الخميس، 24 ديسمبر 2015

اختصاص إغاثة الملهوفات

اختصاص إغاثة الملهوفات

 أحمد عمر

جلسنا، أنا وحجي، على تلةٍ مطلةٍ على بحيرة كبيرة، شربت أمطاراً كثيرة. قال: الأسد ملأ أطراف الأرض بالثكالى والأرامل. 
هززت رأسي متحسراً، فقال، وهو ينظر إلى البعيد: أفكر في أن أكسب ثواب الزواج من نازحةٍ، يا أسدي المصفد بالسلاسل.. إنها المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، يجب مواساة هؤلاء الأرامل المكسورات، وجبر خواطرهن. 
فوجئت: وخاطر اللبوة زوجتك؟ 
قال: زوجتي كبرت، وشاخت، وشيّبتني معها. لا تكفُّ عن شراء الأثاث، يا سبعي، سأغرق يوماً في المتاع والأثاث، يا ليثي المصفد بالسلاسل، والنفس خضراء، ما أكرم هذا الدين، والزواج سنّة. قال الرسول عليه الصلاة والسلام : تكاثروا، فإني مباهٍ بكم الأمم. العلمانيون الكفار يقصدون الخليلات، وينالون الأوطار، ونحن نفتح فمنا للهواء الطيّار. 
 قلت: ذكّرتني بمسلسل سوري درامي عرض في سورية، وصار له أجزاء كثيرة، اسمه باب الحارة. يذكّر بالتقاليد الأصيلة، ويحيي مكارم الأخلاق، ثم تعرّض لحركةٍ تصحيحيةٍ، فصار مسلسلاً علمانياً سافراً، مهمته السخرية من تعدد الزوجات التي أباحها الله لعباده... ولكن، هل لديك سكن للثانية؟ 
قال الحجي، وهو يدقّ لي على صدره، مثل كينغ كونغ وكأني ولي العروس: البيت جاهز، فابني ليس مستعجلاً، لديه خدمة عسكرية سنتين، أما أنا فيصعب علي الانتظار. العمر يتسرب من بين أصابع الزمن، يا رئبالي المصفد بالسلاسل. 
يبدو أن الشهوة تزداد والدين ينقص مع الزمن، ولا بد من إكماله بالعبادة والتقوى و.. الإحصان. 
آزرته: كان عمر، رضي الله عنه، يكثر النكاح، ويقول‏:‏ ما أتزوج إلا لأجل الولد، وماتت امرأتان لمعاذ بن جبل، رضي الله عنه، في الطاعون. وكان هو أيضاً مطعوناً، فقال‏:‏ زوّجوني، فإني أكره أن ألقى الله عزباً‏. 
ـ ولكنك مطعون في ظهرك.. أقصد متزوج، يا صاحب العرين. 
قال: وربّ الكعبة المكرمة والقدس الشريف والبيت الأبيض وتشانكايا، ليس لي في بيت أم فرقان إلا حوض السمك.
وهمس في أذني: أختك أم فرقان متقاعدة، أعنّي، يا ضرغامي، على جبر أرملة مهاجرة. سنؤاخي المهاجرين مؤاخاةً ونصاهرهم مصاهرة. قلت: حجي أزور صديقاً مدرساً في مدرسة شامنا في حي آسنلر، وفيها مدرّسات كثيرات، كل مدّرسة مثل العسل في شهده، وألحظهن، وهن يتحدثن في الهاتف، ويشكين لأقاربهن الضياع وقسوة اسطنبول. وأظنّ أنّ طلبك عندي، وضربت على صدري، مثل كينغ كونغ بعد سلبه نعومي واتس. 
قال: أريدها حسناء. وأدار بأصابعه كوكباً في درس جغرافيا. قال: في مشمش الأربعينيات، أو كمثرى الثلاثين. 
سأبحث لك عن شامية. الشامية امرأة صُناع، هشّة مثل البسكويت، حلوة مثل راحة الحلقوم، وستشكل آسك إن شاء الله. 
ـ ما معنى تشكل آسي، يا ليثي المصفد بالسلاسل؟ 
هذه ستشرحها لك العروس شرحاً. سترى الآس على شجر الخرنوب، والديناصورات في أقفاص الكناري. 
قال: وأنت، يا قسورتي المقيد بالأكبال، حالتك تصعب على الكافر. 
قلت: وضعت يدك على جرح عميق، مثل أخدود القمر، أتعرف الوسادة الريش التي أهديتني إياها؟ فهزّ رأسه نفياً. 
- الآن هي وسادة منتوفة بلا ريش. مجرد خرقة من براثن الشوق. 
- ابحث لنفسك عن أرملة، يا غضنفري المصفّد بالسلاسل والقيود. 
قلت: الحقيقة أطمع الزواج في أنصارية، عندي ثلاث مقاعد شاغرة في القلب. كثرة النساء ليست من الدنيا، يا صاحب العرين، لأنّ علياً، رضي الله عنه، كان أزهد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان له أربع نسوة وسبع عشرة سرية‏.‏ 
وبعد أن تعانق الأسدان المصفدان بالسلاسل، غادرت الحديقة، ولقلبي زئير، لحق بي، وناولني مائة ليرة، وقال: خُذ تاكسي.. أسرع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق