الأربعاء، 30 ديسمبر 2015

تأثر الفكر الأوروبي باليهودية والعداء الثابت للآخر (المسلم)

تأثر الفكر الأوروبي باليهودية والعداء الثابت للآخر

(المسلم)

أ. د. عبدالحليم عويس 

لقد ظل الفكر الأوروبي يمشي بعيدًا عن الرؤية المنصفة المرنة المتفتحة على الإنسان الآخر، إلى أن أصبحت (صورة الآخر) صورة نمطية يتعامل الغرب بها - بوحشية - مع كل من يختلفون معه سياسيًّا أو فكريًّا أو دينيًّا؛ وكل هذا بسبب خضوعه لمصادر الفكر اليهودي والصِّهيوني، وقد ورثت هذا التنميطَ قوافلُ المستشرقين، وكان عليها تطوير صورة العدو، من خلال الفهم العميق لشخصه والعمل على تحقيق الأهداف المسبقة، ومع ظهور القرن التاسع عشر الميلادي أصبح الشعور بالتفوق الأوروبي مهيمنًا، بما يتسم به من الواقعية المصلحية (البراغماتية) و(الإمبريالية)، والازدراء التام لكل الحضارات الأخرى؛ فقد ذهبت أوروبا إلى أن كل مقاومة لهيمنتها تمثِّل مؤامرة شريرة مستوحاة من روح حاقدة[1]؛ فالمستشرقون، ورجال السياسية، ورجال الإعلام والاستخبارات يعملون جميعًا لأهداف مشتركة، هي تثبيت صورة الآخر العدو.

ويساعدهم في تحقيق أهدافهم المتحمسون الدينيون، الذين يسخِّرون الموروث الديني والتاريخي لتثبيت صورة الآخر العدو؛ ولهذا يرى "إدوارد مورتيمر" أن الميراثَ المسيحي "يظل عنصرًا رئيسًا في الهُوية الأوروبية، بمعنى أن تعريف الآخر (العدو أو الصديق) لا يزال أسيرًا لعبارات دينية، حتى لو جرى التعبير عنها باللغة العَلمانية التي تستخدم مصطلحَي (ديمقراطية) و(طغيان)...؛ فالصورة المطورة والجاهزة تختلف أشكالُ التعبير عنها، لكنها واحدة، بل الثبات في الكتب والمناهج المدرسية في البلاد الأوروبية والأمريكية، وهي صورة مزمنة للمستشرقين، الدور العِلمي الأساسي في إبرازها، وهي - كما نرى - صورة تقوم على ضمنية المجابهة العدائية التاريخية، وعلى ثنائية التعارض بين ثقافتين"[2]، وجدير بالذكر أن الاستشراقَ هو - باختصار - المعرفة التي أنتجها الغرب عن "الشرق"؛ عن شعوبه وثقافاته، أو بعبارة أخرى هو "الشرق" كما يراه الأوروبيون، أو كما هو متجسِّد في الخيال الغربي، ويمكننا أيضًا القول: إن الاستشراق هو الشرق كما ينبغي له أن يكون في نظر أوروبا كعدو ثابت، وليس كما هو كائن بالفعل وفي الواقع[3].

فالشرق في إطار هذه الصورة (الاستشراقية) استبدادي، لا يعرف ولم يعرف الديمقراطيةَ أو الشورى، لم يعرف كيف يحكم نفسه بنفسه، كما أنه يعاني من الدونية في مواجهة التفوق الغربي، ومتخلفٌ في كل شيء عن الغرب.

وهذه النظرة الأوروبية الاستعمارية التي ترتكز على القوة والمعرفة - تستهدف تسويغ السيطرة على الشرق، وتبرير المؤسسة الاستعمارية وممارستها في الواقع - كما قدمها الساسة والمستشرقون والاستخباريون - وهي مقدمة للسيطرة عليهم، وفرض الاحتلال والاستعمار؛ ففي خطاب آرثر جيمس بلفور في 13 يونيو عام 1910، برَّر احتلال إنجلترا لمصر بمعرفة الإنجليز بمصر وأحوالها وتاريخها وحضارتها؛ ذلك أن المعرفة في إطار نظرة بلفور هي عبء الانتقال من المحلِّي إلى العالمي، والخروج من الأول إلى أفق السيطرة الكونية؛ ولهذا فهم يريدون تحت مظلة حقوق الملكية الفكرية حرمانَ العالم من المعرفة، وهذا النمط من العلاقة لا يقتصر فقط على بلفور، وإنما يمتد ليشمل رجالَ الإدارة الاستعمارية، فنظرتهم تتأسَّس على الاستعلاء والتفوق، وتغلف بمسوح: رسالة كونية، (عولمية)، مهمة الرجل الأبيض في العالم غير الأوروبي...[4].

وتضاف أسطورة "التهويد الخارجي" إلى مجموعة العوامل المحركة لتثبيت هذه الصورة للآخر (العدو)، وبالتالي فلم تعد المناهج العلمية الأساسية لمعرفة "الآخر" كما كانت في المجتمعات التقليدية، لقد تعددت وسائط هذه المعرفة، كما اتسعت سوقُ بيع الصور والأحكام المسبقة، ومن أكثر هذه الصور مقاومة ورواجًا - كما ألمحنا - صورة التهويد[5]...، حتى ولو كان التهديد المزعوم منسوبًا إلى "الآخر" الذي هو أضعف مائة مرة من "الأنا" الأوروبي والأمريكي!

ومع أن فرنسا قد احتلت بلادًا عربية كثيرة، ومع أن ثورتها التحريرية قامت على شعارات (المساواة والحرية)، ومع أنها تركت في الجزائر خلال ثماني سنوات - هي سنوات الثورة - مليونًا ونصف مليون شهيد وقتيل؛ إلا أن (العربي) لديها - كذلك - هو العدو الآخر الثابت!

ولقد وجد الفرنسيون - كما يقول شارفان أستاذ القانون الفرنسي - في العربي "العدو الأمثل"، بعد أن أحدث غياب الشيوعية خطرًا على الإجماع الذي كان قائمًا إزاءها، ومما هيأ العربي للعداوة أنه ذو سمات بارزة علنية، وأيسر تميزًا من غيره، وهو - أيضًا - يجمع بين مواصفات كبش الفداء... إنه يلبي حاجة الفرنسيين إلى العثور على الذات، وإلى فهم مساوئ الأزمة دون عناء، وهناك أزمة مجتمع في فرنسا تحتاج إلى تحميل المهاجر العربي بعض أسبابها.

وما يقوله (شارفان) - أستاذ القانون الفرنسي - ينطبق - بدرجات متفاوتة - على كثيرٍ من الدول الأوروبية والدائرة في فَلَكها..؛ فالآخر "العدو" (العربي) مطلوب لأغراض محلية، وسياسية، واقتصادية، ودينية أيضًا.

وهكذا تقف أوروبا منطوية على نفسها، متدثرة (بالأنا)، ومتأثرة - بالدرجة نفسها - (بالآخر العدو) الذي يمنحها (وجوده الأسطوري) حركةً دائمة، وسعيًا للتفوق والهيمنة، واستغلالاً يعتمد على (شرعية أوروبية عنصرية) لشعوب العالم، ومن وراء أوروبا تراث أمريكا، هذه (الأيديولوجية الأسطورية) التي لم تمر بتجارِبها التاريخية، لكنها - كعنصر في البيت الحضاري الأوروبي - تؤمن بأن القيادة قد آلَتْ إليها، وعليها - بدون تفكير متعقل، بل وبضغط من قوى الصِّهْيونية أن تعملَ على إثبات وتأكيد أيديولوجية (الأنا) الرافض (للآخر العدو)، والمتربص دائمًا، والعامل على إزالته بأعنف ما عرف تاريخ الحضارات من عنفٍ ودموية، وخروج على أبسط قواعد الأديان والقوانين والأخلاق.

والسؤال أخيرًا:
ترى أيهما - الإسلام أم الحضارة الأوروبية - أهدى سبيلاً؟!
أيهما يدعو للحوار والعدل والتسامح والرحمة؟

وأيهما يجعل للحروب ومنطق القوة حدودًا إنسانية وقواعد أخلاقية؟

وأيهما يسعى للإبادة، وفرض الهيمنة، وتثبيت العداء وتقنينه وجعله دينًا، بل وجعله القاعدة لا الشذوذ؟

 والإجابات وردت في ثنايا البحث، والمسلمون والأوروبيون يعرفونها، لكن الخضوع الأوروبي الأمريكي لمصادر الفكر اليهودي، ولمنطقِ المادة والمصلحة الدنيوية - يقف وراء هذا الظلم الثابت الذي لا نملك معه إلا أن نقول:
◄ ﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ [الفجر: 14].
◄ ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 132].
◄ ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ﴾ [إبراهيم: 42].
◄ ﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [القصص: 83].

[1] مجموعة أبحاث صورة الآخر العربي ناظرًا ومنظورًا إليه - مركز دراسات الوحدة العربية ص 61، مقال: (فيلهو هارلي) نشر بيروت.
[2] صورة الآخر العربي (مرجع سابق) ص 30 - 31.
[3] مجلة العربي، العدد 529، 1423 هـ، مقال: (الاستعمارية كيف رأت الآخر؟)؛ للدكتور عبدالعليم محمد، ص27.
[4] مجلة العربي: (مرجع سابق) ص27.
[5] مجلة العربي: (مرجع سابق) ص28






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق