الثلاثاء، 29 ديسمبر 2015

هل أغضب سد النهضة السيسي فعلاً؟

هل أغضب سد النهضة السيسي فعلاً؟

 وائل قنديل

هل فوجئ عبد الفتاح السيسي ببدء تشغيل سد النهضة فعلياً؟
هل النظام المصري الحالي غاضب لهذه الخطوة حقاً؟ 
هل فاجأتهم أديس أبابا بخطواتها المتسارعة،و
هل هم منزعجون حقاً مما يجري في منابع النيل؟
الشاهد أن كل شيء جرى ويجري بعلم نظام السيسي، وبموافقته، أو بإذعانه الكامل للأطراف الفاعلة في مشروع سد النهضة الإثيوبي، وهي إسرائيل ودول أوروبية والولايات المتحدة الأميركية، ولن تكون نائماً في فراش نظرية المؤامرة، لو ذهبت إلى أن تمرير موضوع السد كان واحداً من الأثمان التي دفعها عبد الفتاح السيسي لتعويم انقلابه، إقليمياً ودولياً.
الرجل الذي يحارب سيناء، ويحرقها على رؤوس سكانها، إرضاء لإسرائيل، لا يمانع أيضاً في إحراق النيل، وإحراق مصر، عطشاً وجدباً، كي يستتب له الحكم، ودعك من هذه المهارشات السينمائية الساذجة التي تتحدث عن استخدام الحرب سلاحاً للدفاع عن حقوق مصر التاريخية في مياه النهر.
النظام المتفرغ لقضيتين أساسيتين، هما الحرب على الحريات والديمقراطية، والحرب على كل ما يهدد أمن إسرائيل، لا يعرف معنى الحقوق التاريخية، والجغرافية، ومن ثم قضية النيل بالنسبة له ليست أكثر من موضوع فرعي، أو وسيلة للاستمرار في الحكم.
بمناسبة حديث الحرب، كان رجال عبد الفتاح السيسي الحاليون، مجموعة من الأشاوس المغاوير، يدقون طبول الحرب على إثيوبيا، طوال الفترة التي كان فيها الدكتور محمد مرسي رئيساً لمصر، ثم تحولوا إلى حمامات سلام وعصافير محبة، حين ضربت أديس أبابا بالمطالب والحقوق المصرية عرض الحائط.
قبل الانقلاب العسكري على مرسي بثلاثة أسابيع، ارتدى الكاتب مكرم محمد أحمد ثياب الجنرالات، وأطلق صيحة الحرب على صفحات "الأهرام"، فكتب تحت عنوان "الحرب الضرورة" ما يلي "ولا أظن أنني أغالي حين أقول إن مصر تواجه منعطفاً خطيراً لا مفر من أن تكون الحرب أحد خياراته الاستراتيجية، إن فشلت جهود التصالح مع الإثيوبيين التي ينبغي أن تنهض على أساس توازن الحقوق وعدم الإضرار بمصالح أي من الأطراف" (الأهرام 4 يونيو/حزيران 2013).
وبعد أكثر من عامين، ومع مضي إثيوبيا في بناء سدها وتشغيله، عاد مكرم محمد أحمد، ليحذر من أن "استخدام القوة سيؤدي إلى انقلاب الرأي العام العالمي على مصر"، ثم يشرح "إن مصر ملتزمة بالحوار وبالسلمية، وخاصة بعد حديث الرئيس السيسي في قمة المناخ والتحدث باسم إفريقيا، وإرسال أفضل وأرقى الدبلوماسيين إلى القارة السمراء، بدلا من إرسال المغضوب عليهم سابقاً، وعدم التخلف عن أي اجتماع بإفريقيا"، منوها إلى أن هناك تغيراً نوعياً في توجهات وسياسات مصر اتجاه إفريقيا.
يكتب مكرم في الأهرام 15 ديسمبر/كانون الأول الجاري "وما لا يعرفه الكثيرون أن مصر الدولة لم تعتبر الخيار العسكري الحل المتاح والصحيح لخلافاتها مع إثيوبيا، بعد أن أسقطت بجرة قلم حقوق مصر المائية".
لماذا كان السد خطراً، والحرب ضرورة، عندما كان رئيس مدني منتخب في الحكم، ثم صارت الحرب خطراً، وعملاً لا يجوز مع استيلاء جنرال الحرب على الحكم؟
الحاصل أن نظام السيسي لم ولن يستخدم سلاحاً واحداً من الأسلحة التي كفلها القانون الدولي للدفاع عن حق مصر في النيل، بما فيها القوة العسكرية، واللجوء للتحكيم الدولي، ذلك أن الجهد كله مخصص لتغذية وتحديث ترسانة العسس وزوار الفجر، الذين يداهمون شباب الثورة في بيوتهم، وباتت الجبهة الوحيدة للحرب هي ميادين التظاهر، ليصبح اختطاف أعضاء المكتب السياسي لحركة 6 إبريل أهم بكثير من الالتفات إلى كارثة احتمالات الهلاك الثاني للمصريين عطشاً، بعد ثمانية آلاف عام من هلاكهم الأول، في الألفية السادسة قبل الميلاد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق