السيرة النبوية .. بلا نهاية
أحمد عمر
مكتوب علينا أن نتعلق حبا أو إعجابا بالمتفوقين والموهوبين من البشر، فالمرء يعرف ضعفه وقصوره، ويرى مظاهر قوة الآخرين ويؤخذ بها لبه فتلك غريزة بشرية.
العالم يحبُّ المغنّي والمغنّي يعجب بالكاتب المؤلف والشاعر بالرياضي والمواطن العادي يعجب بهذا أو بذاك أو بالجميع.
ألحظ غيرة شديدة من أصدقاء في الفيس بوك، يغضبون ويحيصون حيصة حمر الوحش إذا أحسوا لمزا لسعيد عقل -مثلا- أو فاتن حمامة أو سعاد حسني.. ! يقول عزمي بشارة عن تفسير الظاهرة إنها تعويض عن الإيمان الديني المهدور. وتشيع طائفة من الملحدين يقدسون مبدعا أو فنانا.
أما أنا فقدوتي وأسوتي ومناط إعجابي وتقديري كان دوما الأنبياء.
سألت مرة جمعا من الأصدقاء: ما الفرق بين قصة خاتم الأنبياء وقصص الأنبياء؟
فجاءتني أجوبة مختلفة معظمها صحيح، جوابي لسؤالي الذي صيغ بطريقة غير صحيحة، فكان أنّ قصص الأنبياء، قابلة للإحاطة، مع غناها بالتأويل، أمّا قصة خاتم الأنبياء فهي سيرة كثيفة وثرية بالوقائع والأحداث وآلاف القصص، وملهمة ومزهرة، وذات طبقات، وهي تبدأ دائما بولادة آدم أبو البشر، و تكاد تكون غير منتهية .
السيرة النبوية بقصصها و أحداثها يمكن الاطلاع عليها من السير المعروفة.
السيرة النبوية هي أحداث حياته صلى الله عليه وسلم: مولده، نشأته، البعثه، الهجرة، الغزوات، الوفود ... حتى الوفاة.
وهي غير كتب الشمائل النبوية التي تذكر:خِلقته، خُلُقه، طعامه، شرابه، لباسه، حياته الخاصة.
وأهم كتب السيرة حسب العريفي هي سيرة ابن إسحاق توفي 151هـ، فهو المرجع الأول والأقدم، لكن أكثره مفقود ولذلك فعمدة العلماء على مختصره لابن هشام توفي 218هـ.
ومن أحسن من كتب في السيرة الإمام ابن القيم في كتابه الشهير: زاد المعاد في هدي خير العباد 5 مجلدات، ولكن فيه أبحاث طويلة في مسائل فقهية متفرقة، ولذلك قام الشيخ صالح محمد الشامي بانتقاء السيرة فقط من زاد المعاد، وجعلها في مجلد واحد سماه سيرة خير العباد وهو كتاب نافع جدا.
ومن أحسن كتب السيرة المعاصرة كتاب الرحيق المختوم وهو مشهور، ومن أسهل كتب السيرة وأصحها وأوضحها: كتاب السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصيلة د.مهدي رزق الله، ومن أكثر كتب السيرة فائدة ومتعة كتاب: "هذا الحبيب يا محب" وهو مجلد متميز للشيخ أبي بكر الجزائري.
أما كتب الشمائل فأشهرها الشمائل للترمذي، اختصره الشيخ الألباني في كتاب مفيد جدا اسمه: مختصر الشمائل المحمدية..، وفيها وقائع وتواريخ كثيفة، لا يمكن بلوغ كل دلالاتها وفتح محاراتها واستخراج جواهرها، وهنالك كتب دلائل الإعجاز التي تروي قصصا إعجازية وقعت لخاتم الرسل؛ يزعم كاتب نقدي علماني مسيحي سوري أنّ المؤرخين قلدوا بها معجزات المسيح!
وقد كتبت مئات الكتب في السيرة وفي فقه السيرة: محمد الغزالي ومحمد البوطي والسيد سابق ومصطفى السباعي. السيرة النبوية بحر محيط!
لكن هنالك ما يمكن أن نسيمه: سيرة ثانية ونجدها في أقوال النبي صلى الله عليه وسلم، هي الأحاديث الشريفة (أوتيت جوامع الكلم) وسيرة ثالثة أو طبقة ثالثة من السيرة، نجدها في أسباب النزول، وسنجد سيرة "رابعة" في عشرات الآلاف من سير وتراجم الصحابة الذي ينيف عددهم عن المائة ألف، وتمتد السيرة النبوية حتى أيامنا، فنجدها في إسلام أشخاص بوساطة حديث شريف أو آية كريمة.
وقد شهدت إسلام إنجليزي بواسطة حديث من الأربعين النووية ، هو"أفشوا السلام بينكم" .. فليسلم الراكب على الراجل و الراجل على القاعد .." كان معجبا ومذهولا بحسن الترتيب في السلام الإسلامي منذ1400 سنة، ثم لاحقا بمعنى الحديث والنظام الاجتماعي المبكر فيه، ثم باسم الدين: الإسلام.
قرأت سيرتين أو ثلاث، وعددا من كتب فقه السيرة وتحليلها، ودائما أفاجأ سماعا أو قراءة بوقائع وقصص جديدة، لم أجدها أو اطلع عليها، واطلعت على معظم شبهات السيرة وأهم الردود عليها- موسوعة شبهات السيرة لشحود- وهي تحتاج إلى تهذيب وجهود معهد أو مجموعة من العلماء، وتذكر كتب السيرة أدق التفاصيل عن حياة النبي، وأسماء سلاحه وركوبه!
بينما نجهل أسرار حيوات زعماء معاصرين، تنقل التلفزيونات صورهم وأخبارهم على مدار الساعة، بل إنّ حيواتهم ألغاز كتيمة! ولم يكن للنبي عليه الصلاة والسلام الذي تزوج تسعا من النساء أو اثنتي عشرة، فسحة من الاختلاء بنفسه سوى أوقات الصلاة، فليس في حياته أسرار، فمن يتزوج هذا العدد من النساء ويكون له هذا العدد من الصحابة لن يختلي بنفسه سوى في الصلاة التي كان فيها إماما.
كتب مفكر علماني نقدي ساخرا من المسلمين الذين يختلفون على مولد النبي، كيف سيتفقون على هلال رمضان؟
والجواب هو: أنّ مولد النبي في حياة المسلمين ليس له أي دلالة فقهية أو تشريعية، ولهذا اختار المسلمون الهجرة بداية للتاريخ، ولم يكن تاريخ المولد مهما، إلا بعد أن قلدوا الغرب غيرة من مولد المسيح بعد الحروب الصليبية، وهاهم جعلوا للمولد في مصر "باربي" ترتدي تنورة راقصة!
أما هلال رمضان فليس من الضروري أن يصوم المسلمون معا في اليوم ذاته، فالرؤية هي بالعين المجردة، والعيد بالاختلاف يمدّ العيد يوما أو يومين في العالم الإسلامي. إلا إذا أعلنت دولة مسلمة الحرب على أخرى بسبب الخلاف على بدء شهر رمضان!
المقارنة طريقة من طرق المعرفة؛ فالعظماء والزعماء المعاصرون الذين تنقل الفضائيات والأرضيات أخبارهم ليل نهار لا نعرف عنهم شيئا، سوى طرق القتل والحرب والتمجيد والغزوات الجنسية، بينما نعرف أدق التفاصيل عن حياة خاتم الأنبياء .
ويمكن تأليف كتب عن الحيوان في حياة النبي عليه الصلاة والسلام، والأطفال في حياة النبي.
الغربيون لا يعرفون الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو الذي قال ما هو أجمل من "القصيدة" عن جبل وقع عليه ما وقع من دماء وشهداء: "أحدٌ جبل يحبنا ونحبه". وما علمناه الشعر وما ينبغي له.
وغالبا ما تحتفل السلطات العربية في سوريا العلمانية ومصر الانقلابية وغيرها من الدول العربية "الاسكندنافية" بعيد المولد النبوي الشريف، بتحريف أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام والتقوّل عليه، وقتل سنته وأتباعها، وتحويل عيد المولد النبوي إلى عيد للرئيس الذي يحتكر السلطات ومعنى السيرة النبوية ويجدد الإسلام والبيعة لنفسه في هذه المناسبة. تتحول ذكرى المولد إلى مناسبة للتشبيح على التاريخ والتجارة السياسية السوداء.
ليس الأسد والسيسي وحدهما بل هولاند وأوباما وأفيخاي أدرعي ومحمد دحلان يعرفون الإسلام الصحيح، الذي نجهله نحن الضالين. ويرديون أن يهدوننا إلى... هداهم!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق