السبت، 8 يونيو 2013

هل تخلَّى السودان حقًا؟


هل تخلَّى السودان حقًا؟

فهمي هويدي
لا أريد أن أصدق أن السودان تخلَّى عن مصر فى موقفها من قضية سد النهضة الإثيوبى.
وإذا صح الخبر الذى نشرته صحيفة الشروق أمس (الجمعة 7/6)، فإن ذلك سيكون بمثابة الفشل الثانى لمصر بعد فشلها فى احتواء الموضوع من البداية مع إثيوبيا، الأمر الذى ينبهنا إلى أن ثمة ثغرة خطيرة فى قنوات الاتصال مع الخارج، حتى فيما يخص الأمن القومى المصرى، وهذه الثغرة ينبغى أن تحدد أولا ثم تعالج بمنتهى السرعة والحزم ثانيا.
لقد تحدثت صحيفة الشروق فى تقريرها على صدر الصفحة الأولى أمس عن نقاط محددة فى الموضوع فى مقدمتها ما يلى: إن الخرطوم اتخذت خطوات غير معلنة بإعادة جميع أنشطتها فى مبادرة حوض النيل دون التشاور مع مصر ـ إن مصر معتمدة بشكل أساسى فى صياغة موقفها على التنسيق مع السودان.
 ولذلك فإن لديها تخوفات من أية مفاجآت تصدر عن الخرطوم ـ إن ثمة خلافا بين البلدين كان يدور فى الغرف المغلقة إلا أن الطرفين كانا يخرجان بموقف مشترك فى نهاية المطاف.
ونقل التقرير المنشور عن مصدر سودانى انتقادا للموقف المصرى تحدث عن نقطتين:
الأولى أن القاهرة لا تزال تعامل السودان باعتباره الشقيق الأصغر.
والثانى أن السد (الإثيوبى) له منافعه بالنسبة للسودان ويجب أن تضع مصر تلك المنافع فى حسبانها، قبل التخوف من افتراض نقصان حصتها من المياه.
لم يتسن لى التأكد من دقة هذه المعلومات.ولذلك سأظل عند تحفظى إزاءها. مكررا أنها «إذا صحت» فهى تعنى عندى أشياء كثيرة.
وقبل أن أسجل ما لدىَّ فى هذا الصدد أنبه إلى عدة أمور منها ما يلى:
ـ أنه لا ينبغى أن تكون لمصر مشكلة فى العلاقات بين الجارتين السودان وليبيا. وهذا ما سبق أن قلته أكثر من مرة، ليس فقط لأن الدول الثلاث تمثل أضلاع المثلث الذهبى التى يعد تكاملها شرطا لنهضتها، ولكن أيضا لأن تلك إحدى بديهيات الدفاع عن الأمن القومى المصرى.
ـ إن العلاقات الإيجابية بين الدول ـ حتى إذا لم تكن متجاورزة ــ لا يشترط لإنجاحها الاتفاق فى كل ما هو معلق بينها من ملفات وقضايا. لكنها تقوم حين يتوافر الاحترام المتبادل فيما بينها وحين يدرك كل طرف بأن له مصلحة فى التعامل مع الطرف الآخر. وتقاس الحكمة السياسية لدى الطرفين بمقدار قدرتهما على تحقيق المصالح والمنافع حتى فى ظل استمرار الاختلاف بينهما.
سيكون مدهشا وصادما أن تكون مصر قد فوجئت بتغيير الخرطوم لموقفها ــ أكرر إذا صح الكلام المنشور ــ تماما كما فوجئنا بالتطورات التى حدثت فى إثيوبيا. 
ذلك أن ما أفهمه أن مثل هذه الملفات المتعلقة بالمصالح العليا والأمن القومى للبلد لا تترك للمفاجآت، ولكنها تحتل موقعا خاصا لدى أجهزتها السياسية والأمنية، ويتفرغ لعلاجها وإجراء الاتصالات بشأنها أناس يجرون الاتصالات ويجمعون المعلومات ويحللونها، ويضعون التوصيات والخيارات أمام جهة القرار السياسى.
وكفاءة تلك الأجهزة تقاس بمقدار قدرتها على التنبؤ وتصويب المسار بحيث تجنبنا أمثال تلك المفاجآت التى تمس المصالح العليا. وهذه بدورها بديهيات فى العمل العام، يبدو أننا بحاجة إلى التذكير بها.
إن ما بين مصر والسودان علاقات لها خصوصية شديدة، تتجاوز بكثير حكاية الشقيقة الكبرى والشقيق الأصغر ــ وهذه الخصوصية إذا أخذت على محمل الجد فإنها تهيئ مناخا من الثقة والفهم يجنب كل طرف أن يفاجأ بسلوك أو موقف غير متوقع من الطرف الآخر. باعتبار أن انفتاح قنوات التواصل السياسية والأمنية يحول دون حدوث أمثال تلك المفاجآت.
الأسوأ من المفاجأة السودانية أن تكون تلك القنوات قد أضعفت أو عانت من القطيعة والانسداد. بين القاهرة والخرطوم. وذلك إذا كان قد حدث مع الأقربين فلا يستبعد حدوثه مع الأبعدين، الأمر الذى يعنى أن الأمن القومى للبلد فى خطر محقق.
إننى أتصور أن يكون ملف المياه والعلاقات مع السودان ودول حوض النيل فى عهدة فريق عمل من الخبراء السياسيين والأمنيين الذين يقومون بالمهام التى أشرت إليها توا. وحين نفاجأ بخطوة سلبية مثل تلك التى تحدثت عن تغير موقف الخرطوم، فذلك يعنى أحد أمرين إما أن ذلك الفريق غير موجود أصلا، وهو ما أستبعده، أو أنه فشل فى مهمته وهو ما ينبغى أن نتداركه. على الأقل من خلال إسناد الملف لمن هم أقدر على إدارته بنجاح.
 الاحتمال الثالث والأتعس أن يكون ذلك الفريق قد قام بما عليه، ولكن القرار السياسى أجّل حسم الموضوع، كما حدث فى حالات أخرى، الأمر الذى يضعنا أمام مشكلة كبرى تحتاج إلى كلام أكبر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق