تريد عيشا؟!(4)
تجريف الوطن
د.محمد محسوب
لم تصدمني خطبة مبارك..ولم تخدعني مشروعات الانقلاب..فكلاهما حلقات في مسلسل متواصل لتجريف وطن يئنّ..لم تبدأ الخصخصة مع صدور قانون شركات قطاع الأعمال العام (القطاع العام سابقا) سنة 1989 ، وإنما بدأت باكرا في 1982 مع تولي مبارك حكم البلاد وراثةً لا اختيارا من الشعب.. فقد كانت لدينا شركة لصناعة البطاريات السائلة والجافة (ماجد) تكفي السوق الداخلي ونصدر منها لأسواق أفريقيا..
شركة فريدة اسمها "الشركة العامة للبطاريات.. مصنعها ومقراتها كانت بشبرا الخيمة والمطرية ؛ فجأة جرى بيعها إلى شركة كلورايد ليمتد الانجليزية ، وتشريد عمّالها (400 عامل) وإهدار ما راكمته من خبرة عبر 25 سنة ، وفقدان سوق التصدير لإفريقيا.. وتسليم السوق المصري لبطاريات مستوردة.. ليست أعلى كفاءة وإنما أغلى سعرا..
بدت مغرية الصفقة الأولى.. فبدأ التحضير للمزيد.. غير إن الناصحين من حاشية الفساد أشاروا عليه بأن يقنن الموضوع بأن يخرجه في صورة نظريات اقتصادية برّاقة ويكسوه بثوب تشريعي..
في 88-89 بدأت حكومات العسكر تروّج لما أسموه (توسيع قاعدة الملكية) بمعنى بيع بعض الأسهم التي تملكها الدولة في شركات القطاع العام (وأغلبها كان مؤمما من مالكيه المصريين في الستينات) إلى رجال أعمال ؛ وكان الهدف المعلن هو توفير تمويل للمشروعات الخاسرة (وبالتالي فالبيع يكون فقط للمشروعات الخاسرة)..كما وُعد بعدم التفريط في سيطرة الدولة على تلك المشروعات بأن تبقى مالكة للأغلبية..
تطورالأمر سريعا ،، ولم ينشغل نظام الفساد بالبحث عن مبررات جديدة أمام انشغال الناس بالمواجهة التي روج لها مع إرهاب مطلع التسعينات ، فتحوّل الموضوع إلى بيع كامل لأصول الدولة الصناعية والتجارية والخدمية ، وكانت المشروعات الناجحة لا الخاسرة هي الأكثر مبيعا.. بل إن الدولة أنفقت مليارات لإصلاح شركات خاسرة تحضيرا لبيعها .. أحيانا بأقل من كلفة إصلاحها!!
مثلا شركة الدلتا للسكر كانت تمتلك مصنعا لإنتاج سكر البنجر بكفر الشيخ وآلاف الأفدنة المملوكة للشركة لإنتاج ما تحتاجه من بنجر ومعامل بحث وتطوير بالتشارك مع جامعة أسيوط ومدينة سكنية راقية وعقود بالملايين مع المزارعين.. وميزاينة رابحة تمام.. هذا المشروع لم يعرف الخسارة.. فالسكر كاملا مُتعاقد على بيعه لأعوام قادمة والإيثيل والمولاس وكل نواتج عملية التصنيع مُتعاقد على تصديرها لسنوات.. ومع ذلك بيع المشروع بحوالي مليار ومائتي مليون جنيه وهو أقل من أرباح عدة سنوات تقل عن الخمس سنوات..
كانت الدولة قد تعاقدت مع مكاتب أجنبية للتقيم.. أسقطت من حساباتها أهم العناصر الاقتصادية (كقيمة السوق المصري ذاته) .. ليصبح التقييم على أسس حسابية بحتة كقيمة الأرض والآلات والمعدات.. وأسقط كذلك تقييم العمالة وخبراتها المتراكمة.. لأن الهدف كان التخلص من العمالة لا استغلالها..
انتهت عملية الخصخصة بكارثة اقتصادية .. فجيوش من العاطلين غزت الشوارع.. وخبراتنا الصناعية جرى تبديدها.. وغالبية الشركات التي تم خصخصتها جرى تفكيكها للاستفادة من بيع الأراضي المقامة عليها.. والأمثلة كثيرة كشركة المراجل.. وربما الأهم من ذلك أن ماكانت تملكه الدولة من أصول انتقلت ملكيته لشركات مملوكة بالكامل أو تسيطر عليها شركات أجنبية.. ولم يعد لدى الدولة سوى بعض مشروعات قليلة متعثرة تعيش على الدين.. ولم ينمُ في الدولة المصرية عبر 30 سنة سوى أجهزة الأمن وأدوات قمع الشعب..
تحدثت التقارير الدولية عن عمولات مذهلة تسربت إلى جيوب مسئولي الدولة ومنظومة فساد النظام أدت إلى تكوين طبقة من الرأسمالية الانتهازية التي تستفيد من السلطة وتغذيها في ذات الوقت..
بدت مغرية الصفقة الأولى.. فبدأ التحضير للمزيد.. غير إن الناصحين من حاشية الفساد أشاروا عليه بأن يقنن الموضوع بأن يخرجه في صورة نظريات اقتصادية برّاقة ويكسوه بثوب تشريعي..
في 88-89 بدأت حكومات العسكر تروّج لما أسموه (توسيع قاعدة الملكية) بمعنى بيع بعض الأسهم التي تملكها الدولة في شركات القطاع العام (وأغلبها كان مؤمما من مالكيه المصريين في الستينات) إلى رجال أعمال ؛ وكان الهدف المعلن هو توفير تمويل للمشروعات الخاسرة (وبالتالي فالبيع يكون فقط للمشروعات الخاسرة)..كما وُعد بعدم التفريط في سيطرة الدولة على تلك المشروعات بأن تبقى مالكة للأغلبية..
تطورالأمر سريعا ،، ولم ينشغل نظام الفساد بالبحث عن مبررات جديدة أمام انشغال الناس بالمواجهة التي روج لها مع إرهاب مطلع التسعينات ، فتحوّل الموضوع إلى بيع كامل لأصول الدولة الصناعية والتجارية والخدمية ، وكانت المشروعات الناجحة لا الخاسرة هي الأكثر مبيعا.. بل إن الدولة أنفقت مليارات لإصلاح شركات خاسرة تحضيرا لبيعها .. أحيانا بأقل من كلفة إصلاحها!!
مثلا شركة الدلتا للسكر كانت تمتلك مصنعا لإنتاج سكر البنجر بكفر الشيخ وآلاف الأفدنة المملوكة للشركة لإنتاج ما تحتاجه من بنجر ومعامل بحث وتطوير بالتشارك مع جامعة أسيوط ومدينة سكنية راقية وعقود بالملايين مع المزارعين.. وميزاينة رابحة تمام.. هذا المشروع لم يعرف الخسارة.. فالسكر كاملا مُتعاقد على بيعه لأعوام قادمة والإيثيل والمولاس وكل نواتج عملية التصنيع مُتعاقد على تصديرها لسنوات.. ومع ذلك بيع المشروع بحوالي مليار ومائتي مليون جنيه وهو أقل من أرباح عدة سنوات تقل عن الخمس سنوات..
كانت الدولة قد تعاقدت مع مكاتب أجنبية للتقيم.. أسقطت من حساباتها أهم العناصر الاقتصادية (كقيمة السوق المصري ذاته) .. ليصبح التقييم على أسس حسابية بحتة كقيمة الأرض والآلات والمعدات.. وأسقط كذلك تقييم العمالة وخبراتها المتراكمة.. لأن الهدف كان التخلص من العمالة لا استغلالها..
انتهت عملية الخصخصة بكارثة اقتصادية .. فجيوش من العاطلين غزت الشوارع.. وخبراتنا الصناعية جرى تبديدها.. وغالبية الشركات التي تم خصخصتها جرى تفكيكها للاستفادة من بيع الأراضي المقامة عليها.. والأمثلة كثيرة كشركة المراجل.. وربما الأهم من ذلك أن ماكانت تملكه الدولة من أصول انتقلت ملكيته لشركات مملوكة بالكامل أو تسيطر عليها شركات أجنبية.. ولم يعد لدى الدولة سوى بعض مشروعات قليلة متعثرة تعيش على الدين.. ولم ينمُ في الدولة المصرية عبر 30 سنة سوى أجهزة الأمن وأدوات قمع الشعب..
تحدثت التقارير الدولية عن عمولات مذهلة تسربت إلى جيوب مسئولي الدولة ومنظومة فساد النظام أدت إلى تكوين طبقة من الرأسمالية الانتهازية التي تستفيد من السلطة وتغذيها في ذات الوقت..
كما إن تراكم الثروة بيد أهل السلطة جعلها تبحث عن طرق لتهريبها وتدويرها وتعظيمها.. وهو ما جعل مصر منافسا هاما على المستوى الدولي في الفساد المقنن والتجريف الممنهج لثروة البلاد..
وبمجرد الانتهاء من بيع المشروعات السمينة ، تحول النظام بشبكة فساده إلى حالة من الشره جعله يبحث عن كل ما له قيمة في الدولة المصرية لاعتصاره وتدويره لمصلحته ، فجرى تخصيص ملايين الأفدنة لأبناء النظام وأعضاء شبكته بأثمان بخسة حتى تحولت سواحل مصر شرقا وشمالا ، بل وشواطئ النيل إلى غابة من الأبنية اختفى خلفها البحر والنهر ولم يعد لأبناء مصر أن يرو بحرا وأن يمتعوا نواظرهم بمشهد النيل في القاهرة أو الجيزة إلا إذا كان بجيوبه ثمن ذلك..
لكن الجشع ، ليس له حدود ، فتحوّلت غيلان الفساد في خلايا النظام إلى سرطانات تتغذى على كل ما له قيمة ، فلما حوصرت المشروعات الخاصة التي تخرج عن سيطرة النظام وهيمنته ، واضطر المصريون أن يودعوا أموالهم في البنوك ، ولم تجد البنوك طريقة لاستثمارها بسبب تراجع الاستثمار الخاص لغير أبناء النظام ؛ وبضغوط من السلطة اضطرت البنوك إلى إقراض المليارات لنفس أبناء منظومته ، والتي لم تُستغل كاملة داخل البلاد..
وبمجرد الانتهاء من بيع المشروعات السمينة ، تحول النظام بشبكة فساده إلى حالة من الشره جعله يبحث عن كل ما له قيمة في الدولة المصرية لاعتصاره وتدويره لمصلحته ، فجرى تخصيص ملايين الأفدنة لأبناء النظام وأعضاء شبكته بأثمان بخسة حتى تحولت سواحل مصر شرقا وشمالا ، بل وشواطئ النيل إلى غابة من الأبنية اختفى خلفها البحر والنهر ولم يعد لأبناء مصر أن يرو بحرا وأن يمتعوا نواظرهم بمشهد النيل في القاهرة أو الجيزة إلا إذا كان بجيوبه ثمن ذلك..
لكن الجشع ، ليس له حدود ، فتحوّلت غيلان الفساد في خلايا النظام إلى سرطانات تتغذى على كل ما له قيمة ، فلما حوصرت المشروعات الخاصة التي تخرج عن سيطرة النظام وهيمنته ، واضطر المصريون أن يودعوا أموالهم في البنوك ، ولم تجد البنوك طريقة لاستثمارها بسبب تراجع الاستثمار الخاص لغير أبناء النظام ؛ وبضغوط من السلطة اضطرت البنوك إلى إقراض المليارات لنفس أبناء منظومته ، والتي لم تُستغل كاملة داخل البلاد..
ففي حالة واحدة على الأقل قام مستثمر مقرب للنظام بشراء أسهم بشركة أوربية بحوالي 15 مليار دولار دفعة واحدة جمعها كاملة من السوق المصري ، سواء تجارة أو اقتراضا..
ربما أن الخصخصة وشراء ديون الدولة وتخصيص الأراضي وعمليات الإقراض الهائلة مثلت المصادر الظاهرة لمنظومة الفساد في عهد مبارك.. رغم أن مصادر أخرى لم تكن ظاهرة للعيان مازالت في حاجة لمزيد من الدراسة لتبين حجم مساهمتها في تجريف الثروة المصرية..
جاءت الثورة فتطلع الشعب إلى تغيير سريع للأوضاع المختلة المنهارة التي تركها نظام مبارك.. غير إن الانقلاب استعاد سريعا الدولة من يد الشعب ، قبل أن تنضج أحلامه أو تكبر آماله.. كما أن الثورة والحكم في سنتها الأخيرة لم تنتبه جيدا لهذه المنظومة ولم تستعد لمواجهتها.. وكنت أشعر بالصدمة كلما رأيت من يستخف بقدرة هذه المنظومة أو حتى يشكك في حجم ما جرفته من مقدرات الوطن..
المفيد أن يدرك القارئ أن ما يراه من صراع.. ليس في حقيقته صراعا حول السلطة.. بل صراعا حول الثروة وما السلطة إلا أداة للسيطرة على تلك الثروة.. فالشعب يريد أن يسترد ثروته.. سواء من يدرك منه أن طريق ذلك أو استرداد الثورة أو من لا يهتم إلا بمعاشه.. بينما أن منظومة الفساد بجناحيها (السلطة ورأس المال) تدافع عن مكتسباتها ودولتها التي تبيض له ذهبا ولن تُفرط فيها بسهولة..
وربما أن ذلك ما يفسر أن تشريعات القهر والقمع التي سارع الانقلاب إلى إصدارها.. تعاصر معها تشريعات تقييد قدرة الشعب على مراقبة عقود الخصخصة أو عقود تخصيص الأراضي أو عقود إنشاء مشروعات.. فالانقلاب يرى أنه يتصرف في ماله..
ألم أقل لكم.. استرداد الثورة طريق لاستعادة الثروة..
ربما أن الخصخصة وشراء ديون الدولة وتخصيص الأراضي وعمليات الإقراض الهائلة مثلت المصادر الظاهرة لمنظومة الفساد في عهد مبارك.. رغم أن مصادر أخرى لم تكن ظاهرة للعيان مازالت في حاجة لمزيد من الدراسة لتبين حجم مساهمتها في تجريف الثروة المصرية..
جاءت الثورة فتطلع الشعب إلى تغيير سريع للأوضاع المختلة المنهارة التي تركها نظام مبارك.. غير إن الانقلاب استعاد سريعا الدولة من يد الشعب ، قبل أن تنضج أحلامه أو تكبر آماله.. كما أن الثورة والحكم في سنتها الأخيرة لم تنتبه جيدا لهذه المنظومة ولم تستعد لمواجهتها.. وكنت أشعر بالصدمة كلما رأيت من يستخف بقدرة هذه المنظومة أو حتى يشكك في حجم ما جرفته من مقدرات الوطن..
المفيد أن يدرك القارئ أن ما يراه من صراع.. ليس في حقيقته صراعا حول السلطة.. بل صراعا حول الثروة وما السلطة إلا أداة للسيطرة على تلك الثروة.. فالشعب يريد أن يسترد ثروته.. سواء من يدرك منه أن طريق ذلك أو استرداد الثورة أو من لا يهتم إلا بمعاشه.. بينما أن منظومة الفساد بجناحيها (السلطة ورأس المال) تدافع عن مكتسباتها ودولتها التي تبيض له ذهبا ولن تُفرط فيها بسهولة..
وربما أن ذلك ما يفسر أن تشريعات القهر والقمع التي سارع الانقلاب إلى إصدارها.. تعاصر معها تشريعات تقييد قدرة الشعب على مراقبة عقود الخصخصة أو عقود تخصيص الأراضي أو عقود إنشاء مشروعات.. فالانقلاب يرى أنه يتصرف في ماله..
ألم أقل لكم.. استرداد الثورة طريق لاستعادة الثروة..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق