الثورة السورية برعاية السيسي!
وائل قنديل
صمويل بيكيت، رائد مسرح العبث نفسه الراحل عن دنيانا عام 1989، لو كان بيننا الآن، وقلت له، إن عبد الفتاح السيسي يحتضن حوار المعارضة السورية في القاهرة، في خطوة تسخينية قبل تسليمها إلى موسكو، ربما كان سيتوقف عن كتابته العبثية، اعترافاً بأنه مجرد تلميذ أمام هؤلاء الرواد الجدد لمدرسة هي مزيج مدهش بين العبثية السياسية والعدمية الثورية.
خرج رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، من لقاءاته بالسلطة المصرية، قبل يومين، بإعلان صريح عن توافق مصري عراقي على دعم بقاء نظام بشار الأسد مع العمل على إيجاد حالة تعايش بينه وبين المعارضة السلمية، كما قالت صحيفة الأهرام المصرية.
تفاصيل اللوحة العبثية تقول، إن نظامين نجحا بامتياز في صناعة حالة إقصائية استئصالية، أدت إلى مجازر ومذابح على الهوية، يصعدان إلى المسرح، لتقديم دور تصالحي بين نظام أكثر منهما دموية والثورة التي قامت ضده منذ أربع سنوات، سقط خلالها نحو ثلاثمائة ألف شهيد، ناهيك عن ملايين المشردين في المنافي.
ينتحر المنطق، حين يحتفي أحد باستضافة صانعي مجزرة بحجم رابعة العدوية معارضي نظام يشبهه في القتل، يحاورهم بالبراميل المتفجرة، ويتوقع حلولاً محترمة للمأساة السورية، خصوصاً إذا علمنا أن محور الحركة الدبلوماسية في المنطقة، حاليّاً، هو موضوع الحرب على الإرهاب، بكل ما يكتنفه من حقائق وأوهام، إذ تحت لافتة "داعش"، تدور عملية استدعاء كل حركات المقاومة العربية، المرتبطة بالإسلام السياسي، لوضعها على لوائح التصفية، فتصبح "حماس"، مثلاً، خصماً وضيفاً ثقيلاً على النظام الرسمي العربي، في الوقت الذي تفتح فيه الأبواب على مصاريعها أمام قيادات الكنيست والحاخامات.
وبالطبع، لا يمكن أن تلوم معسكر الثورات المضادة على تشبثه بالفرص التاريخية المجانية التي يوفرها نظام دولي وإقليمي، لابتلاع كل ثورات الربيع العربي، لكنك لا تستطيع أن تكتم دهشتك من أولئك الثوار الذين يوافقون على المسير في قافلة "الترقيع" التي تمضي بوصاية أميركية وإلحاح إسرائيلي، وأمامهم التجربة البائسة في ليبيا.
دخول القاهرة وموسكو على خط استدراج المعارضة السورية لفخ المفاوضات لن يأت بنتائج مختلفة عن مآلات الوضع الليبي، وأزعم أن كل الجهد الروسي المصري، الآن، يصب في قناة صناعة حالة "حفترية" سورية، تهدر نضال أربع سنوات ضد فظاعات نظام الأسد.
وليس أكثر مدعاة للاستغراب أن يتم، بالتوازي مع إعلان استضافة القاهرة المعارضة السورية، الكشف عن تسليح وتدريبات برعاية أميركية لما يطلق عليها "معارضة مسلحة معتدلة"، وهذا ما يجعلك أمام نسخة من السيناريو الليبي، مع الوضع في الاعتبار أن "أسد سورية" لا يزال موجوداً، ويتمتع برعاية إقليمية واضحة.
انطلقت ثورات الربيع العربي من لحظة استثنائية في التاريخ، امتزج في الكل في واحد، ولا يمكن لمحلل أن يرد هذا الانفجار الشعبي إلى تيار أيديولوجي، أو فصيل سياسي بذاته، كونه كان تفاعلاً نادراً بين كل أشكال الحلم بالتغيير تجاور فيها اليسار مع اليمين، وانصهر فيها الإسلامي بالقومي.
ولذا، لم يكن غريباً أن تعتمد الثورات المضادة في مشروعها على قطع خطوط الاتصال بين مكونات الربيع، ثم اصطناع حالة احتراب بين شركاء الحلم، تستغل الدولة العميقة غبارها الكثيف للتسلل، مرة أخرى، لإعادة الماضي في صورة أبشع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق