كاتب ساخر وشاعر أردني.له إصدارات شعرية ونثرية،
عضو رابطة الكتاب الأردنيين واتحاد الكتاب العرب
أعترف بأن عبارات البيان الخرافي الذي جادت به قريحة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في الذكرى المائة والخمسين لتحرير العبيد، خضّتني من الأعماق، إلى حدٍّ شعرت معه برغبة عارمة لمراجعة أقرب دورة مياه، خصوصاً عبارته الساحقة "دعونا نكرّم ذكرى الملايين من الأميركيين من الأجيال السابقة الذين حاربوا وناضلوا من أجل الحرية والمساواة".
حاولت أن أتعاطف مع أوباما لسببين.
الأول، لأني شعرت أن خطابه يصدر عن معاناة ذاتية تخصّه، على اعتبار أنه لولا تحرير الزنوج لما أصبح هو رئيساً.
والثاني يخصني أنا الذي لم أزل أكافح للتحرر من عبودية أميركا.
كنت أود لو ختم أوباما خطابه بعبارة "أميركا حرّرت العبيد واستعبدت العالم"، لكنه لم يفعل، لأنه يعلم أن أميركا لن تعترف بهذا الاستعباد الذي تستمد منه قوتها وغطرستها.
والحال، يا سيدي الرئيس، أن أميركا كلها قامت على فكرة استعباد الآخر، أو إلغائه في حال أبى الخضوع لسيادتها.
ولأن الحرية تجبّ ما قبلها، فلن أعذب ضميركم بذكريات انتزاع فروات أكثر من مليون رأس هندي أحمر، كي تستقيم لرجالكم البيض عصا السيادة، ولن أتحدّث عن سفن الموت الأميركية التي كانت تغزو شعوب إفريقيا، وتسبي رجالها ونساءها، ثم تسوق "الغنائم"، في رحلات الهلاك والعري والجوع المضنية، إلى أراضيكم، وتحولها إلى رقيق في حظائر الاستبداد والتمييز العنصري، غير أنني أجد نفسي مرغماً على الحديث عن "عقدة الاستعباد" التي لم يتحرّر منها سادة أميركا بعد، على الرغم من كل حساسيتهم المفرطة التي يسوّقونها علينا حيال الإنسان وحقوقه.
فأن تحرّر أميركا عبيدها، ثم تبيد زهاء 750 ألف ياباني، عام 1945، بلمعة قنبلة نووية، ومثلهم من الجرحى والمشوهين، وأصحاب الجينات المدمرة بالسرطان حتى الآن، جرّاء الإشعاعات النووية، فذلك يعني أكثر من الاستعباد.
وأن تتجه الحرية الأميركية إلى إبادة نحو أربعة ملايين فيتنامي بين قتيل ومشوه، دفنتهم الغابات، في واحدةٍ من أبشع حمَلات الغزو التي سجلها التاريخ البشري، على شعبٍ مسالم، لم يكن يبحث سوى عن حريته وسيطرته على أرضه وموارده، فذلك يعني أن لا قيمة للإنسان خارج حدود أميركا.
وأن تستعمر أميركا الفلبين، نزولاً عند "رؤيةٍ" حلم بها رئيس أميركي مثلكم في منامه، ذات كابوس، ثم أمعن في شعبها قتلاً وتنكيلاً، وأن يمتد خيلاؤكم إلى غزو دولٍ كاملة، مثل بنما وغرينادا، لأن أنظمة الحكم فيها لم تعد تناسبكم، فذلك يعني أن العالم كله بالنسبة لكم حظيرة عبيد.
وأن تظل "جمهوريات الموز" اللاتينية تتضوّر جوعاً حتى اليوم، بفعل النهب الأميركي لمقدراتها وثرواتها، فذلك يؤشر إلى أن أميركا أصبحت تفضل استرقاق الشعوب في دولها، بدلاً من حملها إلى الأرض الأميركية، وتحمّل نفقات استعبادها هناك.
أما عن حصتنا، نحن العرب، من الاستعباد الأميركي، فلذلك رواية أخرى، لأننا لم نزل نعيش استرقاقاً مزدوجاً، بفضل ساسة عبيد سلطتهم أميركا على رقابنا، فأصبحنا عبيداً لعبيد، وهذا، لعمري، من أسوأ صنوف العبودية، ثم كافأتنا بمسخٍ صهيوني، أعملَ في أوصالنا تمزيقاً وترويعاً، فيما راحت تنهب ببطنٍ لا يشبع، ما تستطيع من مواردنا وثرواتنا.
وأما عن فظائع أبشع احتلال في القرن الجديد، فأترك حديثه للعراقيين، ولسجن أبو غريب، حيث ظهرت سادية "السيد" الأميركي في أجلى صورها قباحة.
أتساءل عن أي "تحريرٍ" تتحدثون بالضبط؟ وبماذا تفخرون، وقد جعلتم عالمنا الثالث برمته سلة مهملاتٍ لأساطيلكم وبوارجكم ونزواتكم؟
سيدي الرئيس، كنت أود أن أكون حراً كي أشارككم الاحتفال بذكرى تحرير العبيد، لكنكم أبيتم غير إبقائي لاهثاً خلف حلمٍ مسروقٍ، كلما أوشكت على إدراكه سطوتم عليه، وإلى أن أبلغ هذا الحلم، سأظل عبداً للحرية فقط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق