انقلابيون ضد الانقلاب على الطلاب
"إن الموقعين أدناه يؤكدون، أخيراً، على دعمهم الكامل للاتحاد العام لطلاب مصر الشرعي والمنتخب، ويرفضون أي عبث بإرادة الطلاب وأصواتهم الحرة، ويطالبون كل صاحب مسؤولية في هذا الوطن أن يتحمل مسؤوليته، ويُعيد الأمور إلى نصابها، عوضاً عن قتل الأمل في قلوب هؤلاء الطلاب".
ما سبق فقرة ختامية في بيان محترم، صاغته مؤسسة حرية الفكر والتعبير في مصر، في إطار حملة توقيعات تطالب باحترام أصوات المقترعين وإرادتهم، في انتخابات اتحاد الطلاب على مستوى الجامعات المصرية، والتي أسفرت عن فوز التيار المنتمي لثورة الخامس والعشرين من يناير، بأغلبية كاسحة.
في بلد يكره الديمقراطية، ويحتقر الحريات ويقتل السياسة كل يوم مائة مرة، كان من الطبيعي أن تصاب حكومة عبد الفتاح السيسي بحالة سعار، دفعتها إلى إلغاء نتيجة الانتخابات الطلابية، وتعتبرها كأن لم تكن، ليشتعل الغضب في الصدور، ويتداعى القوم منتفضين على الشبكة العنكبوتية، دفاعاً عن هذا الاعتداء الصارخ على الديمقراطية، وعلى الاتحاد المنتخب، بإرادة الناخبين الحرة.
كل هذا جميل ومطلوب ومحترم، غير أنه يطرح سؤالاً موضوعياً: هل يمكن أن يكون الذين شاركوا، أو استُعملوا "بالمبني للمجهول" في الاعتداء البربري على الديمقراطية، واغتصاب سلطة الرئيس المنتخب، ودهس إرادة وأصوات الناخبين بالأقدام، وتقييد المعترضين بالأغلال، وتصفيتهم بأكثر الأسلحة فتكاً، في أثناء اعتصامهم سلمياً، هل يمكن أن يكون هؤلاء جديرين، أو مؤهلين، للانتصار لعملية ديمقراطية، تخص الطلاب؟
مبعث السؤال أن من الموقعين على بيان الدفاع عن سلطة "الاتحاد المنتخب" كانوا هم أنفسهم من الأكثر حماساً وتطرفاً في الاعتداء على سلطة "الرئيس المنتخب".
أغمض عينيك، وتخيل نفسك عبد الفتاح السيسي، أو غيره من الجنرالات، وأنت تطالع بياناً غاضباً لديمقراطية الجامعات المعتدى عليها، ومن الموقعين عليه محمد أبو الغار أو حسام عيسى أو عبد الجليل مصطفى، أو غيرهم الهاتفون والهاتفات "أدركنا بالانقلاب على الرئيس الشرعي يا سيسي"، أو عداهم من الملتفين حول شعار "افرم يا سيسي واضرب واقتل"، فماذا سيكون رد فعلك، سوى ابتسامة لئيمة ترتسم على الوجه، وكأنها نسخة بالكربون من ابتسامة أبطال أفلام الشر في سينما الحارة المصرية القديمة؟
تخلى هؤلاء مبكراً عن الديمقراطية، في تطبيقها الأوسع، فكيف لهم أن يكونوا فاعلين وناجزين في حماية الديمقراطية في الساحة الجامعية؟
كان أصحاب الأسماء الرنانة، ممن يعدون "رموزاً" أول من طعن كفاح الطلبة، وتركوهم يواجهون الجحيم وحدهم، حين تركوا نهباً للدولة الأمنية التي خصصت لمكافحتهم شركة أمن خاص، تمارس نشاطاً هو للبلطجة أقرب من الحراسة، فكان سكوتهم على "غزوة فالكون" للجامعات ممهداً لانفراد سلطة حمقاء بجموع الطلاب.
في أكتوبر/ تشرين الثاني 2014، كان استعمار "فالكون" الحرم الجامعي، وقلت وقتها: لو كنا في ظروف طبيعية، ولو أن مصر هي مصر الحقيقية، لكان حسام عيسى، المناضل الناصري القافز من قطار الثورة إلى حافلة الانقلاب، وعبد الجليل مصطفى، المنسحب من النضال الوطني في ميدان التحرير إلى عيادته الخاصة على أطراف الميدان، ومحمد أبو الغار، المحارب السابق دفاعاً عن الديمقراطية والحريات، لكان هؤلاء الثلاثة، على وجه الخصوص، يقودون ثورة طلاب الجامعات، المشتعلة ضد احتلال "فالكون" ساحاتها الآن.
فالثلاثي السابق أفنى كل منهم سنوات من عمره في النضال، من أجل جامعة مصرية حرّة مستقلة، ومن خلال حركة 9 مارس لاستقلال الجامعات التي قادوها مع آلاف من الأساتذة والمدرسين الأحرار، خاضوا معارك حامية الوطيس ضد الهيمنة الأمنية على الجامعة، على مدار العقود الماضية، منذ السبعينيات وحتى استيلاء عبد الفتاح السيسي على حكم مصر، بمعاونتهم، للأسف.
الديمقراطية لا تتجزأ، ولا يستقيم أن تكون ضد الديمقراطية ومخرجاتها، في الدائرة الأوسع، ثم تدّعي أنك معها في النطاق الأضيق. كما لا يصح منطقاً أن تكون مؤيداً ومشاركاً في الانقلاب الأكبر، ثم تريد أن تقنع الناس بأنك مناضل ضد الانقلاب الأصغر.
غير أن الأكثر مجافاة للمنطق وللعقل أن تنادي على الدبابة، لكي تنقذ اتحاد الطلاب "الشرعي المنتخب ديمقراطياً"، ومن يريد الانتصار للديمقراطية حقاً، ويريد حماية إرادة الطلاب فعلاً، عليه أن يدعم كفاحهم ويحميه، ويكون مستعداً لدفع الثمن.
تقول تجارب التاريخ إن الانقلابات لا تزول بمناشدتها ومغازلتها والتوسل إلى من قاموا بها، كما أن الحرية تُنْتزع، ولا تُمنح.
عاش كفاح الطلبة وعاش صمود المدافعين عن ثورتهم وديمقراطيتهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق