نخبة تصرعلى نحر الأمة
تتصف النخبة في أي مجتمع عادةً بأنها تقود الناس نحو الأفضل، لأنه تتكون من صفوة أهل الفكر وأرباب القلم، الأمر الذي يجعلها الجهة الأكثر تأهيلاً لتشخيص مَوَاطِن الخلل، واستشراف آفاق التغلب عليها، والحاضنة الذكية لمقومات وجود الأمة وخصائص هويتها.
هذا ليس تنظيراً وإنما هي سنة ربانية ماضية وحقيقة موضوعية مؤكدة، تسري على سائر الأمم في كل زمان وكل مكان، نجدها في المستجيبين السباقين لدعوات الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام، ولا تتنكر لها مسيرة النهوض لدى الأمم التي لم تعرف أنوار الوحي، أو عرفتْه مشوهاً ومحرفاً عن مواضعه.
ونعني بالتشابه هنا دور الصفوة وليس مقارنة المجاهدين لنصرة الهداية الربانية مع غيرهم من أصحاب الدعوات الأرضية بقضها وقضيضها وخيرها القليل وشرها الكثير..
ولعل المثل العربي العريق: الرائد لا يكذب أهله، يجسد تلك الحقيقة الساطعة.
إلا أن مأساة أمة الإسلام في العصور الأخيرة، تكمن في إقصاء النخبة المخلصة الصادقة، وفي تنصيب نخبة خائنة صدئة، جرى فرضها عنوة في سياق تحالف بائس بين الغزاة الكفرة والطغاة المحليين الذين صنعهم المحتل على عينه عندما اضطر إلى الرحيل صاغراً مدحوراً.
والعجيب أن هذه النوعية الفاسدة تسللت إلى حاشية حكام بعض البلدان التي نجاها الله تعالى من درن الغزو الصليبي، نتيجة ظروف غير طبيعية تتعلق بضغوط خارجية تتخفى وراء أقنعة الشعارات البراقة، كما تتصل بسوء سياسات الابتعاث وبحكم قدرة هؤلاء المتغربين على المداهنة على طريقة: يتمسكن حتى يتمكن، وبتأثير القراءة الخاطئة عند الحكومات لعلاقتها مع شرائح المجتمع المتدينة، بالرغم من أن أهل العلم يرومون الإصلاح ولا يتطلعون إلى السلطة، ولا يتربصون بأهل الحكم الدوائر مثلما يفعل المتغربون ترقباً لساعة ملائمة لانقضاضهم على الحاكمين واجتثاثهم في منتهى القسوة والهمجية...
وما تجارب أفغانستان بين ظاهر شاه وانقلاب داود عليه، ومأساة ألبانيا على يد الملك الأرعن أحمد زوغو، ونهاية العائلة الهاشمية المالكة في العراق، إلا نماذج تؤكد صحة تحليلنا الموضوعي.
وفي الوضع الراهن، يمكن قراءة الحالة الخليجية باعتبارها تجسيداً لهذا الوضع الشاذ.
فالنخبة المتغربة في هذه المنطقة، استطاعت الإساءة إلى كثير من حكوماتها من خلال اصطناع شرخ عمودي بين الحاكم والمجتمع المحافظ بطبعه، والمتشبث بجذوره الإسلامية.
كان المتغربون يزينون للحكومات أهمية إدخال جرعات مقننة من التغريب في التعليم والإعلام بخاصة، وضرورة الارتكاز على الغرب في حفظ الأمن الوطني لبلدانها، والتضييق على المتدينين ولا سيما بعد هستيريا 11 سبتمبر 2001م.
وكان من "نصائحها" المسمومة كذلك، إقصاء كل طابع ديني على المواجهة مع أعداء خارجيين، حتى لو كان أولئك الأعداء لا يخفون أحقادهم الدينية بل يصرون على تبنيها علانية ويحشدون شعوبهم حول مشروع ديني صريح ومحدد الأركان، من خلال إطلاق شعارات دينية تذكي الكراهية عند رعاعهم لمجتمعاتنا المسلمة، وتشتم رموزها وتحتقر تاريخها وتستخف بشعوبها وحكامها معاً، باعتبارهم "كفرة" يجب استئصالهم.
ونجح المشروع الصفوي بـ"بركة" مستشاري السوء الخليجيين أكثر مما نجح بقوته الذاتية، إذ منح الغازي الأمريكي ملالي قم العراق على رؤوس وأصرت حاشية التغريب وحدها على نكران الحقيقة المعلنة، فقدمت قراءات لا تنطلي إلا على سكارى أو مجانين..
ثم تبينت معالم المؤامرة الصليبية الصهيونية الصفوية على سوريا، منذ انطلاق الشعب السوري في ثورته على نظام عائلة الأسد البغيض..
وظلت المكابرة التغريبية على حالها، حتى إذا أصبحت المؤامرة مكشوفة للعيان راحت أبواق التغريب تختلق للتآمر اليهودي الصليبي أعذاراً مضحكة مبكية، مثل وجود مئات من المجاهدين الآتين من خارج سوريا!!
وتناسى القوم أن الأمريكان منعوا السلاح عن الجيش السوري الحر، وقوامه ضباط وجنود منشقون عن جيش الطاغية، فهم بعثيون أصلاً!!
وتعاموا عن أن ظهور بعض المجاهدين تأخر عن حظر السلاح نحو سنة كاملة..
واستغشى الدجالون ثيابهم متجاهلين تدفق عشرات الألوف من قطعان الرافضة من شتى أنحاء العالم، بما في ذلك زحف رعاع حزب اللات على مرأى الطيران الصهيوني وفي حمايته، والحرس الثوري الصفوي الرسمي!!
لكن هؤلاء الأغبياء-أو: المتغابين-هاجوا وماجوا عندما تحول زواج المتعة الصليبي الصفوي إلى زواج علني.. فراحوا يشتمون أوباما تارة، ويضخمون من "عبقرية" المجوس تارة أخرى، ويتهمون حكامهم بأنهم لم يجتثوا التدين بما يكفي من مجتمعاتهم!!!
ألم يكن تسليم العراق للمجوس الجدد من أول أيام الغزو الصليبي بقيادة صقرهم بوش الابن؟
إن غيران تتقدم وتقضم وتتغلغل لأن لديها مشروعاً توظف له كل طاقات البلد، في حين أفرغ التغريبيون بلادهم من اركان مشروعها المؤهل لإلحاق هزيمة ساحقة ماحقة بمخطط الملالي.
لقد آن الأوان للتخلص من هؤلاء حتى لو كانوا حفنة من الجهلة، مع أن أي أمة تحاكم أمثالهم ممن يتسببون لها بهزيمة أمام عدوها.
لكن مكابرة تلك الحفنة الخائنة لا تعرف الحياء، فبعضهم ما زالوا بعد الواقع الجديد الذي فاجأهم -!!!- يدعون دولهم إلى التخلي عن "الطائفية"!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق