الخميس، 5 ديسمبر 2013

النصيرية نموذج للاختراق الباطني في الفكر الإسلامي

النصيرية نموذج للاختراق الباطني في الفكر الإسلامي

مهند الخليل 
1/2/1435 هـ

إذا كانت دراسة أفكار الطوائف الضالة والفرق الهدامة ومعتقداتها والرد عليها من أهم الأعمال، فإن دراسة الطائفة النصيرية تبدو في هذا العصر أكثر أهمية، نظراً لتمكن هذه الطائفة لأول مرة في تاريخها من تسلم مقاليد الحكم في بلد إسلامي أصيل-سوريا-، يمتاز بموقعه الإستراتيجي المهم ومتاخمة أرضه لفلسطين التي يحتلها العدو الصهيوني.

إن الدارس لتاريخ هذه الطائفة يتوقع في كل لحظة أن تسلم بلاد الشام لهذا العدو، تبعا لما عُرِفوا به خلال تاريخهم من ترحيب بكل مستعمر، وتسليم أرض المسلمين لكل غازٍ، وتواطؤ مع كل عدو من أعداء أمتنا.
 وإن القصور والتقصير في دراسة أمثال هذه الفرق، يعتبر من أهم أسباب الاختراق الباطني الخطير للفكر الإسلامي.

الدراسة التي ألَّفها الدكتور الحسين بن محمد شواط، تناولت الطائفة النصيرية في عقائدها وتطوراتها منذ نشأتها حتى العصر الحاضر، وذلك في تمهيد وخمسة أبواب وخاتمة، تناول الباحث في التمهيد نشأة الفرق الباطنية في الإسلام بشكل عام، جاعلاً اليهودي عبد الله بن سبأ على رأس مؤسسي الفرق الباطنية، وأول من نادى بها ودعا إليها، وهو ما يؤكد الدور اليهودي الكبير في النسيج الباطني، بل إن الحركة الباطنية ما هي إلا إفراز يهودي صليبي ضد الإسلام.

أما الباب الأول من الدراسة
فتناول فيه الباحث تاريخ النصيرية، فنسبتهم لمحمد بن نصير النميري الذي توفي 270هجرية، إذ سميت النصيرية نسبة لاسمه كما تسمى النميرية، والفرقة كما هو معروف من غلاة الشيعة، أما اسم العلويين الذي يحاول كثير من الكتاب تسمية الطائفة به لمحو جرائم النصيرية وحقيقتهم فمكشوف ومفضوح، فمن المعلوم تاريخياً أن المستعمرين الفرنسيين هم من أطلقوا هذا الاسم على الدويلة التي اقتطعوها لهم، وأنه لا وجود لهذا الاسم في تاريخ الطائفة أبداً.
تناوب على رئاسة الطائفة وزعامتها بعد مؤسسها محمد بن نصير النميري الكثير منهم: عبد الله بن محمد الجنبلاوي وحسين بن حمدان الخصيبي والميمون الطبراني وغيرهم، وفي العصر الحديث وفي أحضان ومباركة الاستعمار الفرنسي، أنشأ كل من زكي الأرسوزي النصيري من لواء الاسكندرونة، والنصراني ميشيل عفلق حزب البعث، الذي اتخذه النصيرية غطاء لتحركاتهم وتنفيذ أطماعهم، حيث استطاع الحزب القفز على السلطة والاستيلاء عليها بمساعدة الغرب الاستعماري في 8 آذار /مارس 1963م، ثم أقام حكماً ديكتاتورياً في سوريا ما زال مستمراً حتى قامت الثورة السورية المباركة عام 2011م، والتي ما زالت مستمرة حتى الآن.
لقد قامت هذه الطائفة باسم حزب البعث بخيانة عظمى بحق الإسلام والمسلمين، حيث سرحوا قيادات الجيش ذات الخبرة الطويلة، وسلموا الجولان بلا قتال إلى العدو الصهيوني المحتل، حيث كان حافظ الأسد وزير الدفاع يومئذ وتولى إذاعة بيان سقوط الجولان قبل أن يراها الجندي اليهودي فضلاً عن أن تطأها قدمه، وجزاء له على فعلته هذه أعطي حكم سوريا لينفذ مؤامرة صليبية صهيونية عالمية.
وتناولت الدراسة جانباً خطيراً من الاجتماع السري الأول للطائفة النصيرية الذي عقد بالقرداحة عام 1960 م، وقد ضم مشايخ الطائفة وكبار الضباط، وعلى رأسهم محمد عمران وصلاح جديد، وكان الهدف الرئيسي لهذا الاجتماع الاتفاق على كيفية انخراط الضباط النصيريين في صفوف حزب البعث، واستغلاله للوصول إلى الحكم، وتم تكليف مشايخ الطائفة على حث أبنائها للانخراط في الجيش للسيطرة عليه.
في الباب الثاني من هذه الدراسة تناول الباحث عقائد النصيرية، حيث يؤلهون علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويعتبرون أن علياً هو الإله أو أن الإله قد تجسد في علي، ويصفونه بصفات الألوهية فيقولون: (أشهد أن لا إله إلا علي بن أبي طالب) – تعالى الله عما يفتري الظالمون –
أما الأنبياء فكل نبي لا بد له من معنى، والمعنى هو الذي يمتلك القدرة، فيزعمون أن الاسم يعقوب والمعنى يوسف، وهكذا حتى يصلوا إلى القول الأثيم: محمد الاسم وعلي المعنى، ويقول النصيريون بقِدَم العالم، وينكرون البعث والحشر، والصلوات الخمس عندهم رمز لمحمد وفاطمة والحسن والحسين ومحسن، والصوم هو حفظ السر، بينما ترمز الزكاة لسلمان الفارسي، كما يعتقدون بتناسخ الأرواح من بدن لآخر، إلى آخر تلك العقائد الباطلة.
أما بالنسبة لتعاليم النصيرية، التي تناولها الباحث في الباب الثالث من هذه الدراسة، فتوجد خلاصة وافية لهذه التعاليم في كتيب صغير بعنوان: (كتاب تعليم الديانة النصيرية) ومنه مخطوط بالمكتبة الأهلية بباريس، وهو على طريقة السؤال والجواب،
 مثال:
 1- من الذي خلقنا؟؟ ج: علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، وقد أورد الباحث على هذا المنوال 100 سؤال وجواب مما هو موجود في هذا الكتيب، إضافة لبعض القداسات التي تشبه قداس النصارى، كقداس الطيب لكل أخ حبيب، وقداس الأذان وغيرها.
يحتفل النصيريون ببعض الأعياد منها: عيد الغدير في غرة ذي الحجة، وهو عيد للشيعة عامة، نسبة إلى ما يزعمون أنه تنصيب علي خليفة في غدير (خم)، وعيد الفراش حين نام علي في فراش النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة، وعيد عاشوراء والنوروز والمهرجان والميلاد.
في الباب الرابع ذكر الباحث فرق النصيرية، حيث تقسم إلى أربعة طوائف: الحيدرية والشمالية والكلازية أو القصرية والغيبية، ومن أهم المؤلفين الذين أثَّروا في التراث الكتابي للنصيرية: المفضل الجعفي المتوفى سنة 180 هجرية، وأبو شعيب محمد بن نصير النميري، ومحمد بن الجنبلاني، وميمون الطبراني، ومن أهم المؤلفات الحديثة كتاب (تاريخ العلويين) لمؤلفه أمين غالب الطويل، والذي طبع عام 1924، ولهم حياة اجتماعية مخالفة تماما لتعاليم الإسلام.
في الباب الخامس والأخير يذكر الباحث حكم الإسلام في هذه الطائفة، فيورد فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية الطويلة المشهورة، ونذكر منها: (هؤلاء القوم المسمون بالنصيرية هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية أكفر من اليهود والنصارى، بل وأكفر من كثير من المشركين، وضررهم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من ضرر الكفار المحاربين).
ثم يذكر الباحث آراء بعض العلماء المعاصرين في هذه الطائفة وبعض فتاويهم إن وجدت، كفتوى الشيخ محمد الحامد حيث كان ينبه من خطورة هذه الطائفة ويقول: هؤلاء حاولوا اغتيال صلاح الدين ثلاث مرات، وتسللوا إلى غرفة نومه وكادوا يفتكون به،
كما ذكر الباحث رأي الشيخ محمد الغزالي رحمه الله في هذه الطائفة، والأستاذ صالح العشماوي، والشيخ عبد العزيز بن باز، والأستاذ جابر رزق.
وبذكر أهم نتائج الدراسة واستنتاجاتها، وواجب المسلمين في مواجهة هذه الطائفة يختم الباحث هذه الدراسة المهمة الخطيرة، نظراً لعمق البحث وكثرة المعلومات التي أوردها الباحث وأهميتها، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين كل خير، وما أحوج المكتبة الإسلامية لمثل هذه الدراسات التي تتناول ما استجد في شؤون هذه الفرق والطوائف، ولا تكتف بما هو موجود في أمهات الكتب والمؤلفات السابقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق