الأم وابنتها من «حرائر الإسكندرية».. وما زال الأب ينتظر عودتهما
الإسكندرية- الأناضول
لم يكن أحد من أفراد تلك الأسرة المصرية يتخيل أن يدخل قسم شرطة إلا لاستخراج أوراق رسمية في عمل روتيني عادة ما يكون ثقيلا على نفوس المصريين، فكيف الحال إذا وصل رب الأسرة إلى أبواب المحكمة، يتطلع إلى قفص المتهمين بحثا عن رفيقة عمره، وابنته الصغرى التي تناهز الـ15 عاما، واللتين أصبحتا في غمضة عين، ضمن "حرائر الإسكندرية" المحكوم عليهم بعدة أعوام.
و"حرائرالإسكندرية"، تسمية أطلقها مصريون تعاطفوا مع قضية 21 فتاة من مؤيدات مرسي، حكم على 14 منهن الأربعاء الماضي بالسجن لمدة 11 عاما وشهر واحد، وإيداع سبع فتيات أخريات دور الرعاية الاجتماعية، لكونهن أقل من السن القانونية (18 عاما).
في منزل الأسرة، وعلى بعد أمتار من غرفة الابنة الصغرى والتي رتبتها الأم "سلوى" قبل أن تذهب مع ابنتها "رضوى" للتريض بعدما نصحها الطبيب بضرورة ممارسة رياضة المشي لتقوية عضلة قلبها الضعيف، جلس رجل أربعيني يتصفح صور زوجته وابنته اللتين قمن بتوديعه قبل مغادرتهما المنزل والقبض عليهما بتهم غريبة هي: التجمهر وإثارة الشغب وإحداث تلفيات بواجهة أحد العقارات وحيازة سلاح أبيض!
يروي الأب "رمضان عبد الحميد"، ويعمل فني أسنان، أحداث "اليوم المشؤوم" كما يسميه: "لسنا ننتمي لأي فصيل سياسي، ولا نحن منتمون لجماعة الإخوان المسلمبن، لكنه القدر قاد زوجتي وابنتي إلى ذلك المكان عندما أخبرتني "سلوى" بأنها ستذهب للسير على البحر بصحبة ابنتي في وقت مبكر حتى تقوم بتنشيط عضلة القلب، عملا بنصيحة طبيبها الخاص، وأثناء ذلك مرت مظاهرة أمامهم ولم يتوقعوا أن تكون المظاهرة في الساعة السابعة صباحا، حاولوا أن ينتقلوا إلى عكس الطريق في اتجاه آخر كي يبتعدوا عن المظاهرة لكن قوات الأمن كانت أسرع منهم وألقت القبض عليهم".
وقالت سلوى بحسب محاميها في نص التحقيق: "أنا مريضة قلب، والطبيب أوصاني بالتمشية يوماً لتنشيط عضلة القلب، ورأيت أمامي مظاهرة بها فتيات وشباب فأخذت ابنتي من يدها حتى نبتعد، وعندما هممنا بالتوجه للجهة المقابلة قبضت علينا قوات الأمن".
يتابع "عبد الحميد" وهو يغالب دموعه ويحدق في صور زوجته وابنته على شاشة الحاسوب الذي لم يفارقه خلال حواره مع الأناضول: "شعرت أن هناك خطأ ما، نعم هناك شيء خطأ وسأذهب إلى هناك وأوضح للأجهزة الأمنية أن أسرتي لا علاقة لها بالمظاهرات وهذه الأمور، وسيتركوهما تعودان معي، كنت متأكدا أنني سأذهب وأحضرهما حتى لا تبقيا وحدهما".
"عبد الحميد" الذي كان يجمع بين ابتسامة تشبه إلى حد كبير ابتسامة زوجته التي اشتهرت بها داخل القضبان الحديدية، وبين تلك الدموع التي ترفض التراجع، قال: "كل يوم يمر كان بالنسبة لي صدمة جديدة .. وأمل جديد .. كنت أقول غدا سيعرفون الحقيقية .. لكن يوم الحكم شعرت بصدمة جديدة، وتكسر بداخلي قيمة من قيمي ومعتقدا من معتقداتي أمام أعيني، كنت أعتقد أن هناك تحريات تُجرى، وأن الأجهزة الأمنية مهنية وستتوصل إلى أننا لا ننتمي لأي تيار، بغض النظر ليبرالي ديني علماني أو أي تيار من تلك التيارات التي نسمع عنها .. كان سيعرفون ووقتها يطلقون سراح زهرتي عمري".
مع السكون الذي ساد منزل الأسرة، والهدوء السائد في الحي الذي يعيش فيه بحي "ستانلي" بالاسكندرية، قال عبد الحميد: "أبسط شيء يسألون في المنطقة بأكملها، ليس في شارعنا فقط، لكن في محيط شغلي أيضاً، سيعرفون أننا لا علاقة لنا بأي عمل من الأعمال المقبوض عليهم بسببها زوجتي وابنتي".
الأب الذي طغى الحزن على نبرات صوته، وجد دمعه يتساقط رغما عنه ليسرد معه تفاصيل كانت تزيده بكاء: "مشكلتي مشكلتان .. زوجتي وابنتي .. الاثنتان في وقت واحد .. محاكمتهما في وقت واحد .. كنت مضطراً أن أحضر مع ابنتي لأنني ولي أمرها .. حضرت مع ابنتي ولم أستطع الحضور مع زوجتي في محاكمتها .. لم أستطع أن أكون معها .. وبعد وصولي متأخرا رأيتها تبحث عني زائغة العينين ثم تحركت لتقف في آخر القفص عندما لم تجدني ... كان رغما عني".
الاعتذار الذي كرره "عبد الحميد" وهو يتحدث عن زوجته لعدم قدرته على حضور محاكمتها صحبه قلق على زوجته المريضة.. "زوجتي مريضة بالقلب وقدمت طلبات ليقوموا بالكشف عنها فريق طبي تابع للسجن، والحمد لله النيابة تعاطفت معنا وحولتها وكشفوا عليها في السجن .. لكن الإجراءات الروتينية بالها طويل وقلق عليها جدا ..
زوجتي لو فكرت المشاركة في المظاهرة لا تستطيع أن تقوم بتكسير حجارة .. زوجتي مريضة ولا تستطيع أن تأخذ نفسها بسهولة .. تتعب بسرعة .. وكذلك ابنتي لو رأت شبابا وفتيات على البحر تظل تلعب معهم وليس لها في المظاهرات ... الحكم كان قاتلا وصادما جدا" ..
ولم يعد عبد الحميد قادرا على متابعة الحديث، بدأ يتمتم بكلمات متفرقة: "من المسؤول .. أفكر في هذا السؤال من لحظة القبض عليهم .. هل أنا المسؤول؟ هل أخطأت عندما سمحت لزوجتي بالسير في الشارع؟ والله العظيم لو حددوا لنا أي مكان للسير سنسير فيه .. نحن ملتزمون بالقانون جدا .. هل أخطأت عندما وافقت أن تتريض على شاطئ البحر .. هل كان يجب علي أن أتوقع مظاهرة في السابعة صباحا؟ ألم تكن المظاهرات بعد صلاة الظهر؟ كيف كنا سنعرف؟".
عبد الحميد استنكر أن تكون تكلفة تلفيات العقار، بحسب تحريات النيابة ومعاينتها، تقدر بـ 50 جنيهاً(أقل من 10 دولار)، وفي موضع آخر 1500 جنيه (أكثر من 200 دولار)، متسائلاً: هل يعقل ان تحبس بنات فى سن15 عاما وأخريات لايتعدين ال 23 عاما 11 سنة سجن بسبب تلفيات تقدر ب"50" جنيها!
ووجهت المحكمة للفتيات الـ14 تهم التجمهر واستخدام القوة والانضمام إلى جماعة مخالفة لأحكام القانون، والترويج بالقول والكتابة لفكر الجماعة، وحيازة منشورات وتوزيعها وإتلاف مدخل أحد العقارات والإرهاب.
يتساءل الزوج معلقا على هذه التهم: "لا أعرف من أين جاءت هذه القوة؟ كنا نحاول نسندها فقط كي تكمل معنا يوم أو اثنين.. حية بيننا .. أي أسلحة تلك في حين أن ورق القضية لا يتحدث عن وجود سلاح من أي نوع، يقولون زوجتي وابنتي تجمهرتا وتعديتا على الناس .. كيف يحدث هذا والمتظاهرون أنفسهم قالوا لزوجتي وابنتي "أخذوكم معنا بالخطأ .. ليس لكما ذنب".
"عبد الحميد" الذي لم يعد يعلم ماذا يقول، تابع: "كان لدّى أمل أن يبذل الأمن مجهودا أكبر، ولا يتعبوني معهم 30 يوما أبحث وأدور هنا وهناك بحثا عن ابنتي وزوجتي، أعلم ربما يكون تواجه الأجهزة الأمنية ضغطا كبيرا، لكن لو بذلوا مجهوداً أكبر بدلا مما فعلوه بنا .. القضاء نفسه كنت أتمنى ألا يكون حكمه قاسيا هكذا .. ولو افترضا أن زوجتي وابنتي اشتركتا في المظاهرة وحاولتا التعبير عن رأيهما بشكل سلمي، لكنهما في النهاية لم تفعلا أيا من التهم الموجهة إليهما".
ورغم أن تلك الأسرة الصغيرة قضت سنوات عجاف في السعودية حيث كان يعمل الزوج والأب "عبد الحميد" هناك، وعادت عام 2007 لتستقر نهائيا بمصر، غير أن ما يواجهونه اليوم لم يدفع الأب للندم على العودة لأرض الوطن قائلا: "مازلت أحب مصر وأشعر أني فداها وأسرتي .. ليس كلاما للدعاية لكن أتمنى أن يحافظوا علينا ولا يقضوا علينا بسهولة .. لا أعرف إلى أين يدفعوننا .. نحن نحب بلادنا ومازال لدى أمل كبير في خروج أسرتي قريبا ويسع الوطن الجميع".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق