شريف عبدالعزيز
لأسباب تاريخية واجتماعية وسياسية وجغرافية ، تعتبر تركيا ومصر أكبر دولتين مسلمتين في المنطقة الإقليمية ، وفي نفس الوقت كلاهما يعتبر نفسه القوة الأكبر ، والطرف الأحق بقيادة العالم الإسلامي السنّي ، ولعل هذه النظرة التاريخية تمثل مدخلا لفهم كثيرا من التوترات المستمرة حتى اليوم ، والتي لم تكن وليدة الإطاحة بأول رئيس منتخب ديمقراطيا في مصر .
فتاريخيا ظلت العلاقة التركية المصرية تعاني من كثير من الأزمات والمطبات،فالدولة العثمانية لم تهنأ كثيرا بمصر منذ فتحها سنة 923 ه،حيث عاني العثمانيون من كون "مصر" حاضرة العالم الإسلامي لفترة طويلة،وعاصمة الأيوبيين والمماليك من قبل،ومركز الثقل الديني والسياسي في حقبة الحروب الصليبية،وحقيقة مصر لم تكن تابعة للدولة العثمانية بالمعنى الكامل،حيث كانت تدار بنظام الحكم الذاتي أو الأيلة في النظام العثماني،كما أنَّ مصر هدَّدت دولة "الخلافة" تهديدًا وجوديًّا، في ثلاثينيات القرن التاسع عشر وصل إبراهيم باشا نجل محمد علي إلى مدينة كوتاهيه على بعد 200 ميل فقط من العاصمة العثمانية إسطنبول!
استولى محمد علي على سوريا وفلسطين، ولم ينقذ الدولة العثمانية سوى تدخل بريطانيا وفرنسا لتقليص نُفوذ محمد علي.
بعد هذه الـ “هبَّة” التي قادها محمد علي سيطرت بريطانيا على مصر .
هذا التباين المصري التركي استمر حتى بعد سقوط الدولة العثمانية . فمع بداية عهد أتاتورك وقعت خلافات كبيرة بين البلدين، خصوصًا بعد تحرُّك بعض الضباط في الجيش المصري ، وقيامهم بثورة يوليو 1952 ، فقد اتجهت مصر بعدها ناحية الاتحاد السوفيتي ، بينما كانت تركيا قد توجَّهت بكل مقدَّراتها نحو أوروبا وأمريكا.
ساد جوّ من الغضب بين البلدين بسبب العلاقات القوية التي ربطت تركيا بإسرائيل بينما غضبت تركيا كثيرًا بسبب عدم دعم مصر لها في قضيَّتها مع قُبرص.
اتَّجَهَت العلاقات نحو المزيد من التعاون الاقتصادي في عهد الرئيس المخلوع الأسبق محمد حسني مبارك، في الفترة التي هيمن فيها العسكر على الحياة السياسية في تركيا ، ثم أخذت في التراجع بعد وصول حزب العدالة والتنمية للحكم سنة 2002 ، بينما اتسعت العلاقات بين البلدين بعد ثورة يناير2011.
تركيا رأت في ثورات الربيع العربي فرصة سانحة لتأسيس محور عربي تركي سنّي قوي قادر على مواجهة النفوذ الإيراني المتصاعد بكل قوة في المنطقة والتي تترجم في الهيمنة على 4 عواصم عربية في الجهات الأصلية الأربعة ، مما يعني تطويقا إستراتيجيا بالغ الخطورة ، وكان صعود الإخوان المسلمين في كلٍّ من مصر وتونس وليبيا مؤشرًا لصعود نجم أردوجان ذي الميول الإسلامية ، المحافظ التقليدي الذي استطاع أن يقود ثورة اقتصادية عارمة في تركيا ، لذلك كان من الطبيعي أن يحدث تقارب بين تركيا ودول الربيع العربي بقيادتها الجديدة المعجبة في الأساس بالتجربة الأردوجانية التركية .
وكانت مصر على رأس الدول التي حرصت تركيا على التقارب معها في مرحلة الربيع العربي.
ففي سبتمبر 2012، أعلنت تركيا عن تخصيص دعم مالي كبير جدًا، بقيمة ملياري دولار للاقتصاد المصري لتعزيز الاحتياطي المصري من النقد الأجنبي،كما وقَّع الجانبان على ما يقارب 40 اتفاقية في مجالات التجارة والعلوم والطاقة والدفاع والسياحة والبنوك وغيرها،ووصل حجم التَّبادُل التجاري بين البلدين عام 2012 إلى 5 مليارات دولار، أكثر من 90% منها صادرات تُركية لمصر.
كما بلغ حجم الاستثمار التركي في مصر 1.5 مليار دولار تركَّزت في قطاعات الغزل والنسيج وقطع غيار السيارات.
كذلك فقد وُقِّعت اتفاقية تجارة حرة بين البلدين،وفي مصر ما يقارب 230 مصنعًا تركيًّا يعمل فيها ما يقارب 51 ألف عامل مصري ،وخلال 2012 كانت مصر تقع في المرتبة الثالثة من الدول العربية المصدِّرة لتركيا، والرابعة عربيًّا في الاستيراد منها.كذلك تُعدُّ مصر كذلك أكبر مستورد أفريقي من تركيا بنسبة 26,7% من الصَّادرات التركية إلى أفريقيا.
كل خطوات التقارب التركية مع مصر استحالت كابوسا بعد 3 يوليو، فعلى الرغم من علم المخابرات التركية بالاستعدادات المسبقة للإطاحة بحكم محمد مرسي،إلا إن رد الفعل التركي على ذلك كان شديدا وربما مبالغا فيه.
فأردوجان لم يترك أي مناسبة رسمية أو غير رسمية ، داخلية أو خارجية ، محلية أو إقليمية أو دولية إلا وأعلن عدائه الصريح والواضح لمخرجات 3 يوليو، ورفضه القاطع للاعتراف بأي شرعية غير شرعية الرئيس المنتخب محمد مرسي،أردوجان الذي لم يترك فرصة إلا ورفع فيها شعار رابعة في إشارة إلى تنديده بمجزرة اعتصام رابعة العدوية؛ كان قد طالب مجلس الأمن، في أغسطس 2013، بفرض العقوبات على نظام السيسي.
في المقابل كان رد فعل نظام السيسي أشد ضراوة ، بدايةً من إعلانها أن السفير التركي غير مرغوب به في البلاد مع تخفيضها التمثيل الدبلوماسي إلى مستوى القائم بالأعمال، مرورًا بتحالفها الصريح مع الإمارات وإسرائيل ضد ترشح تركيا لمقعد في مجلس الأمن عام 2014، مرورا بإلغاء اتفاقية الرورو في أبريل الماضي والذي كان إلغاؤها ضررا بالغا على الجانبين المصري والتركي على حد السواء ، والأخطر من ذلك كله الدخول المصري في المحور المعادي لتركيا في حوض البحر المتوسط ،وهو المحور الذي يضم إسرائيل واليونان وقبرص اليونانية ، والذي يحاول الهيمنة على ثروات الحوض الشرقي في البحر المتوسط والذي يضم ثروات ضخمة من البترول والغاز الطبيعي ، مما حدا بالجيش التركي للتلويح ، فقد صرح قائد القوات البحرية التركية، الأميرال بولينت بستان أوغلو, على هامش التدريبات البحرية التركية "الحوت الأزرق"، أنهم سيطبّقون قواعد الاشتباك الكامل إذا وجدت السفن التركية سفناً حربية في منطقة شرق المتوسط الغنية بالبترول .
بالجملة العلاقات التركية والمصرية وصلت لمستوى من الانسداد والتوتر جعل فيها كل طرف يحضر بقوة في ملفات الطرف الآخر للمضايقة والمكايدة السياسية ، فكما يجتهد أردوجان في كل موطن من أجل نزع شرعية السيسي ، وعدم الاعتراف به ، واستضافة المعارضين السياسيين له ، وحشد المؤتمرات من أجل كشف جرائم نظام السيسي.
أيضا يجتهد السيسي في التدخل في كل الملفات التي تكون فيها تركيا حاضرة ، فمصر تعمل ضد تركيا في سوريا وليبيا ، والتقارب مع إيران والعراق واليونان وقبرص ، وكلهم منافسون تقليديون لتركيا في المنطقة .
غير أن كل هذه التوترات والتقاطعات في ملفات المنطقة كلها تقريبا لم تمنع من ظهور بوادر للتقارب بين تركيا ومصر ، ولعل أبرزها تصريحات وزير الخارجية المصري سامح شكري لإحدى الفضائيات عن أمل مصر بعودة علاقاتها مع تركيا إلى سابق عهدها. فقد أجاب على سؤال وجهه له عن سبب تأييد مصر لروسيا في صدامها مع تركيا على إثر إسقاط الأخيرة طائرة حربية روسية تقول إنها اخترقت حدودها.، بقوله:"لا أبدًا، لم نُؤيد أحدًا على أحد". كما أفاض في الحديث في هذا اللقاء عن أهمية عودة العلاقات التركية المصرية .فما السر وراء هذا التصريح المثير لمسئول مصري كبير بعد قرابة الثلاث سنوات من القطيعة والعداء السافر بين البلدين؟!
كثير من المراقبين أرجع إشارات التقارب تلك ، للجهود السعودية الرامية لرأب الصدع بين البلدين الكبيرين ، وذلك منذ وصول الملك سلمان للحكم في يناير 2015 ، والذي أخذ أشكال متعددة منها الاشتراك في عملية عاصفة الحزم في اليمن ، وآخرها تشكيل حلف عسكري يضم دول المنطقة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية ، وهو التحالف الذي ضم تركيا ومصر في عمل مشترك لأول مرة من يونيه 2013 ، فيما يعتبر تحولا في الموقف المصري تجاه الملف السوري والذي ظل متناغما مع الموقف الإيراني والروسي لفترة طويلة .
ورغم نفي وزير الخارجية المصري، خلال لقائه التلفزيوني المشار إليه سلفا ، وجود أي دور سعودي للتقريب بين مصر وتركيا، إلا أنّ ضابط المخابرات السعودية السابق ورئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية بجدة، أنور عشقي، أكّد على ما أشارت إليه وسائل الإعلام المصرية والتركية ،عن وجود ضغوط سعودية على مصر من أجل التقارب مع تركيا ، ولعل حزمة المساعدات السخية التي أعلنتها السعودية لمصر على خليفة الاشتراك في التحالف الإسلامي تمثل أداة ضغط مقنعة للتقارب مع الجانب التركي .
أيضا يرى بعض المراقبين أن تطبيع العلاقات بين تركيا وإسرائيل له دور وأثر في إشارات التقارب بين مصر وتركيا . فقبل أيّام قليلة، وقعت كل من تركيا وإسرائيل وثيقة تفاهم مُشتركة ،إلا أنّ أهمّ ما قد يُسفر عنه الاتفاق هو التعاون المتبادل بين البلدين في مجال الغاز الطبيعي، الذي تحتاجه تُركيا بشدة بعد توتر العلاقات بينها وبين روسيا التي كانت المورد الأوّل لها. يُمكن رؤية عودة المياه إلى مجاريها بين تركيا وإسرائيل في إطار سعي الأولى لسد الطريق أمام توسيع روسيا لنفوذها في المنطقة، بخاصة وأنّ مستوى ما من التنسيق العسكري يجمع كلًا من روسيا وإسرائيل، مُنذ بدء العملية العسكرية الروسية في سوريا.فلا يستبعد أن يكون هناك إشارات التقارب بين مصر وتركيا بوحي أو نصيحة من إسرائيل لكلا النظامين المصري والتركي،خاصة وأن إسرائيل في هذه المرحلة تحتاج إلى تركيا أكثر ، من أجل نقل الغاز الذي استولت عليه إسرائيل من الحقول المصرية في البحر المتوسط ، إلى المستهلك الأوروبي عبر الأراضي التركية.
وجدير بالذكر،أنه في الوقت الذي تتعاون فيه تركيا مع إسرائيل في مجال الغاز؛ تدخل العلاقات المصرية-الإسرائيلية في هذا المجال، نفقًا مُظلمًا بعد قرار التحكيم الدولي تغريم مصر 1.8 مليار دولار لصالح إسرائيل، ما دفع مصر إلى تجميد كافة مفاوضات الغاز مع الجانب الإسرائيلي، بعد أن وقعت في نوفمبر الماضي، اتفاقًا مبدئيًا لاستيراد الغاز من إسرائيل .
غير أنه ليس من المتوقع عودة المياه لمجاريها بين مصر وتركيا بهذه السهولة ، خاصة في ظل الموقف الاستراتيجي لدى الطرفين ، والمغايرة الكاملة في وجهات النظر لدى القيادة السياسية للبلدين ، فحجم القطيعة ، ورصيد العداء ربما يكون أكبر من الضغوط الخارجية ، ورغم برجماتية النظامين واستعدادهما التام للتماهي مع المواقف المغايرة ، إلا إن الشروط التي وضعها أردوجان لعودة العلاقات مع مصر، والتي يأتي على رأسها الإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين وفي مقدمتهم الرئيس محمد مرسي ، ربما تكون أحد أهم أسباب استمرار القطيعة ، فلا النظام المصري ولا الإخوان المسلمون يريدون التحاور بجدية بعد الأحداث الجسام التي وقعت في مصر منذ يوليو 2013 ، كما أنه ثمة بعد يخفى على كثير من المتفائلين بقرب عودة العلاقات بين تركيا ومصر ، وهو الدور الإماراتي الرافض بشدة لهذا التقارب ، للإمارات دور مؤثر وكبير على المشهد السياسي في مصر ، يجعل من صوت الإمارات مسموعا وحاسما لدى صانع القرار المصري ، والإمارات في حالة عداء سافر مع تركيا يفوق بمراحل العداء المصري أو حتى الإيراني لتركيا ، ولا تقبل في هذه المرحلة بوجود أي نوع من التقارب بين مصر وتركيا . فهل ستنجح السعودية في حل أكبر مشكلات المنطقة وتتغلب على معوقات التقارب بين مصر وتركيا ؟ أم أن الأدوار الأخرى ورصيد الكراهية ستنتصر في النهاية؟
لأسباب تاريخية واجتماعية وسياسية وجغرافية ، تعتبر تركيا ومصر أكبر دولتين مسلمتين في المنطقة الإقليمية ، وفي نفس الوقت كلاهما يعتبر نفسه القوة الأكبر ، والطرف الأحق بقيادة العالم الإسلامي السنّي ، ولعل هذه النظرة التاريخية تمثل مدخلا لفهم كثيرا من التوترات المستمرة حتى اليوم ، والتي لم تكن وليدة الإطاحة بأول رئيس منتخب ديمقراطيا في مصر .
فتاريخيا ظلت العلاقة التركية المصرية تعاني من كثير من الأزمات والمطبات،فالدولة العثمانية لم تهنأ كثيرا بمصر منذ فتحها سنة 923 ه،حيث عاني العثمانيون من كون "مصر" حاضرة العالم الإسلامي لفترة طويلة،وعاصمة الأيوبيين والمماليك من قبل،ومركز الثقل الديني والسياسي في حقبة الحروب الصليبية،وحقيقة مصر لم تكن تابعة للدولة العثمانية بالمعنى الكامل،حيث كانت تدار بنظام الحكم الذاتي أو الأيلة في النظام العثماني،كما أنَّ مصر هدَّدت دولة "الخلافة" تهديدًا وجوديًّا، في ثلاثينيات القرن التاسع عشر وصل إبراهيم باشا نجل محمد علي إلى مدينة كوتاهيه على بعد 200 ميل فقط من العاصمة العثمانية إسطنبول!
استولى محمد علي على سوريا وفلسطين، ولم ينقذ الدولة العثمانية سوى تدخل بريطانيا وفرنسا لتقليص نُفوذ محمد علي.
بعد هذه الـ “هبَّة” التي قادها محمد علي سيطرت بريطانيا على مصر .
هذا التباين المصري التركي استمر حتى بعد سقوط الدولة العثمانية . فمع بداية عهد أتاتورك وقعت خلافات كبيرة بين البلدين، خصوصًا بعد تحرُّك بعض الضباط في الجيش المصري ، وقيامهم بثورة يوليو 1952 ، فقد اتجهت مصر بعدها ناحية الاتحاد السوفيتي ، بينما كانت تركيا قد توجَّهت بكل مقدَّراتها نحو أوروبا وأمريكا.
ساد جوّ من الغضب بين البلدين بسبب العلاقات القوية التي ربطت تركيا بإسرائيل بينما غضبت تركيا كثيرًا بسبب عدم دعم مصر لها في قضيَّتها مع قُبرص.
اتَّجَهَت العلاقات نحو المزيد من التعاون الاقتصادي في عهد الرئيس المخلوع الأسبق محمد حسني مبارك، في الفترة التي هيمن فيها العسكر على الحياة السياسية في تركيا ، ثم أخذت في التراجع بعد وصول حزب العدالة والتنمية للحكم سنة 2002 ، بينما اتسعت العلاقات بين البلدين بعد ثورة يناير2011.
تركيا رأت في ثورات الربيع العربي فرصة سانحة لتأسيس محور عربي تركي سنّي قوي قادر على مواجهة النفوذ الإيراني المتصاعد بكل قوة في المنطقة والتي تترجم في الهيمنة على 4 عواصم عربية في الجهات الأصلية الأربعة ، مما يعني تطويقا إستراتيجيا بالغ الخطورة ، وكان صعود الإخوان المسلمين في كلٍّ من مصر وتونس وليبيا مؤشرًا لصعود نجم أردوجان ذي الميول الإسلامية ، المحافظ التقليدي الذي استطاع أن يقود ثورة اقتصادية عارمة في تركيا ، لذلك كان من الطبيعي أن يحدث تقارب بين تركيا ودول الربيع العربي بقيادتها الجديدة المعجبة في الأساس بالتجربة الأردوجانية التركية .
وكانت مصر على رأس الدول التي حرصت تركيا على التقارب معها في مرحلة الربيع العربي.
ففي سبتمبر 2012، أعلنت تركيا عن تخصيص دعم مالي كبير جدًا، بقيمة ملياري دولار للاقتصاد المصري لتعزيز الاحتياطي المصري من النقد الأجنبي،كما وقَّع الجانبان على ما يقارب 40 اتفاقية في مجالات التجارة والعلوم والطاقة والدفاع والسياحة والبنوك وغيرها،ووصل حجم التَّبادُل التجاري بين البلدين عام 2012 إلى 5 مليارات دولار، أكثر من 90% منها صادرات تُركية لمصر.
كما بلغ حجم الاستثمار التركي في مصر 1.5 مليار دولار تركَّزت في قطاعات الغزل والنسيج وقطع غيار السيارات.
كذلك فقد وُقِّعت اتفاقية تجارة حرة بين البلدين،وفي مصر ما يقارب 230 مصنعًا تركيًّا يعمل فيها ما يقارب 51 ألف عامل مصري ،وخلال 2012 كانت مصر تقع في المرتبة الثالثة من الدول العربية المصدِّرة لتركيا، والرابعة عربيًّا في الاستيراد منها.كذلك تُعدُّ مصر كذلك أكبر مستورد أفريقي من تركيا بنسبة 26,7% من الصَّادرات التركية إلى أفريقيا.
كل خطوات التقارب التركية مع مصر استحالت كابوسا بعد 3 يوليو، فعلى الرغم من علم المخابرات التركية بالاستعدادات المسبقة للإطاحة بحكم محمد مرسي،إلا إن رد الفعل التركي على ذلك كان شديدا وربما مبالغا فيه.
فأردوجان لم يترك أي مناسبة رسمية أو غير رسمية ، داخلية أو خارجية ، محلية أو إقليمية أو دولية إلا وأعلن عدائه الصريح والواضح لمخرجات 3 يوليو، ورفضه القاطع للاعتراف بأي شرعية غير شرعية الرئيس المنتخب محمد مرسي،أردوجان الذي لم يترك فرصة إلا ورفع فيها شعار رابعة في إشارة إلى تنديده بمجزرة اعتصام رابعة العدوية؛ كان قد طالب مجلس الأمن، في أغسطس 2013، بفرض العقوبات على نظام السيسي.
في المقابل كان رد فعل نظام السيسي أشد ضراوة ، بدايةً من إعلانها أن السفير التركي غير مرغوب به في البلاد مع تخفيضها التمثيل الدبلوماسي إلى مستوى القائم بالأعمال، مرورًا بتحالفها الصريح مع الإمارات وإسرائيل ضد ترشح تركيا لمقعد في مجلس الأمن عام 2014، مرورا بإلغاء اتفاقية الرورو في أبريل الماضي والذي كان إلغاؤها ضررا بالغا على الجانبين المصري والتركي على حد السواء ، والأخطر من ذلك كله الدخول المصري في المحور المعادي لتركيا في حوض البحر المتوسط ،وهو المحور الذي يضم إسرائيل واليونان وقبرص اليونانية ، والذي يحاول الهيمنة على ثروات الحوض الشرقي في البحر المتوسط والذي يضم ثروات ضخمة من البترول والغاز الطبيعي ، مما حدا بالجيش التركي للتلويح ، فقد صرح قائد القوات البحرية التركية، الأميرال بولينت بستان أوغلو, على هامش التدريبات البحرية التركية "الحوت الأزرق"، أنهم سيطبّقون قواعد الاشتباك الكامل إذا وجدت السفن التركية سفناً حربية في منطقة شرق المتوسط الغنية بالبترول .
بالجملة العلاقات التركية والمصرية وصلت لمستوى من الانسداد والتوتر جعل فيها كل طرف يحضر بقوة في ملفات الطرف الآخر للمضايقة والمكايدة السياسية ، فكما يجتهد أردوجان في كل موطن من أجل نزع شرعية السيسي ، وعدم الاعتراف به ، واستضافة المعارضين السياسيين له ، وحشد المؤتمرات من أجل كشف جرائم نظام السيسي.
أيضا يجتهد السيسي في التدخل في كل الملفات التي تكون فيها تركيا حاضرة ، فمصر تعمل ضد تركيا في سوريا وليبيا ، والتقارب مع إيران والعراق واليونان وقبرص ، وكلهم منافسون تقليديون لتركيا في المنطقة .
غير أن كل هذه التوترات والتقاطعات في ملفات المنطقة كلها تقريبا لم تمنع من ظهور بوادر للتقارب بين تركيا ومصر ، ولعل أبرزها تصريحات وزير الخارجية المصري سامح شكري لإحدى الفضائيات عن أمل مصر بعودة علاقاتها مع تركيا إلى سابق عهدها. فقد أجاب على سؤال وجهه له عن سبب تأييد مصر لروسيا في صدامها مع تركيا على إثر إسقاط الأخيرة طائرة حربية روسية تقول إنها اخترقت حدودها.، بقوله:"لا أبدًا، لم نُؤيد أحدًا على أحد". كما أفاض في الحديث في هذا اللقاء عن أهمية عودة العلاقات التركية المصرية .فما السر وراء هذا التصريح المثير لمسئول مصري كبير بعد قرابة الثلاث سنوات من القطيعة والعداء السافر بين البلدين؟!
كثير من المراقبين أرجع إشارات التقارب تلك ، للجهود السعودية الرامية لرأب الصدع بين البلدين الكبيرين ، وذلك منذ وصول الملك سلمان للحكم في يناير 2015 ، والذي أخذ أشكال متعددة منها الاشتراك في عملية عاصفة الحزم في اليمن ، وآخرها تشكيل حلف عسكري يضم دول المنطقة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية ، وهو التحالف الذي ضم تركيا ومصر في عمل مشترك لأول مرة من يونيه 2013 ، فيما يعتبر تحولا في الموقف المصري تجاه الملف السوري والذي ظل متناغما مع الموقف الإيراني والروسي لفترة طويلة .
ورغم نفي وزير الخارجية المصري، خلال لقائه التلفزيوني المشار إليه سلفا ، وجود أي دور سعودي للتقريب بين مصر وتركيا، إلا أنّ ضابط المخابرات السعودية السابق ورئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية بجدة، أنور عشقي، أكّد على ما أشارت إليه وسائل الإعلام المصرية والتركية ،عن وجود ضغوط سعودية على مصر من أجل التقارب مع تركيا ، ولعل حزمة المساعدات السخية التي أعلنتها السعودية لمصر على خليفة الاشتراك في التحالف الإسلامي تمثل أداة ضغط مقنعة للتقارب مع الجانب التركي .
أيضا يرى بعض المراقبين أن تطبيع العلاقات بين تركيا وإسرائيل له دور وأثر في إشارات التقارب بين مصر وتركيا . فقبل أيّام قليلة، وقعت كل من تركيا وإسرائيل وثيقة تفاهم مُشتركة ،إلا أنّ أهمّ ما قد يُسفر عنه الاتفاق هو التعاون المتبادل بين البلدين في مجال الغاز الطبيعي، الذي تحتاجه تُركيا بشدة بعد توتر العلاقات بينها وبين روسيا التي كانت المورد الأوّل لها. يُمكن رؤية عودة المياه إلى مجاريها بين تركيا وإسرائيل في إطار سعي الأولى لسد الطريق أمام توسيع روسيا لنفوذها في المنطقة، بخاصة وأنّ مستوى ما من التنسيق العسكري يجمع كلًا من روسيا وإسرائيل، مُنذ بدء العملية العسكرية الروسية في سوريا.فلا يستبعد أن يكون هناك إشارات التقارب بين مصر وتركيا بوحي أو نصيحة من إسرائيل لكلا النظامين المصري والتركي،خاصة وأن إسرائيل في هذه المرحلة تحتاج إلى تركيا أكثر ، من أجل نقل الغاز الذي استولت عليه إسرائيل من الحقول المصرية في البحر المتوسط ، إلى المستهلك الأوروبي عبر الأراضي التركية.
وجدير بالذكر،أنه في الوقت الذي تتعاون فيه تركيا مع إسرائيل في مجال الغاز؛ تدخل العلاقات المصرية-الإسرائيلية في هذا المجال، نفقًا مُظلمًا بعد قرار التحكيم الدولي تغريم مصر 1.8 مليار دولار لصالح إسرائيل، ما دفع مصر إلى تجميد كافة مفاوضات الغاز مع الجانب الإسرائيلي، بعد أن وقعت في نوفمبر الماضي، اتفاقًا مبدئيًا لاستيراد الغاز من إسرائيل .
غير أنه ليس من المتوقع عودة المياه لمجاريها بين مصر وتركيا بهذه السهولة ، خاصة في ظل الموقف الاستراتيجي لدى الطرفين ، والمغايرة الكاملة في وجهات النظر لدى القيادة السياسية للبلدين ، فحجم القطيعة ، ورصيد العداء ربما يكون أكبر من الضغوط الخارجية ، ورغم برجماتية النظامين واستعدادهما التام للتماهي مع المواقف المغايرة ، إلا إن الشروط التي وضعها أردوجان لعودة العلاقات مع مصر، والتي يأتي على رأسها الإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين وفي مقدمتهم الرئيس محمد مرسي ، ربما تكون أحد أهم أسباب استمرار القطيعة ، فلا النظام المصري ولا الإخوان المسلمون يريدون التحاور بجدية بعد الأحداث الجسام التي وقعت في مصر منذ يوليو 2013 ، كما أنه ثمة بعد يخفى على كثير من المتفائلين بقرب عودة العلاقات بين تركيا ومصر ، وهو الدور الإماراتي الرافض بشدة لهذا التقارب ، للإمارات دور مؤثر وكبير على المشهد السياسي في مصر ، يجعل من صوت الإمارات مسموعا وحاسما لدى صانع القرار المصري ، والإمارات في حالة عداء سافر مع تركيا يفوق بمراحل العداء المصري أو حتى الإيراني لتركيا ، ولا تقبل في هذه المرحلة بوجود أي نوع من التقارب بين مصر وتركيا . فهل ستنجح السعودية في حل أكبر مشكلات المنطقة وتتغلب على معوقات التقارب بين مصر وتركيا ؟ أم أن الأدوار الأخرى ورصيد الكراهية ستنتصر في النهاية؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق