الأحد، 18 يناير 2015

آخر تجليات بشار الأسد


آخر تجليات بشار الأسد
 ياسر الزعاترة

منذ مدة لم نحصل على مقابلة كاملة لبشار الأسد، يشرح فيها آراءه القيمة، ربما باستثناء تسريبات إعلام المقاومة الذي بات يصوره قائدا ملهما، بل إن حديث نصرالله عن الرجل كاد يرفعه إلى مرتبة “الأئمة المعصومين”.
في حوار له مع مجلة تشيكية، ونقلت بعض تجلياتها وكالة سانا، سنعثر على جديد قديم لرئيس فقد سيطرته على 60 في المئة من تراب بلده، لكنه لا زال يعتقد (في الظاهر على الأقل) أن بوسعه إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، إلى وضع البلد القديم تحت حكم أقلية طائفية.
سنقدم بعض تلك الرؤى ونعلق عليها، لا لشيء، إلا لأنها تعكس تفكير بعض القوم في المحور الإيراني الذي يهذي ساسته، وينسون اليوم ما سبق أن قالوا بالأمس، مثل ذلك القائد الإيراني الذي ما لبث منذ شهور يلقي بتبعية تأسيس داعش كما يحب أن يسميه على أمريكا، وأحيانا على السعودية، لكن ما لبث أن ألقى بالتبعية على بريطانيا!!
من أهم ما ورد في مقابلة بشار هو تنظيراته الدينية هذه المرة، وحديثه باسم المسلمين المعتدلين!!، إذ قال بالنص: 
“نحن كمسلمين معتدلين لا نعتبر هذا الإسلام المتطرف إسلاما. ليس هناك تطرف في أي دين، سواء كان الإسلام أو المسيحية أو اليهودية. كل الأديان معتدلة، وعندما يكون هناك تطرف فهو انحراف عن الدين”.
وأضاف”لكن إذا أردنا استعمال مصطلح الإسلام الراديكالي، فأعتقد أن هذا صحيح، لأن الإسلام الراديكالي تم غرسه في أذهان شعوب المنطقة لما لا يقل عن أربعة عقود بتأثير من الأموال السعودية، ونشر التفسير الوهابي للإسلام، وهو تفسير متطرف للغاية ومنحرف جدا عن الإسلام الحقيقي، ويشكل أساس الإرهاب في المنطقة”.
ثم يقول: “وهكذا، طالما استمر تدفق هذه الأموال بالاتجاه نفسه وللأسباب نفسها، من خلال المدارس الدينية والقنوات التلفزيونية الدينية، وما إلى ذلك، فإن التطرف والا+رهاب سيصبح أكثر انتشارا، ليس فقط في منطقتنا بل في أوروبا أيضا”.
 ولم ينس هنا الإشارة إلى ما حدث في فرنسا لاستقطاب عطف الغرب، حيث قال إن “لم يحدث لأن بعض الأشخاص أرادوا الانتقام لنشر بعض الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد، وإنما لأن هذه هي النتيجة الطبيعية للأيديولوجيا المتطرفة والمنغلقة والقروسطية التي يعد منشؤها الأصلي السعودية”.
لا خلاف على أن الحديث هنا سياسي لا صلة له بالدين، وإلا فصدام مطلع الثمانينات كان مع الإخوان، وهم ليسوا وهابيين، والصدام الأخير كان مع الشعب السوري (ليس وهابيا أيضا) الذي مكث يبذل الدماء في الشوارع 6 شهور قبل أن تطلق رصاصة واحدة، وما رفع أسهم السلفية الجهادية التي ينسبها للوهابية يتمثل في طائفية صاحبه المالكي في العراق، ودمويته هو في سوريا.
الرد بالسلاح هو نتاج ظلم وقمع، والأيديولوجيا تأتي لاحقا، لكن حشر ذلك في الوهابية هو سخف، فضلا عن تجاهل التطرف في المعسكر الشيعي كما يتبدى في سلوك المليشيات الشيعية في العراق وسوريا.
الأسخف في المقابلة يتمثل في حديث بشار عن حوار موسكو، ولعله يُقدم هدية لمن يعولون على ذلك الحوار. فقد قال بشار “إننا ذاهبون إلى روسيا ليس للشروع في الحوار وإنما للاجتماع مع تلك الشخصيات المختلفة لمناقشة الأسس التي سيقوم عليها الحوار عندما يبدأ، مثل: وحدة سوريا، ومكافحة المنظمات الإرهابية، ودعم الجيش ومحاربة الإرهاب”.
لا يعكس هذا المنطق شعورا بالقوة، بقدر ما يعكس القناعة بأن حوارا لن ينجح دون تنازلات حقيقية ستعني بداية النهاية لنظام القمع الطائفي القائم.
ولما كان لا بد من التعليق على ما جرى في باريس، فقد ذهب بشار إلى القول “ما حدث في فرنسا منذ أيام أثبت أن ما قلناه كان صحيحا، وفي الوقت نفسه فإن هذا الحدث كان بمثابة المساءلة للسياسات الأوروبية لأنها هي المسؤولة عما حدث في منطقتنا وفي فرنسا مؤخرا، وربما ما حدث سابقا في بلدان أوروبية أخرى”.
وأضاف “تحدثنا عن هذه التداعيات منذ بداية الأزمة في سورية.. وقلنا لهم لا يجوز أن تدعموا الإرهاب وأن توفروا مظلة سياسية له لأن ذلك سينعكس على بلدانكم وعلى شعوبكم. لم يصغوا لنا”.
بأي منطق يتحدث هذا ؟ لكأن تحالفا دوليا لم يتأسس من أجل محاربة ما يسميه الإرهاب، أو لكأن العالم سينسى أنه هو نفسه (أي بشار) قد تحالف مع من يصفهم اليوم بالإرهابيين من أجل مقاومة الاحتلال الأمريكي للعراق (هدده المالكي بمحاكمته أمام المحاكم الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب)، قبل أن ينقلب عليهم بعد وقوع البلد ثمرة ناضجة بيد إيران.
نحن إذا أمام رجل يستجدي الغرب من أجل جعله جزءا من التحالف ضد ما يسميه الإرهاب، وهو جاهز لأن يلعب دور الحماية للكيان الصهيوني، وقال ذلك ابن عمه رامي مخلوف، وصرح به مساعد وزير الخارجية الإيراني، ولعله يعتقد أن هذا هو المسار الوحيد المتاح لإنقاذه، لأنه حتى فرصة الرحيل من البلد ليست متاحة، فلا إيران تسمح بذلك، ولا الطائفة بعد أن تورطت حتى أذنيها تسمح أيضا، ولو فكر في الهرب، فسيقتله مرافقه العلوي كما ذهب صحفي غربي ذات مرة.
إنه نظام طائفي تحاصره الثورة، وهو مستعد من أجل إنقاذ نفسه للتحالف مع كل شياطين الأرض، وهم يساعدونه في واقع الحال بمحاصرة الثورة، لكن ذلك كله لن يعيد عقارب الساعة للوراء ولو طالت المعركة 10 سنوات أخرى، وستدرك إيران ذلك ولو بعد حين، أما هو فليس لديه من خيار غير استمرار الحرب التي تخوضها إيران بمليشيات من الخارج، وتدفع كلفتها المالية بالكامل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق