شريف عبدالعزيز
ثلاثة عشر سنة عجاف ، و200 مليار دولار، وأكثر من ثلاثة آلاف جندي قتيل، وأكثر من مائة ضعف من المدنيين ، وحروب دموية لا تنتهي، وإنفاق التريليونيات على منظومة الأمن، وتجاوز الدستور، وقمع الحريات ، وإقامة دولة مراقبة عسكرية كاملة الأركان ، و رغم ذلك كله ، مازالت أمريكا تتصرف كدولة لم تتمكن من الانتصار على عدوها اللدود أسامة بن لادن الذي يبدو في مخيلة كثيرين من المواطنين الأمريكان يضحك في قبره بقاع المحيط من خصومه الذين أعيتهم الحيل في القضاء عليه حتى ألقوه في البحر للتخلص منه نهائيا ، ولكن على ما يبدو أنه قد انتصر في النهاية وخسر الأمريكان.
بوش الصغير حدد المتهم قبل انقشاع غبار حادث 11 سبتمبر ، وبدأ التنفيذ في أقل من شهر، وكأن خطة الحرب معدة مسبقًا، والجميع على أهبة الاستعداد للحظة الفارقة، فحركت الولايات المتحدةالأمريكية جيوش 50 دولة، تحت مظلَّة تحالف دولي نحو أفغانستان، ومن هذا التاريخ (7أكتوبر 2001) ولمدة 13 عامًا، ظلَّت الحرب بين "الحلفاء" و"الإرهاب" على الأراضي الأفغانية، فسقط آلاف الضحايا، وترامت الأشلاء، وظهر التعذيب في "باجرام" كما في " أبو غريب " في أطول حرب خاضتها القوات الأمريكية في تاريخها تحت شعار إستراتيجي " الحرب على الإرهاب " لتحقيق عدة أهداف تكتيكية وإستراتيجية أبرزها : القضاء على تنظيم القاعدة وحركة طالبان ، إقامة نظام حكم مستقر يؤمن بالدولة المدنية الحديثة وحياة ديمقراطية تتشابه معالنمط الغربي ، والحفاظ على أمن وأمان المواطن الأمريكي .
وبعد 13 عاما من القتال المتواصل وإنفاق المليارات وقتل مئات الآلاف ، لنا أن نتساءل : هل انتصر الأمريكان في حربهم على الإرهاب في أفغانستان ؟ وهل حقق شيئا من أهدافهم المزعومة؟
عندما أطلق بن لادن حملته العالمية لقتال اليهود والنصارى سنة 1998 كانت الاستجابة الإسلامية لفكرته ضعيفة ، وتعاطى معها كثير من الجهاديين بنوع من الشك والارتياب ورفضوا الانضمام إليها ، ولكن مع وقع صواريخ كروز التي قصفت إقليم خوست بأفغانستان في نفس السنة بدأ التعاطف الإسلامي مع فكرة بن لادن في الرواج والازدهار شيئا فشيئا ، وعبرة التاريخ في الأمم والمجتمعات أن القمع يولد التعاطف، وكلما ارتفعت وتيرته كلما زادت وتيرة التعاطف ، فبدأ الشباب في الاقتناع بحتمية التصدي للمشروع الغربي التي تقوده أمريكا بكل تفاصيله الأيديولوجية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية ، وكانت ضربة 11 سبتمبر إيذانا في فتح مجالات الصراع على مصراعيها ، وانتقل الصراع للعالمية والأممية ، بحيث تحقق لابن لادن ما كان يرنو إليه منذ البداية وهي الحرب العالمية بين فسطاطي الكفر والإيمان .
وبجولة سريعة على محطات الحرب على أفغانستان يتضح لنا جليا كيف خسرت أمريكا هذه الحرب.
ففي مطلع شهر ديسمبر شنَّت قوات المساعدة الدولية لإرساء الأمن في أفغانستان واختصارها (إيساف)،ومع قسوة وضراوة الهجوم الكاسح واستخدام الأسلحة المحرمة وبسبب خيانات الأوزبك والهزارة الشيعة وتحالف الشمال وفي 22 ديسمبر 2001 انهار نظام "طالبان"، وتم تعيين العميل حامد كرزاي رئيسًا للبلاد.وفرَّ مقاتلو "طالبان" إلى الدول المجاورة، خصوصًا باكستان والمنطقة الحدودية الفاصلة بين البلدين، وبدأوا في عملياتهم المسلحة لاستهداف قوات التحالف.
وتم إنشاء سجن "باجرام" داخل أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في أفغانستان، وهو من السجون التي ارتبط اسمها بعدد كبير من قضايا التعذيب. في عام 2002: انضم إلى جنود المشاة الأمريكيين والبريطانيين جنود آخرون من عدة دول منهم كنديون وأستراليون، ثم انضمَّت إليهم قوات الناتو.
وفي عام 2003: انضمَّت قوات "إيساف" إلى حلف الناتو.وفي عام 2004: أُجريت أول انتخابات رئاسية بالاقتراع المباشر في تاريخ أفغانستان، وفاز فيها كرازي بأكثر من 55% من الأصوات.
وفي عام 2005: إجراء انتخابات تشريعية في أفغانستان. وفي أواخر عام 2005 وأوائل 2006: ازدادت التفجيرات والعمليات المسلحة ضد قوات التحالف والمدنيين الأفغان على نحو لافت للنظر منذ ذلك العام، وفي عامي 2007 و2008: زادت الهجمات المسلحة، التي ينفذها مسلحو القاعدة، ضد قوات التحالف، سواء كانت تفجيرات أو عمليات فدائية، أو حتى استهداف بالرصاص بمعدل الثلث، مقارنة بالأعوام السابقة لها.
وفي عام 2009: أُجريت الانتخابات الرئاسية الثانية في تاريخ أفغانستان، حيث أُعيد انتخاب كرزاي رئيسًا للبلاد.وفي مايو 2010: قررت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما التخلي عن مصطلح "الحرب على الإرهاب" والتركيز على ما يوصف بـ"الإرهاب الداخلي"، وذلك في إستراتيجيتها الجديدة للأمن القومي.
وفي مايو 2011: تم قتل أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة، في منطقة "أبوت آباد" الواقعة على بعد 120 كم عن إسلام أباد في باكستان في عملية اقتحام أشرفت عليها وكالة الاستخبارات الأمريكية ونفَّذها الجيش الأمريكي.
وفي 2014: تعالت الأصوات الأمريكية المنادية بضرورة الانسحاب من أفغانستان ، وضرورة الاعتراف بفشل الحرب في القضاء على حركة طالبان أو حتى خلق الدولة المدنية التي تؤمن بالقيم الغربية .
فقد سعى الغرب على مدى 13 عامًا إلى فرض رؤيته الخاصة على أفغانستان، غير أنه بدلاً من بناء دولة تقوم على العدل وقابلة للاستمرار، قام ببناء دولة فرانكشتانية مشوهة لا تنبض بالحياة إلا عبر ضخ مبالغ وافرة من الأموال وعشرات الآلاف من الجنود ، في الوقت الذي تسيطر فيه حركة طالبان فعليا على المناطق الجنوبية والشرقية ومناطق القبائل في أفغانستان ، وذهبت كل الجهود الأمريكية أدراج الرياح في مجتمع ريفي قبلي لن تجدي فيه النماذج الغربية المعلبة والمستوردة من وراء البحار.
والجدير بالذكر أنه في ديسمبر عام 2001 كانت قيادة طالبان قد دخلت في مفاوضات مع السيد كرزاي بشأن شروط الاستسلام، إلا أن المحادثات تم إيقافها من قبل وزير الدفاع الأمريكي السابق "دونالد رامسفيلد" الذي ملئ غرورا وكبرا وثقة بالانتصار الساحق الذي سيقضي على طالبان للأبد.
واليوم وبعد 13 عاما من المآسي والخسائر المادية والبشرية المهولة يبتعد الأمريكان كثيرًا عن تلك اللحظة، وما لم يبدأ الرئيس الأفغاني الجديد " أشرف غني" في الدخول في محادثات مع مسئولي طالبان، فإنه لن يعرف استقرارا ولا بقاء في أفغانستان أبدا.
لقد خلق الرد العسكري على بن لادن وأحداث سبتمبر تحت لافتة محاربة الإرهاب عالما أقل استقرارا وأكثر اضطرابا ، وأصبحت الحركات الجهادية المنبثقة من فكر القاعدة ووحي أسامة بن لادن ذات تواجد وانتشار كبيرين في أكثر البقاع اضطرابا وتوترا في العالم ؛ الشرق الأوسط ، وتسيطر على مساحات واسعة في العراق والشام والساحل الأفريقي ووسط أفريقيا ، وخريطة انتشار هذه الجماعات التي تؤمن بحتمية الصدام مع المشروع الأمريكي أينما وجد تنبأ عن مدى الفشل الذريع الذي حققه الأمريكان بعد أطول حرب خاضتها القوات الأمريكية خارج حدودها منذ نشأتها التعيسة.
وخلال حروب الثلاثة عشر عاما ، أدارت الحكومة الأمريكية ظهرها لدستورها الذي يقدس حقوق الانسان ، واحتضنت التعذيب كوسيلة مشروعة في الحكم. حتى صار التعذيب منهج حكم يؤيده 54% من المواطنين الأمريكين وفق آخر الاستطلاعات التي أعقبت الافصاح عن نتائج التحقيق في وسائل التعذيب ، فبنت أمريكا بطريقة شائنة سجن خليج جوانتانامو وعشرات المواقع الأخرى السوداء.
اغتالت طائرات بدون طيار المئات من الأشخاص دون محاكمة ، حتى أنها قد اغتالت مواطنين أمريكان بهذا الأسلوب البربري الهمجي، كما وضعت الملايين على قوائم المراقبة السرية. وبدأت الحكومة بالتنصت على المكالمات الهاتفية للجميع، وقراءة رسائل بريد الجميع.
بالجملة خلفّت الحرب على الإرهاب الولايات المتحدة أقل حرية، أقل انفتاحاً، وأكثر عسكرةً. وفي المدن الصغيرة، مثل فيرجسون، خزنت الشرطة المحلية المليارات من الدولارات من بنادق القناصة والمدرعات، وحتى الحراب، ومن ثم أشهرت قاذفات القنابل بوجه مواطنيهاحتى أوشك البرميل على الانفجار .
وفي عام 2004، ادعى بن لادن أن هدفه النهائي هو القضاء على أمريكا بإفلاسها وكسر ظهرها بتحطيم اقتصادها، كما فعل المجاهدين بالاتحاد السوفياتي. وبالفعل، لقد تضاعف الدين الفيدرالي الأمريكي ثلاث مرات ليصبح أكثر من 17 تريليون دولار.فالحرب غير المنتهية على الإرهاب كلفت الاقتصاد الأمريكي تريليونات الدولارات.
بالجملة كل ما خرج الأمريكان من أجله لثلاثة عشر سنة بأفغانستان لم يتحقق منه سوى فقط قتل أسامة بن لادن ، والعجيب أن هذا هو كان أقصى ما يتمناه أسامة نفسه ؛ أن يلقى حتفه على يد ألد أعداء الإسلام كما يعتقد ويمؤمن !!
تماما مثلما فعلوا من قبل في فيتنام دخلوها ومكثوا فيها عشر سنوات دمروها بالكلية ثم انسحبوا منها بهزيمة مذلة أراد وا أن يلبسوها ثوب زور بوصفه بالانسحاب التكتيكي الذي يهدف لاعادة انتشار القوات الأمريكية في المنطقة لمواجهة داعش وأخواتها في المنطقة
الحقيقة الثابتة في الانسحاب الأمريكي أنه لا يختلف كثيرا عن الانسحاب السوفيتي من قبل ، فكلا القطبين الكبيرين فشل في تحظيم الصخرة الأفغانية ، وفشل في تغيير مكوناته الاجتماعية أو ثقافته الجمعية ، وخرجا يجران أذيال خيبة هزيمة مذلة ومهينة ، ومن يدري لعل فصول الملهاة تكتمل إلى نهايتها ، وتنهار الولايات المتحدة الأمريكية مثلما انهار الاتحاد السوفيني بعد أقل من عامين من انسحابه من أفغانستان، فتكون أفغانستان بذلك قد قضت على ثلاث من أكبر الامبراطوريات المعاصرة ، انجلترا والاتحاد السوفيتي من قبل ، وأمريكا من بعد .
ثلاثة عشر سنة عجاف ، و200 مليار دولار، وأكثر من ثلاثة آلاف جندي قتيل، وأكثر من مائة ضعف من المدنيين ، وحروب دموية لا تنتهي، وإنفاق التريليونيات على منظومة الأمن، وتجاوز الدستور، وقمع الحريات ، وإقامة دولة مراقبة عسكرية كاملة الأركان ، و رغم ذلك كله ، مازالت أمريكا تتصرف كدولة لم تتمكن من الانتصار على عدوها اللدود أسامة بن لادن الذي يبدو في مخيلة كثيرين من المواطنين الأمريكان يضحك في قبره بقاع المحيط من خصومه الذين أعيتهم الحيل في القضاء عليه حتى ألقوه في البحر للتخلص منه نهائيا ، ولكن على ما يبدو أنه قد انتصر في النهاية وخسر الأمريكان.
بوش الصغير حدد المتهم قبل انقشاع غبار حادث 11 سبتمبر ، وبدأ التنفيذ في أقل من شهر، وكأن خطة الحرب معدة مسبقًا، والجميع على أهبة الاستعداد للحظة الفارقة، فحركت الولايات المتحدةالأمريكية جيوش 50 دولة، تحت مظلَّة تحالف دولي نحو أفغانستان، ومن هذا التاريخ (7أكتوبر 2001) ولمدة 13 عامًا، ظلَّت الحرب بين "الحلفاء" و"الإرهاب" على الأراضي الأفغانية، فسقط آلاف الضحايا، وترامت الأشلاء، وظهر التعذيب في "باجرام" كما في " أبو غريب " في أطول حرب خاضتها القوات الأمريكية في تاريخها تحت شعار إستراتيجي " الحرب على الإرهاب " لتحقيق عدة أهداف تكتيكية وإستراتيجية أبرزها : القضاء على تنظيم القاعدة وحركة طالبان ، إقامة نظام حكم مستقر يؤمن بالدولة المدنية الحديثة وحياة ديمقراطية تتشابه معالنمط الغربي ، والحفاظ على أمن وأمان المواطن الأمريكي .
وبعد 13 عاما من القتال المتواصل وإنفاق المليارات وقتل مئات الآلاف ، لنا أن نتساءل : هل انتصر الأمريكان في حربهم على الإرهاب في أفغانستان ؟ وهل حقق شيئا من أهدافهم المزعومة؟
عندما أطلق بن لادن حملته العالمية لقتال اليهود والنصارى سنة 1998 كانت الاستجابة الإسلامية لفكرته ضعيفة ، وتعاطى معها كثير من الجهاديين بنوع من الشك والارتياب ورفضوا الانضمام إليها ، ولكن مع وقع صواريخ كروز التي قصفت إقليم خوست بأفغانستان في نفس السنة بدأ التعاطف الإسلامي مع فكرة بن لادن في الرواج والازدهار شيئا فشيئا ، وعبرة التاريخ في الأمم والمجتمعات أن القمع يولد التعاطف، وكلما ارتفعت وتيرته كلما زادت وتيرة التعاطف ، فبدأ الشباب في الاقتناع بحتمية التصدي للمشروع الغربي التي تقوده أمريكا بكل تفاصيله الأيديولوجية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية ، وكانت ضربة 11 سبتمبر إيذانا في فتح مجالات الصراع على مصراعيها ، وانتقل الصراع للعالمية والأممية ، بحيث تحقق لابن لادن ما كان يرنو إليه منذ البداية وهي الحرب العالمية بين فسطاطي الكفر والإيمان .
وبجولة سريعة على محطات الحرب على أفغانستان يتضح لنا جليا كيف خسرت أمريكا هذه الحرب.
ففي مطلع شهر ديسمبر شنَّت قوات المساعدة الدولية لإرساء الأمن في أفغانستان واختصارها (إيساف)،ومع قسوة وضراوة الهجوم الكاسح واستخدام الأسلحة المحرمة وبسبب خيانات الأوزبك والهزارة الشيعة وتحالف الشمال وفي 22 ديسمبر 2001 انهار نظام "طالبان"، وتم تعيين العميل حامد كرزاي رئيسًا للبلاد.وفرَّ مقاتلو "طالبان" إلى الدول المجاورة، خصوصًا باكستان والمنطقة الحدودية الفاصلة بين البلدين، وبدأوا في عملياتهم المسلحة لاستهداف قوات التحالف.
وتم إنشاء سجن "باجرام" داخل أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في أفغانستان، وهو من السجون التي ارتبط اسمها بعدد كبير من قضايا التعذيب. في عام 2002: انضم إلى جنود المشاة الأمريكيين والبريطانيين جنود آخرون من عدة دول منهم كنديون وأستراليون، ثم انضمَّت إليهم قوات الناتو.
وفي عام 2003: انضمَّت قوات "إيساف" إلى حلف الناتو.وفي عام 2004: أُجريت أول انتخابات رئاسية بالاقتراع المباشر في تاريخ أفغانستان، وفاز فيها كرازي بأكثر من 55% من الأصوات.
وفي عام 2005: إجراء انتخابات تشريعية في أفغانستان. وفي أواخر عام 2005 وأوائل 2006: ازدادت التفجيرات والعمليات المسلحة ضد قوات التحالف والمدنيين الأفغان على نحو لافت للنظر منذ ذلك العام، وفي عامي 2007 و2008: زادت الهجمات المسلحة، التي ينفذها مسلحو القاعدة، ضد قوات التحالف، سواء كانت تفجيرات أو عمليات فدائية، أو حتى استهداف بالرصاص بمعدل الثلث، مقارنة بالأعوام السابقة لها.
وفي عام 2009: أُجريت الانتخابات الرئاسية الثانية في تاريخ أفغانستان، حيث أُعيد انتخاب كرزاي رئيسًا للبلاد.وفي مايو 2010: قررت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما التخلي عن مصطلح "الحرب على الإرهاب" والتركيز على ما يوصف بـ"الإرهاب الداخلي"، وذلك في إستراتيجيتها الجديدة للأمن القومي.
وفي مايو 2011: تم قتل أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة، في منطقة "أبوت آباد" الواقعة على بعد 120 كم عن إسلام أباد في باكستان في عملية اقتحام أشرفت عليها وكالة الاستخبارات الأمريكية ونفَّذها الجيش الأمريكي.
وفي 2014: تعالت الأصوات الأمريكية المنادية بضرورة الانسحاب من أفغانستان ، وضرورة الاعتراف بفشل الحرب في القضاء على حركة طالبان أو حتى خلق الدولة المدنية التي تؤمن بالقيم الغربية .
فقد سعى الغرب على مدى 13 عامًا إلى فرض رؤيته الخاصة على أفغانستان، غير أنه بدلاً من بناء دولة تقوم على العدل وقابلة للاستمرار، قام ببناء دولة فرانكشتانية مشوهة لا تنبض بالحياة إلا عبر ضخ مبالغ وافرة من الأموال وعشرات الآلاف من الجنود ، في الوقت الذي تسيطر فيه حركة طالبان فعليا على المناطق الجنوبية والشرقية ومناطق القبائل في أفغانستان ، وذهبت كل الجهود الأمريكية أدراج الرياح في مجتمع ريفي قبلي لن تجدي فيه النماذج الغربية المعلبة والمستوردة من وراء البحار.
والجدير بالذكر أنه في ديسمبر عام 2001 كانت قيادة طالبان قد دخلت في مفاوضات مع السيد كرزاي بشأن شروط الاستسلام، إلا أن المحادثات تم إيقافها من قبل وزير الدفاع الأمريكي السابق "دونالد رامسفيلد" الذي ملئ غرورا وكبرا وثقة بالانتصار الساحق الذي سيقضي على طالبان للأبد.
واليوم وبعد 13 عاما من المآسي والخسائر المادية والبشرية المهولة يبتعد الأمريكان كثيرًا عن تلك اللحظة، وما لم يبدأ الرئيس الأفغاني الجديد " أشرف غني" في الدخول في محادثات مع مسئولي طالبان، فإنه لن يعرف استقرارا ولا بقاء في أفغانستان أبدا.
لقد خلق الرد العسكري على بن لادن وأحداث سبتمبر تحت لافتة محاربة الإرهاب عالما أقل استقرارا وأكثر اضطرابا ، وأصبحت الحركات الجهادية المنبثقة من فكر القاعدة ووحي أسامة بن لادن ذات تواجد وانتشار كبيرين في أكثر البقاع اضطرابا وتوترا في العالم ؛ الشرق الأوسط ، وتسيطر على مساحات واسعة في العراق والشام والساحل الأفريقي ووسط أفريقيا ، وخريطة انتشار هذه الجماعات التي تؤمن بحتمية الصدام مع المشروع الأمريكي أينما وجد تنبأ عن مدى الفشل الذريع الذي حققه الأمريكان بعد أطول حرب خاضتها القوات الأمريكية خارج حدودها منذ نشأتها التعيسة.
وخلال حروب الثلاثة عشر عاما ، أدارت الحكومة الأمريكية ظهرها لدستورها الذي يقدس حقوق الانسان ، واحتضنت التعذيب كوسيلة مشروعة في الحكم. حتى صار التعذيب منهج حكم يؤيده 54% من المواطنين الأمريكين وفق آخر الاستطلاعات التي أعقبت الافصاح عن نتائج التحقيق في وسائل التعذيب ، فبنت أمريكا بطريقة شائنة سجن خليج جوانتانامو وعشرات المواقع الأخرى السوداء.
اغتالت طائرات بدون طيار المئات من الأشخاص دون محاكمة ، حتى أنها قد اغتالت مواطنين أمريكان بهذا الأسلوب البربري الهمجي، كما وضعت الملايين على قوائم المراقبة السرية. وبدأت الحكومة بالتنصت على المكالمات الهاتفية للجميع، وقراءة رسائل بريد الجميع.
بالجملة خلفّت الحرب على الإرهاب الولايات المتحدة أقل حرية، أقل انفتاحاً، وأكثر عسكرةً. وفي المدن الصغيرة، مثل فيرجسون، خزنت الشرطة المحلية المليارات من الدولارات من بنادق القناصة والمدرعات، وحتى الحراب، ومن ثم أشهرت قاذفات القنابل بوجه مواطنيهاحتى أوشك البرميل على الانفجار .
وفي عام 2004، ادعى بن لادن أن هدفه النهائي هو القضاء على أمريكا بإفلاسها وكسر ظهرها بتحطيم اقتصادها، كما فعل المجاهدين بالاتحاد السوفياتي. وبالفعل، لقد تضاعف الدين الفيدرالي الأمريكي ثلاث مرات ليصبح أكثر من 17 تريليون دولار.فالحرب غير المنتهية على الإرهاب كلفت الاقتصاد الأمريكي تريليونات الدولارات.
بالجملة كل ما خرج الأمريكان من أجله لثلاثة عشر سنة بأفغانستان لم يتحقق منه سوى فقط قتل أسامة بن لادن ، والعجيب أن هذا هو كان أقصى ما يتمناه أسامة نفسه ؛ أن يلقى حتفه على يد ألد أعداء الإسلام كما يعتقد ويمؤمن !!
تماما مثلما فعلوا من قبل في فيتنام دخلوها ومكثوا فيها عشر سنوات دمروها بالكلية ثم انسحبوا منها بهزيمة مذلة أراد وا أن يلبسوها ثوب زور بوصفه بالانسحاب التكتيكي الذي يهدف لاعادة انتشار القوات الأمريكية في المنطقة لمواجهة داعش وأخواتها في المنطقة
الحقيقة الثابتة في الانسحاب الأمريكي أنه لا يختلف كثيرا عن الانسحاب السوفيتي من قبل ، فكلا القطبين الكبيرين فشل في تحظيم الصخرة الأفغانية ، وفشل في تغيير مكوناته الاجتماعية أو ثقافته الجمعية ، وخرجا يجران أذيال خيبة هزيمة مذلة ومهينة ، ومن يدري لعل فصول الملهاة تكتمل إلى نهايتها ، وتنهار الولايات المتحدة الأمريكية مثلما انهار الاتحاد السوفيني بعد أقل من عامين من انسحابه من أفغانستان، فتكون أفغانستان بذلك قد قضت على ثلاث من أكبر الامبراطوريات المعاصرة ، انجلترا والاتحاد السوفيتي من قبل ، وأمريكا من بعد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق