الاثنين، 19 يناير 2015

عن "بؤس" المعارضة المصرية

عن "بؤس" المعارضة المصرية

خليل العناني*

لا يقل حال المعارضة المصرية بؤساً عن بؤس النظام الحالي في مصر. وربما كان الطرفان وجهين لعملة واحدة، تعكس فشل السياسة والساسة في مصر.

ولا مبالغة في القول إن أحد أهم أسباب توحش الطغمة الحاكمة واستبدادها قناعتها بعدم وجود معارضة حقيقية، يمكنها أن تشكل تهديداً لها ولبقائها. ولم يكن لانقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013 أن ينجح، ويرسّخ أقدامه، لولا انقسام وتفتت وتهافت من يعارضونه من مختلف القوى السياسية، إسلامية وغير إسلامية. 
وفي الوقت الذي كانت تزخر فيه البلاد بحراك سياسي متعدد ومتنوع قبل الانقلاب، أصبحنا، الآن، إزاء سلطة طاغية، تعرف ماذا تريد وتسعى إليه، ومعارضة مشتتة ومنقسمة على نفسها لا تزال تعيش في جلباب الماضي، وغير قادرة على تجاوز خلافاتها وتوحيد صفوفها، على الرغم من توافر الفرص لتحقيق ذلك في أكثر من مناسبة، كان آخرها الحكم ببراءة الرئيس المخلوع حسني مبارك.
وإذا استبعدنا الأحزاب المدنية ذات المرجعية العسكرية التي أيدت الانقلاب، وصمتت بعد ذلك على وصول العسكر إلى السلطة، من جبهة المعارضة، يصبح لدينا أربعة أنواع من المعارضة للنظام الحالي.
أولها المعارضة "المستأسِدة"، ونقصد بها جماعة الإخوان المسلمين، ومن يؤيدها أو يدور في فلكها. وهي معارضة يُرثى لها، ولا تتمتع بأي قدر من الخيال السياسي الذي يمكنه قلب المعادلة الراهنة، أو تغيير الموازين على الأرض. وباستثناء التظاهر اليومي الذي أصبح طقساً روتينياً يتعايش معه النظام بكل أريحية، لم تحاول الجماعة إعادة النظر في استراتيجيتها أو خططها حول كيفية التعاطي مع الوضع الجديد. ولا تزال قيادات الجماعة، خصوصاً تلك التي تعيش خارج البلاد، تعيش في حالة إنكار للوضع السياسي المعقّد داخلياً وخارجياً، وهي التي فشلت على مدار أكثر من عام ونصف بعد خروجها من السلطة، في تحقيق أي إنجاز سياسي، سواء من خلال التظاهر أو من خلال محاولة عزل خصومها خارجياً. وإذا ما صحت الأحاديث المتكررة حول رفض الجماعة مبادرات لإنهاء الأزمة الحالية، ووقف نزيف أبنائها وتخفيف مأساة عائلاتهم، يصبح الأمر جريمة أخلاقية، وليس فقط خطأ سياسياً.
أما النوع الثاني من المعارضة، فهو المعارضة "الهشّة" المفتتة، ونقصد بها ما تبقى من القوى الثورية التي أشعلت ثورة 25 يناير، ولا تزال ترفع شعارها الخالد "كرامة، حرية، عدالة اجتماعية"، مثل حركتي شباب "6 إبريل" و"الاشتراكيين الثوريين" وغيرهما، بالإضافة إلى بعض الشخصيات السياسية المعارضة.
لم تنجح هذه المعارضة في تحقيق أية نتائج ملموسة طوال العام ونصف الماضيين، على الرغم من "ثورية" شعاراتها ومطالبها. وعلى الرغم من إدراك هذه القوى أنها لن تستطيع تغيير موازين القوى لصالح الثورة، بدون العمل مع كتلة شعبية أو حركة اجتماعية، مثل جماعة "الإخوان" أو غيرها من القوى الإسلامية، إلا أنها تمارس قدراً واضحاً من التعالي والنزق السياسي، بسبب انعدام ثقتها في "الإخوان" وعدم قدرتها على تجاوز خلافاتها البينية، من أجل هدف أكبر، وهو تغيير النظام.
النوع الثالث من المعارضة هو المعارضة "السياحية"، وهي المعارضة "المرفّهة" التي تتنقل بين العواصم الغربية، بهدف إسقاط النظام، لكنها في الحقيقة تسديه أكبر خدمة، ليس فقط من خلال الطعن في مصداقيتها وشرعيتها، وإنما أيضاً من خلال تبرير دعايتها لتشويه "الثورة" والتأكيد على أنها "مؤامرة" خارجية. يتسم سلوك أصحاب هذه المعارضة "الكرتونية" بقدر عال من الرعونة والمراهقة و"الصبيانية" السياسية. فهي لا تفعل شيئاً سوى إطلاق المبادرات والبيانات وعقد المؤتمرات الصحفية، من دون أن يكون لذلك أي تأثير على الأرض. كما أنها لا تحظى بثقة بقية الفصائل الثورية في ظل اتسام سلوك بعض قادتها بالانتهازية ومحاولة القفز على الثورة وتأميمها، والحديث باسمها من دون تشاور أو تنسيق مع الآخرين، بمن فيهم أولئك الذين ينتمون إلى معسكرهم نفسه.
أما النوع الرابع من المعارضة، فهو المعارضة "المسلحة"، ونقصد بها الجماعات والتنظيمات العنيفة التي تحمل السلاح ضد النظام، إن لم يكن لإسقاطه، فمن أجل إفشاله ومحاولة استنزافه، وتعطيل محاولات تمكينه وتثبيت قدميه. وهي معارضة ليست فقط فاقدة للشرعية ابتداء، بسبب وقوعها في "فخ" العنف الذي نصبه لها النظام، وإنما، أيضاً، لعدم وجود تأييد أو قاعدة شعبية لها. بل على العكس، فكلما زاد إرهابهم وعنفهم، سخط الناس على الثورة وكرهوها، وتمسكوا بالنظام الحالي، وبرروا قمعه وعنفه وتشويهه الثورة.
تخدم هذه "المعارضات" المصرية الأربع النظام الحالي من حيث لا تدري، وهي بوضعها وسلوكها الحالي، تقدم أكبر هدية له من أجل البقاء في السلطة، وتثبيت شرعيته وتكريس سرديته عن المعارضة، باعتبارها قوى الفوضى وعدم الاستقرار.
وهي معارضة تبدو قريبة الشبه بالمعارضة السورية التي ساهمت، بخلافاتها ورعونتها، في إفشال الثورة السورية منذ بدايتها، وضياع حلم التغيير، وتثبيت أركان حكم الطاغية بشار الأسد، وهو أمر نتمنى ألا يتكرر في الحالة المصرية، وإلا فلا جدوى للثورة والمعارضة أصلاً.
هذا ليس تقريعاً لأحد، وإنما محاولة لرصد الواقع المأساوي الذي تعيشه قوى المعارضة في مصر، ونحن على أبواب الذكرى الرابعة لثورة 25 يناير المجيدة، وهو واقع لا يبدو أنه سوف يتغير في الأفق المنظور، ما لم يراجع الجميع نفسه، ويصحح أخطاءه.


أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. 

عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، 

وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق