الاثنين، 21 ديسمبر 2015

إيران وخطة إسماعيل

إيران وخطة إسماعيل



شريف عبدالعزيز
 التاريخ الحديث الذي عادة يكتبه المنتصرون ، ويصدقه المقهورون ، وينبهر به المغفلون ، لا يأبه كثيرا للجرائم الأممية التي أدت إلى محو مساحات جغرافية ومعطيات ديمغرافية من الوجود، مادامت تتم تحت عنوان "التوافق الدولي " ورضا الأقطاب النافذين، العنوان الذي أُريد له أن يكون "شرعيا" وفق معايير الأقوياء، ليتم تبرير وتمرير أبشع الجرائم المعاصرة تحت سمع وبصر الجميع ؛ إلا وهي جريمة " طمس الهوية المجتمعية للشعوب "أو بعبارة أخرى" التغيير الديمغرافي للدول والمجتمعات" .
 إيران اليوم، تُخبئ أفعالها وجرائمها الديمغرافية في العراق وسوريا ، باسم شرعية الحرب الدولية على "الإرهاب"، وباعتبارها جزءاً من التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية.إيران انتزعت هذا الموقع، عبر الميليشيات والأحزاب الموالية لها، المهيمنة على البلاد.وفرضت نفسها حليفاً موضوعياً،رغم الخصومة مع الغرب في بعض الملفات،حيث بدأت فعليا العمل على خلق خريطة  إقليمية جديدة لتثبيت مناطق "نفوذها"، بشكل يوحي برغبتها الصريحة في إيجاد جدار، يُرسم على طاولة التقاسم، بعد تنفيذه على أرض الواقع.
والهدف الإيراني،ليس طرد المجاميع"الإرهابية" حسب توصيفهم فحسب،وإنما فرض الهيمنة على الأرض وتغيير الديمغرافيا السكانية لمناطق بعينها، وهذا ما تؤكده الوقائع والمشاهدات .
البداية كانت مع الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 والذي خلق تغييرات ديمغرافية كبيرة أثرت في التركيبة السكانية لعدد من المدن العراقية، لا سيما تلك التي تقطنها أقليات عرقية ومذهبية مختلفة.فبعد أحداث العنف الطائفي التي أعقبت استهداف مرقد الإمامين العسكري والهادي عام 2006 في سامراء شمالي بغداد، شهدت مدن العراق تغيرات في تركيبتها السكانية وذلك تحت إشراف ودعم وتمويل إيران اللاعب الأبرز والأكثر تأثيرا في الفضاء العراقي في مرحلة ما بعد صدام حسين.
فقد طرحت إيران نفسها كداعم للعراق "الجديد" حيث عززت العلاقات الاقتصادية والدينية والإعلامية لتوسيع نفوذها وترسيخ مكانتها كقوة اقليمية متحكمة، لكن السلاح الإيراني، الأشد تأثيراُ، هو ما انتهجته، بشكل سري ومعلن،من تشكيل لميليشيات طائفية مسلحة وتمويلها، مع تركيزها على تقسيم المجتمع العراقي من خلال ممارسات حكومات طائفية مهلهلة تابعة لها، حتى تتمكن من إعادة هندسة العراق كما تريد ، أو بعبارة أخرى فرسنة العراق.
وبلغ عدد الميليشيات التي شكلتها إيران في العراق، ونقلتها لسوريا فيما بعد أكثر من 50 تنظيماً ميليشيوياً شيعياً،حيث تدعي إيران أنهم يتدربون ويقاتلون ضد تنظيم داعش "تنظيم الدولة الإسلامية ".
وتشكل عدة تنظيمات منها فروعاً مسلحة لأحزاب سياسية قائمة أو تتبع رجال دين منفردين،كما تُعتبر البعض منها واجهات لجماعات قائمة فيما تُطور جماعات أخرى هويتها الخاصة ووجودها الخاص.بالإضافة إلى ذلك،تشكلت ميليشيات جديدة على غرار"الحشد الشعبي"وهي تنمو بالحجم والنفوذ.
ومؤخرا قامت قيادات دينية شيعية في محافظة بابل العراقية قامت بتهيئة مخيمات لتدريب الإيرانيين والأجانب الذين اقتحموا الحدود العراقية مؤخرا ودخلوا إلى العراق دون أوراق ثبوتية، ويشرف على هذه المخيمات منظمة بدر التي يقودها القيادي في الحشد الشعبي هادي العامري الذي قام بنقل 2500 إيراني وأفغاني قدموا بحافلات من محافظة كربلاء إلى مناطق جنوب محافظة بابل،حيث تم تجهيز مخيمات لهم بعيدة عن المناطق السكنية لتدريبهم وإلحاقهم بالحشد الشعبي الطائفي،ومعسكرات مماثلة تم إنشاؤها في كل من جنوب كربلاء والكوت وديالي،وهي أكثر المناطق التي شهدت تغييرا ديمغرافيا في العراق لصالح الشيعة الفرس تحديدا. ولمحافظة ديالى الأهمية الاستراتيجية الأولى بالنسبة لإيران؛ فهي بوابتها الغربية الأقرب باتجاه بغداد، وتربط جنوب العراق بشماله، ولها من الناحية المذهبية ما تستند إليه، وبدأت بالترويج له عبر "قنواتها الناعمة" في الداخل العراقي؛ فهي الطريق إلى الجوادين في سامراء، وطريق الزوار الشيعة القادمين من إيران.
أما في سوريا فقد استثمرت إيران في مشروعها القاضي بتغير التركيبة السكانية بالمدن السورية أمرين، الأول:ظروف الحرب ودعم النظام بشتى أنواع الأسلحة الفتاكة لتهجير السكان من مناطقهم عبر سياسة ممنهجة، أما الأمر الثاني: خضوع النظام بالكامل للأوامر الإيرانية ثمناً لدعمه واستخدامه كأداة لتوسيع النفوذ الإيراني في سورية على غرار ما يجري في العراق، وذلك مقابل حماية من المحاسبة. وقد كشفت مفاوضات فك الحصار الإيراني لمنطقة الزبداني المشروع الإيراني القاضي بتفريغ الزبداني من سكانها واستبدالهم بسكان بلدتي "كفريا والفوعة" الشيعيتين بريف إدلب، ويتزامن ذلك مع تعزيز تواجد النفوذ الإيراني بالعاصمة دمشق وما حولها.
وشهدت المدن السورية حالات أخرى موثقة تعكس حصول تغيير ديمغرافي ما زال يحدث حتى الآن، ففي مدينة القصير بريف حمص تهجر آلاف السكان السنة منها بعد سيطرة قوات النظام والميليشيات الطائفية المدعومة إيرانياً عليها لا سيما ميليشيا "حزب الله" في منتصف عام 2013، ولم تخفي الميليشيات حينها سعيها إلى تحويل المدينة إلى ملاذ آمن للشيعة،وباعتراف لبناني فإن القصير باتت تشهد تواجداً شيعياً كبيراً من قبل ميليشيا "حزب الله" اللبناني،وتمنع قوات النظام وميليشيا "حزب الله" سكان القصير من العودة إليها حتى اليوم ، وقد تحولت المدينة إلى ثكنات عسكرية ومراكز لتدريب الميليشيات الشيعية .
أما في حمص فثمة تحرك محموم لتفريس المدينة،فمجلس محافظة حمص التابع للنظام وضع "تحذيرات" على أبواب المحلات في السوق القديم بمنطقة حمص القديمة تطالب أصحابها (الممنوعون المهجرون أصلاً) بالعودة إلى فتح محلاتهم، وإلا سيجري تسليمها إلى آخرين ،ويقصد بالآخرين هنا العلويين والشيعة.وللمضي في التغيير الديمغرافي في مدينة حمص أحرقت قوات النظام وميلشيا"حزب الله"السجلات المدنية والعقارية للسكان، ما يعني ضياع بيانات آلاف العائلات التي تثبت أحقية تواجدها في حمص وامتلاكها للعقارات والمنازل،وبالتالي فإن آلاف السوريين باتوا بلا حقوق في حمص .
ويلاحظ أن التغيير الديمغرافي الذي تسعى إليه إيران في سورية يتركز في مناطق غرب سورية، بحيث تخلق منطقة نفوذ تضم المؤيدين للنظام وأصحاب الولاءات لإيران من العلويين والشيعة، بما يساعدها على توسيع رقعة النفوذ إلى الأراضي اللبنانية حيث يتواجد أنصار ميليشيا "حزب الله" في البقاع وبعلبك على الحدود السورية اللبنانية.
ولعل المنطقة الأهم بالنسبة لإيران هي العاصمة السورية دمشق، وذلك لدلالاتها الدينية والسياسية، وتعزز إيران نفوذها في دمشق عبر الدفع في إنشاء الحسينيات وتعظيم المظاهر الشيعية في المدينة التي تعرض سكان أريافها إلى عمليات تهجير ممنهجة، ومن ناحية ثانية فإن نظام الأسد يساعد المخطط الإيراني في تغير التركيبة السكانية للأحياء الدمشقية عبر بيع العقارات إلى عائلات المقاتلين الشيعة من العراقيين واللبنانيين.
ويوجد في دمشق أحياء ومناطق بات يطغى عليها التواجد الشيعي أكثر من ذي قبل كـ "حي الأمين، وزين العابدين، وحي الجورة (الذي بات يسمى بحي زين العابدين) وأحياء في دمشق القديمة، ومنطقة السيدة زينب"، ويتحدث سكان العاصمة عن أن دمشق بات يكسوها السواد بشكل لافت خلال العامين الماضيين، حيث تنتشر الأعلام السوداء التي تعد رمزاً للشيعة، بالإضافة إلى انتشار اللطميات في أسواق دمشق كسوق الحميدية .
وبات  يمثل ما يعرف بمشروع "مدينة الاقحوان" في دمشق خطراً إيرانياً على تركيبة السكان في العاصمة،إذ من المقرر أن تهدم آلاف المنازل في مناطق المزة، وكفرسوسة، وغرب الميدان، والمتحلق الجنوبي، في خطة تستهدف أهالي دمشق الأصليين وتستهدف تغيير ديمغرافية السكان في المنطقة،ومن المتوقع أن تصبح هذه المنطقة قريبا محشراً إيرانياً للنظام سيما أنها تتمتع بموقع استراتيجي بالقرب من السفارة الإيرانية التي شيدها النظام منذ 8 سنوات في المزة، كما أنها قريبة من مجلس الوزراء ووزارة الخارجية .
وخطة التغيير الديمغرافي التي تقودها إيران بالتعاون مع الأسد ومليشيا حزب الله تهدف لتقسيم سوريا إلى ثلاث مناطق، المنطقة الأولى ويرى فيها الحلف الثلاثي أنها غير قابلة للتفاوض، ويطلق عليها اسم "سوريا المفيدة"والمنطقة الثانية تضم المناطق التي يتعين على الحلف إبقائها تحت سيطرته؛ إما لحماية المنطقة الأولى أو لاستخدامها في وقت لاحق كورقة ضغط، فيما تندرج المنطقة الثالثة ضمن المناطق المستحيل السيطرة عليها .
إيران تهدف من هذه الجريمة الأممية الخطيرة لتكرار تجربة الشاه إسماعيل الصفوي مؤسس الدولة الصفوية الخبيثة ، حيث بنى دولته بخطة التغيير الديمغرافي للهضبة الإيرانية ،بإجبار السكان السنّة في الهضبة الإيرانية على الهجرة وترك ديارهم أو التشيع ، وكان إسماعيل الصفوي شديد التشيع والتعصب، سفك دم قرابة المليون مسلم سني من أجل فرض التشيع الاثني عشري على سكان البلاد، واستعان على ذلك بالعصبية القبلية لقبائل القزلباش العلوية حتى استطاع إسماعيل الصفوي أن يجبر سكان البلاد للتحول للمذهب الشيعي بعد أن كانوا على السنة،وكان إسماعيل الصفوي شديد السطوة والبطش والإرهاب فخضع له الناس مقهورين.وإيران تريد خلق إمتداد جغرافي جديد في المنطقة يفرض واقعا جيوسياسيا يتجاوز المحاولات المتسارعة للدول السنية لمحاصرة النفوذ الإيراني الممتد إقليما في الأربع جهات.ولعل إيران تكون قد نجحت إلى حد كبير في تغيير التركيبة السكانية للعراق وسوريا،وقد تكون تصريحات مستشار الرئيس الإيراني لشئون الأقليات "علي يونسي" عندما تكلم عن ميلاد إمبراطورية إيرانية جديدة عاصمتها بغداد ليس مجرد أماني معمم محترق بطائفيته المقيتة ، بل حقيقة جيوسياسية هي الأخطر والأكبر في تاريخ الأمة ،ما لم تدرك دول المنطقة هذه الكارثة المستقبلية التي تهدد العالم بأسره.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق