع الشعوب، ونحن مثلها، بل إننا بكل وضوح ضد المهنية والحيادية في قضايا الدم والثورات. وإلا هل كانت بي بي سي محايدة في قضايا الأمن القومي البريطاني، أو القنوات الأمريكية في قضايا الأمن القومي الأمريكي؟!
في سوريا، سقط كثيرون في الوحل، وتبدت عورات كانت تختفي خلف شعارات ثورية وعروبية ويسارية.
والحمد لله أننا احتفظنا بالجزيرة، وبعض الإعلام المنحاز لقضايا الأمة، ولو انحاز ممولوها لعلاقتهم القوية مع بشار، لخسرناها هي أيضا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق