الحقيقة التي اكتشفها فهمي هويدي وتجاهلها «الإخوان»!
شريف عبدالغني
ثم جدد الكاتب الكبير تحفظه مضاعفاً على فكرة ترشيح ممثل عن الجماعة لرئاسة الجمهورية 2012، سواء كان المهندس خيرت الشاطر، أو الدكتور محمد مرسي.
وبعد ذلك مباشرة كتب أنه منذ سجل تحفظه الأول صار مطلوباً تلفزيونياً بشكل غير مألوف، ومدعواً للظهور يوميا في البرامج الحوارية على شاشات التلفزيون في تلك الفترة التي كانت البداية الفعلية لـ»شيطنة الإخوان»، وقبل أشهر طويلة من وصول د. مرسي إلى قصر الرئاسة.
تأكد «هويدي» حينها أن الدعوات المتكررة لظهوره التلفزيوني وصلته فقط لمعارضته أن تشكل الجماعة الحكومة، ورفضه ترشيح أحد كوادرها للرئاسة، و»هو ما بدا معبراً عن موقف مبطن بالانحياز بأكثر مما كان مساعداً على إثراء الحوار» حسب قوله، وذلك لملاحظته أن الفضائيات لا تستضيف سوى منتقدي وشتّامي وسبّابي ولعّاني الإخوان.
اعتذر «هويدي» عن قبول هذه الدعوات لأنه شمّ فيها «رائحة عدم البراءة، ولم أتعود على المشاركة في مثل هذه المهرجانات»، الأمر الذي جعله يضيـع على نفسه «فرصة نادرة للنجومية التلفزيونية» حسب تعبيره.
كان موقفاً محترماً من كاتب قد تتفق أو تختلف مع آرائه. لقد وضع يده مبكرا جدا على «مربط الفرس»، ورفض المشاركة في حفلات «التقطيع اليومية» ضد جماعة الإخوان المسلمين، في مختلف وسائل الإعلام المصرية الرسمية والخاصة، والتي تبين بعد ذلك أهدافها ومن يحركها بإشارة من أصبعه بعد «تسريب الأذرع الإعلامية».
أورد فهمي هويدي الأسباب التي دعته إلى «التشدد في التحفظ» على الدفع بمرشح للجماعة للمنافسة على انتخابات الرئاسة، ومنها:
«إن المجتمع المصري ليس مهيأ بعد لتأييد خطوة من ذلك القبيل. وإذا قال قائل: إن الإخوان حصلوا على أغلبية معتبرة في الانتخابات التشريعية، فتعليقي على ذلك أن انتخابات الرئاسة شيء مختلف تماما. إذ ثمة فرق بين أن يشارك الإخوان أو حتى يرأسوا البرلمان المصري، وبين أن يتقدموا لشغل منصب الرئاسة في البلد».
وأضاف: «أدري أن البعض ينظرون إلى تركيا، ويقولون إن حزب العدالة والتنمية بجذوره الإسلامية يحكم البلد، ويقود تقدمها منذ نحو تسع سنوات دون عوائق، بل لا يزال محل ترحيب وقبول عامَّين، لكن هؤلاء ينسون عدة أمور، أولها أن الحزب لم يتقدم بهويته الإسلامية وإنما قدم نفسه باعتباره حزبا علمانيا. ثانيها أن كوادر الحزب نجحت في طمأنة الناس في وقت مبكر وإقناعهم بأن وجودهم في السلطة يحقق لهم مصالحهم وتطلعاتهم، وهذه الطمأنة كان مصدرها خطاب الحزب أولا، وأداؤه الوفاقي وثانيا خبرة هذه الكوادر في المحليات التي حققوا فيها نجاحا مشهودا حين أداروها لعدة سنوات سابقة».
وقتها أذكر أنني كتبت مقالا، امتدحت فيه أسلوب الكاتب الكبير، الذي يعرف فضيلة النقد، وليس السباب. لكني رأيت أنه من حق الإخوان- مثلهم مثل أي فصيل وتيار آخر- الترشح لكل الاستحقاقات الانتخابية، وتشكيل الحكومة طالما يملكون الأغلبية، وهكذا أولى قواعد الديمقراطية.
وأوضحت الحقائق التالية:
أولا: أن نظام مبارك- الذي لم يسقط حتى الآن- صوّر أعضاء الجماعة للناس على أنهم أشرار وطغاة يتحينون الفرصة ليخربوا البلد ويقعدوا على تلها. لكن الواقع يقول إنهم لم يخربوا مصر، ولم يحملوا سلاحا ضد الدولة، ودعوتهم دائما سلمية.
ثانيا: قيادات وكوادر»الإخوان» لم تظلم ولم تخّرب مصر. الذي خربها معروف واسمه حسني مبارك ومعه عصابته. اعترف بنفسه بفعلته - بحسب ما أورد الأستاذ هيكل في كتابه الأخير «مبارك وزمانه» - أمام مسؤول عربي سأله عن حقيقة توريث الحكم، فأجاب: «هل أّسّلم ابني خرابة»!
ثالثا: يتحدثون عن «تكويش» الجماعة على السلطة. ما حدث فعليا أنهم حصلوا- بأصوات الجماهير وليس بالتزوير- على جزء من السلطة التشريعية، وأكثرية برلمانية. لكنهم لم يحصلوا على أي سلطة تنفيذية، فليس منهم وزير أو محافظ أو حتى «عمدة» قرية أو «شيخ» حارة. كما أن مرشحهم القوي للرئاسة تم استبعاده بدعوى أن رد اعتباره بعد سجنه في عهد مبارك لا يتيح له ممارسة حقوقه السياسة حاليا، رغم أن الجميع يعلم أنه سُجن جورا من نظام فاجر في الخصومة.
رابعا: يبثون الرعب بأن «الإخوان» لو حكموا فسينقلبون على الديمقراطية. يعني افتراض لشيء لم يحدث. لو نظرنا حولنا في العالم العربي فسنجد تجربتين لوصول فريقين للحكم خرجا من عباءة الجماعة، ولم ينقلبا على الديمقراطية بل حدث العكس. في الجزائر انقلب الجيش على «جبهة الإنقاذ» بعد اكتساحها الجولة الأولى في انتخابات 1991. وفي فلسطين انقلب العالم كله على «حماس» بعد تشكيلها حكومة عبر صناديق الانتخاب.
خامسا: الإخوان ليسوا دخلاء على ميدان التحرير. أذكـر هنا باعتراف شباب الثورة أنفسهم أنه لولا صمود شباب الجماعة في موقعة «الجمل» لانتهى الأمر لصالح « بلطجية» مبارك، ولخرجت الصحف في اليوم التالي تؤكد أن الجماهير الوفية طردت «القلة المندسة «وأعادت «الشرعية» لميدان التحرير.
رغم اقتناعي بكل ما كتبته أيامها. ورغم عدم إدراك غالبية المصريين- وأنا منهم- لمدى قوة الدولة العميقة، لكني الآن أكثر اقتناعا بمدى صحة ما طرحه فهمي هويدي.
ليت الإخوان ما ترشحوا للرئاسة، وتمهلوا لتهيئة الشارع لوجودهم على رأس السلطة مثلما فعل الداهية أردوغان في تركيا، حيث خطا السلم من أوله.لو فعلوا ما كنا وصلنا ووصلوا ووصلت مصر لهذا الحال المهين!
• shrief.abdelghany@gmail.com
@shrief_ghany
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق