عن الحوثيين واليمن الضائع بين إيران والعرب
ياسر الزعاترة
يوميا يتساقط القتلى بين صفوف الحوثيين بفعل عمليات تفجيرية وإطلاق رصاص تنفذها القاعدة ومسلحون آخرون من القبائل، فيما يدخل البلد في تيه سياسي أسوأ بكثير من التيه الذي يعيشه لبنان في ظل نظام المحاصصة الطائفية الذي يتسبب في حرمانه من وجود رئيس لشهور بسبب عدم اتفاق الأطراف المختلفة على مرشح يوافق عليه الجميع.
في اليمن، ثمة رئيس كامل الأوصاف، لكنه بات خاضعا لسيطرة الحوثيين في كل قراراته، وهو تواطأ معهم في الأصل، والمصيبة أن الجيش لم يعد لاعبا محايدا أيضا، فهو متهم بالتواطؤ مع احتلال الحوثيين لصنعاء، وهو اليوم يتعرض أيضا لعمليات من القاعدة التي استعادت حاضنتها الشعبية بعد أن كانت فقدتها خلال الأعوام الأخيرة بسبب عمليات كارثية نفذتها وقتلت مدنيين أبرياء، وكان لافتا أن قيادة القاعدة قد تنبهت لذلك، فكان أن اعتذرت عن تلك العمليات وأقرت بخطئها؛ في مغازلة ذكية للجمهور المُهان باحتلال الحوثيين للبلد، وتنكيله بالمعارضين على نحو لم يترك أحدا (اختطفوا مدير مكتب الرئيس!!) باستثناء أزلام المخلوع الذين كانوا يتوقعون مشهدا مختلفا إلى حد كبير، هم والذين يقفون وراءهم من العرب.
كان هؤلاء جميعا قد اعتقدوا أن حزب التجمع اليمني للإصلاح المحسوب على تيار الإخوان سيخوض مواجهة عسكرية ضد الحوثيين على نحو يضعف الطرفين، لتعود القوس إلى باريها ممثلا في الرئيس المخلوع الذي يتحالف بدوره مع وضع عربي يرى أن أولويته هي مطاردة ما يسمى الإسلام السياسي، ثم بعد ذلك إيران، لكن الإصلاح كان ذكيا بدوره، إذ فوّت عليهم الفرصة وترك الحوثيين يدخلون رغم ما ترتب عليه ذلك من إهانة له ولرموزه ومؤسساته، وذلك وفق تقدير يقول إن الخيار الآخر كان أسوأ بكثير، وهو كذلك في واقع الحال.
التصدي للنفوذ الحوثي، أو الإيراني بتعبير أدق، لن يكون من أصحاب المبادرة الخليجية، مع أن دخول بعض هؤلاء على الخط من خلال دعم بعض الجهات التي يمكن أن تتصدى للحوثيين يبقى واردا .
ما دام الفأس قد وقع في الرأس، فلا بد من المواجهة التي تستنزف إيران، لأن الحوثيين لا يملكون شيئا في واقع الحال، وهم لا يمكنهم إدارة البلد، كما أن اختفاءهم وراء الرئيس لا يمكن أن يستمر، وعموما، فقد دخلوا في نزيف صعب، بل بالغ الصعوبة، سيدركون متأخرين أن إيران ورطتهم فيه دون جدوى، وهم لن يحكموا اليمن، بل إنه لن يدين لهم بأي حال من الأحوال، ولو استمر النزاع عشرة أعوام أخرى.
بدوره دخل التجمع اليمني للإصلاح في مسار بائس لبعض الوقت ممثلا في الحوار مع الحوثيين، لكنه ما لبث أن اكتشف أن ذلك سيكون مكلفا على أكثر من صعيد، فجرى التراجع عنه عمليا، وهي خطوة محمودة على كل حال، وعموما لا أحد بوسعه أن يهمّش تيارا واسعا مثل التيار الإخواني في اليمن، لكن القاعدة ستكون في صلب المواجهة، فيما قد يضطر التجمع إلى دخولها لاحقا إذا لم تكن هناك تسوية سياسية.
خلاصة القول هي أن نزيف الحوثيين قد بدأ، ولن يتوقف، ومعه بدأ النزاع الطويل الذي لن توقفه غير تسوية شاملة مع إيران المستنزفة في سوريا والعراق، والآن اليمن. وحين تعود الأخيرة إلى رشدها، سيكون اليمن جزءا من الصفقة، وإلا فإن ما يجري هنا سيكون وبالا على البلد الذي وقع أسير سرطان المخلوع، وتآمر الأشقاء وغرور إيران وغطرستها وجنون الحوثيين في آن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق