الأحد، 11 يناير 2015

كم سوريًا ينبغي أن يتجمد؟


كم سوريًا ينبغي أن يتجمد؟

فهمي هويدي
كم سوريًا ينبغي أن يتجمد من البرد؟ وكم فلسطينيا ينبغي أن يلحق بسكان البيوت المدمرة في غزة، لكي يستيقظ الضمير العربي ويمد إليهم يد الإغاثة والعون؟
ــ وهل نستطيع أن نقول بأنه حين تجمد هؤلاء بسبب الصقيع والبرد، فإن قلوب ملايين العرب تجمدت بدورها، فما عادت تحركها صور الأطفال المجمدين، ولا صور أهاليهم الباكين الذين أعجزهم الصقيع حتى عن دفنهم.
وما عادوا يستشعرون الذنب حين يطالعون منظر كبار السن وهم يرتعشون ويذرفون الدموع، من شدة البرد والجوع، بعدما ضربت الرياح الثلجية خيامهم. حتى أوقعتها فوق رؤوسهم ولم يستطيعوا لها دفعا.
قبل يومين قرأت عن الطفلة رهف أبو عاصي التي لم تحتمل البؤس في غزة، فماتت من شدة الجوع والبرد بعد شهرين فقط من ولادتها، قرأت في الوقت نفسه، عن الطفل السوري ابن السنوات الثماني الذي تجمد من البرد في شبعا، وعن الأطفال الخمسة الذين لقوا ذات المصير في دوما بريف دمشق.
وتلك أخبار صارت يومية وروتينية حتى بدت وكأنها حوادث عادية، وإذ صرنا نطالع تلك الأخبار يوما بعد يوم، فإن التقارير باتت تحمل إلينا صورا مفزعة وصادمة من المخيمات المقامة على الحدود، بين سوريا وبين كل من الأردن والعراق ولبنان وتركيا، وهي لا تختلف كثيرا في مضمونها عن التقارير التي تخرج من قطاع غزة ومعاناة أهله الذين دمر الإسرائيليون بيوتهم حتى تركوا عشرات الآلاف منهم في العراء لإذلالهم والتنكيل بهم.
أدري أن نكبات العرب تعددت في هذا الزمان، إلا أن نكبة السوريين والفلسطينيين أكبر من غيرهم، للأسف فإن الفلسطينيين كانوا سباقين حيث نكبوا بالاقتلاع والطرد من جانب الإسرائيليين منذ عام 48 حتى الآن، ثم نكبوا برموزهم الذين فرطوا في قضيتهم ونسقوا مع عدوهم، ونكبوا مرة ثالثة بأشقائهم الذين أداروا ظهورهم لهم وشاركوا في حصارهم وإذلالهم، أما السوريون فإن نكبتهم المستمرة منذ أربع سنوات تسبب فيها نظام أبدي استعدادا مدهشا لإفناء الشعب السوري وتدمير البلد كله، مقابل استمرار احتكاره للسلطة، ولم يتوقف سعيه ذاك طوال تلك المدة، مستعينا ببعض الأشقاء والحلفاء.
لا نستطيع أن نصف الصمت العربي إزاء ذلك بأقل من أنه نكبة أخرى، بل فضيحة تاريخية، حيث ما خطر ببال أحد أنه يمكن أن يتعايش ملايين من العرب الذين يعانون من البرد والجوع، جنبا إلى مع ملايين آخرين من العرب ينشغلون بالمهرجانات الغنائية وسباقات الإبل وحروب الانتحار الداخلية.
لم نسمع أن الجامعة العربية دعت إلى اجتماع لشحذ همة الدول الأعضاء لكي تقوم بواجبها إزاء الفلسطينيين والسوريين، 
لم نسمع أن الهلال الأحمر العربي ولا منظمات الإغاثة في الأقطار المختلفة استنفرت ونظمت حملات لتوفير الاحتياجات للمنكوبين ولإعمار قطاع غزة، 
لم نسمع عن تحرك للنخب المهتمة بالتضامن العربي أن رفعت صوتها منادية بإيقاظ النائمين وتنبيه الغافلين، لكي يؤدي المجتمع العربي واجبه إزاء الخطر الحال والكارثة المحدقة.
لا أستطيع أن أتجاهل أن بعض الجهات أسهمت في الإغاثة ولكن إسهامها كان دون المطلوب، وألتمس العذر للذين حاولوا إيصال بعض المعونات إلى المحاصرين ولكنهم منعوا من ذلك، وهو ما اعتبره موقفا مشينا وعارا لن ينسى ولن يغفر، كما أننا لا نستطيع أن نقلل من شأن حملة الإغاثة التي تقدمها المنظمات التركية، إلا أن الحمل يظل أكبر وأثقل مما تستطيع القيام وحدها به.
في هذا الصدد، فإننا لن نستطيع أن نعاتب أو نلوم المنظمات الإغاثية العالمية، لأن هناك أكثر من رد يسكتنا ويخجلنا، ليس فقط لأن هناك تقصيرا عربيا في إغاثة الفلسطينيين والسوريين، ولكن لأن بعض الدول النفطية القادرة على العطاء والعون أصبحت تفضل الإنفاق بسخاء على دعم الثورة المضادة للربيع العربي في أكثر من بلد، وتقدمه على جهود إغاثة الإنسان العربي لإبقائه على قيد الحياة.
الخلاصة أنه يتعين علينا أن نعترف بأنه ما عاد للعرب نظام أو كيان نطالبه بأن يقود حملة لإنقاذ السوريين والفلسطينيين المشردين والمهددين بالموت. 
أيضاً ما عاد للعرب كبير نخاطبه وندعوه لأن يتحمل مسؤوليته إزاء أشقائه الأصغر منه، وما عاد لهم مجتمع مدني يعبر عن ضمير الأمة وآلامها، بوسعه أن يضغط على أصحاب القرار ويطالبهم بتحمل مسؤوليتهم التاريخية في التخفيف من عذابات أبناء الأمة الذين جار عليهم الزمن، بل ما عادت في العالم العربي منظمات إغاثية قادرة على التعبئة والحركة، بعدما عصفت السياسة بالأنشطة الأهلية وقامت بتأميمها وتوظيفها لصالح حساباتها.
في السابق كانت تظاهرات السوريين تجأر بالنداء: ما لنا غيرك يا الله.
وقبل أيام قليلة تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي نداء يردد نفس الفكرة إذ يقول ما معناه، لا تجهدوا أنفسهم في التواصل مع الخطوط الأرضية فكلها مقطوعة أو مشغولة، وما بقي مفتوح أمامكم سوى أبواب السماء، فإليها توجهوا بالدعاء أن ينزل الله رحمته على عباده المقهورين ولعنته على الظالمين والمستبدين.
لنا أن نردد معهم نفس النداء. ولكن هل يئسنا تماما من أي جهد إغاثي يبذل على الأرض. وإذا كانت الشهامة والمروءة قد اختفت في زماننا، فهل اختفت الإنسانية أيضا وفسدت الضمائر إلى ذلك الحد المشين والمخجل؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق